الثلاثاء 7 مايو 2024

الطريق إلى 30 يونيو (2).. يوم أنقذ السيسي مصر من براثن الجماعة الإرهابية


د. شريف درويش اللبان

مقالات27-6-2023 | 04:52

د. شريف درويش اللبان

تدهورت علاقة الإخوان بعد وصولهم للحكم بغيرهم من الفاعلين الإسلاميين في ذلك الوقت مثل السلفيين والأزهر. فبالرغم من دعم التيار السلفي للإخوان، فإن عديدًا من المواقف أدت لتوتر العلاقة بينهما، أهمها إعادة العلاقات المصرية الإيرانية، وهو ما رفضه التيار السلفي بسبب خلافاته العقائدية مع الشيعة، وقد تصاعد التوتر مع وصول أول وفد سياحي إيراني إلى الأقصر وأسوان، كذلك تصريحات بعض قيادات الجماعة، ومنهم محمد مرسي، قبل توليه المنصب، والتي عبر فيها عن قلقه من التيار السلفي في مصر باعتباره من التيارات المتشددة فكريًا، هذا فضلًا عن تأكيد رموز الجماعة المتواصل على أن السلفيين لا يفقهون في السياسة، بالإضافة إلى ما اعتبره التيار السلفي وحزب النور تراجعًا من قِبَل جماعة الإخوان عن وعودها للتيار السلفي؛ حيث لم يتم تمثيل التيار بصورة قوية لا في الحكومة ولا في تشكيل المحافظين.

واستمر تدهور العلاقة بين الإخوان والتيار السلفي مع ظهور ما يسمى بـ "أخونة الدولة"، والمتمثل في قيام النظام باستبدال عدد كبير من كوادر الدولة بأخرى إخوانية. وبالرغم من عدم ممارسة الأزهر للسياسة، وعدم اعتباره جزءًا من تيار الإسلام السياسي، فقد ظهرت عديدٌ من الرؤى القائلة بسعي الإخوان للإطاحة بالدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر من منصبة بسبب توجهاته غير المتوافقة مع فكر الجماعة، بل وتمت أكثر من محاولة لاقتحام مشيخة الأزهر، كما ربط البعض بين تكرار واقعة تسمم طلبة جامعة الأزهر وبين محاولات الإطاحة بشيخ الأزهر.

من ناحية أخرى، رافق الصعود السياسي للإخوان تغيرًا في بعض مواقفهم والتزاماتهم؛ فقد تغير موقفهم السياسي فيما يتعلق بالعلاقة مع إسرائيل؛ ففي حين نددت الجماعة قبل الثورة باتفاقات كامب ديفيد ومعاهدة السلام مع إسرائيل، إلا أنه في 17 أكتوبر 2012، نشرت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" خطابًا وجهه "مرسي" إلى الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز، أكد فيه مرسي على تمسكه بالاتفاقات الدولية، ووعد بتوسيع نطاق المعاهدات التي تتضمن إسرائيل ، لكن ما أثار الجدل وقتها، هو عبارة "عزيزي وصديقي العظيم" التي ذُكرت بمستهل خطابه، وهو ما يخرج عن نطاق الدبلوماسية إلى نطاق العلاقات "الحميمة".

تدهور الأوضاع في عهد مرسي

وفي سياق متصل، تخلى الرئيس الإخواني محمد مرسي عن وعوده المتعلقة بتعاون الحكومة مع الفصائل السياسية الأخرى وتعيين نواب ومساعدين له من الأقباط والمرأة، بل إنه في المقابل استعان بالمقربين له في الجماعة من "أهله" و"عشيرته". وقد أدت هذه الممارسات إلى شعور الناس بأن الرئيس مرسي يُؤسس لديكتاتورية جديدة. وزادت الشكوى من أنه لن يكون رئيسًا لكل المصريين، بل رئيسٌ لجماعته فقط.

وزادت الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية تدهورًا في عهد مرسي. ففي عهد الرئيس مبارك عمل التنظيم على توفير الخدمات للمناطق الفقيرة، مما أكسبه تعاطف الناس لأنه يلبي احتياجاتهم. ولكن بعد توليهم الحكم تبين للإخوان أن الأمر يختلف عند توفير خدمات لبلد بها ما يقرب من (90) مليون مواطن وقتئذٍ. كما زادت أسعار السلع الرئيسة، وفشلت الحكومة في توفير الخدمات الأساسية، وزادت البطالة، وانتشرت الاضطرابات والمظاهرات في كل مكان وتم قمعها بالقوة، كما تدهورت السياحة، وبالتالي أثبت النظام عدم قدرته على إدارة الدولة، وإدراك الشعب عدم قدرة الإخوان على تحقيق آمالهم، وأنهم انقضوا على الثورة، ويسعون فقط لتحقيق مصالح الجماعة، وأنهم ليسوا بأفضل من نظام مبارك، ويريدون أخونة الدولة.

وقد أدت كل هذه التوترات والممارسات السلبية لمرسي والجماعة إلى تجمهر الشعب ضدهم في ثورة عارمة في 30يونيو 2013، للمطالبة بإسقاط الجماعة ورئيسها. وفي الثالث من يوليو 2013، انحازت القوات المسلحة المصرية وقيادتها المتمثلة في الفريق عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة إلى ثورة الشعب المصري،لكي ينصاع الرئيس الإخواني محمد مرسي لثورة الشعب وقواته المسلحة، وهو ما أدى إلى تجنيب مصر ويلات حرب أهلية ما كانت لتنهي حتى وقتنا هذا، لو لم يتخذ الشعب وقواته المسلحة هذه الخطوة الشجاعة التي غيرت مسار التاريخ ليس في مصر في وحدها بل في المنطقة العربية وإقليم الشرق الأوسط، إن لم يكن في العالم كله.

