الثلاثاء 30 ابريل 2024

حمدي النورج: التطرف تنازع بين هُويات بغرض المحو أو الاستحواذ (حوار)

حمدي النورج

ثقافة23-8-2023 | 21:01

عبدالرحمن عبيد

عندما نستدعي مفهوم العنف فإننا بالتحديد نستدعي مفهوم الصراع

ظاهرة سرد الشر لم تحظَ بالفحص الجيد

كثير من إسهاماتي النقدية تنطلق من فكرة الوطن

مصر تملك حضورًا طاغيًا على مستوى التاريخ البشري

كان ولا زال النقد مسار جدلٍ ونزاع بين أهل هذا التخصص أو من ينتسبون إليه ولو ظاهريًا، فبين الجمود والركود في حيز كتابات الأقدمين والسرديات التراثية، وما بين الخروج عن الهُوية، وإسقاط دور الناقد؛ تشتت الوعي العربي وانحدر إلى قاع مظلم.

تأتي كتابات الدكتور حمدي النورج، أستاذ النقد وتحليل الخطاب بأكاديمية الفنون المصرية، وسطًا بين فريقين، يتصارعان للسطوة على عقول الأغلبية، حتى وإن اختلف مسار كل منهما، فالهدف واحد، ألا وهو التبعية.

ولذلك التقت «بوابة دار الهلال»، مع الدكتور "النورج" في حديث عن كتابه الجديد "من هوامش الحكايات"، والذي أشار فيه إلى أهمية الانفتاح على الثقافات الأخرى وطُرق التفكير المُتباينة، معززًا من فكرة الوطن، وترسيخ الهُوية في نفوس الأجيال الحالية والأجيال الآتية؛ حيث إن ظهور الذكاء الاصطناعي في رأيه يهدد تلك المبادئ، ويزيد من احتمالية زوالها، ففي زمن الآلة تقل قيمة الإنسان والإنسانية نفسها، ويستعرض معنا كتابه النقدي الجديد "من هوامش الحكايات".

وإلى نص الحوار:

 *حدثنا عن الفكرة التي يدور حولها كتابكَ الجديد "من هوامش الحكايات"، وأهم النقاط التي يتناولها؟

_كتاب من "هوامش الحكايات" هو محاولة نقدية مُتسعة على مستوى الإجراءات ومستوى الخطاب، فليس هناك انحياز لمساق معرفي دون آخر، فالكتاب مقسم لمجموعة من الهوامش: وأقصد بالهوامش هنا قضايا وأفكار التهميش داخل بعض الخطابات، أو ما صمت عنه التاريخ مع محاولة ملء هذه الفجوات تحليليًا.

 

فهناك "العنف في باب الحكاية"، وعندما نستدعي مفهوم العنف فإننا بالتحديد نستدعي مفهوم الصراع داخل عالم الحكايات على اتساعها كما في ألف ليلة وليلة وكليلة ودمنة، وأصداء هذا الصراع وتأثيراته داخل بعض الأعمال الإبداعية كما عند نجيب محفوظ في الرواية وزكريا تامر في القصة القصيرة، ثم هامش التاريخ من واقع كتابات الجبرتي في عجائب الآثار في التراجم والأخبار، ورحلة الأثر التاريخي داخل المتون السردية التاريخية كما هي عند محمد جبريل، وما الفجوات التاريخية التي عجزت المرويات التاريخية والإبداعية عن الإفصاح عنها وكشفها.

ثم الهامش الثالث بعنوان "سرديات خفيفة جدًا" ويتعلق بتاريخ الحملة الفرنسية على مصر من واقع كتابات المؤرخين ومعاوني الحملة، بالإضافة إلى حديث عن السرد المقموع وكيف يظهر في "أغنيات المهمشين، وأناشيد العمال وأغاني الأفراح، وقصص المنشدين، وغناء النوتية، والصيادين، وهتافات المشجعين والوثائق والكتابات غير الرسمية، والعقود والوثائق والحجج، وخطابات مراسلي الحملة"، والعديد من أنماط الخطاب الجديرة بالدراسة وفقًا لسياقاتها التاريخية بل والجغرافية أيضًا.

 

*مصطلح سرد الشر، مصطلح استخدمته للتعبير عن ظاهرة نقدية تناقشها في كتابكَ الجديد، فهل هو امتداد للبلاغة العاطفية، أم ارتداد عنها، أم تطور لها؟

_ثم الحديث عن سرد الشر وهي ظاهرة في الغالب لم تحظَ بالفحص الجيد ذلك لارتباطها في منظورها الأوليّ بالدين في بعض الكتابات، وابتعادها في الغالب عن التجلي الفلسفي الذي يستوجب النظر إلى الظاهرة من خلال وضع الأصول، وتقديم نُظُم تنظيرية لأهم جوانبها الثقافية، فهناك تحرير لمفهوم الشر وحديث عن رحلة الضحك: باعتبار أن عملية الإضحاك قد تحتوي على فعل قصدي مرفوض، ثم موقع النادرة من فكاهة الشر ورحلة في بستان النوادر العربية لا بغرض العرض ولكن بقصد الكشف عن مفهوم الشر الكامن فيها.

