السبت 27 ابريل 2024

في حوار نادر لـ «الهلال».. الرئيس محمد نجيب: عهد الفساد قد ذهب إلى غير عودة

محمد نجيب

كنوزنا23-7-2023 | 13:53

بيمن خليل

تحل اليوم ذكرى ثورة 23 يوليو، تلك الثورة الشعبية التي قادها اللواء محمد نجيب برفقة الضباط الأحرار، تلك الثورة التي غيرت موازيين القوى في مصر، وأدت إلى إلغاء الملكية، ونفي الملك فاروق خارج البلاد، وتحويل مصر إلى دولة جمهورية، معلنة مبادئها الـ 6 التي قامت عليهم الثورة.

 

وقد نشرت «مجلة دار الهلال»، بعد انقضاء ما يقارب الـ 4 أشهر بعد إندلاع ثورة 23 يوليو، في عددها الصادر في 1 نوفمبر عام 1952م،  حوارًا صحفيًّا، قد أجرته مع الرئيس محمد نجيب، جاء  بعنوان «الجيل الجديد في العهد الجديد» وتحدث من خلاله، عن النصيحة التي يوجهها للطلبة وعن مثله الأعلى في الحياة، والوسائل التي يراها كفيلة بدعم النهضة الإصلاحية الشاملة التي رفع لواءها في البلاد، وأعداد الأجيال الصالحة التي تتفق مع هذه النهضة العظيمة المباركة.

 إلى نصِّ الحوار...

 

واجب الشباب والطلاب

*ماهي النصيحة التي توجهونها إلى الشباب عامةً، والطلاب خاصةً، في العهد الجديد؟

إن الشباب _كان ولا زال_ هو الذي يصنع معجزات المجد لأمته، فحرصنا على الشباب يعادل حرصنا على هذا المجد نفسه.

والجيل الجديد هو نواة المستقبل، فليس هناك ما هو أهم عندنا من أن نجعله أفضل من الأجيال التي سبقته، بأن نلقنه الفضائل، ونزوده بكل خصائص الرجولة، السامية التي يجب أن يترسم خطاها ويسير على نهجها.

"وعلى الشباب من الطلبة أن يعلموا أن مقاليد الأمور قد استقرت في أيد تخاف الله، وتحرص على كرامة الوطن، وأن عهد الفساد قد ذهب إلى غير عودة، فمن الخير لهم وللبلاد كلها أن ينصرفوا إلى تلقي دروسهم حتى يجني الوطن ثمار علمهم وعملهم، وأن يتركوا كل شيء بعد ذلك للقادرين على خدمة الأمن من رجالها الصالحين، الذين ينتظرهم طريق شاق طويل من الجهاد والكفاح".

 

الصبر أبلغ الدروس

*ما هو الدرس الذي استفدت منه أثناء حياتك المدرسية وكان له أثر في حياتك العملية؟

لم أتعلم درسًا أبلغ من الصبر على تحمل المكاره، والاستفادة من الفشل للوصول بعده إلى النجاح، وقد منيت بصدمات عديدة لم أتغلب عليها إلا بالصبر والإيمان، وما من فشل حل بي إلا اتخذت من موضوعه دراسة لكي أتحاشى الوقوع في الأخطاء التي أدت إليه مرة أخرى، وقديمًا قيل لي: "ما ضاع منك من علمك"، ولن يندم صابر على صبره، ولن يهزم الفشل إلا من كان ضعيف الأمل ومزعزع الإيمان!"

 

الإخلاص في العمل مثلي الأعلى

*ما هي الشخصية التاريخية التي كنت معجب بها في مقتبل حياتك وتود لو تكون مثلها؟

في كتب التاريخ سير عاطرة لكثير من القادة والعلماء والمصلحين الذين ضربوا أروع الأمثال في التضحية وأنكار الذات والتفاني في خدمة بلادهم، وقد كنت _ولا أزال_ تستهويني الفضائل أينما وجدت، وتعجبني أعمال الأبطال الأوائل الذين سجلوا لأنفسهم في صفحات الخلود سطورًا مضيئة بالبطولة والتضحية.

على أن مثلي الأعلى في الواقع هو الإخلاص في العمل أيا كان، سواء أقام به جندي يذود عن حياض وطنه، أم فلاح يشق الأرض لينبت منها الزرع، أم عامل يتفانى في عمله، ليفي بمطالب أمته، وهكذا ترى أني أرى في سير العاملين المجدين جميعًا دستور النجاح والنبراس الذي يضيء طريق التقدم والرقي في كل زمان ومكان.

أما الرجل الذي أكن له أكبر الأثر في حياتي، فهو أبي.. ذلك لأنه علمني كيف أكون رجلاً، وحرص على أن يرى بنفسه ثمرة غرسه هذا خلال حياته، وكان رجلا عسكريا تقيا أريحيا فغرس في نفسي العسكرية ومزاياها، وطالما قال لي: "لا تكذب ولو تعرضت للموت، ولا تخن الأمانة، ولو كانت بك حاجة إلى القوت، ولا تفحش ولا تهاجم أعراض الناس حتى لا يهاجمك أحد في عرضك، ولا تظلم الناس كيلا يظلمك الناس".. كما كان عليه رحمة الله لا يفتأ يوصيني بالصلاة، واكرام الضيوف، وإغاثة الملهوف، فلما رحل عن الدنيا بقيت تعاليمه مغروسة في نفسي، وسرت على هداها عاملا بنصائحه وإرشاداته، فكان الرجل الذي له أكبر الأثر في حياتي".

