بقلم – د. صفوت حاتم
التاريخ المشترك هو الذى يصنع هوية الأمة.. وهو الذى يشكل وعى وضمير وعقل المواطن..
وبقدر ما تتناقل الأجيال وقائع تاريخها المشترك: بحلوه ومره.. بانتصاراته وهزائمه.. بقدر ما تكون أواصر الانسجام والانصهار قوية بين أفراد الوطن الواحد.
والاعتداء على التاريخ المشترك للأمة هو جريمة كبرى لا يمكن التهاون معها.
فالنتيجة الطبيعية لهذا العدوان هى تفكيك العلاقة بين المواطنين كأفراد من ناحية.. وتفكيك العلاقة بينهم وبين أمتهم ودولتهم وهويتهم من ناحية أخرى.
وللأسف الشديد.. جرت فى العقود الأربعة الفائتة أكبر عملية تشويه لتاريخنا المعاصر..
وطالت عملية التشويه والتزييف كل الثوابت، التى تربت عليها أجيال متعددة.. وكل الشخصيات الوطنية التى أعطت للوطن حياتها.. وضحت فى سبيل ذلك بكل نفيس..
ومع انتشار مواقع التواصل الاجتماعى والفضائيات العشوائية، ازداد الخطر على صورة وهوية الأمة.. بسبب التشكيك والتشويه المستمر الذى يرتكبه غير المتخصصين من كتاب التاريخ وكتاب الدراما التليفزيونية والسينمائية.
وأصبح عاديا.. والحال هكذا.. أن يكتب من يريد.. ما يشاء.. دونما حسيب أو رقيب من أى جهة علمية معتمدة وكفؤة..
وأصبح التهرب من ذكر الوقائع التاريخية أو إخفاء بعضها.. وسيلة للتعيش والظهور لبعض مدعى الكتابة التاريخية أو الكتابة الدرامية.
والنتيجة الطبيعية لتلك «الفوضى» أن يردد الجمهور معلومات خاطئة أو مبتورة.. يدسها البعض فى كتاباته.. لتصبح تلك «الأكاذيب» بمرور الزمن مستقرة وثابتة فى الذهن الشعبى.. بسبب كثرة ترديدها والإلحاح عليه.
ويساعد على تلك الفوضى، أعلام مرئى ومكتوب، يحكمه توجهات رجال أعمال.. أو سلطة سياسية عاجزة.
وتشكل الثورات الوطنية لأى أمة.. هدفا دائما للتشويه من أنصارها وأعدائها.
والثورات المصرية المعاصرة كانت دوما هدفا «للتشويه» والتزوير.
ويجرى هذا التشويه بدوافع من المصلحة الخاصة والانحيازات السياسية والفكرية.. ووعى الإنسان نفسه بقيمة تاريخه الوطنى.. وبامتلاكه حسًا نقديًا وشجاعة أدبية تمكنه من قراءة الوقائع التاريخية بموضوعية.. ومحاكمة شخصيات التاريخ بحسب الدور التاريخى الذى لعبوه فى تاريخ شعوبهم من إنجازات.. دون النظر إلى ما قد يعترى حياتهم الخاصة من أخطاء إنسانية أو مواطن ضعف فى شخصياتهم.
ولنأخذ على سبيل المثال لنوعية من الكتابات الذكية والعاقلة لحوادث التاريخ ما فعله الأستاذ «عباس العقاد» فى «كتاباته عن العبقريات» الإسلامية.. فقد زاوج بين منهج الكتابة التاريخية، التى تهتم بالوقائع وصحتها من إنجازات وإخفاقات وبين منهج التحليل النفسى للشخصية.. أو ما يسميه «مفتاح الشخصية».
فإنجازات الخليفة «عمر بن الخطاب» فى حماية الدولة الناشئة ثم فى اتساعها وتمددها.. هى وقائع تاريخية لا يمكن الاختلاف عليها.
ولكنها تمتزج مع مفتاح شخصيته كما حدده «العقاد» فى «العدل الاجتماعى» وإعطاء كل ذى حق حقه دون خوف أو تفريط.. اللهم إلا الخوف من الله.. أو الخوف من التفريط فى حقوق الضعفاء والفقراء.
