الثلاثاء 24 سبتمبر 2024

اللواء سمير فرج.. يتذكر: خطة الخداع فى غرفة العمليات

4-10-2017 | 16:38

حوار: سلوى عبد الرحمن

عدسة: إبراهيم بشير

لحظات تاريخية عاشها اللواء أركان حربالدكتور سمير فرج داخل غرفة عمليات القوات المسلحة فى حرب أكتوبر، لا زال يتذكرها بكل تفاصيلها. اللواء «فرج» الذى تولى عدة مناصب عسكرية ومدنية، منها مدير الشئون المعنويةللقوات المسلحة، ومحافظ الأقصر، أكد «لم يكن أحد يعلم بتوقيت الحرب داخل غرفة العمليات سوى القادة فقط». لافتاً إلى أن «ملحمة أكتوبر لم تكن لتكتمل لولا تكاتف الشعب مع الجيش قلباً وقالباً، والأغانى الحماسية كانت مُكملة لخطة الحرب».. تفاصيل عمل القوات وخطة خداع العدو الإسرائيلى يوم النصر، تفاصيل سردهااللواء «فرج» فى السطور التالية:

أين كان اللواء سمير فرج فى يوم السادس من أكتوبر عام ١٩٧٣؟

كنت من المحظوظين فى مصر، فقد تخرجت فى كلية أركان حرب كضابط صغير بالقوات المسلحة قبل الحرب بشهر وكان ترتيبى على زملائى الأول، لذلك كانت مكافأتى من القوات المسلحة انتقالى لهيئة العمليات للقوات المسلحة، وهيئة العمليات هى التى تقود القوات المسلحة فى زمن الحرب، وهى التى تخطط أيضاً فى زمن السلم.. وفى يوم السادس من أكتوبر كنت بغرفة عمليات القوات المسلحة، وكانت تصب فيها كل الجبهات والأسلحة من الجبهة المصرية والسورية، بالإضافة إلى جميع الأسلحة بشكل كامل، فقد كنت بجوار قادة القوات المسلحة العظام، فمنهم من حدد وقت الحرب، ومنهم من خطط لها، ومنهم أيضا من قام بوضع خطة الخداع الاستراتيجى لهذه الحرب، أما ما كنت أقوم به فقد كنت مسئولا عن خريطة العمل التى يوضع عليها موقف القوات أولا بأول وتحركاتها بعدتبليغ ذلك لى من قيادة الجيش، ليتسنى لرئيس الجمهورية وباقى القادة مشاهدة موقف القوات أولا بأول.

هل حقيقى أن موعد الحرب تم تبديله قبل الحرب بوقت قصير؟

إطلاقا، فموعد الحرب تم تحديده من مدة سابقة أثناء اجتماع الرئيس أنور السادات مع الرئيس حافظ الأسد، ولم يتم تغييره مطلقا.. وبناء عليه تم الهجوم من الجبهة السورية والجبهة المصرية فى نفس الوقت وبكل الدقة.

بصراحة.. كنت تعلم بتوقيت الحرب؟

لم يكن أحد يعلم بتوقيت الحرب داخل غرفة العمليات سوى القادة فقط، فقد كنا نقوم بعمل مشروع تدريبى داخل غرفة العمليات قبل الحرب بيومين، للتأكد من خطوط المواصلات وجاهزية القوات كمشروع تدريب روتينى، حتى جاء موعد الحرب فصدرت الأوامر من القادة بإزالة خرائط التدريب ووضع خرائط «الخطة جرانيت»، وهى خطة حرب أكتوبر حتى إننا لم نكن لحظتها نتخيل أن اللحظة قد حانت، والتى قد طال انتظارها طوال ست سنوات من يوليو ٦٧، وعلى الرغم من ذلك لم نكن مصدقين بالكامل حتى جاءت الساعة الثانية، وبدأ عبور أكثر من مائتى طائرة لخط القناة فى توقيت واحد، فأيقنا أن الحرب قد بدأت، وبعد ذلك قمنا بعملنا واستلام البلاغات القادمة من الجيوش وأفرع القوات المسلحة، مثل عبور الموجة الأولى والثانية والثالثة، وسقوط النقاط الحصينة للعدو، وهى أخبار مفرحة.. وكان الرئيس السادات قد حضر يوم ٦ أكتوبر لغرفة العمليات حوالى الساعة الثانية عشرة، وبعد بداية العمليات أخبرنا أنه أحضر فتوى من الأزهر بجواز إفطار الموجودين بغرفة العمليات أثناء الحرب؛ إلا أننا لم نفطر لأن كل تركيزنا كان بموقف العمليات على الجبهة، لدرجة أنه عندما جاءت الساعة الثامنة وهو موعد تغيير طاقم العمل لم يكن أحد راغبا بترك موقعه؛ إلا أن الفريق الشاذلى صرخ فينا بضرورة ذهاب الطاقم القديم للراحة، ليكون جاهزا للعمل فى اليوم التالى.

