الأربعاء 22 مايو 2024

الحوار الوطني والقضية السكانية


د. مواهب المويلحي

مقالات10-7-2023 | 10:19

د. مواهب المويلحى

● تنشأ المشكلة السكانية نتيجة اختلال التوازن بين معدلات النمو السكانى من جهة وبين الموارد المتاحة والنمو الاقتصادى فى البلاد من جهة أخرى

● انفلات معدل الإنجاب فى مصر يتسبب فى مشاكل معقدة وشائكة فالدولة بمواردها المحدودة لا تستطيع تلبية احتياجات المواطنين بصورة كبيرة كما أنه يعوق مشروعات التنمية ويؤدى إلى مضاعفات خطيرة

 

تمت دعوة عدد من خبراء السكان والمهتمين بالقضيه السكانيه من أطباء وسياسيين واقتصاديين وباحثين وبرلمانيين ومسئولين حكوميين للتحدث فى لجنة السكان بالحوار الوطنى وكان المطلوب من كل متحدث أن يدلى برأيه فى المشكلة السكانية بمصر وكيف نشأت وتعريفها وما هي أسبابها وآثارها السلبية على المجتمع والدولة وتقديم رؤى لحلول ممكنة.

يولد فى مصر أكثر قليلا من 2 مليون طفل سنويا حسب بيانات الجهاز المركزى للتعبئه والإحصاء ويبلغ معدل الإنجاب حسب مسح صحة الأسرة الأخير عام 2021 حوالى 2.9 طفل فى المتوسط لكل سيدة علما بأن معدل الإحلال المتفق عليه عالميا هو 2.1 ( أى 2 مواليد مقابل 2 وفيات وينتج عن ذلك استقرار وثبات عدد السكان). كذلك يرتفع معدل الإعاله حيث تبلغ نسبة الأطفال أقل من 15 عام أكثر قليلا من ثلث السكان بالبلاد وهم فئة غير منتجة وتحتاج لعائل.

 

كيف تنشأ المشكلة السكانية 

الزيادة السكانية هى الفرق بين معدل المواليد ومعدل الوفيات فى نفس السنة. وتنشأ المشكلة السكانية نتيجة اختلال التوازن بين معدلات النمو السكانى من جهة وبين الموارد المتاحة والنمو الاقتصادى فى البلاد من جهة أخرى. وبينما تفوق الموارد المتاحة ومعدلات النمو الاقتصادى معدلات النمو السكانى فى البلاد المتقدمة يحدث العكس فى بلاد العالم الثالث حيث يتكاثر السكان بمعدلات أكبر من معدل النمو الاقتصادى والموارد المتاحة. وفى النوع الأول من المشكله السكانية يتناقص عدد السكان وترتفع نسبة المسنين وتتناقص نسبة الشباب وهم الفئة المنتجة مما يؤدى إلى الحاجه لاستيراد عمالة من الخارج والاعتماد المتزايد على المهاجرين.  بينما فى النوع الثانى (ومصر من هذا النوع) تفوق معدلات التكاثر السكانى معدل النمو الاقتصادى والموارد المتاحة فينقلب الهرم السكانى وتتزايد نسبة الأطفال والمراهقين على حساب الفئة المنتجة. والمشكلة السكانية معقدة وأسبابها متشابكة وتستند إلى ثلاث محاور رئيسيه: معدل الإنجاب العالى والتوزيع الخاطئ للسكان وتدنى الخصائص السكانية للمواطن.  

 

أسباب المشكلة السكانية بمصر

هناك أسباب عدة أدت إلى تفاقم المشكلة السكانية فالمجتمع المصرى بطبيعته مجتمع زراعى منذ بداية التاريخ وقد اعتمدت الزراعة فى مصر على العمالة البشرية مما شجع الأسرة الريفية على إنجاب العديد من الأطفال خاصة الذكور للمساعدة فى الزراعة كما أن التقاليد والثقافة المصريه خاصة فى الريف اعتبرت إنجاب الأطفال "عزوة" وكلما زاد عدد أطفال الأسره زاد نفوذها فى المجتمع يضاف إلى ذلك افتقاد البلاد لنظام عادل للتأمين الاجتماعى يغطى احتياجات الفلاح فى شيخوخته شجع الأسرة على إنجاب المزيد من الأطفال خاصة الذكور للحصول على الدعم المالى والمعنوى من الأبناء عند بلوغ الأبوين الكبر وعدم مقدرتهم على العمل، هناك أيضا نزعة التشدد فى الخطاب الدينى السائد بتشجيع الإنجاب بغض النظر عن موارد وإمكانيات الأسرة وتجاهل النصوص والأحاديث التى تحث على الترشيد وحقوق الأطفال على الأسرة كما أن تدنى وضع المرأة بالمجتمع خاصة بالريف والصعيد والنظرة الدونية لها لا يساعدها على اتخاذ قرار سليم  بشأن ترشيد عدد أطفالها خاصة مع انتشار الفقر والأمية بينهن، ومن الأسباب الأخرى أيضا تدنى مستوى التعليم والتسرب منه لسوق العمل بالنسبة للذكور وللزواج المبكر بالنسبة للإناث وسوء الحالة التغذوية والصحية للأطفال من فقر دم (أنيميا) وهزال وتقزم يضاف إلى ذلك تقاعس الإعلام والأعمال الدرامية عن تقديم رسائل ومسلسلات وأفلام لترشيد الإنجاب والتشجيع على الأسرة الصغيرة وتغيير المفاهيم الخاطئة.

