الجمعة 17 مايو 2024

حرب الاستنزاف نواة نصر أكتوبر «جزء أول»

5-10-2017 | 03:34

ست سنوات ما بين النكبة والانتصار ، ففي الخامس من يونيو 1967 وقعت النكبة التي على أثرها احتل الكيان الصهيوني الضفة الغربية من شبه جزيرة سيناء مما دعى الرئيس جمال عبد الناصر أن يعلن مسئوليته عما حدث ويعلن تنحيه عن الرئاسة ، لتصبح مصر كلها على قلب رجل واحد وترفض تنحي ناصر ، الذي بدأ مرحلة جديدة وهي مرحلة حرب الاستنزاف التي أنهكت العدو الصهيوني لمدة ثلاث سنوات متواصلة ، وانتهت حرب الإستنزاف برحيل ناصر، الذي ترك مصر على مشارف النصر .

 

ترجم الرئيس جمال عبد الناصر ميول وأهداف الكيان الصهيوني بعد أن احتل الأراضي المصرية ، وذلك مما رآه من سلوك الصهاينة بعد احتلالهم لأرض فلسطين ، وتتمثل أهداف إسرائيل في كسب الأرض من خلال نصر عسكري ، وجعل تلك الأرض حدود آمنة ، ثم البدء في تهويدها .. لذا صمم ناصر والفريق محمد فوزي على ألا يهنأ العدو ، فبعد ستة أيام من النكبة عين الزعيم ناصر الفريق أول محمد فوزي قائداً عاماً للقوات المسلحة ، والفريق عبد المنعم رياض رئيساً لأركان الجيش والفريق طيار مدكور أبو العز قائداً عاماً للقوات الجوية ، واللواء بحري فؤاد محمد ذكري قائداً للقوات البحرية .. وفي جلسة التكليف أكد ناصر على الفريق فوزي أن المواجهة مع العدو الصهيوني سيأتي وقتها ، وأضاف الرئيس بأنه لا يريد أن يتم تهويد سيناء أو الضفة الغربية .. وأكد على كل قائد منهم أن يقوم برفع الروح المعنوية للجنود مع أعادة بناء القوات المسلحة وأعادة تدريب الجنود على القتال .

 

الشرارة الأولى لحرب الإستنزاف
في الأول من يوليو عام 1967 تحركت مدرعات الكيان الصهيوني لإحتلال مساحات أكبر من أرض سيناء، وذلك باتجاهها من القنطرة إلى بور فؤاد لتقع معركة بين قوات العدو مع قوات من الصاعقة المصرية ، سميت بمعركة رأس العش ، التي نجحت فيها القوات المصرية ذات القدرات المحدودة بالتصدي لمدرعات العدو الذي يساندها سلاح الطيران الإسرائيلي ، وتمكن رجال الصاعقة من دحر قوات العدو، وقد دبت الحماسة في قلوب الجنود المصريين على طول الجبهة ، لتكون تلك المعركة بداية لحرب الإستنزاف .. ففي منتصف الشهر نفسه بدأت المدفعية المصرية إطلاق نيرانها على العدو الصهيوني في أتجاه السويس والفردان والإشتباك معه تمهيداً لعدة طلعات جوية من الطيران المصري ضد العدو الإسرائيلي في سيناء يومي 14 و 15 يوليو 1967 ، ليبدأ الطيران المصري بأكمله هجمات على الجنوب والشمال مما كبد العدو خسائر فادحة ، قامت على أثرها القيادة الإسرائيلية بطلب وقف إطلاق النار من أمريكا التي أبلغت سكرتير عام الأمم المتحدة أن يطلب من الرئيس جمال عبد الناصر وقف القتال.