حدثنا عن الأحداث والمواقف الصعبة داخل غرفة العمليات أثناء الحرب؟

من المواقف المؤثرة أنه بعد عودة الطائرات من ضربتها الجوية لاحظنا وجود حديث خافت بين المشير محمد عبدالغنى الجمسى والمشير أحمد إسماعيل والفريق سعد الدين الشاذلى، وبعد ذلك طلب المشير إسماعيل من الرئيس السادات التحدث بشكل منفرد، فرفض الرئيس السادات، وطلب معرفة الموضوع فأخبره باستشهاد أخيه عاطف السادات وهو أحب أخوته؛ إلا أن رد الفعل من الرئيس السادات أنه مثله مثل كل أولاده الذين استشهدوا على الجبهة، وأن أخاه واحد منهم، وتعامل السادات مع الموقف بمنتهى القوة والثبات.

وهل تذكر لنا مواقف تأثرت بها أثناء ورود البلاغات إليك بغرفة العمليات؟

من المواقف التى تأثرت بها، أنه قبل عبور القوات كانت هناك مجموعة من رجال الصاعقة مهمتها هى سد فتحات أنابيب النابالم تحت القناة، وكان الهدف منها عند تشغيله من قبل العدو إشعال القناة والجنود التى تعبر بالقوارب، وكانت قوات الصاعقة المصرية مهمتها سد عدد أربع أنابيب نابالم، وعند قيامهم بذلك اكتشفوا أنها ست فتحات، فقاموا بسد الأنبوبين الأخيرين بأجسادهم حتى تعبر القوات، ليحترقوا هم بدلاً من زملائهم، فقد كانت ملحمة عنوانها الجندى المصرى.

وما أهم الأخبار التى سعدت بها أثناء وجودك بغرفة العمليات؟

كان هناك خبران، الفارق الزمنى بينهما صغير، ففى الساعة الثانية والربع تم التقاط إشارة بث مفتوحة وغير مشفرة من قائد القوات الجوية الإسرائيلية يحذر فيها جميع الطيارين الإسرائيليين من الاقتراب من قناة السويس حتى مسافة ١٥ كيلومترا حتى لا تدمرهم الصواريخ المصرية الموجودة على القناة، والتى كانت لها فاعلية كبيرة جدا، وذلك ساعد على عدم ضرب القوات التى تعبر أو ضرب الكبارى لنقل المدرعات إلى الضفة الأخرى، وهذا أحدث نوع من الارتياح لدى الموجودين بغرفة العمليات.. أما الخبر الآخر فقد جاء بعده بخمس دقائق هو إغلاق مصر لمضيق باب المندب ومنع عبور السفن المتجهة إلى إسرائيل وعودتها مرة أخرى، وذلك الحدث أربك إسرائيل بشكل كبير ولم يكن فى حساباتها حدوث ذلك، حتى إنه بعد وقف إطلاق النار ومباحثات الكيلو ١٠١ بين الجنرال ياريف واللواء الجمسى، كانت أكثر طلباته إلحاحا لأكثر من عشر مرات هى فتح البحرية المصرية لمضيق باب المندب، لما يمثله ذلك من اختناق لإسرائيل.

