أدى التطور التكنولوجي إلى ظهور ما يعرف بالذكاء الاصطناعي، الذي أصبحت تقنياته جزءا أساسيا من بيئة العمل في مختلف المجالات، وأثبتت الدراسات أنه بمرور الوقت سيؤدي إلى إلغاء نحو 300 مهنة يتصل بعضها بالمجال الإعلامي، ما أثار قلقا كبيرا بين العاملين بالوسط الصحفي والإعلامي، وللتعرف على تأثير الذكاء الاصطناعي على مستقبل الإعلام، أجرت دار الهلال حوارا مع أحمد سعيد العلوي رئيس تحرير العين الإخبارية.
وإلى نص الحوار:
- تتبنى دولة الإمارات العربية الشقيقة رؤية مستدامة في شتى المجالات.. كيف تتبنى المؤسسات الإعلامية هذه الرؤية؟
دولة الإمارات واحدة من الدول الرائدة في تحقيق التنمية المستدامة في مختلف المجالات وفي مقدمتها الاقتصاد والبيئة، لاسيما مع استضافتها قمة "كوب 28" والتي نضع جميعا آمالا جمة عليها لإنقاذ الأرض من ويلات التغير المناخي، لذلك ليس غريبا أن يعلن الشيخ محمد بن زايد آل نهيان 2023 "عام الاستدامة" في دولة الإمارات، داعيا إلى تبني أفكار جديدة ومبادرات نوعية في هذا الاتجاه.
ولا يمكن الحديث عن الاستدامة دون التطرق إلى التحول الرقمي فالاثنين يسيران بشكل متواز وهو ما يؤكده تقرير هيئة تنظيم الاتصالات والحكومة الرقمية الذي يسلط الضوء على اتساع الخارطة الرقمية، وارتفاع نسبة مستخدمي الإنترنت في دولة الإمارات لـ 99% من السكان، اتساقا مع رؤية قيادة واعية، تستشرف المستقبل وتستعد له بأدوات مناسبة.
ومما لا شك فيه أن الإعلام كأداة من أدوات الدولة له دور كبير في تعزيز الرؤية ورفع الوعي لدى الجمهور بقضية التنمية المستدامة، وتسليط الأضواء نحو مشاريع ومبادرات مستدامة تحقق تقدما في مختلف المجالات، وبالفعل تتبنى المؤسسات الإعلامية في دولة الإمارات الرؤية المستدامة من خلال نقل المعرفة والوعي حول قضايا التنمية المستدامة وتشجيع التفاعل والمشاركة، بالإضافة إلى دورها في تسليط الضوء على النجاحات وتوجيه الاهتمام نحو مساهمة جميع أفراد المجتمع في بناء مستقبل مستدام، وتقديم تقارير شاملة تغطي مجموعة واسعة من القضايا المتعلقة بالتنمية المستدامة، بما في ذلك الاقتصاد الأخضر والتكنولوجيا المستدامة والحفاظ على التنوع البيولوجي والتعليم والصحة. ويقع على عاتق الإعلام أيضا تشجيع المجتمع على المشاركة في المبادرات المستدامة، بل إن المؤسسات الإعلامية نفسها لابد وأن تكون نموذجًا من خلال اعتمادها ممارسات مستدامة مثل تقليل الانبعاثات الكربونية وإدارة النفايات بشكل فعال والتقليل من استخدام الورق والاعتماد بشكل أساسي على المواد القابلة لإعادة التدوير والاستخدام.
- يرسم الذكاء الاصطناعي وجه جديد للحضارة البشرية، فكيف نستعد لهذه الطفرة إعلاميا؟
لا يمكن لأي شخص حاليا أن يغفل دور الذكاء الاصطناعي الذي أصبح جزءا من التطور التكنولوجي والذي بكل تأكيد سيلقي بظلاله على العنصر البشري، ومن هنا يجب أن تستعد المؤسسات الإعلامية بشكل مناسب لهذه الطفرة من خلال تبني استراتيجيات إعلامية فعّالة تعتمد على توعية الجمهور ونقل المعلومات والمفاهيم المتعلقة بالذكاء الاصطناعي بطريقة مفهومة وتنظيم حملات توعية وبرامج تعليمية لتوضيح كيفية عمل الذكاء الاصطناعي وتأثيره على مختلف جوانب الحياة، علاوة أيضا على تقديم تقارير شاملة حول الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك الفوائد والتحديات المحتملة، وتسليط الضوء على تطبيقاته الإيجابية وأيضًا تناول القضايا المثيرة للجدل مثل الأخلاقيات وتأثيره على سوق العمل.