إغراق المدمرة إيلات
إعتقد الكيان الصهيوني واهماً أن الجيش المصري سيتعيد قوته خلال عدة سنوات ، ولم يكن يتوقع أن تبدأ المقاومة بعد أيام من إحتلالهم للأرض المصرية ، فبعد أيام من الطلعات الجوية المصرية الباسلة ، بدأت معارك مدفعية وتراشق بالنيران واصطياد أفراد الجيش الإسرائيلي في نقاط المراقبة وأثناء تحركاته ، حتى بدأ الإشتباك الكبير يوم 20 سبتمبر 1967 في قطاع شرق الإسماعيلية ، الذي دمرت فيه المدفعية المصرية 9 دبابات وأصابت الكثير منها وحطمت عربتي لاسلكي وقاذف صواريخ ، ونتج عن الإشتباك قتل 25 جندياً منهم وجرح قرابة 300 بينهم ضابطان .. وفي الساعة الخامسة والنصف من مساء السبت الموافق 21 أكتوبر 1967 أغرق لنشان صاروخيان المدمرة إيلات في مياة بورسعيد عندما اخترقت المدمرة المياة الإقليمية المصرية وكان ذلك أول تعامل للبحرية المصرية ضد قوات العدو وأول استخدام للصواريخ سطح سطح ، حيث كبدت القوات البحرية للعدو خسائر فادحة في المعدات والأرواح بإغراق تلك المدمرة .

الرفاعي والصواريخ الكهربائية
المتابع لتسلسل الأحداث يرى أن القيادة السياسية والعسكرية لم تمنح العدو الفرصة للراحة أو لتهويد الأرض المصرية ، فالعمليات العسكرية الدائمة في حرب الإستنزاف بثت الخوف والرعب في قلب العدو الذي تباهى بأنه استولى على الأرض في ست ساعات ، ولم يكن يدرك أن المصريون ليسوا لقمة سائغة ، وأنهم لن يهدأوا حتى يستردوا أرضهم .. فبعد تلك العمليات العسكرية التي قامت بها القوات المصرية ، نشر العدو مجموعة من الصواريخ الجديدة المجهولة على طول الجبهة تحسباً لأي هجوم مصري جديد ، وكانت تلك الصواريخ بمثابة مشكلة للقوات المصرية، مما دعا الجانب المصري استئارة الخبراء السوفييت في أمرها ، فأكد السوفييت عدم درايتهم بها وطلبوا عينة منها لو أمكن لفحصها، وقد أكدوا أن ذلك مستحيلاً ، فكيف نأتي بعينة من صواريخ ينشرها العدو في جبهته؟

 

 وبطرح الأمر أكد البطل إبراهيم الرفاعي قائد المجموعة 39 قتال أن ذلك ليس مستحيلاً ، فقد تمكن إبراهيم الرفاعي بمصاحبة فريق من قوات الصاعقة البحرية من السباحة ليلاً في 13 نوفمبر 1967 والوصول إلى الضفة الغربية ، ووصل إلى الصواريخ ليجدها نوعاً جديداً من الصواريخ المتصلة بالأسلاك الكهربائية ، وتمكن الرفاعي من فصل الأسلاك عن ثلاثة صواريخ ونزعها والعودة بهم إلى الضفة المصرية .. وبسرعة قام الخبراء السوفييت بفحص الصواريخ وأكدوا أنها تنطلق نحو الهدف دفعة واحدة، لأنها موصلة جميعها بسلك كهربائي ومفتاح تحكم واحد .. المبهر في الأمر أن الجانب المصري وضع خطة قام البطل إبراهيم الرفاعي بتنفيذها ، وهي توجيه الصواريخ نحو العدو ، فقام الرفاعي بالعودة إلى مكان الصواريخ وقام بعكس اتجاهها نحو العدو ، وأضاف دائرة كهربائية جديدة يتحكم فيها الجانب المصري ، وبالفعل قام الجانب المصري بإطلاق الصورايخ ، وتفاجأ العدو بأن صواريخه تنطلق عليه لتكبده خسائر فادحة ، فقام بإزالة كل الصواريخ من الجبهة خوفاً من أن تكون البقية تحت تحكم القوات المصرية.