الثلاثاء 14 مايو 2024

التاريخ يعيد نفسه مع "فاجنر"

مقالات25-6-2023 | 12:22

حبس العالم أنفاسه خلال 24 ساعة مرت بها روسيا بعد أن تلاعب الغرور بقائد قوات فاجنر ذات التسليح والتمويل الروسي فظن أنه قادر على المضي قدما نحو السلطة وفرض الأمر الواقع على الرئيس الروسي الذي مارس حنكة سياسية بالغة في التعامل مع التمرد العسكري لفاجنر حيث لاحظ الجميع أنه تعامل مع التمرد كنوع من الطيش ويجب ألا يتجاوز ذلك الحدود وأن نهاية هذا التمرد حتمية إما بالحوار وإما بالتصفية فليس هناك عاقل على وجه الأرض يظن أن 5 آلاف مقاتل قادرون على كسر الجيش الروسي الذي يصمد أمام تحالف عسكري مكون من أكثر من 40 دولة بقيادة الولايات المتحدة التي عجز مخططوها واستراتيجيوها على فتح ولو ثغرة بسيطة تحفظ ماء وجههم وتبرر الإغداق على أوكرانيا بأكثر من 200 مليار دولار اسلحة وعتادا ناهيك عن الدعم الاستخبارات والسياسي والعسكري اللحظي لينتهي التمرد بنفى قائد فاجنر وانسحاب قواته إلى معسكراتها وإسقاط الملاحقة القضائية للعناصر التي شاركت في التمرد العسكري.

 وبالطبع لأن الفائز الوحيد من تلك الأحداث كان الغرب الذي ابتهج وأعلن الاستنفار استعدادا لانهيار روسيا الشيك وهروب بوتين وتفكك الجيش وما إلى ذلك من الأماني وطالعتنا وسائل الإعلام العالمية بالعديد من مواقف جسدت اللهفة الغربية للسقوط المتوهم فالرئيس الأمريكي يعلن بحثه هاتفيا الوضع في روسيا مع نظيره الفرنسي والمستشار الألماني ورئيس الوزراء البريطاني وألغت رئيس هيئة الأركان الأمريكية زيارة لإسرائيل للبقاء بواشنطن ومتابعة الوضع في روسيا وأعلن وزير الدفاع أوستن أنه يواصل مراقبة الوضع الحالي في روسيا عن كثب وطلبه إبقاؤه على اطلاع بأي تطورات مهمة.

كان الغرب الحائر مترقبا لهزيمة داخلية تساعده في إقالة عثرته وعصابة زيلينسكي وهجومهم المضاد الفاشل كانوا يترقبون تكرارا لسيناريو 1917 فعشية هجوم ربيع عام 1917 ، حدث انقلاب عسكري في روسيا ، أطلق عليه في ما بعد "ثورة فبراير" واعتقد منظمو الانقلاب أنهم سيكونون أفضل من السلطات الشرعية في إدارة الجيش والاقتصاد وإدارة الدولة بشكل عام لتنغمس روسيا في فوضى الثورة والحرب الأهلية التي أنشئت على إثرها  أوكرانيا "المستقلة".

الشيء المدهش والذي ألجم فاجنر وطموح قائدها غير المبرر أنه ظن بمجرد اختراقه إحدى المقاطعات سيتنفض الشعب الروسي إلى الشوارع مطالبا برحيل بوتين ليصظدم بالنقيض وهو اصطفاف الروس خلف قيادته وجيشهم لتسقط في سويعات كل الدعايات والأمنيات الغربية وظنونهم بهشاشة الوضع الداخلي في روسيا وأنه لو أتيحت الفرصة للروس سيميلون إلى التغيير.

وهنا تجددت شرعية الرئيس الروسي وبدا مشروعه في إسقاط عالم القطب الأوحد أكثر قوة وتماسكا بل وسمح له هذا التحرك المفاجئ لفاجنر أن يمارس نوعا من الكشف داخل أروقة حكمه لإعادة الفرز والترتيب وبلطبع سينعكس ذلك على مسار الحرب الدائرة التي بالتأكيد سيكون حرص بوتين على تسريع نهايتها أول قراراته إدراكا منه أنه يواجه عدوا خسيسا لا يقوى على القتال إلا عبر خيانة داخلية في أرض عدوه تمهد له طريقا لنصر زائف تعود عليه الغرب في كل حروبه سواء في العراق أو ليبيا أو أفغانستان .

وهكذا انتهي حلم قائد فاجنر الذي تحدث عن رئيس جديد لروسيا إلى رجل يعيش في المنفى على الذكريات أقصي أمانيه أن يؤلف كتابا عن مسيرة حياته ومن ناحية أخرى تعيد روسيا ترتيب البيت للاستمرار في معركتها التي لن يتوقف عدوها فيها عن استخدام الأساليب القذرة والمنحطة في محاولة لتعويض الخسارة الميدانية التي لا تعوض ويكابدونها في أوكرانيا ومحاولة قائد فاجنر المجهضة لن تكون الأخيرة لكسر روسيا رأس حربة تغيير النظام العالمي القائم وأظم أن أياما شديدة القسوة في انتظار الناتو ومرتزقته في الحرب الدائرة وأن التصعيد بات ضرورة بعد أن كان خيارا غير مرغوب فيه.. فلنراقب.

Dr.Radwa
Egypt Air