والقائد العسكرى الكبير «خالد بن الوليد» تمتزج إنجازاته وعبقريته فى الحروب والفتوحات الإسلامية.. مع مفتاح شخصيته فى التحليل النفسى الفردى وهو «الشجاعة» والإقدام فى الحروب..
ولا يتوقف «العقاد» كثيرا عند عن بعض الوقائع الثابتة فى تاريخ «خالد بن الوليد» كقتل «مالك بن نويرة» والزواج من امرأته.. فى حروب الردة.. أو مغادرته ساحة المعارك بدون مبرر والذهاب لبيته للاجتماع بزوجته..
وهى كلها من حوادث التاريخ المكتوبة بكتب السيرة.. وأثارت فى حينها جدلا كبيرا وتشويشا عظيما فى صفوف الأمة الإسلامية الناشئة.
وما حاجتنا اليوم إلى مثل تلك الوقائع الشخصية.. وما الذى تستفيد منه الأمة من ذكرها؟؟!!
ولعلنا سمعنا وشاهدنا فى الأيام الأخيرة كيف أن كاتبا وأديبا شهيرا وصف القائد البطل «صلاح الدين الأيوبى» الذى حرر القدس من الصليبيين بأنه «أحقر شخصية فى التاريخ»!!!
ورأينا وسمعنا كيف أن إعلاميا شهيرًا.. من الذين يتباهون بثقافتهم ومعرفتهم بكل شيء، ينفى حدوث ثورة عرابى وينكر وقوفه أمام الخديوى توفيق بالشكل الذى ذكرته كتب التاريخ.. ويعتبر أن ما ذكرته كتب التاريخ عن وقفة عرابى أمام الخديو توفيق محض كذب وتضليل!!
صحيح أن كل الثورات فى العالم لها أعداؤها.
والثورة الفرنسية التى غيرت معالم فرنسا وأوربا بتأثير مبادئها وأهدافها وحروبها.. نالت هى الأخرى كثير من المعارضة والإنكار.
ولعل كتاب «الثورة الفرنسية.. وروح الثورات» للمؤرخ ولعل كتاب «الثورة الفرنسية.. وروح الثورات» للمؤرخ والمفكر الفرنسى «جوستاف لوبون».. هو خير مثال على هذا النوع التى تنظر للثورات باعتبارها خروجا على ناموس الطبيعة.. ولا ينتج عنها سوى الدمار والدم والتخريب.
والمدهش أن مثل هذه الكتابات لا تلقى آذانًا صاغية من الأجيال المتعاقبة، التى تشبعت بروح الثورة الفرنسية ومبادئها فى الحرية والإخاء والمساواة وقيم الجمهورية المدنية الحديثة.
وهكذا بقى كتاب «جوستاف لوبون» المعادى للثورة الفرنسية.. مجهولا.. حتى فى أوساط المؤرخين والمتعلمين والمواطنين العاديين فى فرنسا.
واحتفلت فرنسا كلها عام ١٩٩٨ بالمئوية الثانية للثورة الفرنسية.
وهاهى روسيا تتأهب خلال أيام للاحتفال بالعيد المئوى للثورة البلشفية عام ١٩١٧.. رغم انتهاء الشيوعية من روسيا.. وتحولها للرأسمالية.. واختفاء الحزب الشيوعى من ساحة الفعل السياسى بجمهورية روسيا..
أما فى مصر.. فالوضع مختلف!!
فلا يزال هناك من ينتقم من تاريخنا الوطنى عن قصد أو عن جهل!!
ولنأخذ مثالا على ذلك ثورة عرابى..
فبعد هزيمة الثورة العرابية.. واحتلال الإنجليز لمصر.. قام أعوان الإنجليز والخديو توفيق بتوصيف «العرابيين» بالخونة والكفر والمروق على الملة والحاكم.. وصاروا يطلقون على ماحدث «هوجة عرابى» حتى ترسخ فى ذهن أبناء البلد أن ثورة عرابى لم تكن بحال من الأحوال ثورة على الظلم والاستبداد، بل هى هوجة.. وفوضى.. وتمرد وعمل صبيانى تسببت فى أضرار بالغة.. وأتت بالاحتلال الإنجليزى.