وما رؤيتك لصناع ذلك النصر؟

الرئيس السادات صاحب قرار الحرب، وهو قرار بكل المقاييس تاريخى وخطير، لأن الشعب كان سيحاسبه إذا لم تنجح خطة العبور فهو صاحب المسئولية الأولى، يليه المشير إسماعيل وهو بكل المقاييس شخصية عظيمة كقائد للجيش، أما الفريق الشاذلى فهو صاحب خطة العبور بالكامل بكل تفاصيلها الكبيرة والصغيرة حتى أصغر التفاصيل وهو شخصية عبقرية، وأيضا اللواء الجمسى رئيس هيئة العمليات المكلفة بالتخطيط وإدارة العمليات العسكرية، وأيضا رؤساء الأسلحة الرئيسية كالقوات الجوية والبحرية وخلافه؛ لكن لم يكونوا بغرفة العمليات وقتها، وكانوا جميعهم على أعلى مستوى من الخبرة والحرفية العسكرية، وأيضا كان هناك بغرفة العمليات العقيد أحمد نبيه واضع خطة الخداع الاستراتيجى، والتى اتسمت بقدرة كبيرة على خداع إسرائيل، فعلى سبيل المثال قامت القوات المسلحة بالإعلان عن عمرة رمضان، وتم إجراء القرعة بالفعل وتسفير عدد من الضباط بالفعل، وتم نشر ذلك بالصحف الرسمية.

وأيضا كانت الجنود على الجبهة تعيش فى خنادق تحت الأرض هربا من القصف الإسرائيلى، وكانوا يقومون بنشر البطاطين الخاصة بهم فى الشمس كأى يوم عادى، حتى إنه كان بعض الجنود يقومون بالصيد على القناة، حتى فترة قصيرة من بداية الحرب، لدرجة أن القوات على شط القناة لم تعرف بموعد الحرب حتى الساعة الثانية عشرة لتكون الساعتان المتبقيتان كافيتين لتجهيز القواربالمطاطية للعبور، وأيضا لتجهيز الجنود والاستعداد من حيث الأسلحة والتجهيزات الأخرى، حتى إن القيادة الإسرائيلية كانت تتصل بالقوات الموجودة بخط بارليف عن حالة الجبهة، فيجيبونهم بعدم وجود أى شىء غير عادى بالجبهة المصرية.

وما مدى مشاركة جمال عبد الناصر بحرب أكتوبر؟

بعد هزيمة ٦٧ كان الجيش المصرى قد خسر ما يقرب من ٧٠٪ من معداته وأسلحته، فكانت أولوية الرئيس عبد الناصر هى إعادة الأسلحة والمعدات مرة أخرى للجيش، وكان هناك إسهام كبير للاتحاد السوفييتى لإعادة تسليح الجيش، وبعد ذلك استكمال دفاعات الجيش المصرى لمنع إسرائيل من الهجوم حتى عام ١٩٦٩ طلب عبد الناصر وضع خطة للهجوم، وكان اسمها المآذن العالية، وبعد وفاته تم تعديل خطة المآذن العالية إلى الخطة جرانيت بناء على المتغيرات التى تحدث، وصولا إلى الخطة جرانيت المعدلة، وهى الخطة التى حارب بها الجيش المصرى فى حرب أكتوبر وانتصر.

من داخل غرفة العمليات.. كيف ترى دور الفريق الشاذلى فى حرب أكتوبر؟

كان رجلا عظيما ومخلصا، أدار فترة التخطيط كاملة بجدارة، وقام بعمل التوجيه ٤١ الذى عبرنا به؛ ولكن هذا القائد ظلمه التاريخ.

