الأربعاء 19 يونيو 2024

يوسف القعيد يكتب : هدى تكتب عن عبد الناصر الذى لم يعرفه أحد من جمال إلى تحية

28-9-2017 | 19:32

ها هو مشروع هدى جمال عبد الناصر الجديد. إنها تقدم الأوراق الخاصة التى لم تنشر من قبل لوالدها جمال عبد الناصر الذى شغل الدنيا بحياته وشغلها أكثر بعد استشهاده ورحيله عن العالم. ومشروع هدى يتكون من ستة أجزاء. الجزء الأول: جمال عبد الناصر طالباً وضابطاً. الجزء الثانى: الثورة فى بدايتها. الجزء الثالث: تأميم قناة السويس وعدوان ١٩٥٦. الجزء الرابع: الوحدة المصرية السورية. الجزء الخامس: الثورة الاجتماعية ومراجعة شاملة للنظام من ١٩٦١ – ١٩٦٧. ومن باب التذكير فقط أقول إنه فى ٢٩ يونيه ١٩٤٤ تزوج جمال عبد الناصر من تحية محمد كاظم – ابنة تاجر من رعايا إيران – كان قد تعرف على عائلتها عن طريق عمه خليل حسين، وقد أنجب ابنتيه هدى ومنى وثلاثة أبناء هم خالد وعبد الحميد وعبد الحكيم. لعبت تحية دوراً هاماً فى حياته خاصة فى مرحلة الإعداد للثورة واستكمال خلايا تنظيم الضباط الأحرار، فقد تحملت أعباء أسرته الصغيرة عندما كان فى حرب فلسطين، كما ساعدته فى إخفاء السلاح حين كان يدرب الفدائيين المصريين للعمل ضد القاعدة البريطانية فى قناة السويس فى ١٩٥١، ١٩٥٢.

اخترت من هذا المجلد الذى يقع فى ٤٥٠ صفحة من القطع الكبير. ومعه دى فى دى. نشرته المكتبة الأكاديمية. اخترت منه فقط الرسائل الخاصة التى أرسلها جمال عبد الناصر بخط يده لزوجته تحية خلال حصار الفالوجة من أكتوبر ١٩٤٨ حتى فبراير ١٩٤٩. وهى كلها رسائل من طرف واحد. أرسلها جمال من الميدان. سألت نفسى: وأين خطابات تحية إليه؟ أم أن كل الخطابات كانت مرسلة منه إليها؟ وهى لم تكتب له خطابات. نجد الإجابة فى إحدى الرسائل التى يقول لها فيها إنه لم يتسلم منها خطابات منذ ٤٥ يوماً. وهذا معناه أنه كانت هناك خطابات من تحية إليه. فهل فقدت فى الميدان ولم يتم التحفظ عليها؟ أم أنها موجودة الآن فى مكان ما من العالم؟. وفى رسالة أخرى يقول لها: “وأتعشم بفارغ صبر أن يكون فيها جواب منك فقد وحشتنى جداً جواباتك”.

والآن إلى الرسائل:

عزيزتى تحية

“قبلاتى الزائدة لك وللعزيزات هدى ومنى وكل عام وأنتم بخير فهذا كل ما أرجوه من الله.. أن يحفظكم ويرعاكم.

إن شاء الله سأحضر يوم ١٨ الجارى أجازة كالعادة لمدة ستة أيام. هذا إذا لم يجد شئ معطل. أرجو يا حبيبتى العزيزة أن لا تنشغلى مطلقاً إذا لم أتكلم فى التليفون فإن الظروف لا يمكن أن نتحكم فيها. والحمد لله كل شئ يدعو للاطمئنان.

عز العرب نجح وليثى وقد كان لهذه النتيجة أثر طيب وقد عرفونى أنهم سيحضرون العيد معكم.

كلمت السيد بك يوم الأحد لأنى عرفت إنى سأكون مشغول يوم الاثنين حتى يبلغك لأنى طلبت عبد الحميد فكان غير موجود.

أخيراً كل عام وأنتم بخير وأرجو لكم وقتاً جيداً.. ولك قبلاتى الزائدة وأشواقى التى لا حد لها”.

جمال

١٢/١٠

عزيزتى تحية

“سلامى وقبلاتى وأشواقى التى لا حد لها ولهدى ولمنى، أرجو أن تكونوا جميعاً بخير.. وأن لا تكونى مشغولة فكل شئ والحمد لله يدعو للاطمئنان.. أرسلت لك جواب يوم ١١ أرجو أن يكون وصلك وقد قلت فيه إنى حولت لحسابك بالبنك الأهلى فرع الموسكى مبلغ “خمسة وثلاثون “جنيهاً شهرياً يمكن استلامها فى أول ديسمبر.