وقام كثير من المؤرخين المتأثرين بنفوذ الخديو توفيق وأمواله بالتأثير على عقول شباب الأمة حتى تفتر عزيمتهم ويتوقفوا عن حركة الجهاد ضد المستعمر البريطانى.
وبنفس الأسلوب.. كان هناك أعداء لثورة ١٩١٩ وزعيمها سعد زغلول.. وكان هؤلاء يرددون أن سعد زغلول رجل مستبد برأيه.. وأنه قام بثورته لحساب الاحتلال البريطانى.. ولدرجة أنه أشيع عنه أنه كان صنيعة اللورد كرومر، وهو الذى زوجه من كريمة مصطفى باشا فهمى رئيس الوزراء ورجل الإنجليز فى مصر.. وأن ثورة ١٩١٩ قامت بمباركة الإنجليز!!
ولكن بسبب قوة شخصية سعد زغلول.. وما كان يتمتع به من الصدق والوطنية والجاذبية وقوة الحجة.. فقد نجح فى التغلب على معظم هذه الادعاءات.
ولكن مع مضى الوقت.. وضراوة الاحتلال الإنجليزى.. ووجود عملاء للاحتلال.. ومع التفكك الذى لحق بحزب الوفد وقياداته بعد موت الزعيم سعد زغلول.. فقد توقف زخم ثورة ١٩١٩.
ورغم ما كتب أو قيل عن شخصية سعد زغلول.. فلا يمكن إنكار الدور الوطنى الكبير، الذى لعبه فى إلهاب قلوب المصريين وإشعال الحماس والثورة على المحتل الإنجليزى فى كل مدن وريف وقرى ونجوع مصر..
ثورة يوليو ١٩٥٢
وبالأسلوب نفسه حدث نفس الشيء مع ثورة يوليو ١٩٥٢.
فأعداء الثورة من رجال الأحزاب السابقة والأغنياء من الرأسماليين والإقطاعيين وكل المنتفعين من الملك وحاشيته.. أو المنتفعين من السفارة البريطانية وبيوت المال الأجنبية لا يرون ما تحقق من إنجازات فى عمر الثورة القصير.. من تحرر مصر.. وجلاء المستعمر.. والقضاء على رأس المال الأجنبى المسيطر على الاقتصاد.. والقضاء على الإقطاع.. وتأميم شركة قناة السويس، التى كانت بمثابة دولة داخل الدولة.. وبناء السد العالى والمصانع.. وتطوير نظم الرى والتحكم فى نهر النيل.
إن أعداء الثورة لا يرون كل هذه الإيجابيات.. ولا يرون سوى حل الأحزاب وهزيمة يونيه ١٩٦٧.
وعلى الرغم من قيام جمال عبدالناصر بإعادة بناء الجيش المصرى على أسس حديثة بعد الهزيمة.. وتطعيمه بأقدر وأكفأ القيادات: كمحمد فوزى.. وعبد المنعم رياض.. وسعد الدين الشاذلى.. ومحمد عبدالغنى الجمسى.. وعبد المنعم واصل.. ومحمد على فهمى.. ومدكور أبو العز.. وسليمان مظهر.. وأحمد إسماعيل.. ومحمد أحمد صادق.. وعشرات غيرهم من القادة العسكريين، الذين ثبتهم عبد الناصر فى مواقعهم.. قبل وفاته.
ورغم كل ذلك.. يقف البعض.. اليوم.. عند لحظة الهزيمة.. ولا يرى لحظة بناء الجيش من جديد.. وتسليحه وسط ظروف دولية صعبة.. وإعداده للمعركة المرتقبة من خلال حرب الاستنزاف المجيدة، التى كانت «بروفة» عملياتية لمعارك العبور عام ١٩٧٣.
ومن المقولات الشائعة فى الفكر السياسى المناوئ لثورة يوليو.. القول بأن هزيمة يونيه ١٩٦٧ قد أدت إلى انهيار الاقتصاد المصرى بسبب ظروف الحرب وإعادة بناء الجبش..
والحقيقة المرة أن معظم الكلام الذى يدور حول كفاءة الاقتصاد المصرى خلال الحقبة الناصرية.. مقارنة بما كان قبلها فى العهد الملكى.. أو ما تم بعدها فى الحقبة الرأسمالية، التى بدأت عام ١٩٧٤ بسياسة الانفتاح الاقتصادى.. حتى الآن.
