السبت 27 ابريل 2024

6 أكتوبر موقعة من تاريخ الغناء المصري المعاصر


كمال النجمى

مقالات9-10-2023 | 10:46

كمال النجمى

 -من أشهر الأغاني الوطنية والأناشيد، أغنية " قوم يا مصری ، مصر دايماً بتناديك "  
- وينسب إلى الغناء الوطني في تلك الفترة، قصائد شوقي التي غنتها أم كلثوم ، مثل "ريم على القاع"، "ولد الهدى" 
- في مناسبة تأميم قناة السويس ارتفعت حماسة الغناء المصرى، فسمعنا ـ مثلا ـ من أم كلثوم "محلاك يا مصري وأنت على الدفة" 
- غنت فايدة كامل الأغنية الحماسية « دع سمائي فسماني محرقة » من تأليف كمال عبد الحليم وتلحين على إسماعيل
على مدار هذا البحث الفني الأدبي، تاريخ النغمة المصرية منذ انبعاث الحركة الوطنية المصرية في أواخر القرن  الماضي، مرورا بثورة 1919 ، وثورة يوليو١٩٥٢حتى السادس من أكتوبر سنة ۱۹۷3 يوم الوثبة الجريئة فوق فناة السويس نحو سيناء إلى ما أعقب هذه الوثبة التاريخية حتى الآن والنغمة الوطنية أو الحماسية في غنائنا لم تنفصل قط عن السياق العام للغناء بألوانه المتعددة ، ولها معه تاریخ حافل طویل ..فماذا يمكن أن يقال في هذا البحث الذي يشبه أن يکون بحرا لا ساحل له؟
 في الأشهر  الأولى لثورة يوليو ـ وهي عنذئذ تحمل اسم الحركة المباركة - سمعت الجماهير نشيداً مطلعي : "على الإله القوى الاعتماد" اسمه (نشيد الاتحاد والنظام والعمل)، .. مؤلفه وملحنه مدحت عاصم  .. كانت تغنيه ليلى مراد ومجموعة أصوات حولها ثم انفردت بغنائه المجموعة.. وفي الوقت نفسه بدأت الإذاعة تردد أغنيات أشبه بالأناشيد المختلفة ، فهي تقول كلمات بين الحماسة الهادرة ، والتغنى الهادئ بجمال الوطن .. نظمها المؤلفون ولحنها الملحنون للأصوات الفردية الكبيرة والصغيرة. 
ومن أشهر هذه الأغنيات التي كان هدفها المباشر البسيط تحية الثورة الوليدة وإعلان تأييدها ، أغنية : ( مصر التي في خاطری وفي دمي ، غنتها أم كلثوم ، من تأليف أحمد رامي وتلحين رياض السنباطي وأغنية : ( كنت في صمتك مغرم ) تأليف كامل الشناوي وتلحين محمد عبدالوهاب وغنائه.
وللغناء الوطني اللي ينسج على هذا المنوال الناعم ، لقاء دائم مع الأناشيد الحماسية الملتهبة في المناسبات الوطنية ، منذ عرفت مصر الحديثة هذه المناسبات.. كلاهما ہدأ مع دخول البريطانيين مصر في أواخر القرن الماضي .. مع التنويه هنا للذكرى والتاريخ – بما كانت تردده مصر على امتداد الاحتلال العثماني الحالك الطويل، من أغانٍ شعبية بسيطة تندد بعنجهية العثمانيين وتخريبهم البلاد وقهرهم العباد.. ثم أغاني الشعب بعد ذلك ضد استبداد محمد على باشا الكبير ومن تبعه من ذريته في الحكم ، وأشهرهم الخديو إسماعيل الذي فتح البلاد للغزو الاقتصادي الأوروبي وأوشك أن يجعلها مباحة للغزو الاستيطاني على غرار ما حدث في المغرب العربي ، وأفريقيا من قبل ، ثم فلسطين في عصرنا .. وفي ثورة 1919 التاريخية اندفعت الأناشيد الحماسية والأغاني الوطنية مع اندلاع الثورة على البريطانيين وما زالت جماهيرنا حتى اليوم تردد ما أبقته الأيام من أغاني تلك الثورة الوطنية الجارفة وأناشيدها وأهازيجها وأبرزها النشيد الذي مطلعه :(بلادى بلادى بلادی لك حبي وفؤادي) كتب النشيد سنة 1923يونس القاضي ولحنه سيد درویش ، وهو مستوحى من كلمة مشهورة للزعيم مصطفى كامل ضمن خطبة مشهورة له سنة ١٩٠٧ ولم يتح لسيد درويش أن يرى نجاح وذيوع هذا النشيد لأنه توفي قبل أن تنشده الجماهير في استقبال سعد زغلول عائدا إلى الوطن.