 

*هل يعد هذا الكتاب ضمن كتاباتك العديدة، فريدًا في تناوله لتلك الظواهر النقدية؟

_الواقع ليس هذا الكتاب الاول في منهجه وطريقة تناوله لبعض القضايا، فقد قدمت قبل ذلك كتاب "حديث الخوف" وكان رحلة عن نسق الخوف داخل الحكايات والمتون السردية العربية، وكيف يتم توظيفه ودور السلطة في ذلك.

ويجب التأكيد أن مثل هذه الإصدارات تتحرر في كثير من القضايا، من فكرة التناول النقدي الأكاديمي المهتم في بعض فروضه بفقه التنظير على حساب التطبيق.

 

*تدور تجربتكَ النقدية حول سرديات تاريخية، مثل: "كتابات الجبرتي، وحكايات ألف ليلة وليلة"، فما السبب وراء اختياركَ لهذه النماذج وما هو الرابط المشترك بينها؟

_نحن في حالة سرد كُبرى عبر خطابات متنوعة غير ملتزمة بسياق تاريخي أو حتى ثقافي أو هُوياتي ثابت، ومن ثم يجب تفريغ مقولاتنا النقدية من مسألة التحديد الصارم لفعل النظرية النقدية، فالتناول الجيد هو القادر على تقديم خطاب نقدي جيد يتسق مع محنة كُبرى لا تعيشها الثقافة العربية فقط، بل أزمة الإنسان بشكل كامل لا على مستوى التحديات بل أيضًا على مستوى مجاوزة الواقع الإنساني بكل فروضه، منذ وقت بعيد كان الحديث عن سيطرة الآلة، الآن يجب أن نتشكك في كل شيء من صاحب الكلمة ومن محرر الحدث بل من صانع جملة الأحداث المتوالية بعنوة علينا صباح مساء؟!

 نحن في عالم لاحق لن تُسيِّره عقول البشر التي تمنحه المشروعية في مُقابل ضياع سلوك السيطرة، ما أقصده عالم الذكاء الاصطناعي بكل خطورته وطغيانه؛ فيبدو أن العديد من النظريات النقدية واللسانية ستكون مرشحةً للمحو في مقابل نظريات "ما بعد الإنسانية" التي يجب أن نلفت النظر الآن إلى حدودها.

فاهتمامي النقدي في أساسه يتحرك من الواقع دون إغفال لفعل الخصوصية الراسخ ومنطق الهُوية الذي أخاصم الكثير في مسألة ذوبانه، فالهُوية كما نقول تضعف عندما يبدأ فعل التنازع بين هويات مختلفة داخل مجتمع واحد؛ فالتطرف في أساسه تنازع بين هُويات إما بغرض المحو أو الاستحواذ.

 

*حديثك عن الهُوية يدفعني لسؤالك عن الوطن.. ما مدى اهتمامك بفكرة الوطن في كتاباتك؟

_إن كثيرًا من الإسهامات النقدية التي قدمتها ولا زلت أعمل على بعضها؛ تنطلق من فكرة الوطن: "وحدوده وخصوصياته وعالمه وإنسانه وجغرافيته"، وموقع سرديّاتنا جميعًا من فكرة "الوطن والكيان"، وقد قدمت في هذا الشأن كتاب "سياسات الخطاب" الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، وكتاب آخر في دار نشر خاصة تحت مُسمَّى "الخطاب الروائي.. عندما تفرض الجغرافيا حتميتها" وقد أوضحت فيه بالتفصيل الهاجس النقدي والإبداعي الذي أنطلق منه، فهناك محور كامل عن "روايات النيل" باعتبار أن النيل الظاهرة العلامة في مصر أو قُلْ الإطار المرجعي الثابت لنا جميعًا، وعرضت أيضًا لدور الدين وتجليه كهُوية وطقس ومُعزز، وعادة من واقع الإبداع الروائي المصري.

 

*حدثنا عن مشروعكَ الفكري والأدبي على مستوى الساحة النقدية والثقافية عمومًا؟

_لا أستطيع أن أبالغ وأقول إن هناك مشروعًا ما في ذهني، معرفة ذاتك هي عين معرفة مَن أنت؟، ويهمني في المقام الأول أن أرى نقدًا غير هَيَّاب أو مُتعال أو يتحرك في الهواء بينما نعيش في واقع عالمي صعب، ولست مخدوعًا بالوجه التنويري للآخر، عندما يلجمنا تحد ما فإننا غالبًا ما نرجع إلى مروياتنا السردية لنعيد بها ترميم عَلاقاتنا المضطربة مع الزمن، ونبني فعلًا إصلاحيًا بناءً، وهذا ما يجب أن نسير في اتجاهه.

 

*هل تطرق النقد لغير الأدباء والشعراء متجاوزًا حيز الأدب؟  

_بالتأكيد هناك العديد من البحوث في مجال تحليل الخطاب سواء للقادة أو السياسيين أو حتى المفكرين، وهناك إعادة قراءة مستمرة لخطابات مصرية للنُخب كُتِبَت تحت الضغط الاستعماري أو بوعي منقوص، لا يجب أن نُحاكم أحدًا لكن يجب أن نلتفت إلى أن هذه البلاد تحديدًا تملك حضورًا طاغيًا على مستوى التاريخ البشري ولذلك من هنا يجب أن تكون البداية.

Dr.Randa
Dr.Radwa