هو كلام مرسل وغامض لا يستند على مراجع علمية محترمة.. وإحصائيات دقيقة.. وقريبة من الواقع..
إنه كلام.. غى غالبيته.. من قبيل العواطف والانفعالات.. يعتمد على مايردده البعض من حوادث ووقائع مجهولة المصدر.. لا تسندها أى دراسات أو مراجع علمية.. على الرغم من توافر المئات من هذه الدراسات.
وقد قدرت خسائر الاقتصاد المصرى نتيجة العدوان الإسرائيلى، فى الدراسة العلمية الوحيدة المقدمة فى هذا الشأن، التى قام بها الدكتور إبراهيم العيسوى» و»على نصار»، بدلالة الفرق بين مجموع الدخول التى كان ممكنا أن تتحقق فى الأحوال العادية، ومجموع الدخول التى تحققت فعلا فى أحوال الحرب وشبه الحرب. وتوصلت عبر خمس تقديرات بديلة إلى أن الخسائر الاقتصادية التى ألحقتها تراوحت بين ١٧ مليار جنيه فى الحد الأدنى، ٢٤ مليار جنيه فى الحد الأقصى (إبراهيم العيسوى وعلى نصار، محاولة لتقدير الخسائر الاقتصادية التى ألحقتها الحروب العربية الإسرائيلية لمصر منذ عدوان ١٩٦٧، فى المؤتمر السنوى للاقتصاديين المصريين).
على أى حال: يهمنا هنا فى هذه المقالة دراسة الفترة، التى تلت هزبمة يونيه.. والجهد الاستثنائى الذى بذله جمال عبد الناصر فى إدارة الدولة المدنية لأهداف المجهود الحربى.. وتهيئة المجتمع لمعركة التحرير.
والدراسة المفيدة والعميقة، التى قام بها الباحث الروسى «ف. أ. لوتسكيفتش» والصادرة عن دار الكلمة للنشر بعنوان «عبد الناصر ومعركة الاستقلال الاقتصادى ١٩٥٢ - ١٩٧١).
والسؤال الذى انطلق منه «لوتسكيفتس» هو: كيف تعامل جمال عبد الناصر مع نتائج الهزيمة العسكرية على الوضع الاقتصادى؟؟
كيف أثرت الهزيمة على الاقتصاد المصرى؟
فى الدراسة العلمية الوحيدة، التى قدمت فى تأثير الحرب على الاقتصاد المصرى.. قدرت خسائر الاقتصاد المصرى نتيجة العدوان الإسرائيلى (وبدلالة الفرق بين مجموع الدخول، التى كان ممكنا أن تتحقق فى الأحوال العادية، ومجموع الدخول التى تحققت فعلا فى أحوال الحرب وشبه الحرب.. وتوصلت عبر خمس تقديرات بديلة) إلى أن الخسائر الاقتصادية، التى ألحقتها الحرب تراوحت بين ١٧ مليار جنيه فى الحد الأدنى، ٢٤ مليار جنيه فى الحد الأقصى، (إبراهيم العيسوى وعلى نصار، محاولة لتقدير الخسائر الاقتصادية التى ألحقتها الحروب العربية الإسرائيلية لمصر منذ عدوان ١٩٦٧، فى المؤتمر السنوى للاقتصاديين المصريين).
فى ظل هزيمة عسكرية فادحة كتلك التى حدثت عام ١٩٦٧ كان من الممكن للاقتصاد المصرى أن ينهار تماما..
وهنا قام عبد الناصر بأهم وأنجح معركة فى تاريخه: إدارة الاقتصاد المصرى فى ظل أعباء الحرب.. وأهمها إعادة بناء الجيش.. من الصفر تقريبا..