وفي الوقت نفسه يجب أن تكون المؤسسات الإعلامية قادرة على توفير تحليل عميق ونقدي للتطورات في مجال الذكاء الاصطناعي وتنظيم مناقشات وحوارات تفاعلية والاعتماد على مصادر موثوقة وخبراء في مجال الذكاء الاصطناعي عند نقل المعلومات والتعاون مع الخبراء والمختصين في مجال الذكاء الاصطناعي لضمان تقديم معلومات دقيقة ومحدثة، علاوة على إتاحة الفرص للجمهور للتفاعل وطرح الأسئلة المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، ومن هنا لا بد وألا تغفل المؤسسات الإعلامية الاطلاع الدائم على أحدث التطورات في مجال الذكاء الاصطناعي وتعكف على تحليل تأثيرها وتوجيهها للجمهور.
- هل هناك برنامج تدريبي مستمر للصحفيين والعاملين في الحقل الإعلامي؟
بالطبع لابد أن يطور الصحفي من نفسه طوال الوقت من خلال الورش والدورات التدريبية المستمرة لاكتساب مهارات جديدة، فالتدريب ليس نوعا من الرفاهية، إنما عقيدة أساسية لمن يريد التميز وسط منافسة عالمية كبيرة، ودولة الإمارات لها رؤية واضحة في هذا الإطار، فالاستثمار في العنصر البشري عامة وفي الشباب على وجه الخصوص أولوية.
ولا يمكن أن تتوقف عجلة التعلم لأي إنسان خاصة العاملين في مجال الإعلام، لذلك هناك العديد من البرامج التدريبية المخصصة للصحفيين والعاملين في مجال الإعلام، والتي تهدف إلى تطوير مهاراتهم ومعرفتهم في مجالات متنوعة تتعلق بالإعلام والصحافة، مثل برامج تطوير مهارات الكتابة والتحقق من الحقائق وبرامج استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والأدوات الرقمية لنشر المحتوى، وبرامج تركز على تطوير مهارات تحليل وتقديم الأخبار والمعلومات بشكل فعال، وأخرى لتعلم فنون التصوير وإنتاج الفيديوهات الصحفية.
- هل هناك سبل تعاون بين مؤسسات صحفية مصرية وإماراتية في مجال التدريب على الاعلام الرقمي ؟
بالتأكيد التعاون بين المؤسسات الصحفية في مصر والإمارات قائم منذ فترة طويلة، فمنذ تأسيس الصحف الإماراتية وهي تعج بالخبرات المصرية الكبيرة التي كان لها باع كبير في هذا المجال، فنحن إخوة ودائما الدعم متبادل وحاليا هناك ورش ودورات وتبادل خبرات واستشارات وأفكار، ونطمح أن يكون هناك تعاون أكبر ونقوم بعمل ورش متبادلة وتعايش في غرف الأخبار ويكون هناك استشاريين إعلاميين لتحقيق أكبر استفادة ممكنة.
- مخاطر الذكاء الاصطناعي في المجال الإعلامي عديدة كيف نواجهها ونرفع الوعي المجتمعي.. فسهولة تصديق الخبر حتى وإن كان غير دقيق مؤكد ستتضاعف في ظل الذكاء الاصطناعي ؟
لا يمكننا حاليا إغفال دور الذكاء الاصطناعي الذي أصبح جزءا من التطور التكنولوجي لما له من إيجابيات وسلبيات، فالذكاء الاصطناعي "داء ودواء"، فلا شك من فوائده العظيمة ولكن هذا لا ينكر سلبياته ومخاطره لاسيما على المجال الإعلامي، بما في ذلك انتشار الأخبار الكاذبة والمعلومات غير الدقيقة خاصة مع تطور تكنولوجيا توليد المحتوى والتلاعب بالصور والفيديوهات، لذلك فإذا كان هو الداء فيمكنه أن يصبح الدواء من خلال استخدام التكنولوجيا لتطوير أدوات تساعد في التحقق السريع من الأخبار والمعلومات، ومساعدة المؤسسات الصحفية على تقليل النفقات والاستثمار في الكوادر البشرية بشكل صحيح، وبناء بنية تحتية قوية للاستعداد للتطور السريع للذكاء الاصطناعي والاستفادة منه بشكل كبير لتحقيق عوائد استثمارية للمؤسسات الصحفية.
