الثلاثاء 14 مايو 2024

«ذا ديبلومات»: سباقات تسلح خفية تحت العتبة النووية بين القوى العظمى

الولايات المتحدة والصين

عرب وعالم19-8-2023 | 12:55

دار الهلال

أصبح التنافس بين القوى العظمى (الولايات المتحدة وروسيا والصين) شديدا للغاية، وتشكل القدرات النووية لهذه القوى رادعا لتجنب حدوث صراع مباشر بينها. ويُنظر إلى الحرب الأوكرانية الروسية، الدائرة حاليا، من جانب بعض الأوساط (موسكو) على أنها صراع بالوكالة بين حلف شمال الأطلسي (ناتو) وروسيا، لكن كلاهما يدرك "الخطوط الحمراء" الاستراتيجية التي يجب عدم تجاوزها لتجنب حدوث كارثة نووية.

ورأت دورية "ذا ديبلومات" الأمريكية ـ المتخصصة في الشأن الآسيوي- أن النفور من استخدام أسلحة الدمار الشامل أدى إلى ظهور سباقات تسلح "خفية" بين القوى العظمى تحت العتبة النووية. وتتضمن القدرات العسكرية غير النووية استغلال القوة التكنولوجية الصلبة والناعمة.

وتنقسم هذه القدرات إلى ثلاثة مجالات: أولا، التقليد العسكري، حيث يتم نسخ القدرات المتفوقة للحيوانات ومحاكاتها لتحسين الأداء العسكري؛ ثانيا، الذكاء الاصطناعي (AI)، الذي يتم من خلاله تطوير أنظمة الأسلحة "الروبوتية" المستقلة لتحل محل أو توسيع القدرة العسكرية التقليدية؛ وثالثا، علم الأعصاب، لاكتساب ميزة عسكرية من خلال تطوير (قدرات) جنود فائقي الذكاء.

وذكرت الدورية الأمريكية أن روسيا حاولت الاستفادة استراتيجيا من أول مجالين، والمتمثلة في استخدام حيتان "الجاسوسية" البيضاء في المياه قبالة شبه الجزيرة الاسكندنافية (التي تتضمن أراضي السويد، النرويج، الشمال الغربي لفنلندا وبعض الأراضي الروسية المنعزلة)، ونشر طائرات بدون طيار في نزاع أوكرانيا.

كما أن موسكو أبدت حرصها على التواجد في سباق التسلح الذي يحركه الذكاء الاصطناعي، وهو ما تناوله الرئيس فلاديمير بوتين بوضوح بتأكيده أن "الذكاء الاصطناعي هو المستقبل، ليس فقط لروسيا ولكن للبشرية جمعاء... أيا كان من سيصبح رائدا في هذا المجال، سيصبح حاكم العالم".

ومع ذلك، فإن حديث بوتين لا يتطابق مع الواقع، حيث وصف محللون روسيا بأنها "دخيلة" في هذه الثورة الصناعية الرابعة، نتيجة لتشتتها بسبب الحرب والعقوبات وانهيار اقتصادها غير العسكري، الأمرالذي أدى بها لاستثمار مبالغ ضئيلة فقط في الذكاء الاصطناعي، وبالتالي فإن التنافس الرئيسي في هذا المجال أصبح منحصرا بين الولايات المتحدة والصين.

وبالنسبة لمجال التقليد العسكري، تقدمت الولايات المتحدة بشكل ملحوظ في استخدام القدرات الحيوانية (غير البشرية). على سبيل المثال، استغلت السونار الحيوي للدلافين المتطورة للغاية لحماية البحارة الأمريكيين في خليج "كام رانه" أثناء حرب فيتنام، ومرة أخرى في الخليج عامي 2003 و2011 من خلال الكشف عن الألغام تحت الماء، وتوفير ممر آمن لناقلات القوات والإمدادات اللوجستية ، علاوة على ذلك، فإن حوالي ربع قواعد الغواصات النووية للولايات المتحدة تحرسها الدلافين "المدربة على هذه المهام".

