الخميس 16 مايو 2024

المجتمع المصري في أدب نجيب محفوظ.. قراءة في رواية «صباح الورد»

رواية صباح الورد

ثقافة30-8-2023 | 12:26

عبدالرحمن عبيد

يظل الكاتب العالمي الراحل نجيب محفوظ واحدًا من أهم الكتاب المصريين الذين رصدوا حركة المجتمع وما طرأ عليه من تغيرات سياسية واجتماعية في رواياتهم، ويُشير كثيرون من النقاد أن "محفوظ" لعب دور المؤرخ في هذا الجانب، فهو لم يكتفِ بوصف المأكل والمشرب والمعمار فقط، بل ناقش ظواهر اجتماعية كانت شائعة في مصر، مثل شخصية السيد عبدالجواد في «الثلاثية»، حيث تعبر عن ظاهرة الوصاية الأبوية من جه، والازدواجية من جه أخرى.

وتعد رواية «صباح الورد» الصادرة عام 1987 هي متوالية روائية مكونة من ثلاثة أجزاء: «أم أحمد، صباح الورد، أسعد الله مساءك»، ناقشت أحوال المجتمع المصري قبل ثورة 1919 مرورًا بالخمسينيات والستينيات، وإلي السبعينيات وزمن الانفتاح الاقتصادي، وصولًا إلى الثمانينيات.

وقد سجل محفوظ في هذه المتوالية اختلاف طِباع السكان عند انتقالهم من حيهم القديم إلى حيِّهم الجديد في العباسية، واختلف معيشتهم أكثر، عندما انتقلوا أو توزعوا في أرجاء القاهرة.

بل وسجل كذلك التغيرات الفكرية التي حدثت لكثير من شخصيات الرواية بتغير الوضع السياسي المصري من ستينيات القرن الماضي مرورًا بالحاضر الذي كتبت فيه الرواية أي الثمانينيات.

واللافت للنظر أن «محفوظ» لم يعطِ بطل الرواية اسمًا، حيث إن المعاناة التي بمرُّ بها هذا البطل هي معاناة عامة، لا تشمل أحدًا بعينه، فربما كان إعطاه اسمًا تخصيصًا أو تهميشًا للأزمة التي عاشها بطل الحكاية على مدار الرواية كلها.

ويعدُ الفصل الثاني من تلك المتوالية الروائية والتي حملت اسمها «صباح الورد»، هو الجزء الذي يلعب فيه بطل الحكاية ودور الروائي، ويسرد قصة 15 أسرةٍ، مثل: «آل إسماعيل، آل مُراد، آل مكي، آل بهجت شكري»، ومدى عَلاقته ببعض أفرادهم، أو حتى ما يربط بناتهم وأولادهم بأصدقائه المقربين، بالإضافة إلى التحولات التي جرت عليهم، خاصةً منذ أن انتقل كثير منهم من حي الحسين إلى حي العباسية الجديد والعصري آنذاك، فبعد أن كانوا يسكنون حارات صاروا يعرفون الشارع وتصميمه وكيف تتراص المباني على جنبيه.

وتعد هذه الرواية أو المتوالية الروائية، خلاصة تجربة محفوظ الأدبية، حيث جمعت بين الواقعية والرومانسية والرمزية، بالإضافة إلى العديد من الفترات الزمنية المختلفة من قبل قيام ثورة 1919، حتى الزمن الزمن الحاضر لكتابة الرواية الثمانينيات، بالإضافة إلى لموضوعات الكثيرة والمتشابكة التي ناقشها العمل، والتي تدور في فلك العَلاقات الاجتماعية والعِلاقات الإنسانية، والأسرة والمجتمع، بالإضافة إلى الأحوال السياسية، والتغيرات التي طرأت على المجتمع في أقل من ثمانين عامًا، وغيرها الكثير.

وقد تشابه هذا العمل مع عمل آخر ألا وهو رواية «حضرة المحترم» في كون بطل العمل بلا اسم، وهو أمر يقل حدوثه في أدب نجيب محفوظ.

تشهد هذه الأيام الذكرى 17 لرحيل أديب نوبل العالمي نجيب محفوظ، وهو من مواليد حي الجمالية أحد الأحياء التراثية بالقاهرة في 11 من ديسمبر عام 1911، عمل أبوه «عبدالعزيز إبراهيم» موظفًا، وأمه كنت ربة منزل، وقد سُمي نجيب محفوظ، واسم مركب، إكرامًا للطبيب الذي يسر ولادته المتعثرة، الدكتور نجيب ميخائيل محفوظ رائد علم أمراض النساء والولادة، تخرج في قسم الفلسفة بكلية الآداب جامعة القاهرة، ثم أراد الحصول على درجة الماجستير، عن رسالته في الفلسفة الإسلامية، ولكنه تراجع عن هذا وفضل الكتابة عوضًا عنها.

وتعد المجموعة القصصية "همس الجنون" هي أول عمل أدبي منشور لنجيب محفوظ، بعيدًا عن القصص القصيرة التي كان ينشرها متفرقة في مجلة الرسالة لصاحبها أحمد حسن الزيات، والتي كانت بداية انطلاقه لعالم الكتابة، ثم كتب ثلاثيته التاريخية "عبث الأقدار -أول رواية منشورة له- 1939، رادوبيس 1943، كفاح طيبة 1944"، وأول ثلاثية روائية تكتب في حقبة المصريين القدماء.

ومن أبرز أعماله الروائية: "السكرية، قصر الشوق، بين القصرين، خان الخليلي، زقاق المدق، اللص والكلاب، ملحمة الحرافيش، أولاد حارتنا، السراب، القاهرة الجديدة، الخريف والسمَّان، ثرثرة فوق النيل، حب تحت المطر، بداية ونهاية".

ورحل نجيب محفوظ عن عالمنا في مثل هذا اليوم 30 أغسطس عام 2006، بعد معاناة قضها بين المستشفيات لعدة شهور، مخلفًا وراءه إرثًا أدبيًا طاف أرجاء الوطن العربي والعالم كله.