 وتبدى بعض المسرحيات والأفلام والأعمـال الإذاعية و التليفزيونية في الزمن الأخير اهتماما خاصا بأغنية : يا عم حمزة .. إحنا التلامذة.. ميهمناش في السجن نبات ولا المحافظة ،  لعل مبعث اهتمامها طرافة هذه الأغنية كلاما ولحنا، ودلالتها على الزمن الذي قيلت له ، بكل قضاياه السياسية والاجتماعية والفنية وما تعبر عنه من أهمية الدور الخاص الذي قام به التلامذة في ثورة 1919  ، نظم هذه الأغنية زكي الطويل ولحنها محمد أحمد الحفني، بطريقة شعبية مصرية بسيطة مع أنه من أوائل دارسي الموسيقى الأوروبية ذات التعقيدات الكثيرة.
مما له دلالة خاصة أيضاً أن الشعب انتزع بعض الأغاني الوطنية والأناشيد الحماسية من المسرحيات الغنائية التي كان ينشدها لهم عقب ثورة 1919من سـنوات المد الوطني الثوري ، وبخاصة مسرحيات سيد درويش ومن أشهر هذه الأغاني الوطنية و الأناشيد ـ حتى الآن - أغنية : « قوم يا مصری ، مصر دايماً بتناديك ) .. في هذه الأغنية يحرّض المؤلف – بديع خيري ـ مواطنيه علي الفخر بتراث  الأجداد وكان الفخر بها في ذلك الحين التغني بالأجـداد الأقدمين – الفراعنة ـ من هتافات الوطنيين ، حتى أن منيرة المهدية سلطانة الطرب في وقتها ـ كانت تتغنى بآثار توت عنخ آمون ، كما في طفولتها التي تقول : 
ما يجبش زيي إن لف الكون
إحنا أبونا توت عنخ آمون
إسأل عن التاريخ ينبهك
عن مجدنا وبعدين أماشيك
كانت الأغاني التي تمجد الآثار المصرية ترضى كبرياء مواطنيها حينذاك، وترفع معنوياتهم في مواجهة الإنجليز ، كأنهم يقولون لهؤلاء الغاصبين (هذا هو تاريخنا، فأين تاريخكم) .. ولکن سقوط أمة أو نهوضها، ليس متعلقا بالآثار ، فلم يكن الإنجليز يعبأون بما يسمعون ولم تكن عروبة مصر في تلك الأيام المحتدمة بالنضال مثار جدل من أي نوع بين الناس في مصر ، مثقفين أو غير مثقفين ولا كان الجميع يتصورون أي تعارض بين الأهرام وأبو الهول ومعبد الكرنك ، وبين الحاضر العربي لمصر والمستقبل المنطلق في نفس الاتجاه بلا انقطاع ومن الأغاني الوطنية التي مازالت تحتفظ بشهرتها حتى يومنا  أغنية مطلعها :
أنا المصري كريم العنصرين
بنيت المجد فوق الأهرمين
وهي أيضا منتزعة من مسرحيات سيد درویش وقبل ثورة ۱۹۱۹ انتشرت في البلاد أغنية وطنية حزينة لحنها سيد درويش ببساطة وعمق ، تعبيراً عن  عواطف عشرات الألوف من الآباء والأمهات ، اختطفت منهم السلطة البريطانية أولادهم لترغمهم على خدمة قواتها المسلحة في الحرب العالمية الأولى .. تقول الأغنية: 
يا عزيز عينى أنا بدى أروح بلدى والسلطة خدت ولدى
 
وخلال ثورة ۱۹۱۹ اضطرمت هـذه الأغنية بمثال الغضب الثوري إلى جانب معاني الحزن الإنساني ، وازدادت انتشارا ، وعرفها من لم یکن يعرفها .. وعاشت حتى اليوم..
