الأربعاء 8 مايو 2024

آليات تنفيذ الحوار الوطني


د. سارة عبد الخالق محرم

مقالات10-7-2023 | 12:02

د. سارة عبد الخالق محرم

عكست مبادرة الحوار الوطني رؤية القيادة السياسية حول ضرورة تطوير الحياة السياسية فى مصر كجزء أساسى من خارطة الطريق نحو الجمهورية الجديدة
تشمل مكونات الحوار الوطنى كافة التيارات السياسية باختلاف أيديولوجياتها وتوجهاتها السياسية، وجميع مكونات المجتمع المصرى من أحزاب ونقابات ومجتمع مدنى وغيرها
الحوار الوطنى المصرى بداية مرحلة جديدة تتضمن جلسات نقاشية، يُشارك بها كافة فئات الشعب المصرى، لمناقشة العديد من القضايا والمقترحات المقدمة بهدف الوصول إلى مخرجات لصالح المواطن المصرى

هنالك أسئلة والتباسات حول مفهوم الحوار الوطنى ومعظم المعرفة القائمة تخصّ حالات محددة، كما أنّها معرفة سردية غير دقيقة. يلزم لوضعُ تعريفٍ للحوارات الوطنية إلى النظر فى السياق الذي تنشأ فيه. ولا بُدّ من ملاحظة أنّ الحوارات الوطنية ليست ظاهرةً جديدةً وهى لاتقتصر على بلدان الجنوب. وترتبط الحوارات الوطنيّة إلى حد كبير بأربع موجات تاريخية من عمليات الانتقال السياسى، ويمكن رؤية الموجات الثلاث الأولى من خلال المنظور الأوسع ل"الموجة الثالثة للديمقراطية".

أولاً، من أجل التصدّى للاضطرابات السياسية الكبرى التي تسبّب فيها انهيار الحكم الشيوعى في أوروبا الشرقية وأوروبا الوسطى في عام 1989، عقدت بولندا وهنغاريا وتشيكوسلوفاكيا وألمانيا )الشرقية(  وبلغاريا آنذاك سلسةً من اجتماعات الموائد المستديرة لتفتح أبواب السياسة الديمقراطية أمام الجهات الفاعلة الناشئة حديثاً وأجنداتها.

ثانياً، أدّى الشعور بالاستياء العارم والفجوة المتنامية بين المواطنين والنخبة الحاكمة، وسط ارتفاع الوعى المتصل بالذكرى المئوية الثانية للثورة الفرنسية، إلى دفعِ عددٍ من البلدان الأفريقية الناطقة بالفرنسيّة إلى عقد مؤتمرات وطنية في أوائل التسعينيات من القرن العشرين.

ثالثاً، خلال التسعينيات من القرن العشرين أجرت بلدان كثيرة في أميركا اللاتينية عمليات لوضع الدستور قائمة على التوافق في محاولتها لتعزيز الجانب التشارُكى في الحُكم والتنمية. وتعكس العمليات التي جرى من خلالها التوصّل إلى الاتفاق على عناصر دستورية، كما فى بوليفيا وكولومبيا، سِمات أساسية فى الحوارات الوطنيّة.

رابعاً، يتصل ظهور الحوار الوطني اليوم، وعلى نحوٍ لا يقبل الفصل، بأحداث الربيع العربي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الأوسع نطاقاً. وبانتشار تلك الأحداث من منطقةٍ إلى أخرى جرت حوارات وطنيّة (أو عمليات مُشابهة) في كل من المغرب وليبيا وتونس ومصر والسودان ولبنان والأردن والبحرين واليمن، وقد حقق كل منها نجاحاً بدرجات متفاوتة.

وعلاوةً على ذلك، جاءت الحوارات الوطنيّة استجابةً للرغبة في حماية السيادة الوطنية إلى جانب الشك من التدخلات المُدارة دولياً فى أنحاء كثيرة من العالم. وقد أدّى ذلك إلى التشديد على إيجاد حلولٍ سياسية بزمام مبادرةٍ وطنية أكثر قوّة. وإزاء هذه الخلفية، تنشأ ممارسات الحوار الوطني كآليّةٍ صالحة لتحويل مسار النزاعات، قادرة على استيعاب المطالب المختلفة للجهات الوطنية والدولية صاحبة المصلحة.

