الإثنين 29 ابريل 2024

حرب أكتوبر وصناعة ثقافة النصر


باسل ترجمان

مقالات9-10-2023 | 11:39

باسل ترجمان

ما يقارب النصف قرن مضت على ذكرى انتصار حرب أكتوبر 1973 ومن عاش تلك الأيام يذكر بفخر البيان رقم واحد الذي صدر عن إذاعتي القاهرة ودمشق في نشرة أخبار الساعة الثانية والنصف من ظهر ذلك اليوم واحتبست الأنفاس وهي تستمع للبيان العسكري رقم واحد، تلك اللحظات رغم طول المدة مازالت عالقة في أذهان الكثيرين، لأن ما سبق الحرب من قرع طبول ثم التراجع عنها أصاب الكثيرين بإحباط كبير في ظل ما سمي بالخداع الاستراتيجي الذي نجح بتضليل الجيش الإسرائيلي وإقناعه باستحالة اندلاع حرب جديدة في المنطقة بعد هزيمة 1967.
شكل الخداع الاستراتيجي الذي قامت به القوات المسلحة في مصر وسوريا أحد أسباب نجاح الضربة الأولى وإفقاد الجيش الإسرائيلي القدرة على استيعابها والتصدي لها، وجاء النجاح في اقتحام خط بارليف والوصول للضفة الشرقية لقناة السويس في وقت قياسي على الجبهة الشرقية واقتحام التحصينات العسكرية في الجبهة السورية في منطقة الجولان المحتل، ليشكل حدثاً فاجأ الجميع الأعداء والأشقاء وبعد أن استوعب الجميع أن الحرب انطلقت تحول الجهد إلى السعي لإسناد القوات المصرية والسورية والإسراع للمشاركة في المعركة، وكان التفهم عاليا لدى الكثير من الأشقاء أن نجاح المفاجأة جاء نتيجة التزام الصمت والخداع الاستراتيجي الذي ساهم في تضليل القوات الإسرائيلية.
ساعات بعد نجاح الجيش المصري في اقتحام خط بارليف وعبور 

 

قناة السويس، والاقتحام العسكري الكبير للجيش السوري في هضبة الجولان المحتل، تحرك الأشقاء العرب كل بحسب إمكانياته لمساندة الجهد العسكري في المعركة سواء بإرسال قوات عسكرية للمساهمة في دعم الجيشين أو بإرسال أسلحة ومعدات عسكرية وذخائر، هذا الدعم جاء نتيجة القناعة التي وصل لها القادة العرب حينها أن هذه المعركة ليست مغامرة غير محسوبة العواقب وأنها لن تكون حرباً خاطفة تنتهي في ساعات قليلة مما ساهم في إيجاد كل الآليات الممكنة لتحرك القوات العسكرية ووصولها لجبهات القتال سواء على الجبهة المصرية أو السورية.
المشاركة العربية في المعارك 
فور اندلاع الحرب أعلنت عديد الدول العربية مشاركة جيوشها في دعم الجهد العسكري للقوات المصرية والسورية في ساحات القتال وشارك الجيش العراقي عبر قواته الجوية في دعم جيش الطيران المصري كما شاركت قواته البرية في الحرب بجانب الجيش السوري، وأرسلت المملكة العربية السعودية عشرين ألف جندي بكامل أسلحتهم إلى الجبهة السورية، كما أرسل السودان فرقة مشاة إلى الجبهة في سيناء، وشاركت الكويت بإرسال سرب طائرات حربية إلى مصر ووضعت طائرتي نقل عسكري تحت تصرف قيادة الجيش المصري لنقل الذخائر والمعدات، الجيش الجزائري شارك عبر قوات أرسلت على عجل في الحرب على الجبهة المصرية كما ساهمت الجزائر بدفع مبالغ مالية كبيرة ثمن أسلحة طلبها الجيش المصري من الاتحاد السوفييتي، أما المغرب فقد أرسل لواء مشاة إلى الجبهة السورية، وشارك بشجاعة في المعارك بمنطقة الجولان، كما أرسل قوات إضافية للقتال تشمل طائرات حربية ودبابات، الجيش الأردني شارك في الحرب على الجبهة السورية بإرسال ألوية مدرعة،

 

كما شاركت الأردن في عملية الخداع الاستراتيجي للمخابرات الإسرائيلية حيث تم رفع استعداد القوات الأردنية إلى الحالة القصوى يوم 6 أكتوبر 1973 مما أثار قلق إسرائيل ودفعها إلى إبقاء جزء من جيشها في إسرائيل للتصدي لأي هجوم محتمل على تل أبيب.
مشاركة الجيش التونسي
مرت لحظات المفاجأة وتأكد الجميع أن المعركة أعد لها بشكل جيد، وبعيدا عن المغامرات غير المحسوبة العواقب ومع تقهقر قوات الجيش الإسرائيلي وفقدانه للتفوق الجوي الذي تصدت له بشجاعة قوات الدفاع الجوي وحائط الصواريخ الذي بني بما يشبه المعجزة قبل الحرب.
الجيش التونسي شارك في المعركة وتحرك فيلق من قوات مشاة ميكانيكية  تقدر بحوالي 1200 جندي يقودها العقيد عبد العزيز سكيك وساهمت هذه القوات في دعم وإسناد الجيش المصري في منطقة شرق القناة وشاركت في معارك قتالية صدّت محاولات توغل للجيش الإسرائيلي خلال ثغرة الدفرسوار، وبقيت القوات التونسية التي تم دعمها بوحدة من الطلائع "الكوماندوز" والتي بقيت حتى شهر مايو 1974 قبل أن تعود لتونس بعد توقف المعارك.
ويبقى الدرس الذي سجلته معارك حرب أكتوبر أن انتصار العدو ليس قدرا وأن كل المعارك التي دخلها بعد تلك الحرب عجز وفشل عن تحقيق انتصار كان يحلم بتكراره بعد حرب 1967، وثقافة النصر التي صنعتها تضحيات ودماء الشهداء في أكتوبر ستبقى راسخة حاملة للأمل والحلم بالنصر.

نشر في عدد مجلة الهلال - أكتوبر 2023
 

Dr.Randa
Dr.Radwa