الجمعة 10 مايو 2024

القيصر والتجربة الانكشارية الجديدة

مقالات26-6-2023 | 17:32

اعتادت الدول العظمى على مر العصور أن تخصص قوات شبه عسكرية من خارج جيشها النظامى لتقوم بالحرب نيابة عنها فيما يخص الحروب الغير نمطية كحروب العصابات والحرب بالوكالة، تكرر هذا النموذج فى اكثر من صورة وبنفس السيناريو.

وتعددت الأسماء لتلك القوات الموازية وتكرر أيضا ً المصير النهائي لتك القوات يخبرنا التاريخ عن القوات الانكشارية التركية تلك قوات النخبة والقوة الضاربة فى الجيش العثمانى والتى كانت سبباً فى الكثير من الانتصارات والنجاحات العسكرية التركية، تأسست قوات الانكشارية في عهد السلطان مراد الأول (1362-1389) وكان للانشكارية تنظيم خاص بهم، بثكناتهم العسكرية وشاراتهم ورتبهم وامتيازاتهم، وكانوا أقوى فرق الجيش العثماني وأكثرها نفوذاً.

كانت الحرب صنعتهم الوحيدة، استطاعت الدولة العثمانية بفضل هذه الفرقة أن تمد رقعتها، وتوسع حدودها بسرعة، ففتحت بلادًا في أوروبا، غير أن هذه الأهمية الكبيرة لفرقة الانكشارية تحولت إلى مركز قوة نغصت حياة الدولة العثمانية، وبدلاً من أن ينصرف زعماء الانكشارية إلى حياة الجندية راحوا يتدخلون في شؤون الدولة، ويزجون بأنفسهم في السياسة العليا للدولة، مما اضطر السلطان محمود الثانى من تشكيل عدة فرق عسكرية من بينها سلاح المدفعية، ودعا السلطان الشعب إلى قتال الانكشارية والقضاء عليهم و أصدر السلطان محمود الثاني قرارًا بإلغاء الفيالق الانكشارية إلغاءً تامًا، وفى مصر تكرر ذلك النموذج والذى تمثل فى المماليك التى تشكلت منها قوى عسكرية كانت مهمتهم الحرب وحققت للدولة المصرية الكثير من الانتصارات فى بلاد الشام بل وكان لهم دوراً بارزاً فى قتال المغول والحروب الصليبية، غير أنها تحولت بعد ذلك إلى قوى طامعة فى سلطة الدولة المصرية بل وتولت بالفعل مقاليد الحكم فيها خروجاً عن الهدف الذى تشكلت من أجله تلك القوى، لتدخل فى صدام واضح مع الدولة ويتم القضاء عليهم بعد عقود طويلة من الانتصارات والصراعات أثناء حكم محمد على باشا فى واقعة شهيرة عرفت تاريخياً بمذبحة القلعة , حيث قضى محمد على باشا على جميع الأمراء والزعماء المماليك، كان هذا نموذجان من الماضى للجماعات التى تشكل خصيصاً لأغراض الحروب فقط من قبل الدول ثم حينما تبلغ من القوة مكاناً تنقلب على الدول ذاتها مما يضطر هذه الدول لتصفيتها والقضاء عليها.

وفى هذة الايام المطالع للمشهد السودانى يدرك أن هذا هو نفس السيناريو المتكرر وإن اختلفت ظروف النشأة ولكن المصير واحد صدام مع الدولة النظامية . أيضاً هناك نموذجان مازالا يقدمان نفس المسار.