متى تُعقد الحوارات الوطنيّة ولماذا؟ يجري إعداد الحوارات الوطنيّة استجابةً لأوضاعٍ مختلفة. وتُعقد للتعامل مع الأزمات ذات الأهمية الوطنية التى لها انعكاسات على المجتمع ككُل. وقد تكون تلك الأزمات عبارة عن جمود سياسى حاد أو مؤسسات سياسية معطّلة. وفي مثل هذه الأوضاع تهدف الحوارات الوطنية إلى تخفيف حدّة التوتّر، أو بلوغ اتفاقٍ سياسى، أو حتى )إعادة(  تأسيس إطار مؤسّسى جديد(، بما يستوفي وظيفة إدارة الأزمات. كما تُعقد الحوارات الوطنيّة كجزء من عملية الابتعاد عن الحرب الأهلية، وبعد عمليات الانتقال السياسى عندما تُنزع الشرعيّة عن المؤسسات السياسية القديمة وتستدعي الحاجة وضعَ آليّات أكثر شمولا. ويتولدّ عن الحوارات الوطنيّة بوظيفتها هذه، قيادة وطنية ضمن نظامٍ جديد )سياسى، اقتصادى، اجتماعى(سعياً لتأسيس مؤسسات جديدة وللتفاوض على عقدٍ اجتماعى) منقح (بين الدولة ومواطنيها. وفي هذه السياقات، يُعدّ "تطوير عمليات اجتماعية وسياسية قابلة للعمل بمثابة 'حاويات' لحلّ تلك الخلافات سلمياً أمراً حاسماً، ويصبِحُ بمثابة القاعدة التجريبية لإصلاح المؤسسات بشكل أعمق ولبناء الدولة".

تشهد مصر والعالم أجمع تحديات غير مسبوقة على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية، مما يضيف كثيرًا من التهديدات أمام الحفاظ على الاستقرار، وتحقيق خطط التنمية الشاملة، ومن هذه التحديات ذاتها يأتي دور وأهمية الحوار الوطنى المصرى لرسم خريطة أولويات العمل الوطني فى المرحلة المقبلة. وحيث إن مصر تسير بخطى ثابتة نحو الجمهورية الجديدة ونحو تحقيق تجربتها الخاصة من التحول الديمقراطى. وبناء جمهورية جديدة تكون فيها مساحة للجميع، وتحترم حقوق الإنسان، وتضمن العيش الكريم لكل مواطنيها. وفي هذا الإطار، مصر تشهد مرحلة جديدة من هذا التحول وهي بدء الجلسات الفعلية للحوار الوطني التي بدأت من يوم 3 مايو 2023. وقد عكست مبادرة الحوار الوطني رؤية القيادة السياسية حول ضرورة تطوير الحياة السياسية في مصر كجزء أساسى من خارطة الطريق نحو الجمهورية الجديدة.

»الاختلاف فى الرأى لا يفسد للوطن قضية» كلمات أطلق بها الرئيس السيسي دعوته إلى كافة الأطراف الوطنية إلى حوار وطني في حفل إفطار الأسرة المصرية العام الماضى. ومع بدء الجلسات الفعلية للحوار الوطنى، سنجد أن هذه الكلمات لم تكن مجرد شعارات سياسية ولكنها تُرجمت إلى خطوات فعلية على أرض الواقع المصرى؛ فبالنظر إلى مكونات الحوار الوطني سنجده يشمل كافة التيارات السياسية باختلاف أيديولوجياتها وتوجهاتها السياسية، وجميع مكونات المجتمع المصرى من أحزاب ونقابات ومجتمع مدنى وغيرها. وبذلك يعكس الحوار الوطني حالة غير مسبوقة من التوازن والتنوع، هدفها الاختلاف من أجل الوطن وليس الاختلاف عليه؛ من أجل خلق حياة سياسية أكثر تنوعًا، وحالة نشطة من الديموقراطية فى المجتمع المصرى.  ولم يتوقف التنوع الذى يشهده الحوار الوطنى عند القوى والتيارات المشاركة فيه فقط، بل انعكس التنوع أيضًا على القضايا التى يتناولها الحوار، فقد تضمن جميع القضايا على كافة الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

فيشمل الحوار الوطني المصرى 3 محاور رئيسية تندرج تحتها 19 لجنة فرعية تتناول حوالي 123 قضية مختلفة، مما يجعل هذا الحدث سابقة لم تحدث في التاريخ المصرى. فقد كانت جميع محاولات الحوار الوطنى من قبل تركز على قضية بعينها، وغالبًا ما كان هناك طرف بعينه مسيطرًا على عملية الحوار، ولذلك يعد التنوع فى الأطراف والقضايا هو أحد أهم الخصائص التي تميز الحوار الوطني الحالى.