وتبحث الولايات المتحدة الأمريكية أيضا عن الفوائد العسكرية الأوسع للحياة البحرية. ويتضمن ذلك برنامجا يركز على كيفية "إخفاء" الرسائل السرية عبر استخدام الأصوات الصادرة عن الثدييات،إضافة إلى مشروع مستشعرات الأحياء المائية الثابتة الذي يبحث في قدرات استشعار الحيوانات البحرية الفطرية لتحديد وتتبع التهديدات في المحيطات ، كما أن وكالة مشاريع البحوث المتطورة الدفاعية الأمريكية (داربا) (DARPA) تحقق في مدى إمكانية استخدام سمكة "جالوت" كنظام مراقبة تحت الماء للكشف عن الغواصات أو الطائرات المعادية في المحيطات، وغيرها من المركبات (المأهولة وذاتية الحركة) التي تشكل تهديدا تحت الماء.

بدورها، سعت مبادرات أبحاث التقليد الصينية إلى مطابقة الجهود الأمريكية إن لم يكن تجاوزها ، فلقد ذهب باحثو جيش التحرير الشعبي الصين (PLA) إلى أبعد من مجرد استخدام تسجيلات لأغاني الحيتان والدلافين كرمز سري، حيث يستخدمون حاليا توليفة إشارات اصطناعية "لخلق" أصوات الحيتان والدلافين. ولتوضيح ذلك، استخدم العلماء الصينيون أصوات حوت العنبر كوسيلة لنقل الرسائل المشفرة من الغواصات الصينية لمنع أنظمة استطلاع العدو من اكتشاف وفك تشفير محتواها.

وفي مجال الهندسة الحيوية، يدفع علماء الجيش بقوة نحو تطوير أنظمة أسلحة روبوتية ، فعلى سبيل المثال، ابتكرت الولايات المتحدة أنظمة دعم وصراصير "سايبورج"، وهي عبارة عن مزيج من مكونات عضوية أي نصف كائن ونصف آلي عبر توصيل إلكترونيات بأنظمتها العصبية تسمح بالتحكم بها عن بعد، وذلك لاستخدامها في استكشاف التضاريس المعادية. بالإضافة إلى ذلك، يستكشف البحث المتقدم إمكانية تكييف تقنيات "تحليق" اليعسوب بالإضافة إلى هندسة درع "حيوي" مقتبس من تكوينات الألياف والهياكل الخارجية الفريدة الموجودة في أصداف الحلزون ومخالب قريدس المانتس.

وعلى الجانب الآخر، ينتهج جيش التحرير الشعبي الصيني محاكاة بحرية مماثلة، وهو ما يتضح في القرش الآلي الذي يتم التحكم فيه عن بُعد ويستطيع بفضل مصدر الطاقة في الذيل الآلي الوصول إلى سرعة قصوى تصل إلى ست عقد، مع المناورة لتجنب العوائق تحت الماء، وإجراء المهام، بما في ذلك الاستطلاع والبحث والإنقاذ والمراقبة في ساحة المعركة. كما يجري تطوير شبيه بسمكة "مانتا راي" المعروفة باسم شيطان البحر ولكن بقدرات كبيرة إذ تسطيع الغوص لمسافة 1000 متر مع كفاءة دفع عالية و إمكانية الهبوط في قاع البحر.

يذكر أنه منذ عام 2016، قامت إدارة معدات القوات البرية الصينية بدمج الروبوتات الحيوانية في قواتها، بما في ذلك الكلاب الآلية المقاتلة المسلحة. وفي عام 2022، طور المهندسون الصينيون "ياك" وهو روبوت كبير رباعي الأرجل قادر على سحب ما يصل إلى 160 كيلوجراما والتحرك بسرعة تصل إلى 10 كيلومترات في الساعة على تضاريس مختلفة بما في ذلك الأراضي العشبية والصحاري وحقول الثلج.

وفي المجال الجوي، كان جيش التحرير الشعبي الصيني يجرب الحشرات، ويصنع آلات روبوتية طائرة بتكنولوجيا تحاكي الطرق التي تتحرك بها الحشرات السريعة ، كما تعمل القوات الصينية أيضا على تطوير طائرة تجسس بدون طيار عالية التقنية تحمل اسم "الحمامة دوف" تحاكي 90 بالمائة من تحركات الحمامة الفعلية ، وعلى عكس الطائرات بدون طيار التقليدية، يصعب اكتشاف هذه الحمامة لأنها تجذب الطيور الفعلية والذباب داخل السرب الطائر ، ويمكن استخدام الحمام الآلي للمراقبة، عبر دمج كاميرا عالية الدقة وهوائي GPS ونظام التحكم في الطيران، ما يتيح إمكانية الاتصال عبر الأقمار الصناعية. وبحسب تقارير، فقد نشرت الصين بالفعل هذه الطائرات بدون طيار في منطقة شينجيانج ذاتية الحكم ذات الأغلبية المسلمة أقصى شمال غربي الصين.