أرجو أن تكونى مطمئنة ولا تنشغلى إلا بنفسك وهدى ومنى وهذا هو طلبى منك.. وأرجو أن أراكم إن شاء الله قريباً فى أحسن حال”.

ولك قبلاتى وتحياتى الزائدة

١٧/١١/١٩٤٨جمال عبد الناصر

عزيزتى تحية

“سلامى وقبلاتى وأشواقى التى لا حدود لها.

أكتب لك وأنا فى شدة الشوق لك ولهدى ومنى وأرجو الله أن نجتمع قريباً فى أحسن الأحوال..

وأرجو أن لا تنشغلى مطلقاً وتكونى فى غاية الاطمئنان.. وأرجو الله أن تكونوا فى أحسن الأحوال وأنا دائماً أفكر فيكم ولا تغربوا عن بالى مطلقاً.. وقد بلغنى عبد الحكيم أنه اتصل بكم تليفونياً وأن منى زى العجل وهدى بصحة جيدة.. وأرجو أن تكونى معتنية بهم كما أعتقد ويكونوا فى أحسن حال.

أرجو أن لا تنشغلى إذا تأخرت فى المكاتبات فإنى أرسلها حسب الظروف ولن تكون منتظمة فى هذه الفترة على الأقل.

سلامى وقبلاتى وأشواقى وحبى لك.. وقبلاتى وأشواقى الزائدة لهدى ومنى ولك تحياتى الزائدة”.

جمال عبد الناصر

٢١/٦/٤٨

عزيزتى تحية

“سلامى وأشواقى وقبلاتى الزائدة.. أرجو أن تكونى بخير وكذلك العزيزات هدى ومنى.. ويمكن أن تصلنى أخباركم عن طريق عبد الحكيم أفندى.. أقصد أن تكلفى السيدة حرمه أن تبلغه عن أخباركم باستمرار ولأنه يتصل بى يومياً.. وأما خطاباتكم فلا يمكن أن تصل الآن.

أنا بخير والحمد لله وكل شئ يدعو للاطمئنان.. وأرجو أن تكونى فى أحسن حال. كتبت لك أربعة جوابات فى المدة الأخيرة.. وقد قلت لك أنى حولت مبلغ “خمسة وثلاثون “جنيهاً لحسابك بالبنك الأهلى فرع الموسكى شهرياً ويمكن استلامها فى أول ديسمبر. ويهمنى جداً أن تكونوا مرتاحين ولا تحتاجوا لشئ ويمكن لمصطفى أو حمدى أفندى صرف المبلغ أول كل شهر بشيك منك.

وأرجو أن تكونى مطمئنة جداً جداً.. وأنا فى شدة الاشتياق لكم وأرجو أن أراكم قريباً فى أحسن حال.. ولك قبلاتى التى لا حدود لها وقبلاتى لهدى ومنى”.

جمال عبد الناصر

٢٦/١١/١٩٤٨

عزيزتى تحية

“سلامى وتحياتى وقبلاتى لك ولهدى ومنى.. أرجو أن تكونوا بخير وأرجو أن تكون جواباتى تصلك فأنا أكتب لك باستمرار الآن ولو أن طريقة توصيل هذه الجوابات غير منتظمة. أرجو أن تكونى مطمئنة جداً علىَّ فأنا بخير والحمد لله والشئ الوحيد الذى أفتقده الآن وأشعر به هو أنتم ولكن إن شاء الله نلتقى قريباً وتكونوا فى أحسن حال.

ستصلنى اليوم خطابات باسمى وأتعشم بفارغ صبر أن يكون فيها جواب منك فقد وحشتنى جداً جواباتك.. أما أنت فقد وحشتينى جداً وأن شوقى لك لا يمكن التعبير عنه.. وكذلك هدى ومنى وعشمى أن تكونوا بصحة جيدة وأن تكون منى طولت وبتتكلم بسهولة.. وكل ما يهمنى هو أن لا ينقصك شئ وتكونى مرتاحة ومطمئنة ولك قبلاتى وأشواقى”.

جمال عبد الناصر

٣ ديسمبر ١٩٤٨

عزيزتى تحية

“سلامى وقبلاتى وأشواقى الزائدة لك ولهدى ومنى.. وصلنى أمس خطابات من الوالد ومن عز العرب ومن العم. وكلهم يطمئنونى عليك وعلى الأولاد.. وقد كان بودى أن أستلم خطاب منك فإنى لم أستلم جواب منك منذ خمسين يوماً.. ويمكن الآن أن ترسلى لى خطابات باستمرار فأنا مشتاق جداً إلى جواب منك.