 

العلم وسيلة العمل النافع

*لماذا اتجهت إلى الدراسة العسكرية، وما الذي دعاك إلى دراسة الحقوق والاقتصاد السياسي بعد ذلك؟

كان والدي عسكريا كما ذكرت لك، فأحببت العسكرية من أجله، وعلماء النفس يرون أن البيئة هي المدرسة الكبرى، التي تلقن الفضائل أو الرذائل، وتبقي تعاليمها باقية في النفس حتى آخر العمر، والمثل السائر يقول: "الولد سر أبيه".

فلا عجب أن يقلد الابن أباه في عمله وخلقه، أما دراستي الحقوق والاقتصاد السياسي وغيرهما بعد ذلك، فمرجعها اعتقادي منذ نشأتي بأن التزود بالعلوم والمعارف لابد منه، لمن أراد أن يساير ركب الحضارة والتقدم، وبأن العمل المنتج السليم لا يكون إلا بالعلم الغزير الصحيح.

 

التربية العسكرية والخلقية

*هل المعاهد والمدارس المصرية بوضعها الراهن صالحة لتخريج الجيل الصالح الذي يمكن أن تعتمد عليه البلاد في نهضتها الجديدة، وهل من المصلحة ادخال التربية العسكرية في برامج الدراسة؟

إن طلائع العهد الجديد بشرت الناس بمبادئ ومثل رفيعة رضوا عنها جميعا، وتلقوها بالاغتباط والارتياح، وعلى هدى هذه المبادئ والمثل العالية، سوف تعمل المعاهد والمدارس لاعداد الأجيال الصالحة الفاضلة المنشودة.

لقد كان العهد الماضي، يحارب العلم والعلماء، ويأبى إلا أن يفرض سلطانه على كل شيء، وإلا أن يقف عقبة في سبيل كل إصلاح، وكانت بعض الكتب التي تدرس للناشئة تحوي وقائع مزيفة تصور بعض الضغاة الفاسدين في صور الملائكة للطهرين، وطبيعي أن العهد الجديد سيستأصل شأفة ذلك الفساد كله، فلا يكون هناك ما يلقن للناشئة إلا ما هو حق وخير.

أما إدخال التربية العسكرية في برامج الدراسة فأمر لابد منه، وقد سبقتنا إليه جميع الأمم المتحضرة الراقية، فالتربية العسكرية تقوي نفوس الطلاب كما تقوي أجسامهم، وتوحي إليهم بالتفاني في حب الوطن، وتعودهم النظام والبذل والتضحية وغيرها من الأخلاق السامية التي تبنى عليها النهضات.. وكذلك سنحرص كل الحرص على تنفيذ كل إصلاح علمي نافع، ولن ندخر جهدا في سبيل القضاء على كل أثر من آثار الاستعمار والفساد الذي صاحبه خلال السبعين سنة الماضية، لكي نطهر الوطن من الطغيان والنفاق، ونقيم صرح الأخلاق من جديد بحيث يطمئن المواطنون جميعًا إلى تحقيق العدالة والمساواة، ويمضي كل منهم في عمله مرتاح النفس والضمير.

 

 

من أقوال الرئيس محمد نجيب (مقتطفات جامعة)

وقد أرفقت مجلة دار الهلال مع الحوار بعض من أقوال الرئيس محمد نجيب :

  • لننس الماضي باقذاره الكثيرة، لنبني المستقبل على أسس جديدة سليمة!.
  • إن النصر للحق، لا للكثرة، وأن الغلبة للأحرار، لا لأصحاب الجبروت والسلطان.
  • ليس عندي لمصر غير شعار واحد، وهو: "الاتحاد، والنظام، والعمل" .
  • لقد انقضى عهد الاقطاع والقطعان، عهد الاستعباد والطغيان، فأبشروا إن الغد يحمل في طياته من الخير ما أنتظره لكم، فيرتاح ضميري الذي جند نفسه لخدمتكم.
  • بالوحدة الوطنية والتضحية والعمل للمصلحة العامة يجب أن تتحقق أهدافنا.
  • مادام جندي أجنبي واحد على أرض النيل، فلا معنى للتفرقة والتحزب.
  • ألد أعداء الحركة، الإخلال بالأمن والاعتداء على الحرمات.
  • لم يهدم البلاد غير كثرة الزعماء، من سنة 1919 إلى الآن، وقد أصبحت الوزارات أشبه بمراجيح العيد، وكل واحد يريد أن يكون زعيما.
  • إن الحركة التي قام بها الجيش هي حركة قومية لخير الوطن، وهو لك يقم بها وحده، بل قامت بها الأمة جميعًا لأن الجيش من صميم الشعب، يحس بإحساسه ويشعر بشعوره.
  • من عمل لنفسه كرهه الناس، ومن عمل لله أحبه الناس.

 

Dr.Randa
Dr.Radwa