 

الآثار السلبية للزيادة السكانية غير المنضبطة

إن انفلات معدل الإنجاب فى مصر يتسبب فى مشاكل معقدة وشائكة فالدولة بمواردها المحدودة لا تستطيع تلبية احتياجات المواطنين بصورة كبيرة كما أنه يعوق مشروعات التنمية ويؤدى إلى مضاعفات خطيرة نذكر منها الآتى:

تدهور مستوى المعيشة للمواطنين وتدهور مستوى الخدمات المقدمة إليهم وتآكل وتقلص مساحة الأراضى الزراعية ومن ثم استيراد الغذاء من الخارج وتناقص حصة الفرد من المياه (ونحن نعانى بالفعل من شح المياه والذى قد يؤدى إلى صراعات إقليميه) وتلوث البيئة وازدياد معدلات الكثافة السكانية وتكدس السكان فى المناطق المأهولة والعنف وإدمان المخدرات والسرقات والتحرش وظاهرة أطفال الشوارع والاتجار بالبشر بروز مشاكل اقتصادية وانحرافات اجتماعية كالبطالة والفقر وعمالة الأطفال وزواج القاصرات وانتشار الأمراض. 

 

هل هناك حلول ممكنة؟

للحد من ارتفاع معدل الإنجاب بالبلاد من الضرورى توفير وسائل تنظيم الأسرة طويلة الأجل بأسعار مقبولة فى الريف والحضر وتقديمها إلى السيدات بعد إعطائهن قدرا من المشورة والمعلومات عن كيفية الاستخدام  والأعراض المحتمل حدوثها. كما يجب على الدوله تشجيع صناعة هذه الوسائل محليا سواء من القطاع الخاص أو العام بدلا من استيرادها من الخارج. كما يجب إشراك الإعلام لتقديم رسائل عن فوائد الأسرة الصغيرة والعمل مع رجال الدين لتضمين ترشيد الإنجاب فى الخطاب الدينى. وعلى الدولة تقديم الدعم وإعطاء مساحة كافية للقطاع الأهلى والخاص لتقديم خدمات الصحة الإنجابية وتوعية النساء والرجال على حد سواء بمضاعفات كثرة الإنجاب على المرأة والأسرة صحيا واقتصاديا.

ومن المعروف أن سكان مصر يتكدسون فى حوالى 7-8 % فقط من مساحة مصر حول النيل وفى الدلتا ومدن القناة بينما معظم المساحة صحراء غير مأهولة. وقد بدأت الدولة فى بناء مدن جديدة بهذه المناطق لخفض معدلات الكثافة السكانية بالمناطق المأهولة وتوفير البنية التحتية الضرورية لمعيشة السكان المنتقلين إلى المدن الجديدة وهذا اتجاه محمود خصوصا إذا اقترن بتوعية وتحفيز هؤلاء السكان بأهمية الأسرة الصغيرة.

كذلك من الضرورى الاهتمام برفع مستوى التعليم وتغذية الأطفال خاصة بمدارس التعليم الأساسى الحكومية وتضمين التربية السكانية فى مناهجها كما يجب تعديل وإنفاذ القوانين الخاصه بالتسرب من التعليم وزواج القاصرات وعمالة الأطفال خاصة فى المهن الخطيرة. كذلك الاهتمام بالمرأة وتمكينها اقتصاديا واجتماعيا بتشريعات لحمايتها من العنف وتشجيع الفتيات على مواصلة التعليم الإلزامي وإسناد مشروعات صغيرة للمرأة لرفع مستوى معيشة أسرهن وتقديم حوافز للأسر صغيرة العدد.

وهناك بعض الإصلاحات المؤسسية/الهيكلية الضرورية حسب رؤيتنا لتصميم سياسات سكانية أكثر فاعلية ومنها ضرورة استقلال المجلس القومى للسكان وعودة صلاحياته لتوزيع الأدوار على الهيئات والوزارات والمؤسسات المختلفه المعنية ومتابعة تنفيذ الخطط وتقييم النتائج بكل محافظة على أن تكون تبعية المجلس للرئيس مباشرة أو لرئيس الوزراء وليس لوزارة بعينها. كذلك يجب إطلاق حرية إجراء الأبحاث الخاصة بموضوع السكان وحرية تداول نتائجها وذلك لتصميم سياسات فاعلة على أساس سليم من الأدلة والأرقام.

 

إن معدلات الإنجاب غير المنضبطة تؤثر سلبيا وصحيا واجتماعيا واقتصاديا على المجتمع والدولة ككل، ويجب تضافر الجهود للعمل على ترشيدها فالمشكلة السكانية بحق قضية أمن قومى.​