الأربعاء 15 مايو 2024

المشاركة الأردنية إلى جانب مصر وسوريا في حرب أكتوبر

أ.د. خالد شنيكات

عرب وعالم9-10-2023 | 12:47

أ.د. خالد شنيكات

عاشت الأردن ومصر حالة من الأنسجام والتماهي في سياساتهما في المنطقة، ورغم مظاهر الخلاف في الرؤى حيال ملفات المنطقة، إلا أن الدولتان اتفقتا حيال الصراع العربي الإسرائيلية، فقد تحرك المغفور له الملك حسين برفقة الحكومة الأردنية إلى القاهرة، والتقى بالرئيس الراحل جمال عبدالناصر قبيل  حرب 1967، واتفقا الطرفان على التنسيق المشترك تجاه الحرب القادمة أي حرب 1967، وتم تسليم قيادة القوات الأردنية للضباط المصريين، وبقيادة عربية موحدة لخوض الحرب القادمة، وقد وحدت مواقف الشقيقتين الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الحدود العربية، وكان أعنف هذه الاعتداءات على قرية السموع الأردنية في الخليل في الضفة الغربية والتي أدت الى استشهاد عدد من المدنيين لكن الحرب انتهت بنكسة حزيران.
كانت نكسة حزيران جرحا عميقا في الوجدان العربي، حيث خسرت الدول العربية (الأردن، مصر وسوريا)  أراض جديدة، فقد خسرت مصر قطاع غزة وسيناء، وسوريا الجولان، والأردن الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، لم يكن يتصور أحد هذا السيناريو المأساوي بهذا الحجم من الخسارة وبهذه السرعة.
عاشت الدول الثلاث(مصر، الأردن، وسوريا) حالة من الصدمة والذهول مما حدث، وبدأ العمل على أكثر من سيناريو:
الأول: هو العمل لما بعد النكسة أي معالجة آثار نكسة حزيران، وتجاوز تبعاتها وارتداداتها.
الثأني: هو إبلاغ الرئيس الراحل جمال عبدالناصر المغفور له الملك حسين بضرورة العمل على المسار السلمي والتفاوض مع الغرب لاستعادة الأراضي العربية التي احتلت عام 1967.
الثالث: الاستعداد لجولة جديدة من الصراع تعيد الكرامة العربية وتعزز ثقة المواطن العربي بنفسه بعد كل ما حدث، فدخلت الدول الثلاث في موجة من حرب الاستنزاف، خلال هذه الحرب خاض الجيش الأردني معركة الكرامة  عام 1968 بعد مرور أقل من عام على هزيمة حزيران، وانتصر الجيش الأردني انتصارا مؤزرا، اضطر فيه الجيش الإسرائيلي إلى الانكفاء غربي نهر الأردن  بعد أن عبرت آلياته وجيشه شرقي النهر، وقد تلقى خسائر في المعدات والأرواح اضطر بعدها إلى طلب وقف إطلاق النار، لكن الأردن أصر على انسحاب الجنود غربي النهر، وقد كان له ما أراد.
كما ذكرت أن الشقيقة الكبرى مصر كانت تعمل على قدم وساق استعدادا لجولة جديدة من الصراع تستعيد فيه مصر زمام المبادرة، وتوقف غطرسة العدو، وتحطم أسطورة الجيش الذي لا يقهر والتي روج لها كثيرا بعد حرب 1967 وتحرر أرضها،  وقد استمرت الاستعدادات المصرية والسورية رغم وفاة عبدالناصر واستلام الرئيس الراحل أنور السادات، وقد تم ذلك بالتنسيق مع سوريا.
لقد كانت العلاقات العربية يسودها بعض التوتر قبيل حرب 1973م،  حيث قامت الكويت وليبيا بوقف مساعداتها للأردن، والعراق وسوريا بإغلاق حدودهما مع الأردن،  إلا أن هذا التوتر سرعان ما تبخر؛ فقد حدث انفراج في علاقة الأردن مع كل من سوريا ومصر نتيجة  انعقاد مؤتمر المصالحة في مصر  في سبتمبر 1973م، وخلال هذا المؤتمر عرف  جلالة المغفور له باحتمال قيام مواجهة عسكرية عربية - إسرائيلية إلا أنه لم يعرف التفاصيل الكاملة حول ذلك.
وكما ذكرت، أنه رغم أن الأردن لم يكن على اطلاع بتفاصيل واستعدادات نصر أكتوبر عام 1973، إلا أنه كان مع أشقائه  بجميع  المواقف، ينسق ويدعم الجهد الجماعي العربي.
وكما ذكرنا كان الموقف الأردني منذ البداية مع أي عمل عربي موحد، وتمثل ذلك في موافقته على تعيين قائد للقوات العربية هو الفريق أحمد إسماعيل، وقد قال المغفور له جلالة الملك الحسين للأمين العام لجامعة الدول العربية آنذاك محمود رياض وقبيل  اندلاع الحرب بأيام، عندما طلب الرئيسين المصري والسوري بأن يمنع الأردن الالتفاف على سوريا عبر الأردن، فقال المغفور له الملك حسين " إن ما تطلب مني ليس إلا واجبي .. " وهكذا كان موقف الأردن المبدئي هو الوقوف إلى جانب العرب من حيث المشاركة في الحرب 
وما أن اندلعت الحرب في رمضان، إلا وأعلن الأردن وقوفه إلى جانب مصر وسوريا في خوض الحرب، وقد اتخذ الخطوات الآتية:
1- إعلان الأردن وضع جيشه في "درجة الاستعداد القصوى" باندلاع الحرب، وأخذت قواته وضعية الدفاع وفقا لخطة الدفاع في تلك الحرب، وكان الهدف حماية القوات السورية في الجبهة السورية من عملية التفاف على القوات السورية، وإحباط أية محاولة اختراق إسرائيلية عبر مشاغلته القوات الصهيونية على طول حدوده مع إسرائيل وهي الحدود الأطول عربيا مع إسرائيل، والأقرب للعمق الصهيوني مما يجعها الأخطر عليه، مما منع نقل المزيد من جنودها على الجبهة المصرية والسورية، وأبقى جزءا كبيرا من قواتها على الحدود الأردنية خوفا من تطورات الموقف على الحدود الأردنية،  وكان الموقف الأردني يتابع ويراقب بشدة ما تحرزه من انتصارات الشقيقتان، استعدادا للدخول إلى الضفة الغربية لتحريرها تبعا لتطورات الموقف على الجبهة المصرية والسورية.
2- التحرك إلى الجبهة السورية وهو الشيء الذي حدث فعلاً، نتيجة تدهور الموقف على الجبهة السورية؛ فقد تقدم  اللواء المدرع/40 بأمر من جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال إلى الجبهة السورية، فوصل بكامل تشكيلاته يوم 14 أكتوبر 1973م حارب في أولى معاركه يوم 16 أكتوبر 1973م، وكان تحت قيادة الفرقة المدرعة /3 العراقية، بجانب الألوية العراقية المشاة/20 والآلي /8 والمدرع/6.
وفي يوم 16 أكتوبر 1973م تقدم اللواء المدرع/40 من أماكنه في نوى وتل الحارة إلى تل المسحرة ليتجاوزه في الوقت الذي كانت تجتاز فيه طلائع اللواء المدرع/60 كفر شمس إلى نحو تل العلاقية وتل عنتر.
لكن اضطر  اللواء المدرع/40 العدو الإسرائيلية للتراجع مسافة (10) كم تاركاً خلفه تل مسحرة وجبا، وأمام هذا الهجوم الأردني السريع وبطء وصول القوات العراقية إلى مواقعها كشفت أجنحة اللواء المدرع/ 40، فخسر بسبب ذلك بعض آلياته بسبب استخدام العدو لسلاح (التاو) المضاد للدروع ولأول مرة في العمليات العسكرية. أجبر اللواء المدرع /40 إلى التراجع بعد أن دمر للعدو (10) دبابات، كما تعرض الهجوم العراقي إلى هجوم معاكس عنيف على جناحه الأيمن اضطره إلى التراجع إلى (كفر شمس) ثم إلى تل (الذيبان).
وهاجم اللواء المدرع /40 بالهجوم مرة أخرى على تل مسحرة وجبا في الوقت الذي كانت تهاجم فيه الفرقة المدرعة/3 العراقية تل عنتر، فأحرز  اللواء المدرع/40 تقدما وتغلغل مرة أخرى بعمق (6-7) كم متجاوزا تل مسحرة ووصل إلى الشمال الغربي منه، ونتيجة لضغط العدو وانكشاف أجنحة اللواء المدرع/40 مرة أخرى للهجوم الإسرائيلية المعاكس أجبر إلى التراجع بعد أن خسر بعض جنوده ومعداته.
ونتيجة موقف الجيش السوري الحرج، دفع الأردن بقوات تعزيز إضافية لإعادة كسب زمام المبادرة وللقيام  بهجوم معاكس شامل وكان مقرراً في 23  أكتوبر 1973م ، ودفع الأردن أيضا يوم 20 أكتوبر 1973م قيادة الفرقة المدرعة/3 الملكية مع مدفعيتها إلى الجبهة السورية ووصلت بشكل كامل يوم 22 تشرين الأول 1973م، إلا أن قبول سوريا وقف إطلاق النار أدى إلى إلغاء العملية الهجومية، فبقيت القوات الأردنية هناك إلى أن سحبت في بداية نوفمبر 1973م.
وكانت الخسائر الأردنية 24 من الأفراد، و49 جريح، وتدمير 25 دبابة وآلية مختلفة وتعطيل 29 دبابة.
وتبدو أهمية المشاركة الأردنية في إعاقة تقدم القوات الإسرائيلية في الجولان بمساعدة القوات العراقية ومنعها من تعزيز عملياتها الهجومية ودفعها نحو التحول إلى وضعية الدفاع، بل أن دخول اللواء المدرع /40 ساحة المعركة في أصعب اللحظات للقوات السورية مساهمة لا غنى عنها؛ حيث كانت الطريق مفتوحة للقوات الإسرائيلية باتجاه دمشق فمنع القوات الإسرائيلية من ذلك، وهناك أهمية أخرى تتمثل في تعزيز العمل العربي العسكري المشترك على الرغم من أن الأردن لم يكن على اطلاع بتفاصيل خطط الحرب العسكرية.  
ونتيجة لهذه الحرب، أعيدت العلاقات الأردنية مع بعض الدول العربية التي كانت مقطوعة بسبب أحداث السبعين، وتم استئناف المساعدات العربية للأردن.
لقد برهن العالم العربي على قدرته على تجاوز التحديات التي تعصف به، رغم تعاظم هذه التحديات وكترتها، فكانت حرب أكتوبر مثالا على التضامن العربي، فقد وقفت كل الدول العربية إلى جانب مصر وسوريا، فدول الخليج أعلنت عن قطع النفط عن الغرب في محاولة لتغيير مواقفه من القضايا العربية بشكل عام ومن الصراع العربي الإسرائيلي بشكل خاص، ووقفت دول أخرى بجيشها، وبعضها سارع لمقاطعة الدول الداعمة لإسرائيل دبلوماسيا، كذلك برهنت الحرب على قدرة العرب على التغيير وفرض شروطهم إذا ما أرادوا ذلك.

نشر في عدد مجلة الهلال - أكتوبر 2023