نظمت مكتبة الإسكندرية مساء اليوم ندوة بعنوان "خمسون عامًا على حرب أكتوبر: رؤية استشرافية" ببيت السناري التابع لقطاع التواصل الثقافي بمكتبة الإسكندرية، أدارها الدكتور أحمد زايد؛ مدير مكتبة الإسكندرية، وتحدث فيها كل من اللواء أ. ح دكتور محمد قشقوش؛ مستشار أكاديمية ناصر العسكرية العليا، واللواء طيار سمير عزيز ميخائيل؛ مساعد رئيس أركان القوات الجوية سابقًا، والدكتور أحمد الشربيني؛ أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر كلية الآداب جامعة القاهرة، بحضور نخبة من المثقفين والباحثين والاعلاميين.
أوضح الدكتور أحمد زايد؛ إن توجه مكتبة الإسكندرية هذا العام الحديث عن حرب أكتوبر المجيدة ١٩٧٣، خاصة أنه يتزامن مع ذكرى مرور خمسين عامًا عليها، من خلال تنظيم عدد من الفعاليات، وإصدار كتاب عن الحرب ومعرض صور ، وعدد خاص من مجلة ذاكرة مصر، قائلاً "هذا العام مميز ونحن في حاجة للحديث عن هذه الحرب حتى يتعرف عليها الشباب الذين لم يعاصرونها، ولكي نستقي منها بعض الدروس".
وأضاف "زايد" إن الندوة المقامة اليوم لها أهمية خاصة لأنها تجمع بين السياسة والتاريخ والعسكرية، للتأكيد على أهمية الذاكرة الوطنية من أجل استشراف المستقبل، والسير نحوه بخطى المستقبل.
وأضاف أن الشعب المصري بجميع طوائفه كان يتكاتف خلف قواته المسلحة خلال الحرب وما قبلها، ولم يكن يلتفت إلى الصعوبات التي كانت تواجههم من نقص السلع، مشددًا على ضرورة سرد تلك المشاهد للأجيال الجديدة حتى يدركون جيدًا حجم التضحيات التي بذلت في سبيل الوطن.
وقال اللواء أ. ح دكتور محمد قشقوش؛ إن حرب أكتوبر كان حتمًا على مصر خوضها بعد أن استنزفت كل السبل لحل الأزمة بالسبل السلمية، إذ قدم الرئيس السادات مبادرة لتجنب الحرب ولكنها رفضت وتحدث وزير الخارجية الأمريكي في ذلك الوقت هنري كسينجر عن استحالة تخلي إسرائيل عن أرض حصلت عليها بالقوة.
وأضاف "مصر أجبرت على هذه الحرب ولكنها حققت فيها نجاح باهر، بسبب فرق الإمكانيات العسكرية التي ترجح كفة القوات الاسرائيلية"، مشيرًا إلى أن صفقة التسليح التي حصلت عليها مصر من الاتحاد السوفيتي عام ١٩٥٦ قلص الفجوة بين مصر واسرائيل، وهذا سبب العدوان الثلاثي على مصر.
وتابع: "ولكن فيما بعد دخل الاتحاد السوفيتي في دائرة سوق السلاح العالمي، مما دفعه إلى عدم مد مصر بأحدث الأسلحة مما تسبب في حدوث اتساع الفجوة لصالح إسرائيل، وهو ما دفع الرئيس الراحل أنور السادات إلى طرد الخبراء السوفيت".
وأكد "قشقوش" إن هذا النصر العسكري هو الذي مهد للنصر السياسي فيما بعد، وكذلك النصر القانوني الذي أعقبه من أجل الحصول على طابا بالتحكيم الدولي، مشددًا على أن الشعب المصري بأكمله شارك في ملحمة النصر، حيث شارك في استضافة الأسر المهجرة من مدن القناة والذي بلغ عددهم ١.٦ مليون أسرة بسبب استهداف المنازل ردًا على العمليات الفدائية خلال حرب الاستنزاف.