النموذج الأمريكي والمتمثل فى  شركة أمنية
(بلاك ووتر) أسست فى عام 1997 من قبل ضابط البحرية الأمريكي السابق إريك دين برنس وفق القوانين الأمريكية التى تسمح بمصانع وشركات عسكرية خاصة، عرفت سابقا باسم بلاك ووتر، ثم أعيدت تسميتها إكس آى للخدمات عام 2009، وتعرف حاليا باسم "أكاديمي" منذ عام 2011 وتمتلك أكبر موقع خاص للرماية فى الولايات المتحدة يمتد على مساحة 24 كيلو مترا فى ولاية كارولاينا الشمالية.
وتعمل الشركة فى جميع أنحاء العالم، وتقدم خدماتها الأمنية من تدريب وعمليات خاصة إلى الحكومة الأمريكية والأفراد على أساس تعاقدى، حيث قدمت خدماتها إلى وكالة الاستخبارات المركزية منذ عام 2003، كما تلقت الشركة عام 2013 عقدا لحراسة أمن وزارة الخارجية الأمريكية.
تملك الشركة قاعدة بيانات لنحو 21 ألف جندى سابق من القوات الخاصة تستطيع الاعتماد على خدماتهم، ولديها تجهيزات تسليح متطورة لا تقل عما تمتلكه الجيوش النظامية.
خرجت هى الأخرى عن السيطرة وأصبحت بلاك ووتر سيئة السمعة بعد عدد من الحوادث البارزة، بما فى ذلك مقتل 14 مدنيًا عراقيًا برصاص مقاوليها فى بغداد عام 2007، مما أدى إلى غضب العراقيين وتوتر العلاقات بين العراق والولايات المتحدة. وفى عام 2014 تم محاكمة أربعة من عناصر بلاك ووتر فى المحكمة الاتحادية الأمريكية، وأدين واحد من الموظفين بتهمة القتل المتعمد، وأدين الثلاثة الآخرون بتهمة القتل غير المتعمد باستخدام أسلحة نارية.
والنوذج الآخر هو النموذج الروسي جماعة فاجنر الروسية، وتأسست جماعة فاجنر على يد يفجينى بريجوزين، الملقب بـ "طباخ بوتين" بسبب امتلاكه لشركة تموين لديها تعاقدات مع الحكومة الروسية، فاجنر ظهرت لأول مرة عام 2014، خلال ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، واكتسبت المنظمة اسمها من لقب زعيمها ديمترى يوتكين، الضابط العسكرى الروسى المتقاعد وهو أحد المقربين من الرئيس الروسى فلاديمير بوتن، قوات فاجنر منتشرة نيابة عن الكرملين فى مناطق متفرقة حول العالم. برز اسمها بقوة فى الفترة الأخيرة بسبب دورها القوى فى معارك دونيتسك، والذى ساعد القوات الروسية على تحقيق مكاسب.لتخرج علينا الأخبار بخروجها عن السيطرة ومحاولة النيل من السيادة الروسية إلى الحد الذى وصفها الرئيس الروسي بأنها خيانة وطعنة فى الظهر للدولة الروسية.

مهما كانت نتائج احتواء الدولة الروسية لأزمة جماعة فاجنر فإن رصيد الثقة فى تلك الجماعة قد تأثر بشدة لدى القيصر الروسي و سوف تظل درساً معاصراً جديداً لكل الدول التى تستخدم ذلك النوع من القوات شبه العسكرية . وسيظل السؤال يطرح نفسه: متى يكشر القيصر عن أنيابة لمواجهة الانكشاريون الجدد فى روسيا؟
خلاصة القول.

أن الجماعات المسلحة التى تنشأ موازية للسلطات الشرعية بهدف تحقيق أهداف عسكرية غير نمطية غالباً ما تفقد الدول السيطرة عليها إلى حد الانقلاب عليها بل وتهديدها فى العمق الأمر الذى يهدد كيان الدول وبقاؤها، الأمر الذى سيطرح معه سيناريوهات البقاء فى منطقتنا العربية.

وتغيير خريطة العمل السياسي على الأرض لدول تمتلك أزرع عسكرية فى دول أخرى مثل (اليمن – لبنان- ليبيا – السودان ..) فمتى تدرك تلك الدول مغبة العبث بالنار التى هى من صناعتها.

Dr.Radwa
Egypt Air