وقد علمت من العم أنك لا تغادرى المنزل مطلقاً وكل رجائى أن تكونى مطمئنة جداً وأن تحافظى على نفسك وعلى الأولاد.. وأن تعملى على الترويح عن نفسك وعن الأولاد باستمرار وإن شاء الله قريباً نجتمع سوياً ونمضى أيام سعيدة.. ويجب أن تكونى مطمئنة جداً.

ولك يا حبيبتى قبلاتى التى لا حصر لها وأشواقى وقبلاتى للعزيزات هدى ومنى”.

جمال عبد الناصر

عزيزتى تحية

“سلامى الزائد وقبلاتى التى لا آخر لها وأشواقى أبعثها لك يا حبيبتى راجياً أن تكونى مع العزيزات هدى ومنى فى أحسن حال.

وقد احتفلت أول أمس بعيد ميلاد هدى وشاركنى فى تلك زملائى.. وإن شاء الله سأحكى لك عندما نتقابل عن هذا الاحتفال وكل سنة وأنتم بخير وإن شاء الله نحتفل بعيد ميلاد منى سوياً.

اتصلت بعبد الحكيم بعد إيقاف القتال وطلبت منه أن يتصل بالسيد بك يوسف ووصلنى الرد فى اليوم التالى.

لم يصلنى منك سوى جوابين واحد بالبريد من زمان وواحد عن طريق عبد الحكيم.. ولم يسعدنى الحظ فى استلام باقى خطاباتك.. ولكنى مطمئن جداً عليكم وكل رجائى أن تكونى مطمئنة.

أكتب لك الآن بعد أن سمعت الأخبار وهى تدل على أن الحرب قد انتهت وإن شاء الله نلتقى قريباً فإن شوقى لك وللأولاد لا يمكن التعبير عنه.. وما كنت أعتقد أننى سأفترق عنكم هذه المدة ولكن الحمد لله.. ويشجعنى على ذلك إيمانك العظيم بالله.. فيجب أن لا تقلقى ولا تحزنى مطلقاً لهذا الغياب فسنلتقى قريباً إن شاء الله ونحمد الله سوياً ونشكره شكراً جزيلاً.. فأنا بخير وسننسى كل شئ ونبقى سوياً يا حبيبتى العزيزة إلى الأبد.

وقد قال لى عبد الحكيم إن منى بقت زى الفيل وبتضرب آمال.. وكان يشتكى منها.. وقال إن هدى عال جداً.. قبلاتى لهما وقبلاتى لك وأشواقى لكم جميعاً”.

• • •

لقد حرصت على نشر الخطابات كما كتبها عبد الناصر. لم أحذف حرفاً واحداً ولا كلمة حتى عندما وصف منى بأنها أصبحت” زى العجل”. وفى تصورى أن هذا التعبير يؤكد إنسانية عبد الناصر وقدرته على استخراج الفكاهة حتى فى الظروف الصعبة. لكنى لاحظت على الرسائل الآتى:

تواضع المبالغ التى كان يحولها لأسرته ٣٥ جنيهاً شهرياً. وفى مرة واحدة ارتفع المبلغ لخمسين جنيهاً. وحتى مع حساب قيمة الجنيه فى ذلك الوقت. فهى مبالغ قليلة لأسرة غاب عنها عائلها للمشاركة فى حرب بعيدة.

لهفته الإنسانية من أجل اللقاء مع أسرته. ما من رسالة إلا وفيها إشارة لحلمه باللقاء. ثم تعاكسه ظروف الحرب فلا يتم اللقاء.

أن الرجل كان يضن على أسرته بثلاث ساعات يقطع خلالها المسافة من وحدته إلى أقرب تليفون. وكان يعتبر أن الواجب يسبق أن تسمع أسرته صوته. وأن يسمع بدوره أصواتهم. ويكتفى بكتابة الرسائل.

ثم هل لاحظت معى أن الرسائل كلها تخلو من كلمة واحدة عن طبيعة الحرب والمعارك. فالرجل منذ شبابه الباكر يفصل الخاص عن العام. ويعتبر أن أمور الوطن تخصه وحده وليس من حق أسرته أن تكون طرفاً فيها. إن هذا الحرص الباكر عند جمال عبد الناصر على أسرار عمله تؤكد أن الرجل جاء إلى هذا العالم وفى أعمق أعماقه كاريزما الزعيم المستعد لكل التضحيات التى تتطلبها الزعامة.

رغم العسكرية الصارمة والكتابة من أرض المعارك. فإن المشاعر و”الطرطشة العاطفية” تملأ الرسائل. ولا تخلو رسالة واحدة من العواطف الجياشة والحب الذى بلا حدود.

هل لاحظت جمال خطه وعنايته عند الكتابة؟.