ويمكننا أن نعرف الحوار الوطنى بأنه عملية سياسية تمسك بزمامها أيادٍ وطنية وتستهدف توليد توافُق الآراء بين طيفٍ واسع من الجهات الوطنية صاحبة المصلحة في أوقات الأزمات السياسية الحادة، أو في أوضاع ما بعد الحرب، أو خلال عمليات الانتقال السياسى البعيدة المدى.

يمر الحوار الوطنى عبر ثلاث مراحل متتالية: التحضير، والعمليات، والتنفيذ. ومع كل مرحلة يلزم تطوير وظائف مختلفة إلى بنية مؤسّسيّة. وهذا ما نُطلق عليه إطار الحوار الوطنى. وطالما يُتَّفق على أهداف الحوار الوطنى، تكون المهمّة التالية هي ترجمة تلك الأهداف إلى مؤسسات وإجراءاتٍ مُقابلِة لها. وسيجري الاسترشاد في كلّ قرار بمجموعةٍ من المطالب والاعتبارات الفنّية والإدارية والسلطة/ السياسية. فليست هناك صيغة واحدة أو 'صحيحة' تناسب الجميع. بل هنالك بالأحرى خيارات متعددة تُساعد في التعامل مع التحدّيات والمعضلات. وكما التّرس فى الآلة، سيعمل كل قرار حول تصميم سير العمليات على إرشاد الطريقة التي يعمل فيها النظام بمُجمَلِه. وبالتالى، سيتطلّب كل جانب انتباهاً دقيقاً واعتباراً استراتيجياً وتقييماً أميناً من أجل اتخاذ قرارات مستنيرة تضع فى الاعتبار المخاطر والفُرص التي تنطوى عليها وتستند إلى تحليلات سليمة للنزاع.

تبدأ مراحل الحوار الوطني بمرحلةٍ تحضيرية. ويجري التمييز أحياناً بين مرحلةٍ استكشافية وتحضيرية، وغالباً ما يكون هذا التمييز ضئيلاً من الناحية العملية. إنّ البدء بحوار وطني لا بُدّ أن يستلزم تحليلاً دقيقاً للنزاع وتقصّياً للحقائق وإرساءً للإرادة والمواقف السياسية وحشداً للدعم. وطالما تتوفّر الإرادة السياسية تُستهلّ التحضيرات الرسمية بنوعٍ ما من الإعلان العام الرسمي، وغالباً ما تُجرى داخل الهيئات المُعدَّة خصّيصاً لذلك الغرض. وقد تستغرق العملية التحضيرية فترةً مماثلة للعملية الرسمية أو أطوَل منها، وغالباً ما تشكّل عملية تفاوُض مصغّرة في حدّ ذاتها. وحالما يُستكمل التفاوُض على المعايير، مع تحقيق توافُق على الإجراءات -في الحالة الأمثل- تبدأ مرحلة العمليات. وفورَ التوصل إلى نتيجةٍ تبدأ حينها مرحلة التنفيذ وغالباً ما يتّسم الانتقال من مرحلةٍ إلى أخرى بالمرونة وبمسارٍ غير خطّى، وغالبا ما يكون متقطعا ويعادُ مباشَرتُه.

 وفي مصر أعلن الرئيس المصرى عبد الفتاح السيسي  إطلاق الحوار الوطنى خلال حفل إفطار الأسرة المصرية خلال شهر رمضان فى أبريل 2022، وذلك في إطار المشاركة الوطنية تحت مظلة الجمهورية الجديدة بما يضمن تحقيق أهداف التنمية المستدامة ورؤية مصر 2030 كما أعلن الرئيس السيسى عن إعادة تفعيل عمل لجنة العفو الرئاسى التى تشكلت أواخر 2016.

في 8 يونيو 2022، أعلنت إدارة الحوار الوطنى في مصر اختيار نقيب الصحفيين ضياء رشوان منسقاً عاماً للحوار، والأمين العام للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام محمود فوزي رئيساً للأمانة الفنية للحوار. وأوضحت أن أولى مهام المنسق العام للحوار الوطنى تتمثل في بدء التشاور مع القوى السياسية والنقابية وكافة الأطراف المشاركة في الحوار الوطني لتشكيل مجلس أمناء الحوار الوطني من ممثلى كافة الأطراف والشخصيات العامة والخبراء، من 15 عضوا، بما يضمن المشاركة الفعالة والتوصل إلى مخرجات وفقا للرؤى الوطنية المختلفة وبما يخدم صالح المواطن المصري.

