تُعدّ الثقافة الشعبية من المداخل الأساسية لدراسة الشعوب، حيث تعكس الجوانب النفسية والعاطفية في حياة المجتمعات، وتعتبر الأمثال الشعبية أحد أبرز عناصر هذه الثقافة، إذ تمثل حجر الزاوية لفهم الشعوب.
والمثل هو حكمة تتجسد في كلمات مسجوعة أو غير مسجوعة، تنطوي على رمز يحمل نقدًا أو علاجًا لأحد جوانب الحياة المتنوعة. والحكمة في جوهرها قديمة، هي نتاج الروح وثمار تجربتها، تتشكل من نعم الحياة وابتلاءاتها، نادرًا ما تخلو أمة أو قبيلة من قول الحكمة في أمثال تتداولها، وقد تتجاوز هذه الأمثال حدودها إلى أمم أخرى، إذ إن النفوس البشرية، رغم اختلاف درجات تطورها، تشترك في العديد من جوانب الحياة، وقد تتسم هذه الحكمة بالرقي، لتصبح جزءًا من ثقافة الأمة ومعرفتها العميقة، ويعكس ذلك مستوى تطور الأمة ونضوجها.
خلال أيام شهر رمضان المبارك، نعرض معًا مجموعة من الأمثال الشعبية المصرية التي تناولت موضوعات حياتية يومية متنوعة.
واليوم نناقش الأمثال التي تدور حول "تروح فين يا صعلوك وسط الملوك"
هو مثل شعبي ساخر شاع بين المصريين، واستُخدم على نطاق واسع دون الإلمام بخلفياته التاريخية التي ظلت تُحكى لأجيال عديدة، مؤثرةً في تراث مصر الشعبي.
يشير المثل في الأصل إلى الشيخ المصري "زعلوك"، الذي كان موظف حسابات لدى أحد المماليك الذين قُتلوا في مذبحة القلعة عام 1811، ولسوء حظه، كان الشيخ زعلوك برفقة ذلك المملوك أثناء وقوع المذبحة، حيث قُتل بالخطأ في خضم الأحداث الدامية.
عقب انتهاء المذبحة، التي راح ضحيتها أكثر من 470 مملوكًا داخل القلعة، كُلّف الأمير المسؤول بحصر القتلى وتسجيل أسمائهم، ليُفاجأ بوجود جثمان الشيخ زعلوك بين الضحايا. من هنا جاءت المقولة الشهيرة: "تروح فين يا زعلوك وسط الملوك".
وبمرور الوقت، تناقلت الألسن الخبر حتى وصل إلى محمد علي، الذي أمر على الفور بتعويض ورثة الشيخ زعلوك بمنحهم آلاف المواشي والأفدنة تقديرًا لما حدث لهم.
مع الأيام، تحوّل المثل من "تروح فين يا زعلوك وسط الملوك" إلى النسخة التي نعرفها اليوم: "تروح فين يا صعلوك وسط الملوك"، لتصبح عبارة ساخرة تُقال حينما يجد شخص نفسه في مكانة أو بين أناس لا تناسبه.