الجمعة 22 نوفمبر 2024

مقالات

لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت الشعب


  • 10-9-2023 | 19:51

عمرو سهل

طباعة

مشاهد مسلية للغاية يتابعها المصريون حول المعارك المفتعلة حول الانتخابات الرئاسية المقبلة، حيث يفضل البعض أن يحولها إلى أزمة لا استحقاق انتخابي دوري في إطار دستوري ينضوي تحته الجميع ولا غرو في أن يتجادل الفرقاء حول انتخابات مقبلة فهذا أمر طبيعي ومنطقي لكن الأمر المعيب أن نترك الحدث نفسه لنحوله من استطلاع رأي يمنح الشرعية لمن يختاره الشعب إلى محكمة أو ساحة تصفية حسابات في وقت دقيق من عمر الوطن بل من عمر العالم برمته بما يموج به من تغييرات جيوسياسية عاصفة وأزمة اقتصادية خانقة لم يسلم منها بلد غني أو فقير.

الجميع يتحدث والكل ينظر ويحلل ويحاول استمالة القلوب أما الشعب صاحب اليد العليا فيتابع الجميع ولا يحتاج إلى كثير فطنة ليدرك منطلقات الجميع وصدقهم ولم لا فقد اكتسب المصريون خبرات تراكمت منذ أحداث 25 يناير والتي كانت بمثابة الانفجار والانفتاح على السياسة التي كان يتابعها المصريون على استحياء فتكثفت من بعد فوضى 25 يناير وما بعدها متابعة المصريين للطوائف السياسية التي أفرزتها الأحداث وسرعان ما سبر المصريون أغوارها وبات لديهم وجهة نظر راسخة في كل مكونات المشهد السياسي بدءا من نشطاء ومرورا بأحزاب وانتهاء بمعارضة انترنتية وأخيرا تيارات مـتأسلمة تملأ الدنيا ضجيجا كما يملؤه الطبل الأجوف.

ولعل المصريين يتلقون ما يلقى إليهم من حالة تحريض على العودة إلى المربع الأول من الفوضى عبر اجترار أوجاعهم من أزمة اقتصادية شديدة القسوة بكثير من الارتياب إذ لم يقدم كل هؤلاء الصارخون عبر القنوات ومواقع التواصل ما يشفي ظمأ عقولهم لاستخلاص طريق واضح يمكن أن يمنحوه الثقة أو الفرصة بل جل ما يسمعونه هو اجتزاء من سياقات مخلة لسيناريو خلاصة ما يدعو إليه هو تأسيس الشك وبث اليأس وترسيخ الإحباط من الحاضر وإظهار للمستقبل في ضبابية مخيفة وبالطبع الهدف واحد وهو أن يكفر الناس بتأييدهم مسار ثورة 30 يونيو والتي ما  زالت جرحا نازفا في جسد الأشرار الذين يملؤهم غل الثأر فيعميهم بدخان نار مستعرة لا يطفئها إلا استغلال اللحظة  الاقتصادية لإهالة التراب على ما فات بل وتحميله تبعات الظرف العالمي الحالي في محاولة لبدء صفحة جديدة يعول فيها من يقود هذا النهج أن ينسى المصريون ما كان منهم في السابق.

وللحقيقة وإن كان البعض يشعر بالغضب تجاه الأزمة الاقتصادية وغلاء الأسعار لكن في كل حال لا يرى المصريون على اختلاف منطلقاتهم هؤلاء الناعقين عبر الشاشات والمواقع بديلا آسف أن أقول "محترم" فغالبية الوجوه التي تقدم نفسها بديلا اليوم إما محروقة من سنوات أو سئم المصريون جدلهم خاصة وأن كل ما يحملوه من حل للمصريين هو المبادرة بهدم  ما هم فيه ليخوضوا معهم غمار مقامرة جديدة ورحلة مجهولة الملامح والمستقبل .

إذن حالة الخوف التي تسيطر على تلك النخبة غير موجودة لدى المصريين ولا يفكرون وفق ذات الأجندة التي يحملها المصريون الذين يرفض غالبهم إعادة الدخول إلى النفق المظلم الذي دفعوا إليه نتيجة تقييم خاطئ عن أوضاع يعيشونها ليجدوا أنفسهم وقد وقعوا في فخ محكم أعد لهم وبالمناسبة تحت نفس الدوافع التي يسوقها المتصدرون للانتخابات المقبلة والتي  هي في نظرهم الفرصة الأخيرة لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء لتجديد وبث الحياة في مخطط سبق أن أسقطه المصريون.

ياأيها الطامعون والحالمون تريثوا قليلا في دعاياتكم واعلموا أن المصريين قد حسموا أمرهم بشأنكم فلا ترفعوا أصواتكم فوق صوتهم بل قدموا أنفسكم بشرف وصدق لا بكذب واحتيال ومراوغة ولا تستعذبوا عذابات المصريين لتحقيق مآرب خاصة ولا تستهينوا بذكاء المصري ولا بحسه الذي يدرك الخطر في أحلك الليالي وتذكروا كيف نفض الركام من فوق رأسه وانتفض في الثلاثين من يونيو فأسقط كل من أراد أن يعترض طريقه ورفع بيديه من يظنه القوي الأمين إلى سدة الحكم وتحمل معه مشقات مسار إصلاحي غاية في القسوة فكان صبره واصطفافه مثار دهشة العدو قبل الصديق.

يا أيها السادة احترموا عقول المصريين وارحموا آذاننا من سماع ما يسوءها فالوقت وقت فاصل وتعريض حياة مائة مليون مصري ويزيد للخطر جريمة كبرى لا تغتفر وأحوال دول حولنا تشير علينا بذلك فلا ترفعوا أصواتكم فوق صوت الشعب ودعوه يختر في هدوء ولا تتاجروا بمعاناته لتدخلوه معاناة أكبر لن يتحمل وزرها سواكم.

الاكثر قراءة