ولتبين حجم الأعباء التى قام بها العدو لتخريب الاقتصاد المصرى نطالع ما كتبه «لوتسكفتش» فى دراسته المهمة.. حيث نراه يقول:
«من الناحية العملية أحبط العدوان الإسرائيلى فى يونيو/ حزيران تنفيذ الخطة الثلاثية.. فقد حدث نتيجة لاحتلال إسرائيل لشبه جزيرة سيناء أن فقدت مصر آبار بترولها، وكذلك مناجم المنجنيز.. وكنتيجة للقصف الإسرائيلى المركز على جبهة قناة السويس، أن أصيبت أكبر مصانع تكرير البترول وبعض المنشآت الهامة فى مدن السويس والإسماعيلية وبورسعيد.. هذا بالإضافة إلى أن زيادة الإنفاق العسكرى أدت إلى نقص استثمار رؤوس الأموال فى المشروعات الصناعية.. ونتيجة للأسباب السابق ذكرها، بلغت نسبة الزيادة فى الإنتاج الصناعى فى عام ١٩٦٧ أقل من ٣٪، وكانت قدبلغت الزيادة ٦٪ عام ١٩٦٦ قبل العدوان.
الإنتاج الصناعى
وفى الفترة من عام ١٩٦٨ - ١٩٧٠ ونتيجة لجهود الدولة فى إستغلال جميع موارد البلاد ، تم التغلب بصورة واضحة على الآثار الاقتصادية للعدوان الإسرائيلى. وبلغت نسبة الزيادة فى الإنتاج الصناعى ( حسب الأسعار السائدة ) فى عام ١٩٦٨ ( ٧ ٪ ). وفى عام ١٩٦٩ ( ٩.٢ ٪ ). وفى عام ١٩٧٠ ( ٨.٢ ٪ ) وفى عام ١٩٧١ ( ١٠.٧ ٪ ).!! ( علامات التعجب أو الإعجاب من عندى. ص. ح )
البترول
يضيف «لوتسكيفتش»: «وقد أمكن تعويض النقص فى إنتاج البترول نتيجة فقد آبار بترول سيناء عن طريق تشغيل الآبار البحرية بحقل مرجان فى خليج السويس. فبعد أن كان إنتاج مصر من البترول قبل يونيه ١٩٦٧ حوالى ٩.٥ مليون طن فى السنة ، زاد الإنتاج إلى ١٤ مليون طن عام ١٩٦٩ ثم إلى ١٦.٤ مليون طن عام ١٩٧٠.
سياسة التمويل الذاتى للمصانع
وببداية تشغيل بعض المصانع، التى تنتج أجزاء قطع الغيار اللازمة لسيارات النقل والركوب التى يتم تجميع أجزائها فى مصر، فقد زادت نسبة التصنيع المحلى لهذه الأجزاء إلى ٧٠ - ٨٠ ٪.
وقد استحدث نظام التمويل المالى الذاتى لمصانع الدولة، والذى ينص على أن يقوم كل مصنع أو مؤسسة صناعية باستثمار احتياطاتها لتنفيذ التوسعات اللازمة لها وتطوير وسائل الإنتاج وتطبيق النظم التكنولوجية الحديثة.. وقد كان ٥٥ ٪ من جملة الإستثمارات فى قطاع الصناعة عام ١٩٧١ / ١٩٧٢ من التمويل الذاتى للمصانع.. ويعتبر هذا النظام جزءا من معالم الإصلاح الاقتصادى والمالى الذى يهدف إلى التوسع فى الصادرات وتحسين اقتصاديات مصانع القطاع العام. (لوتسكيفتش، مصدر سابق ٥٤- ٥٥).
وهكذا نرى أنه رغم الصعوبات الشديدة التى واجهها الاقتصاد المصرى بسبب العدوان إلا أنه استطاع أن يمتص ببطولة فائقة تحديات العدوان على الاقتصاد وأن يوسع من إنتاجه الصناعى والتعدينى بما يفوق - حتى - سنوات ما قبل العدوان، كما رصد «لوتسكيفتش».. فلقد نتج بسبب العدوان تحويل جزء كبير من الميزانية للإنفاق على التسليح العالى، رغم النقص فى الموارد القومية الناتجة عن توقف المرور فى قناة السويس وضآلة العوائد القادمة من السياحة وضرب وتصفية المصانع المصرية الموجودة فى منطقة قناة السويس والنتائج المترتبة على تهجير مدن القناة الثلاث إلى داخل البلاد (وهى عملية هجرة داخلية على درجة عالية من التعقيد والتكلفة وتحتاج إلى تقييم مفصل ليس هنا مكانه).