الإثنين 29 ابريل 2024

لا وقت للحمقى.. فتجنبوهم

مقالات29-10-2023 | 13:54

يتصور البعض أن هناك من هو غير مكترث لنصرة الفلسطينيين أو أنهم يخوضون معركة بمفردهم ثم يستغرق في دوامة تنتهي به في متاهة تنحرف به عن إدراك زمانه أو استيعاب الظرف الدائر من حوله فيدخل في نوبة اكتئاب أو يأس أو إحباط قد تحوله إلى قوة مضادة تضاف إلى رصيد عدوه الذي يمقته ويتمنى زواله.

وفي أيام تتغير فيه الحسابات وتتهدم نظريات وتتزلزل كيانات يحب أنلا ننسى أن معركة غزة جرح نازف لا تقوى إسرائيل على تحمله ولا يملك من يساندها  من الخارج أن يوقفه وأن ندرك أن فداحة المشهد الإنساني ما هو إلا ضريبة واجبة الدفع وبذل للنفس والمال لن يضيع هدرا فالمعركة اليوم ليست معركة يحسمها السلاح فحسب بل يحسمها صاحب النفس الأطول والقادر على إيلام عدوه وبذل التضحيات دون صراخ أو نحيب وبالطبع سيربح الفلسطينيون تلك المعركة فبطل المشهد فيها الصبر والثبات وهما أمضى سلاح في يد الفلسطينيين لا تملك معه إسرائيل حولا ولا قوة.

وأقول لكل الغارقين في دعاوى أين الجيش الفلاني وأين الجيش العلاني لا تتعجلوا لقاء العدو وتيقنوا أنه ليس لإسرائيل من منجى إلا بتحويل الحرب الجارية من جولة بين وكلاء إلى جولة بين الأطراف الأصلية لأن الاستمرار في مواجهة حرب الشوارع يعني وببساطة التعجيل بهلاك إسرائيل.

من هنا كانت تصريحات الرئيس السيسي والتي ينظر إليها بعض الحمقى على أن مصر تنفض يدها من الصراع وتدير ظهرها لنصرة الفلسطينيين وهو ما يروق بالطبع لأعداء مصر في الداخل والخارج والحقيقة أنها رسالة أخيرة لعقلاء العالم وتحذير قبل فوات الأوان من الانخراط في حرب إقليمية تتوسع لصراع دولي لا يعلم عواقبه إلا الله وتصريحات الرئيس السيسي واضحة وتؤكد أنه لا انجرار لمحاولات مكشوفة لتتحول الحرب في غزة من تكتيكات حرب الشوارع تكون فيها إسرائيل كالأعمى وتتعطل فيها كل قدراتها التقنية العسكرية وتعجز آلتها الحربية عن تحديد عدوها فتفتك به إلي حرب نظامية تستعرض فيها وحلفاءها ما يملكونه من أسباب القوة ليستعيدوا دفة تحريك الميار بعد أن فقدوه في السابع من أكتوبر الجاري.

ولنقرأ التاريخ كيف قهر الإسبان غير النظاميين نابليون وأحبطوه وكيف كسرت القبائل الأفغانية الجيش السوفيتي ومؤخرا كيف أذلت فاجنر الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في أوكرانيا. 

إن ما تخوضه اليوم حماس من معركة ما  هي إلا استجابة عقلانية للقوة الساحقة والمنظمة ، وهي الوسيلة التي يمكن للضعفاء من خلالها إحباط الأقوياء وإنهاكهم والتغلب عليهم  فإن كانت إسرائيل تمتلك الكثير فالفلسطينيون أيضا يمتلكون التخفي والمفاجأة والحركة السريعة ونصب الكمائن ..و ..و.. من خيارات لا تنتهي

إن مصر لم تدر يوما ظهرها للفلسطينيين وهي اليوم تستخدم قوتها الدبلوماسية لتحشد العالم كله لدفعه لوقف دعم استمرار الحرب وحماية المدنيين الفلسطينيين والتأكيد على أنه لاسبيل لاستقرار أو لاستمرار إسرائيل إلا بمنح الفلسطينيين حقوقهم كاملة غير منقوصة وكان الرئيس واضحا في حديثه بأن مصر قوية قادرة وإن كانت تعظم السلام وتجنح إليه إلا أنها لاتمس ولكل حادث حديث. 

إذن ما يتصوره البعض من عزوف عن المعركة ليس إلا قصور إدراك وعاطفة غير رشيدة تدفعك لعدم رؤية استخدام القوة الدبلوماسية ومحاصرة إسرائيل دوليا وإبقائها تحت ضغط المقاومة في الداخل والضغط الدولي من الخارج والذي يتعاظم يوما تلو الآخر مدركين أننا  أمام جولة جديدة من صراع مستمر  ومقدمة لصراع أكبر يلوح في الأفق سيدرك سريعا من يدفع إسرائيل للاستمرار في القتال أنه يجب التراجع تحت وطأة الثمن الباهظ وتذكروا ما فعله الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون في فيتنام والذي ترك رئيسا آخر يبتلع الهزيمة في عام 1975 ، عندما سقطت سايجون وعلى العكس مما تتصورون اليوم من أن أمريكا باتت موحدة خلف إسرائيل سيعيد التاريخ نفسه ولابد أن تتحمل إسرائيل الثمن السياسي للهزيمة في حرب غير نظامية خاصة إذا كان الخصم مصمما بالقدر الكافي على الاستمرار في إلحاق التكاليف والخسائر و‏هكذا حارب الزعيم الثوري الفيتنامي هوشي منه الفرنسيين والأمريكيين بل هو ما فعله الأمريكيون أنفسهم في ما عرفت في التاريخ بمعارك "ثعلب المستنقع"  لتجاوز عزم البريطانيين على مواصلة الحرب .

إن معركة غزة هي حرب الضرورة وليس الاختيار ضد رمز نظام الهيمنة وهي إسرائيل والتي ينبغي لها أن تدرك أن القطب الأوحد الذي ترتكن إليه في عربدتها يتداعي دوره ويتقزم ليس في المنطقة وحدها بل في العالم وما ينسحب عليه سينسحب عليها شاءت أم أبت.

‏إن الجميع مطالب اليوم بمزيد من الاصطفاف وامتلاك المزيد من أسباب القوة تحت شعار لا تتمنوا لقاء العدو وإن لقيتوهم فاثبتوا واللقاء قريب وإن يراه البعض بعيدا

 

Dr.Randa
Dr.Radwa