وما الدروس المستفادة من حرب أكتوبر؟

بعد انتهاء الحرب أعلن السادات أنه يريد انفتاحا علميا عسكريا للجيش المصرى، لأن جميع القادة قد درسوا فى الاتحاد السوفييتى بكلية أركان الحرب، فكان يريد الانفتاح على الغرب، فكنت من أوائل الذين سافروا إلى إنجلترا بجامعة كامبرلى، فكنت أول ضابط مصرى يدرس العلوم العسكرية بإنجلترا منذ ٢٠ عاما، وكان هذا السفر بعد الحرب مباشرة والعالم مشغول بنتائج تلك الحرب، لأن تلك الحرب كانت أحدث حرب فى العالم، وهى بين قوتين كبار الجيش المصرى والإسرائيلى، وهما جيشان يتميزان بالاحترافية العسكرية، وكان الاهتمام بنتائج تلك الحرب كبيرا جدا فى الغرب، لدرجة أن العلوم العسكرية قد تغيرت بعد الحرب، فعلى الصعيد البحرى غرق المدمرة إيلات من خلال لنشى صواريخ صغيرين فقط، أجبر العالم على عدم اللجوء إلى بناء السفن الضخمة كإيلات والاتجاه إلى الفرقاطات، وأيضا ضرورة التركيز على تطوير الرادارات وأجهزة الاستشعار الإلكترونية للسفن للدفاع عن نفسها من هجمات الصواريخ.. أما على الصعيد الجوى فكانت هناك بالدراسات العسكرية فى العالم ثلاث نظريات، وهى السيطرة الجوية عندما يكون عدد الطائرات لطرف أكثر من الطرف الآخر، وهناك التعادل الجوى عندما تتساوى أعداد الطائرات بين الطرفين، وهناك نظرية السيادة الجوية عندما تقوم إحدى القوتين بتدمير القوات الجوية للطرف الآخر على الأرض، أما المصريون فمن خلال حرب أكتوبر أنشأوا نظرية التحييد الجوى من خلال منظومة الدفاع الجوى التى تستطيع إخراج القوات الجوية للطرف الآخر من الحرب وتحييدها تماما خارج الحرب.

أما قوات المشاة، فمعروف عسكريا أن الجندى لا يقوم بالهجوم؛ إلا مع دبابات تحميه أثناء العمليات، أما المصريون فقاموا بعمل نظرية جديدة، فالجندى من خلال تسليحه بالآر بى جى أو صواريخ صغيرة يستطيع ضرب الدبابات المعادية وتدميرها، فالقوات التى عبرت القناة ظلت ٦ ساعات تقاتل الدبابات الإسرائيلية حتى استكمال الكبارى وعبور الدبابات للمساندة فى سيناء.. أى أن المقارنة بين أعداد الدبابات لم تعد صحيحة، وبذلك قامت أوربا بتغيير خطط الدبابات نظرا للتغيير العسكرى الذى قام به المصريون.

وماذا عن الأخطاء التى وقع فيها الجيش الإسرائيلى؟

الثقة الزائدة، وأسطورة خط بارليف المزيفة، إلى جانب الاستهانة بالجيش المصرى وقدراته.

وهل تناول الإعلام الغربى لحرب أكتوبر أنصفها أم ظلمها؟

الإعلام العسكرى الغربى أنصف الحرب، والإعلام الغربى كان منبهرا بنا؛ لكن الخطأ الكبير الذى وقعنا فيه هو عدم تسجيل هذه الحرب سينمائيا أو إعلاميا لسرية الحرب، وأيضا لم يكتب أحد من مصر عن هذه الحرب العظيمة، والكتاب الذى كتب يصلح للمصريين وليس للخارج.. فبالتالى التقصير منا، وليس من الإعلام الغربى.

حدثنا عن دور القوى الناعمة والإعلام فى حرب أكتوبر؟

لقد أخذنا درسا من ٦٧ والمغالاة فى التصريحات، لذلك كانت الأوامر أن الوضوح والمصداقية فى البلاغات مهم.. وأتذكر أننا كنا فى موقع غرب جنوب البحيرات، وتم تدمير دبابة فى الاشتباك، فى نشرة الساعة الخامسة أعلنا عن خسارتنا لهذه الدبابة، وكان هناك برنامج يذاع يوم السبت اسمه «السينما والحرب» يقدمه الإعلامى أحمد سمير، وكنا نهيئ الشعب من خلاله ليعرف ما هى الحرب؟، وما حدث فيها من أهوال؟.. كما أن المسرح كان له دور كبير، والأغانى تحولت إلى أغان حماسية كأغنية «أحلف بسماها وبترابها» لعبد الحليم حافظ، إلى أن جاء يوم الحرب فكان هناك إعلام متزن هادئ ليس به مغالاة.. وأتذكر أننا كنا فى غرفة العمليات تحت الأرض، فلم يصلنا الإرسال فقام الرئيس السادات بتوصيل سلك يصل بالراديو إلى أعلى، وعلى غراره قمنا نحن أيضا بتوصيل أسلاك لنسمع هذه الأغانى الحماسية، التى كان لها دور مهم، فكانت موضوعة بخطة محكمة لأنها مكملة لخطة الحرب.