وتم الانتهاء من كافة التجهيزات واللوجيستيات اللازمة لتنظيم الحوار، وذلك من خلال الأكاديمية الوطنية للتدريب المنوطة بتنظيم المؤتمر الوطني للشباب وفقًا لتوجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسى، والتي يقتصر دورها على المهام التنظيمية واللوجيستية. والأكاديمية مستمرة في اتباع نهج الحياد والتجرد التام فى إطار دورها التنظيمى والفنى والتنسيقى بعيدا عن التدخل في مضمون الحوار الوطنى الفعال تحت مظلة الجمهورية الجديدة. وتم تشكيل أمانة فنية من الأكاديمية الوطنية للتدريب برئاسة المستشار محمود فوزى لمعاونة مجلس أمناء الحوار الوطنى في العملية اللوجيستية والتنظيمية للحوار الوطنى، وتوفير كافة المعلومات اللازمة لإدارة الحوار.  وقد توسعت قاعدة المشاركة في الحوار من خلال دعوة جميع ممثلى المجتمع المصرى بكافة فئاته ومؤسساته بأكبر عدد ممكن لضمان تمثيل جميع الفئات فى الحوار المجتمعى، والحرص على الوصول إلى جميع مناطق الجمهورية، بالتنسيق مع كافة التيارات السياسية الحزبية والشبابية لإدارة حوار وطنى فعال.

يعد الحوار الوطني المصرى بداية مرحلة جديدة تتضمن جلسات نقاشية، يُشارك بها كافة فئات الشعب المصرى على طاولة واحدة، لمناقشة العديد من القضايا والمقترحات المقدمة بهدف الوصول إلى مخرجات لصالح المواطن المصرى، وتكون بمثابة خطوة فارقة في مسيرة البناء نحو الجمهورية الجديدة. كما بدأت جلسات لجان الحوار الوطنى لمناقشة الموضوعات التى توافق عليها مجلس الأمناء في مختلف اللجان الفرعية، بهدف الوصول إلى مخرجات حقيقية يتم رفعها لرئيس الجمهورية الداعى للحوار، لتأخذ بعد هذا طريقيها التشريعى والتنفيذى بما يخدم صالح المواطن المصرى. بدأت جلسات لجان الحوار الوطنى بالمحور السياسى، الذى يشمل خمس لجان يندرج تحتها عدد من الموضوعات، فمن ضمن اللجان لجنة مباشرة الحقوق السياسية والتمثيل النيابى التي جاء على رأس موضوعاتها النظام الانتخابى فى ظل الضوابط الدستورية، وينقسم إلى، قانون مجلس النواب وقانون مجلس الشيوخ، و الإشراف القضائى بين الدستور والضرورة العملية، وعدد أعضاء المجلسين، والتفرغ لعضوية المجلسين. 

تتمثل أهداف ومبادئ الحوار الوطنى المصرى

أولًا: الأهداف

تحديد أولويات العمل الوطنى فى المرحلة المقبلة
الوصول لحلول للقضايا الأكثر إلحاحا التى تهم المواطن المصرى
الكشف عن كوادر مؤهلة فى كل النواحى السياسية والاقتصادية والاجتماعية
ضمان حياة كريمة تليق بالمواطن المصرى والنقاش حول آليات تحقيقها فى جميع المجالات
دعوة أطياف المجتمع المختلفة للتحاور والجلوس على طاولة واحدة
ودعم جهود التوافق عن طريق بناء جسور الثقة والاحترام متبادل

ثانيًا: المبادئ

الحوار الوطنى قائم على التفهم.. لا الإقناع
الجلسات ليست مناظرة بين رؤى متنافسة، لكن مساحات مشتركة بين جميع الآراء
الحوار الوطنى يضمن حق الجميع فى المشاركة والتنمية
مصر أولًا.. فعلى طاولة الحوار ننحى انتماءاتنا جانبا ونقدم مصلحة الوطن

وختامًا، فإن تبني الآليات التنفيذية التي تكفل وضع مخرجات الحوار الوطنى موضع التنفيذ، سيعود بالنفع على الوطن والمواطن في إطار بناء الجمهورية الجديدة، لا سيما في ظل ما يستهدفه هذا الحوار من وصول إلى توافق من قِبل مختلف القوى السياسية والمجتمعية للتغلب على الصعوبات والتحديات المختلفة التى تواجه الدولة المصرية.

Egypt Air