وأشاد "قشقوش" بقرار الرئيس عبد الفتاح السيسي هذا العام بالإفراج عن وثائق حرب أكتوبر، والذي سيفتح الباب أمام الباحثين للتعرف عن التفاصيل البطولية التي ظلت غائبة لسنوات طويلة.
فيما أوضح اللواء طيار سمير عزيز ميخائيل؛ إنه شارك في حروب اليمن ونكسة ٦٧ وحرب الاستنزاف وحرب أكتوبر، مؤكدًا أن القوات الجوية المصرية لم تكن في مستوى نظيرتها الاسرائيلية، متمثلة في نوعية وعدد الطائرات وكذا عدد الطيارين.
وأشار "ميخائيل" إلى إنه عقب النكسة بدأت مصر مباشرة في حرب الاستنزاف بعد أيام قليلة وتحديدًا في يوم ١٤ يوليو ١٩٦٧، موضحًا أنه نجح في إسقاط ٣ طائرات، واحدة من بينهم كان يقودها من أصبح قائد القوات الجوية الإسرائيلية فيما بعد.
وأكد "ميخائيل" إن الله ساند مصر في هذه الحروب وهو ما كان يدركه المقاتل المصري، ساردًا واقعة ذلك؛ حيث كان ينفذ طلعة بطائرته في ٨ سبتمبر ١٩٦٩، ولكن جهازه اللاسلكي تعرض للتشويش الشديد فما كان منه إلا أنه اعتمد على حسه وقام بتنفيذها، والتي تزامنت مع استعداد طائرات العدو لاستهداف مدرعتين مصريتين، فقام بالتحليق لمدة ١٠ دقائق لتشتيت العدو وبالفعل نجح في ذلك وتمكنت المدرعتين من الهرب.
وتحدث "ميخائيل" عن تفاصيل تعرضه لكسر في العمود الفقري يوم ٨ أكتوبر ١٩٧٣ أثناء مشاركته في معركة فوق مدينة بورسعيد، وتماثله للشفاء عقب ذلك.
ومن جانبه؛ قال الدكتور أحمد الشربيني؛ إن ما كتب عن حرب أكتوبر حتى الأن قليل جدًا ولا يتساوى مع قيمة الحرب التي تعد نقطة تحول ليس في تاريخ مصر المعاصر فقط ولكن في تاريخ العرب، وما يحدث اليوم في المنطقة حاليًا يؤكد ذلك.
وأوضح "الشربيني" إن الشباب المصري لا يعرف الكثير عن هذه الحرب، ولذلك نحتاج لبذل مجهود كبير للتعريف بها، مشددًا على أن إتاحة الوثائق الخاصة بها، سيفتح الباب أمام الباحثين، وخاصة الدراسات الأكاديمية للكشف عن الملحمة المجتمعية التي تزامن معها، وهو ما يسهم في تنمية الانتماء لدى الشباب ويعيد إليهم الثقة.
وأكد "الشربيني" إن المجتمع المصري تحمل إعادة بناء القوات المسلحة عقب النكسة، وقدم دعم من خلال استضافة الأسر المهجرة من مدن القناة، كما أن الوضع السياسي لم يكن مستقرًا أيضًا بسبب تأخر قرار الحرب، مشيرًا إلى أن الاتحاد السوفيتي لم يقدم الدعم المنتظر إلى مصر، لجعلها متساوية مع إسرائيل.
وأشار "الشربيني" إلى أن قرار الحرب جرئ ونجح المقاتل المصري في تحقيق إنجاز غير مسبوق، رغم التشكيك المستمر حتى اليوم، ولكن مراجعة الوثائق الإسرائيلية يؤكد نجاح مصر وشجاعة الجندي المصري، الذي كان يترجل لمواجهة الدبابات والمدرعات، مختتمًا أنه لو استغلت الدول العربية استغلت ما حدث عقب ٧٣ لم يكن ليصل الوضع إلى ما وصل إليه اليوم.