 وفي غمرة الأناشيد الوطنية الشعبية الحارة رأت الحكومة بعد ثورة ۱۹۱۹ أن تجعل لمصر نشيدا رسميا مثل نشيد المارسلييز والأناشيد القومية الأخرى في البلاد الأجنبية، واختارت - في مسابقة عامة ـ نشيداً نظمه شوقي أمير الشعراء ، واشترط قبل أن يقدمه أن يكون هو النشيد الفائز فكان له ما اشترط ، ومطلع النشيد : 
بني مصر مكانكم وتهيا          فهيا مهدوا للملك هيا
خذوا شمس النهار له حليا       ألم تك تاج أواكم مليا
لم يعش هذا النشيد ، لأن لغته الشعرية الأنيقة ليست لغة نشيد شعبي ناجح ، ولكن الحكومة لبثت تلقنه  لتلاميذ المدارس بضعة عشر عاما بوصفه النشيد القومي لمصر ، حتى خطر للحكومة في منتصف الثلاثينيات أن تعلن عن مسابقة لنشيد قومي آخر وأختير نشيد لمحمود محمد صادق يقول:
بلادى بلادى فداك دمى        وهبت حياتى لك فاسلمى
غرامك أول ما فى الفؤاد        ونجواك آخر ما فى فمى
 سأهتف باسمك ما قد حييت     تعيش بلادى ويحيا الوطن
 
ثم يدلو فيه (يحيا الملك) في مكان و (يحيا الوطن ) في الفترة التي شهدت طغيان فاروق ، ثم أعيد إلى أصله عندما قامت ثورة يوليو ، وحذفوا منه قول الشاعر :
يظلـك عـرش المليـك الكريم       وترعاك عين العلى العظيم
ألسـت الـكنـانـة فـى أرضـه        وموعــود جـنـتـه والـنعـيـم
 لم يعش هذا النشيد القومي الرسمي أكثر مما عاش نشيد  (بني مصر مكانكم تهيأ ) مع أن هذا وذاك من اختيار لجنة رسمية في مسابقة عامة . 
وعاش بعدهما نشيد ( اسلمي يا مصر إنني الفدا) ، ونشيد : « حماة الحمى يا حماة الحمى .. هلموا هلموا لمجد الزمن ) ، .. و كلاهما من نظم مصطفى صادق الرافعي ، وقد فاز حماة الحمى بالجائزة الثانية في المسابقة التي فاز فيها ( بلادي بلادي فداكي دمي ) بالجائرة الأولى .. ومازال نشيـدا الرافعي يذاعان أحيانا...
 ومن أناشيد تلك الفترة ، ما نظمه عباس محمود العقاد ، ومطلعه :
 قد رفعنا العلم
 للعُلا والفِدَى
في ضمان السماء
حي أرض الهرم  
حي أم البقاء
ولم يتح البقاء لهذا النشيد أيضا ، لأنه كان مثل نشيد أحمد شوقي ، مصوغا في لغة دقيقة محسوبة ، لا يمس الأوتار الحساسة في الجماهير.. کما ذهب في النسيان نشيد نظمه مصطفى صادق الرافعي ، مطلعه :
إلى العلا إلى العلا بنى الوطن
إلى العلا كل فتاة وفتى
إلى العلا في كل عصر وزمن
فلن يموت مجد مصر لا ولن
 
مطلع النشيد يفسر سبب انصراف الجمهور عنه.. يكفي أنه جعل (فتى) تنطق(فتن) لتكون على وزيّ (وطن).. وحسبه (عصر وزمن).. ( لن ولن ) إلى آخر ما حفل به هذا النشيد من مغالطات لفظية ومعنوية ويمكن أن يقال – في هذه المناسبة ـ أن الرافعي كان شاعر الأناشيد في ذلك العصر ) وله نشيدان فائزان بالجائرة الثانية في مسابقتين رسميتين ، وهما : هما هذا النشيد (إلى العلا) ، ثم نشيد ( حماة الحمي ) .. ومن أراد أن يدرس لغة الأناشيد ومضامينها الوطنية والسياسية والاجتماعية فليرجع إلى مجموعة أناشيد الرافعي الرسمية والمدرسية .. وليتأمل.