لذلك نحن في حاجة لوضع أدوات تساعد على التحقق السريع من الأخبار والمعلومات، وأطمح أن يكون هناك تعاون وثيق بين المؤسسات الإعلامية العالمية للتحقق من المعلومة بشكل سريع، ربما نحن بحاجة ملحة لإطلاق مبادرة وخلق كيان عربي مثل "كونجرس إعلامي" يساهم في وضع قوانين وأطر وتشريعات، ودولة الإمارات دائما لديها هذا الوعي ، حيث عقدت معرض ومؤتمر الكونجرس العالمي للإعلام الذي أراه يساهم في رسم ملامح مستقبل القطاع الإعلامي من خلال توحيد الجهود وتبادل الأفكار المبتكرة والحلول التقنية المتطورة، للعمل على بناء مؤسسات إعلامية مرنة في عصر التضليل الإعلامي، من خلال سن القوانين المنظمة لتجنب نشر الشائعات والأخبار المغلوطة .
الخلاصة أنه على المؤسسات الإعلامية تبني استراتيجيات إعلامية فعّالة تعتمد على توعية الجمهور وتوفير تحليلات عميقة ونقدية للتطورات في مجال الذكاء الاصطناعي وتنظيم مناقشات وحوارات تفاعلية والاعتماد على مصادر موثوقة وخبراء في مجال الذكاء الاصطناعي عند نقل المعلومات والتعاون مع الخبراء والمختصين في مجال الذكاء الاصطناعي لضمان تقديم معلومات دقيقة ومحدثة.
الإعلام الورقي أمام تحديات جسام في ظل التطور التكنولوجي وما لحقه من أدوات للذكاء الاصطناعي والانتشار الكبير لمنصات التواصل الاجتماعي التي أصبحت تقوم بأدوار كثيرة للإعلام بشكلها التقليدي، علاوة على التكاليف الباهظة لإصدار المطبوعات الورقية، كل ذلك يضع الإعلام التقليدي في وجه تحد لابد وأن يواكبه التطوير والاستثمار الأمثل للإمكانيات التكنولوجية المتاحة، ولذلك قد رأينا في السنوات الماضية تحول العديد من الصحف العالمية الكبرى من ورقية إلى إلكترونية توفيرا للمصاريف من جهة ومواكبة لتوجهات القارئ -ولنكون أدق- للمستخدم الذي الآن لم يعد كما كان في السابق حيث تغيرت عادات القراءة وأصبح يستهلك معظم وقته على الهاتف المحمول أو الحاسب وبالتالي اختفت تدريجيا المشاهد التي تعودنا عليها في صغرنا حينما كنا نشاهد الأشخاص منهمكين في قراءة صحيفة ما في المواصلات وأماكن الانتظار وغيرها،، لذلك للأسف فمستقبل الإعلام الورقي على المحك ما لم يتزامن معه كما ذكرنا من قبل أفكار التطوير ومواكبة العصر وتلبية رغبات الجمهور المتغير والمتقلب في الوقت نفسه.
فلا تزال الصحف الورقية تتمتع بالمصداقية الكبيرة كمرجع ومصدر موثوق بمعلوماته وأخباره لدى القراء وهو محور تتفوق به عن الإعلام الرقمي بشكله الجديد حيث لا يوجد تعارض بينهما، بل بالعكس، فالإعلام الرقمي تطور طبيعي ومُلّح يواكب التطور الهائل في صناعة المحتوى، وهو في الوقت نفسه "الداعم" و"الناقل" للإعلام الورقي لفئة من الجمهور "المميز" في حالات التطور الرقمي.
