الخميس 2 مايو 2024

النهج الفلسفي اليوناني (5 – 6)

مقالات5-9-2023 | 11:22

نواصل حديثنا بالإجابة عن التساؤل الذي أثرناه في نهاية مقالنا السابق، هل قدم لنا هذان الفيلسوفان تفسيرًا واضحًا للوجود؟ ولأجل أن ندرك الكون في الأشياء التي تتولد وتهلك بالطبع يلزمنا، كما هو الحال في البقية، أن نقدر على حدة عللها ونسبها.

أما بالنسبة لكلًا من ديمقريطس ولوقيبوس فقد تصور كلآ منهم أن العالم ينشأ من الذرات والخلاء، أما بالنسبة لي أفلاطون فنظريته في الوجود مماثلة لنظريته في المعرفة بمعني أنها تصعد من المحسوس إلى المعقول. كما أن أفلاطون قد قص حكاية بإزاء العلم الطبيعي.

عزيزي القارئ في البداية أجد أن نظرية الوجود تقوم على أساس نظرية المعرفة، كما أن ديمقريطس تصور الوجود، وهذا التصور قدمه لايرتيوس في فقرات منها:

(1) (لا شيء يحدث من شيء غير موجود، ولا شيء يفني إلى ما هو غير موجود).

(2) (الذرات لا متناهية في الحجم والعدد وهي تتطاير في العالم كله في الدوامة وهكذا تحدث كل الأشياء المركبة النار، والماء، والهواء، والأرض، لأن هذه من الذرات).

(3) (الشمس والقمر مكونة من ذرات ناعمة ودائرية وأيضًا الروح بالمثل).

ونستنتج من تلك الفقرات السابقة نتائج مهمة:

أولًا: إن الذرات هي سريرة الأشياء، أي أنه لا يمكن إدراكها وذلك لأنها أصغر من ان تدرك بالحواس.

ثانيًا: إن هذه الذرات لا متناهية في العدد وفي الصغر ولا نستطيع رؤيتها وبالتالي فإن أية قوة خارجية لا تستطيع أن تؤثر فيها وإذا كانت الذرات متشابهة فكيف يتسنى لها إذًا ان تنتج هذا النوع اللامحدود من الظواهر، وذلك لأن هذا الاختلاف والتنوع في الظواهر هو نتيجة اختلافات الذرات في الشكل والترتيب والوضع، ويوضح أرسطو هذه الاختلافات بأمثلة من حروف الهجاء اليونانية. فيقول إن الاختلاف في الشكل كالاختلاف بين حرف A وحرف N والاختلاف في الترتيب مثل AN وNA  والاختلاف في الوضع مثل N و Z.

ثالثًا: إن الوجود لا يقتصر على عالمنا فقط، بل هناك عوالم كثيرة لا متناهية في العدد تحدث وتفني.

رابعًا: إن العالم لم يخرج من العدم وإنه لن يذهب إلي العدم أو بتغير الشهرستاني العالم بجملته باق غير داثر، وهذا يعني أن العالم أزلي أبدي أو في كلمة واحدة هو (سرمدي).

خامسًا: إن الأجرام مكونة من ذرات، ولكنها مختلفة ليس اختلافا في الكيف، بل هو اختلاف في الكم.

سادسًا: إن الحركة الاولي للذرات تشبه حركة الدوامة وبهذه الحركة تتطاير الذرات في كل اتجاه فتصدم ببعضها البعض وتتقابل وتفترق مثل حبيبات شعاع الشمس ثم تتجمع الذرات بعضها مع بعض فتتكون المركبات وهي النار والهاء والماء والتراب ومن هذه العناصر تتكون عوالم كثيرة منها عالمنا هذا. ولكن خالف ديمقريطس الطبيعين الأوائل لأنهم ذهبوا إلى ان النار والهواء والماء والتراب عناصر أولي وهي التي يتكون منها العالم، إذن الدوامة هي علة الموجودات في الحقيقة مادامت هي التي ادت إلى حركة الذرات وتصادمها.

سابعًا: يري ديمقريطس أن هذه الدامة ليس لها مصدر أو علة.

          هذا عن التصور ديمقريطس للوجود، عرضًا له لايرتيوس، وماذا عن خصائص الذرات كما قدمها لنا ديمقريطس؟ وضع ديمقريطس خصائص للذرات المكونة للعالم، وهي:

أولًا: إن لها شكلًا جميلًا.

ثانيًا: إنها تختلف في الشكل والوضع والترتيب.

ثالثًا: إنها صلبة أو جامدة وغير متغيرة.

رابعًا: أنها منفصلة بعضها عن بعض او مستقلة بعضها عن بعض.

خامسًا: إنها أبسط ما يمكن أن ينحل إليه العالم لأن الذرات جسيمات مادية لها وجود فعلي.

سادسًا: إنها سرمدية ما دامت بسيطة ثابتة لا تتغير.

سابعًا: إنها بسيطة لا تتصف بأي صفه كيفية يمكن إدراكها.

ثامنًا: أن قول ديمقريطس بالذرات ليس قولي ميتافيزيقيا وذلك لأن الذرات ليست ماهيات وجودية إلا أن لها خصائص مادية وهي الشكل والحجم ويمكن إدراكها بالعقل. وماذا عن تصور أفلاطون عن العالم؟

عزيزي القارئ، إن العالم لدي أفلاطون يرجع إلى اجناس أو عناصر أربعة هي: النار والهواء والماء والتراب وأن هذه العناصر ذات أشكال مختلفة. الأجناس الاربعة تصدر عن مثلثين اللذين اخترنا ثلاثة منها تصدر عن المثلث ذي الضلعين غير المتساويين والجنس الرابع التراب يصدر عن المثلث المتساوي الساقين. وهذه المثلثات تكون جسيمات او مجسمات مختلفة الأشكال او الصور، وهذه الجزئيات او الجسيمات تنقسم إلى خمسة انواع رئيسية وهي على النحو التالي:

(1) النوع الأول من المجسمات او الرباعي الأوجه أو الهرم وهو صورة النار.

(2) والنوع الثاني من الجسيمات أو الثماني الأوجه وهو صورة الهواء.

(3) والنوع الثالث من الجسيمات أو العشرون وجهًا وهو صورة الماء.

(4) والنوع الرابع من الجسيمات أو المكعب وهو صورة الارض.

(5) والنوع الخامس من الجسيمات أو الشكل الكروي وهو صورة العالم الحي.

إذًا لم يدرس أفلاطون الكون إلا من حيث طريقة وجودها بالأشياء، بل لم يكن ليدرس الكون في كل عمومه، بل أقتصر على كون العناصر. ولم يقل شيئًا علي تكون جميع الأجسام التي هي من جنس اللحم والعظم وسائر الأجسام المشابهة لها ولم يتكلم على الاستحالة ولا على النمو ولم يبين كيفية إدراكه إياهما في الموجودات.

كما أن أفلاطون يرى أن هناك عالمين؛ عالم المثل وهو عالم الحقيقة وهو الأساس، وعالم الطبيعة وهو عالمنا هذا وهو عالم الظواهر المحدد بالزمان والمكان. والسؤال الآن، هل وضع لنا أفلاطون تصور عن خصائص الذرات والجسيمات المكونة للعالم؟ إجابتنا عن هذا التساؤل ستكون موضوع مقالنا القادم.

Dr.Randa
Dr.Radwa