****
انتهت ثورة الأناشيد وموجة الأغاني الوطنية  مع آخر مسابقة في ثورة 1919 بعقد (معاهدة الصداقة) ، مع بريطاليا سنة ١٩٣٦ ، إلا ومضات عابرة من حين إلى حين ، كالأناشيد التي تدعو الضرورة إلى وضعها في الأفلام السينمائية ومنها أناشيد عبد الوهاب وأم كلثوم مثل : «يا الشباب النيل يا عماد الجيل » الذي غنته أم كلثوم في فيلم - نشيد الأمل » ونشيد ( أيها المختال في سرى الهوا » الذي غناه عبد الوهاب   في فيلم (دموع الحب ) وغير هذين النشيدين مما غناه المطربون الآخرون بحكم الضرورة في الإذاعة أو السينما، وكثير من أناشيد الإذاعة في تلك الفترة كانت في التزلّف إلى الملك السابق فاروق. 
وخمدت جذوة الأناشيد والأغاني الوطنية خلال الحرب العالمية الثانية 1939-1945) ..فلما انتهت الحرب ،و أعلنت مصر مطلب الجلاء عنها ، تحركت حماسة الغناء من جديد ، فغنت أم کلثوم سنة 1946 قصيدة (ســلوا قلبي) من شعر شوقي ولحن السنباطي ) وفيها:
وما نيل المطالب بالتمنى 
ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
كانت الحقوق الوطنية في ذلك الحين تسمي (المطالب الوطنية)، جريا وراء التسمية الرسمية والصحفية لتلك الحقوق ، فكان هذا البیت وحده في أغنية أم كلثوم حينذاك يلهب الحماسة الوطنية ، أكثر مما يلهبها نشيد بأكمله..
ثم غنت أم كلثوم في تلك الفترة سلسلة قصائد وطنية من شعر شوقي، كقصيدته في (النيل):
من أي مهد فى القرى تتدفق   وبأي كف فى المدائن تغدق
وقصيدته الذي يقول فيها: 
وَقى الأَرضَ شَرَّ مَقاديرِهِ       لَطيفُ السَماءِ وَرَحمانُها
وتابعت أم کلثوم غناء هذا اللون من الشعر إلى جانب ما تغنيه من اللون العاطفي، فغنت سنة 1951 عندما شن الفدائيون حرب العصابات على القوات الإنجليزية في منطقة قناة السويس :
وقــف الخلــق ينظـرون جميعــا كيف أبني قواعد المجد وحدي
 وهي من شعر حافظ إبراهيم، لحنها السنباطي تلحيناً حماسيا مؤثراً وصارت أشبه بالنشيد بل أقوى تأثيراً ...
ومما ينسب إلى الغناء الوطني في تلك الفترة، قصائد شوقي التي غنتها أم كلثوم ، مثل : « ريم على القاع) ، ومثل (ولد الهدى) ، التي ملأت الأسماع وشغلت الدنيا في الأربعينيات .. فأن هذا النوع من الغناء وإن كان ديني  الطابع ، يحتوي على عناصر الروح القومية ما يجعله مساهمة حقيقية في الغناء الحماسي الذي تنبعث به الجماهير إلى الكفاح الوطني..
 إن هذا الاستعراض السريع للغناء الوطني والأناشيد الحماسية المصرية منذ بداية الحركة الوطنية ضد الاحتلال البريطاني، يعود بنا إلى بداية بحثنا.. فكيف سارت الأمور بالغناء والأناشيد بعد قیام ثورة يوليو وتلقيها التحيات الغنائية الأولى من مطربي مصر ومطرباتها ..لقد استغرق الصراع السیاسي في سنتي 1953وعام أربعة وخمسين اهتمام الناس ، فسكت أهل الغناء عن الغناء في السياسة ، وحين دعي محمد عبد الوهاب في أواخر عام 1954 ليغني أمام رجال الدولة غني (گل دا گان ليه لما شفت عنيه)...و هي أغنية عاطفية بديعة التلحين والأداء، لا صلة لها بالحماسة ولا بالوطنية من قريب أو بعيد.. 
 ومع ذلك شهدت سنة 1954 أغنية سياسية لأم كلثوم هي « يا جمال يا مثال الوطنية)..ولها مناسبة وطنية غير مجهولة..