- أحدث التقنيات التي تستفيد منها بوابة العين من الذكاء الاصطناعي؟
بالفعل بدأت العين الإخبارية في استثمار الذكاء الاصطناعي منذ فترة حيث أدخلنا صحافة الروبوت متمثلة في شخصيات افتراضية لديها مقالات أسبوعية سواء على الموقع والمنصات العربية أو كذلك اللغات الأربع التركية والفرنسية والأمهرية والفارسية، حيث استخدمنا الذكاء الاصطناعي في تصميم شخصية افتراضية أطلقنا عليها "عارف بن تقني" وله مقالات أسبوعية على العين الإخبارية وهو الأمر نفسه الذي حدث مع باقي اللغات، أيضا استثمرنا الذكاء الاصطناعي في تحديد الجمهور المستهدف وإعداد الدراسات في هذا الشأن لمعرفة رغبات الجمهور والتواجد الجغرافي، ونعكف حاليا على إدخال عدة أدوات من الذكاء الاصطناعي في عمليات النشر وإنتاج الفيديوهات والنشرات الإخبارية والتي ستظهر إلى العلن قريبا.
فالعين الإخبارية حريصة دائما على التطوير المستمر واستخدام أحدث التقنيات الخاصة بالذكاء الاصطناعي من تحليل الجمهور ومعرفة اهتمامات كل شريحة وتدريب العنصر البشري بشكل دائم، وهو ما انعكس على تطوير صحافة الفيديو بعدما أجرينا دراسة لعوامل نجاحها وكيف يمكن أن يكون العنوان له مصداقية ويعبر بدقة عن المتن بعيدا عن "الفرقعة الإعلامية"، لذا تتمتع العين بالمصداقية وحصدنا أكثر 1.2 مليار مشاهدة في فترة قصيرة، ووجود الرسالة الإعلامية لدينا بأكثر من لغة ساعد على الانتشار الكبير للعين الإخبارية، حتى الجمهور الغربي وجدناه يركز على الإنفوجراف، وقمنا بعمل دراسات كثيرة للجمهور والتي ساعدتنا على تلبية متطلباته كونه أصبح "اقل صبرا" فدفعنا ذلك إلى اختصار عدد الكلمات وغيرها من أمور تشبع رغباته وتلبي تطلعاته، ودائما أقول للصحفيين "قم بعمل المادة التي يبحث عنها الجمهور".
في النهاية المحتوى هو المحتوى، ولكن أدوات تقديمه اختلفت، فالتركيز على الفيديو هو استثمار صحي في صناعة المحتوى والأرقام دائما تتحدث، لدينا سياسة تحريرية واضحة ونبني دائما على القصة الناجحة ومتابعة كل شيء وتطوراته بدقة بالغة.
- وسائط جديدة مثل تشات جي بي تي هل تقلص من دور العنصر البشري؟
الذكاء الاصطناعي جاء مكمل للعنصر البشري، ولا يمكن أن يلغي دوره، فمن ابتكار الذكاء الاصطناعي في الأساس ومن يقوم بتطويره طوال الوقت، ومن يشرف على عمله؟ الذي يقوم بذلك العنصر البشري، والذكاء الاصطناعي ساهم بشكل كبير في تقليص التكلفة وتحسين الكفاءة ولابد للعنصر البشري أن يتسلح بالدورات والتدريب المستمر والمهارات التي تجعله يواكب هذا التطور الهائل في صناعة ونقل الخبر وخصوصا أن التوجه الأكبر الآن لصحافة الفيديو والتنافس بين المنصات الرقمية جاء لصالح تحسين الكفاءة وتقديم الأفضل دائما ونحن بحاجة مستمرة لعمل حملات توعوية توضح كيفية عمل الذكاء الاصطناعي في كافة المجالات وليس فقط الاعلام للوقوف على كل جديد ونستعد بعمل بنية تحتية قوية واستراتيجية إعلامية تحرص على الدقة في نقل الخبر وهذا ما تقوم به العين الإخبارية طوال الوقت ولذلك تتمتع بانتشار ومصداقية بين الجمهور العربي كله.