وتتمثل الخطوة التالية ـ وفقا لدورية "ذا ديبلومات" الأمريكية - في تطوير أسراب طائرات بدون طيار، وهو المجال الذي تدخل الصين فيه في منافسة شرسة مع الولايات المتحدة، فقد خصصت وزارة الدفاع الأمريكية 3 مليارات دولار لهذا الغرض، من أجل تطوير آلاف الطائرات المسيرة على الأرض وفي الجو وعبر البحر لكي تعمل معا كسرب متكامل لسحق دفاعات العدو والسيطرة على المنشآت العسكرية. 

وعلى الجانب الآخر، تحاول الصين بناء قدرات مضادة للطائرات بدون طيار. ومن المرجح أن تنجح؛ نظرا لأن الصين هي بالفعل رائدة العالم في تكنولوجيا الطائرات بدون طيار، حيث تمتلك أكبر مجموعة من الطائرات بدون طيار للهجوم والمراقبة والخدمات اللوجستية. وفي الواقع، في أواخر عام 2022، ظهر دليل على وجود سرب من 10 طائرات بدون طيار يتنقل عبر غابة سميكة من الخيزران. ومع ذلك، يرى العلماء أن التكنولوجيا ذات الصلة مازالت بحاجة إلى النضج، ومواصلة البحث للعثور على "خوارزمية ذكية" تحقق التطلعات ذات الصلة.

وترى الدورية الأمريكية أن السباق العسكري بين الولايات المتحدة والصين في قمته، حيث تنظر بكين إلى الثورة الصناعية الرابعة كفرصة لاغتنام زمام المبادرة وتصبح القوة الرائدة في العالم في استخدام الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحيوية عسكريا. ويجب هنا الانتباه إلى أنه من خلال استراتيجيتها الوطنية للاندماج العسكري-المدني، تتطلع الصين أيضا إلى التطبيقات العسكرية لعلم الأعصاب، حيث أبرزت ورقة بحثية حديثة أعدتها الزميلة المساعدة في مركز الأبحاث الأمنية الأمريكية، إلسا كانيا، أن جيش التحرير الشعبي الصين يسعى لتحقيق ميزة عسكرية من خلال العلوم المعرفية والتكنولوجيا الحيوية.

وأشارت الدورية إلى أن جيش التحرير الشعبي الصيني يتوقع أن الحرب المستقبلية سوف تتطور من الصراع "المعلوماتي" إلى الصراع "الذكي" ، وبالنسبة لبكين، كانت نقطة البداية في عام 2016 بإطلاق أبحاث الدماغ المتكاملة، والتي كانت ردا على مبادرة BRAIN الأمريكية التي أطلقت عام 2013 بقيمة ملياري دولار. وتسعى الصين من خلال مبادراتها إلى تهجين ذكاء الإنسان والآلة.

وترى "ذا ديبلومات" أن الأسلحة المستقبلية وأنظمتها سترتبط بالهيمنة البيولوجية، مما يوسع نطاق ساحة المعركة ليتجاوز الهندسة الحيوية للكائنات الحية ، وقد تجلى ذلك في بدء العمل الفعلي على التعديل الجيني للحيوانات والأجنة البشرية، حيث نجح فريق بحثي في إدخال جين محدد في الخلايا الجذعية البشرية، مما أدى إلى زيادة مقاومة الإشعاع ورفع احتمالية وجود قوات خارقة قادرة على النجاة من أي انفجار نووي.

لا شك أن سباق التسلح المدعوم بالذكاء الاصطناعي سينقل العالم إلى مرحلة جديدة، وسيغير بشكل عميق طبيعة وشكل الحرب الحالية.

Dr.Radwa
Egypt Air