 في هذا العام - 1954 - أخد نجم عبد الحليم حافظ في الصعود كمطرب عاطفی جدید الأداء ، وانشغل المستمعون بأغانيه وأفلامه التي بدأت تغزو الأسواق ..
وفي سنة 1955– بعد کسر احتكار السلاح – انتفض قلب الوطن العربي كله ،  تهيأ فن الغناء لمرحلة جديدة من مراحل كفاحه بين جماهير الشعب .. ثم سمع الشعب عددا من الأغنيات عن الجلاء والمشروعات الصناعية والزراعية التي أعلنت عنها الدولة وشرعت تنفذ بعضها، وعلى رأسها مشروع السد العالي الذي احتاجت مصر في سبيل تمويله إلى تأميم قناة السويس سنة1956.
وفي مناسبة تأميم قناة السويس ارتفعت حماسة الغناء المصرى ، فسمعنا ـ مثلا ـ من أم كلثوم (محلاك يا مصري وأنت على الدفة) من تأليف صلاح جاهين وتلحين محمد الموجي .. ولكن الغناء المصرى لم يكد يرتفع طربًا لتأميم قناة حتي انتفض غضباً للعدوان الثلاثي الذي وقع على مصر في خريف 1956 بسبب تأميم القناة.. 
يضيق المقام عن تسجيل كل الأغالي الوطنية والأناشيد الحماسية في هذه المناسبة التاريخية .. ولكن كان أبرزها نشيد « والله زمان يا سلاحي ).. الذي غنته أم كلثوم من تأليف صلاح جاهين وتلحين كمال الطويل ، وهو النشيد الذي أصبحت موسيقاه ـ بعد معالجتها بالتركيب الفني ـ هي (السلام الجمهوري) أو(السلام الوطني) ، بتعبير آخر ..
 وغنت فايدة كامل الأغنية الحماسية : « دع سمائي فسماني محرقة » من تأليف كمال عبد الحليم وتلحين على إسماعيل..
وغنى للمعركة فريد الأطرش وسید مکاوی ونجاة الصغيرة وشادية وعبد الحليم حافظ ومحمد عبد المطلب وكارم محمود ومحمد قنديل، وكان هتاف الشعب كله في ذلك الموقف التاريخي نشيد : « الله أكبر فوق كيد المعتدي ) .. .. من نظم عبد الله شمس الدين وتلحين محمود الشريف. 
ودخلت هذه الأغاني الوطنية والأناشيد الحماسية تاريخ المعركة ضد العدوان الثلاثي، ورسمت صورة للوجدان الشعبي خلال تلك المعركة، وسجلته بصدق، وكان نظمها وتلحينها وغنائها سريع الإيقاع كسرعة المعركة.
*********
وبعد جلاء المعتدين وفي سنة1957 عادت ليالي القاهرة إلى الغناء العاطفي ، وسمعنا من أم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم ونجاة وفايزة أحمد عددا من الأغاني الناعمة..
 ولكن الدعوة إلى القومية العربية التي تصاعدت بعد فشل العدوان الثلاثي ، انبعث لها هي الأخرى غناؤها الخاص ، والأناشيد الخاصة وكان لقيام الوحدة بين مصر وسوريا ثم ، اندلاع ثورة العراق ضد نورى السعيد وسادته، ثم حرب اليمن ، آثار في الغناء وإن لم تكن مدوية ولا مؤثرة ، وساد الساحة شعر عاطفی ملأ الأسماع وتغلغل في حياة الرجال والنساء ، وشهدت الستينيات مدا غنائياً عاطفياً لا يمكن دفعه .. مع أن أغنية (وحدة ما يغلبها غلاب) و وأخوات هذه الأغنية كانت تأسر الأسماع...
وفي الستينيات - إلى ما قبل هزيمة يونيو ١٩٦٧ ـ كانت أم کلثوم قد بلغت ذروة مجدها الفني العظيم ، والتف حولها جمهور المستمعين من المحيط إلى الخليج إلى كل مكان يقم له عربي
واستمع الملايين في هذه الفترة إلى مجموعة من أحسن ما غنت أم كلثوم من الألحان العاطفية في تاريخها الفني كله .. حسبك أن تتذكر قصيدة - الأطلال ، من تأليف إبراهيم ناجی وتلحين السنباطي ، وأغنية (أنت عمری ) من تأليف شفيق كامل وتلحين عبد الوهاب ) وبقية تلك المجموعة العاطفية البديعة التي ختمت بها أم كلثوم حياتها الفنية.
