تحل اليوم ذكرى ميلاد عبد الرحمن شكري الشاعر المصري ورائد من رواد الأدب العربي الحديث، حيث يعد أحد أعمدة مدرسة الديوان التي وضعت مفهومًا جديدًا في أوائل القرن الماضي، والذي أشاد به كبار الأدباء ومن ضمنهم الأديب الكبير محمود عباس العقاد.
الرائد الذي سبق زمانه
قال عباس العقاد عن شكري إنه الرائد الذي سبق زمانه في عدة حسنات مأثورات، فهو من أسبق المتقدمين إلى توحيد بنية القصيدة والتصرف في القافية على أنواع التصرف المقبول، فنظم القصيدة من وزن ومقطوعات متعددة القوافي ونظمها مزدوجات وأبياتاً من بحر واحد بغير قافية ملتزمة.
وأشار عباس العقاد بعد رحيل شكري في مقال نشرته «مجلة الهلال» إنه لم يعرف قبله ولا بعده أحدًا من شعرائنا وكتابنا أوسع منه اطلاعًا على أدب اللغة العربية وأدب اللغة الإنجليزية، وما يترجم إليها من اللغات الأخرى، ولا أذكر أنني حدثته عن كتاب قرأته إلا وجدت منه علمًا به وإحاطة بخير ما فيه.
وأضاف العقاد أنه كان يحدثنا أحيانًا عن كتب لم نقرأها ولم نلتفت إليها ولاسيما كتب القصة والتاريخ، ومع سعة اطلاعه كان صادق الملاحظة، نافذ الفطنة، حسن التخيل، سريع التمييز بين ألوان الكلام، فلا جرم أن تهيأت له ملكة النقد على أوفاها؛ لأنه يطلع على الكثير ويميز منه ما يستحسنه وما يأباه، فلا يكلفه نقد الأدب غير نظرة في الصفحة والصفحات يلقى بعدها الكتاب وقد وزنه وزنًا لا يتأتى لغيره في الجلسات الطوال.
اتجاهات شكري في الشعر
وعن توجهات عبدالرحمن شكري في شعره.. إنه كان يهتم ببعض الاتجاهات في الشعر كعرض المشاكل الاجتماعية ومواجهة الاستعمار، ورفض شعر المناسبات واتجه بشعره إلى التأمل الوجداني حيث نفذ في قصيدته «وأَرْحِمَة الناس» إلى أعماق النفس البشرية فيدرك ضعف الإنسان ويمتلئ قلبه رحمة للناس، وحتى الأشرار منهم يرى أنهم أولى بالعطف لأنهم معذبون بشرورهم، حيث قال في قصيدته:
تعلمني الأقدار أن أرحم الورى
|
|
فقلبي لكل العالمين رحيم
|
وأنظر في نفسي وأعرف عذرهم
|
|
على شرّهم داء النفوس قديم
|
وإن جميع الناس أهلي وإخوتي
|
|
وإن كان فيهم جارم وذميم
|
وفي قصيدته "اليتيم" عرض شكري مشاكل اجتماعية، وكان يرى أن جمال الحياة هو هبة العباقرة والمصلحين الذين لهم الفضل في تغيير مجرى تاريخ البشرية، وكتب:
وما اليُتم إلا غربة ومهانة
|
|
وأي قريب لليتيم قريب؟
|
يمر به الغلمان مثنى وموحداً
|
|
وكل امرئ يلقى اليتيم غريب
|
يرى كل أم بابنها مستعزة
|
|
وهيهات أن يحنو عليه حبيب
|
يسائله الغلمان عن شأن أهله
|
|
فيحزنه ألا يجيب مجيب
|
إذا جاءه عيد من الحول عاده
|
|
من الوجد دمع هاطل ووجيب
|
كأن سرور الناس بالعيد قسوة
|
|
عليه تريق الدمع وهو صبيب
|
عزاؤك لا يلملم بك الضيم
|
|
إننا يتامى ولكن الشقاء ضروب
|
فهذا يتيم ثاكل صفو عيشه
|
|
وذاك من الصحب الكرام سليب
|
ويقول في قصيدته "مصارع النجباء":
إن الحياة جمالها وبهاؤها
|
|
هبة من النجباء والشهداء
|
الحالمون بكل مجد خالد
|
|
سامي المنال كمنزل الجوزاء
|
الغاضبون الناقمون على الورى
|
|
هبوا هبوب الصرصر الهوجاء
|
الخالقون المهلكون الشارعون
|
|
المرسلون بآية عزاء
|
آي الجلالة والذكاء ميعها
|
|
فيهم على السراء والضراء
|
فلئن أصابهم الزمان بمهلك
|
|
قبل ابتناء منازل العلياء
|
فحياتهم وفعالهم ودماؤهم
|
|
مثل الهدى وكواكب الإسراء
|
وصور في قصيدة "جنون الأقوياء" جرائم الاستعمار وأساليبهم الخبيثة، وأكد على أن طغيان الأقوياء إنما سببه خنوع الضعفاء وتزلفهم، فقال
وقديماً جن القوي بما
|
|
طاع له من تزلف الضعفاء
|
وضعوه في منزل الله كفراً
|
|
فطغى واستباح سفك الدماء
|
ورأى الخير والفضيلة ما شاء
|
|
وإن كان من أذى الأدنياء
|
ورأى الشر والكبائر ما عاف
|
|
وإن كان سيرة الأبرياء
|