الخميس 16 مايو 2024

وفد إيكواس في النيجر ومحددات الخيار العسكري


ياسر عثمان

مقالات23-8-2023 | 19:11

ياسر عثمان

زار – مؤخراً - وفد دول التجمع الاقتصادي لدول غرب إفريقيا (إيكواس) العاصمة النيجرية نيامي- في إطار السعي نحو تفكيك الأزمة هناك- محملا بأحلام الوصول بجسر التفاهم مع الانقلابيين إلى صيغة لإنهاء الانقلاب وإعادة الرئيس النيجري محمد بازوم إلى السلطة، فعاد الوفد محملا بخفي حنين بعد لقاء وصفه أعضاء في الوفد نفسه بكونه لقاء استفزازيا لم يقدم مؤشرا واحدا للتفاؤل بشأن الحل التفاوضي المنتظر للأزمة، وهو الأمر الذي يفتح شهية التحليلات السياسية على الوقوف على درجات احتمال لجوء (إيكواس) إلى الحل العسكري لكسر الانقلاب وإعادة الوضع إلى ما كان عليه قبله.

  ولعل أهم الأسئلة التي يفرضها فشل الوفد الزائر في التوصل لحل للأزمة هناك هو: هل بات الحل العسكري للأزمة خياراً لا بد منه؟ وهو سؤال من الصعوبة بمكان الإجابة عليه قبل قراءة عدد من المحددات التي تشكل في مجموعها المحصلة النهائية لتلك الإجابة.

ولعل أول تلك المحددات يتمثل في نجاح الانقلاب في عمل ظهير شعبي محلي قوي مؤيد له وذلك من خلال تكريس الآلة الإعلامية هناك فكرةً مفادها أن مناهضيه من الخارج الذين يسعون إلى عودة الرئيس محمد بازوم إلى السلطة وفي مقدمتهم فرنسا إنما يسعون إلى ذلك طمعا في خيرات النيجر ومقدراته الاقتصادية، وهي الفكرة التي تجد زخما وقبولا لدى قطاعات عريضة من شعب النيجر، الأمر الذي دفع عددا كبيرا من تلك القطاعات الشعبية إلى التظاهر في ربوع البلاد تأييداً للمجلس العسكري من جهةٍ، وجعل المجلس العسكري يرفض بقوة جميع المبادرات المقدمة له -حتى كتابة هذه السطور- بشأن الحل السلمي معلنا عن فترة انتقالية مدتها ثلاث سنوات من جهة أخرى، الأمر الذي رفضته مجموعة( إيكواس)؛ إذ صرح مفوض الشؤون السياسية والسلم والأمن في المجموعة أن الفترة الانتقالية المشار إليها غير مقبولة، مؤكدا أنه لا خيار سوى استعادة النظام الدستوري في النيجر وأن الخيار العسكري ما زال مطروحاً على الطاولة.

أما ثاني تلك المحددات فهو يتمثل في صعوبة المهمة العسكرية لدول مجموعة (إيكواس) في النيجر وإن كان لها سابقة نجاح من قبل في ٢٠١٧م في جامبيا في إنهاء انقلاب مشابه. ومرد تلك الصعوبة يكمن في اتساع مساحة النيجر مقارنة بجامبيا وهو ما يعني حاجة (إيكواس) إلى أعداد كبيرة من المقاتلين وعتاد عسكري أكثر لتغطية تلك المساحة الواسعة من جبهات القتال المنتظر فتحها في حال التدخل العسكري.

ويتمثل ثالث محددات الإجابة على السؤال المذكور في أن الأزمة في النيجر هي أزمة قابلة للتحول إلى حرب بالوكالة في ظل صراع نفوذ دولي هناك بين أطراف عدة من بينها فرنسا والولايات المتحدة وروسيا تحركه المصالح الاستراتيجية، وفي ظل رفض وتحذير كل من مالي، وبوركينا فاسو، وغينيا كوناكري من أي تدخلِ عسكري ضد النيجر.

كما أن من المحددات الرئيسة التي تحكم الإجابة على ذلك السؤال المطروح بشأن احتمالية اللجوء لاستخدام الحل العسكري موقف كل من الولايات المتحدة وفرنسا؛ إذ أعلنت واشنطن على لسان وزير خارجيتها أنتوني بلينكن - عقب انتهاء المهلة المحددة من قبل دول (إيكواس) للمجلس العسكري في النيجر لإنهاء الانقلاب والعودة إلى الوضع السابق عليه- بأن الدبلوماسية هي الخيار الأفضل للأزمة في النيجر، وهو الموقف نفسه الذي تتبناه باريس.

هذا وتتعدد محددات الإجابة على السؤال المطروح من الآن فصاعداً- في ظل استمرار الوضع في النيجر على ما هو عليه حتى الآن- انطلاقاً من تعدد المقاصد وتعارض المصالح الدولية في ذلك البلد الأفريقي المضطرب سواء على المستوى الأفريقي بصفة خاصة، أو على المستوى الدولي بصفة عامة. 

 

*كاتب وباحث في العلوم السياسية