صحيح أن الغناء الحماسي والوطني كان له يوم كل عام ، هو يوم الاحتفال بذكری ثورة 23 پولیو ، إذ تغني أم كلثوم في هذا اليوم نشيدا أو أغنية وطنية ، وكذلك عبد الحليم حافظ وبقية المطربين والمطربات ..
 ولكن مما له دلالة في تلك الاحتفالات أنها كانت تبدأ بالنشيد أو الأغنية الوطنية ، ثم تستأثر الأغنية العاطفية بالشق الأكبر من الاحتفال والسهرة .. كما كان الغناء الحماسي في تلك الأيام مجرد تقليد ، لا يكاد يفرغ منه أصحابه حتى يسارعون إلى الاستمتاع بالغناء العاطفي الذي يمس وجدانهم ..
 كانت الأغاني الوطنية في تلك المناسبة السنوية تمجد المشروعات الصناعية والزراعية والثقافية وغيرها و تشيد بالقوة والمنعة والعزة ، لم تكد تخرج من هذه المعاني من عام إلى عام ، بالرغم من ما يطرأ من تغيير على الكلام ..
ولم تكن هذه الأغالي غير ذات قيمة أو غير ذات موضوع ، بل كانت تصنف عملا قائماً فعلا ، أو مطلوب أن يقدم ، أو يتطلع الشعب إلى القيام به ولا يستطيع لسبب من الأسباب وكانت كلمات « ثورة » و« اشتراكية » و ( حرية ) وما في هذه الكلمات تتردد بكثرة في هذه الأغاني ، تعبيراً عن الاتجاهات للدولة ممثلة فعلا، وقد لا يكون بعضها حقيقة واقعية ، ولكن الاتجاهات المعلنة كانت تجد صدى واسعا في أغاني ذكريات ثورة 23 يوليو السنوية ..
 إلا أن إلقاء نطرة على الإنتاج الغنائي في السنة التي سبقت هزيمة يوليو ١٩٦٧ قد تفيدنا في استكمال هذه الصورة لقد طغت الرومانسية والبكائية والاتجاهات اللامبالية على الغناء المصرى وتفتتت الأغاني الشعبية الفلكلورية في حناجر بعض المطربين إلى قطع غنائية مريضة التأليف والتلحين في هذه الفترة غنى عبدالحليم حافظ (سواح).. (على حسب وداد قلبي).. وغنت شادية أغنيتها المتشائمة الحزينة : ( قولوا لعين الشمس ماتحماشي .. لاحسـن حبيب القلب صابح ماشی) .. و أغنيتها الرومانسية الغامضة (غاب القمر يابن عمي ) .. وغنت نجاة : (يا حبيبي .. الحب عذاب ودموع وشقا )..وغنت فايزة : « العيون الكواحل سابوني) واغنية يا هلالا غاب عنا واحتجب) ..
 وظهر المطرب السوري فهد بلان بطريقة غنائية ليس لها قيمة فنية ولكن الجمهور في ذلك الوقت أقبل عليها لأنها خاطبت فيه الرغبة في تغيير إيقاع الحياة ..
 وسط هذا كله ، وقعت النكسة ، التي كانت في الغناء قد وصلت إليها فعلا ، لأنه خلال الستينيات لم يتقدم لا شكلا ولا موضوعا . .
 وكل ما صنعه الملحنون  ، حتى الكبار منهم ، إنهم قالوا بألسنتهم كلاما كثيرا من التجديد ، ولكن تحليل أغانيهم  من مذهبها إلى نهايتها .. يكتشف أنها جميعا  تبدأ بمقام يعتمد على إيقاع معين ودرجة خاصة.. ثم ينتقل فجأة إلى مقام آخر، لماذا انتقل إليه لم يلبث عنده إلا ليعود للمقام الأول أو لينتقل عشوائيا إلى غيره مع تخبط في الإيقاع و عجز.
 

Dr.Randa
Dr.Radwa