سقوط حكم الإخوان في مصر

انتهى العام الأسود من حكم جماعة الإخوان الذي تولى فيه مرسي رئاسة مصر بتجمهر الحشود ضده في 30 يونيو 2013 في ثورة لم تشهد مصر لها مثيلًا في التاريخ الحديث والمعاصر، وذلك في ميدان التحرير وغيره من الميادين مطالبين بتنحي الرئيس وإسقاط حكم مرشد الجماعة وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة .

وسبق هذه المظاهرات بشهرين قيام أكثر من 22 مليون مصري بالتوقيع على استمارات "تمرد" ، والتي تطالب بسحب الثقة من الرئيس الإخواني، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، لكن مرسي لم يستجب لذلك. وفي المقابل أطلق "عاصم عبد الماجد" القيادي بالجماعة الإسلامية حملة "تجرد" ، والتي سعت لتجميع التوقعات المؤيدة لاستكمال الرئيس مرسي لفترته الرئاسية.

وتدخل المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وأعلن إعطاء مهلة ثماني وأربعين ساعة للوصول لحل بشأن الاحتجاجات، ولكن مرسي رفض التفاوض مع المعارضة، لذا قامت القوات المسلحة المصرية في الثالث من يوليو 2013، باستدعاء شيخ الأزهر وبابا الكنيسة الأرثوذكسية ورموز القوى الوطنية المعارضة لحكم الإخوان وممثل حملة "تمرد"، بل ووجهت الدعوة للدكتور سعد الكتاتني كممثل لجماعة الإخوان، ولكنه رفض المشاركة، لوضع خارطة لمستقبل هذا الوطن في تلك اللحظة الفارقة التي تتهدد فيه كيان الدولة وتماسكها، وتم عزل مرسي استجابة للاحتجاجات الهائلة ضده لينتهي بذلك حكم الإخوان لمصر. ووفقًا للدستور، تم تنصيب رئيس المحكمة الدستورية العليا عدلي منصور رئيسًا لمصر لفترة انتقالية، على أن يتم بعد ذلك إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية جديدة، كما قامت القوات المسلحة بإغلاق الأبواق الإعلامية الإخوانية.

المشهد السياسي بعد سقوط مرسي

ثمة ملامح لثورة 30 يونيو تتمثل في حجمها، حيث خرج المصريون بالملايين للشوارع، فضلًا عن انتشارها، خاصةً أنها وصلت إلى المحافظات المصرية، وبالتالي فقدت القاهرة وميدان التحرير مركزيتيهما برغم قوة الحشد فيهما، هذا الانتشار الأفقي شمل محافظات ومدن الدلتا والصعيد الذي كان محسوبًا على القوى الإسلامية. من ناحية أخرى، انتشرت الموجة الثورية لـ30 يونيو رأسيًا، فهذه المرة كانت عابرة للطبقات والشرائح الاجتماعية، فقد شملت الريف والبرجوازيات الحضرية وأجزاء من أرستقراطيات المدن الكبرى، وهى ظاهرة سسيولوجية لافتة تستدعى قيام علماء الاجتماع بتحليلها. واللافت أيضًا هو مشاركة فئات من غير المسيسين. إن خروج فئات متنوعة إلى الشارع ومساندة القوات المسلحة لها جاء تدليلًا على تعثر حكم الإخوان، وإثارته السخط العام لدى قطاعات عريضة ومتباينة من الشعب المصري.

ولا يغيب عن المشهد الحشد المؤيد لجماعة الإخوان المعتصم منذ أحداث الجمعة 28 يونيو 2013 في ميداني رابعة العدوية في مدينة نصر، والنهضة في الجيزة، غير أن تركيز الإخوان على مركزية الحشد، في مقابل انتشار المعارضين لهم أضعف من تكتيكات الإخوان في إجهاض ثورة 30 يونيو. كما أن تعامل مرسي الذي استخف بالمعارضين واعتبارهم مجرد ثورة مضادة أسهم في فشله وعدم قدرته على إدارة الأزمة، وبدا ذلك في خطابات مرسي التي اكتفى فيها بتوجيه اتهامات، وتفسير التظاهرات على أنها مجرد مؤامرة. في الوقت نفسه، غلب على خطاب جماعة الإخوان حالة الإنكار وربما الصدمة التي سببتها ضخامة الحشود وراديكالية مطالبها.

وأكدت فترة حكم جماعة الإخوان فقر الرؤية العميقة لها للدولة ومحدوديتها، والتي تعني مشروعًا متكاملًا للعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، مما يستلزم إعادة التوازن بين المؤسسات السياسية والسيادية وعلاقتها بالمجتمع والمواطن، بما يجدد كيان الدولة ثم يوجه فلسفتها نحو الوعي بدورها وعمقها الاستراتيجي.

ونستكمل الطريق إلى 30 يونيو الأسبوع القادم بإذن الله.

د. شريف درويش اللبان

Egypt Air