الأربعاء 5 يونيو 2024

قمر 14 .. وده كان زمان!

21-2-2017 | 10:40

كتب : يحيي تادرس

العديد من الأغنيات ربما من أشهرها:

قمر له ليالي لداود حسني

ليس هذا فقط بل العديد من الأفلام:

قمر14: كاميليا - محمود ذو الفقار - حسن فايق 1950

قمر الزمان: نجلاء فتحي - مصطفي فهمي - سعيد صالح - أبو بكر عزت - هالة فاخر 1976

قمر الليل: ليلي علوي - وليد توفيق- أبو بكر عزت - مريم فخر الدين 1984

...

و.... كان من الممكن أن تتعدد الأغنيات والأفلام عن القمر - لولا وصول الإنسان إلي سطحه المليء بالتجاعيد الصخرية!

....

ولكن ما علاقة النيل بالقمر؟

ليس لأن المصريين القدامي كانت شهورهم قمرية «30 يوماً» وليس لأن «الهلال» أصبح أحد رموز الإسلام ولكن

.... لأن خطوات الإنسان علي سطحه والضجة العالمية التي أثارها- لم تكن شيئا بجانب اكتشاف ينابيع هذا النهر الأسطورة وما أثاره من اهتمام العالم كله- بمياهه وناسه وتضاريسه ووحوشه... وما فتح شهية المستعمرين لاستغلال قبائله البدائية كمحبين - خاصة ... في أمريكا

والآن عزيزي القارئ

... لننتقل عبر الزمان ونكشف بضع صفحات الماضي البعيد ومحاولات اكتشاف منابعه

عرف قدماء المصريين وادي النيل من البحر الأبيض المتوسط - حتي موقع مدينة الخرطوم

- حاول أبوالتاريخ «هيرودوت» سنة 460ق.م اكتشاف منابعه الغامضة بعد وصوله إلي الشلال الأول... ثم ارتد خائباً

- الأمبراطورينيرون - الذي كان يعتقد في نفسه عبقرية وسطوة ونفوذا وقوة غير محدودة - يرسل قائدين من أعتي قواده لكنهما يعودا خائبين

...

و... خلال ما تلي هذا من تاريخ - ينجح المستكشفون في اكتشاف «الصين وأمريكا واستراليا و......»

لكن النهر - وبالتحديد النيل الأبيض ظل «عصيا غامضا نائيا وبعيدا بل وفي وصف لأحد الأدباء ساخرا عظيم الكبرياء...

و.... لدي الأدباء كانوا يصفون منابعه بأنها موطن للقبائل البدائية المتوحشة والمخلوقات الخيالية «القبائل المتوحشة المفترسة ذوات الذيول - الشلالات - الامراض - التي لا يفلح الطب الأوروبي في علاجها - البحار الشاسعة والجبال التي تصل قممها ... إلي القمر!

... كل تلك المستحيلات كانت تقف عقبة أمام من يحاول مجرد محاولة أن يفكر - مجرد تفكير- أن يتجاوز ما تم اكتشافه حول النيل الأزرق فما بالكم - بالرغبة الهائلة في الاكتشاف رغم كل تلك الصعوبات...

تلك الرغبة التي تولد وتنمو حتي تسيطر علي بعض النفوس والشخصيات التي تشعر بأن كل تلك التحديات تثير فيهم الرغبة في مواجهتها حتي لو كان الثمن ... هو الموت ذاته؟

1856... يقرر المكتشفان «ريتشارد بيرتون» و«جون سبيك» أن يرحلا ويقتحما الجوف المظلم الغامض للقارة

...وتبدأ الرحلة ومعها تبدأ خطوات الاكتشاف التي تذهل العالم وتصنع منهما نجمين لامعين بما حققاه من مستحيل

....

ويصل المغامران بسهولة ... إلي جزيرة «زنجبار»

...

وهناك كانت قوافل العبيد والعاج «بعد صيد الفيلة بطرق وحشية لانتزاع أنيابها حيث تمضي في رحلات ينتهي أغلبها إلي وفاتهم حيث الأمراض والقسوة و....

....

وعلي سفينة بريطانية يعبر المغامران إلي الجزيرة في 19 ديسمبر 1856 كان أول مشاهد صادفتهما لا تبشر بالخير

.... جثثا تطفو علي سطح المياه وإحدي أسماك القرش بالغة الضخامة تندفع من الأعماق وترقب عددا من الصيادين بعيون ساكنة مخيفة تجعلهم يفرون بقواربهم

... أما داخل المدينة فكان ما لفت انظارهما قوافل العبيد والعرض اليومي لهم:

يبدأ العرض في حوالي الرابعة بعد الظهر... وينتظمون في صف يبدأ بالأصغر وينتهي بالأكبر حجماً وسنا أما بشرتهم فقد نظفت ووجوههم قد طليت بخطوط حمراء وبيضاء.

أعمارهم كانت تتراوح بين الست سنوات ... والستين فإذا استهوي أحدهم متفرجاً وقف الصف فوراً.

و... يبدأ الفحص

هل هو خال من المرض؟

هل يحب النوم كثيراً

ثم يبدأ في فحص جسده - خاصة الإناث العاريات تماما وبعدها يؤمر بأن يسير ويجري قبل أن يسلم لمولاه الجديد

....

أما كيف كانوا يقومون «بصيدهم» فبزجاجة من خمر ردئية للنساء أو امرأة ساقطة للرجال و في السوق كانوا يقفون كالبهائم والدلال ينادي:

بازار خش - أي أدخل السوق...

ومما أثار اشمئزازهما - فكان حتي البغايا «نسوة لهن» وجوه كوجوه القردة المسلوخة واجساد بالغة الهزال لا حياة ... لا مجتمع .. مياه الشرب مسمومة .. التعرض للعديد من الأمراض أقلها الكوليرا..

هل يعودان إلي حياة المدينة؟

مطلقا - بل يسعيان إلي تشكيل قافلة وحيد يعرف أفراد القافلة الهدف من رحلتهما - يتهمانهما بالجنون ويضحكون في مكر ولكن:

إن هذا «الجنون» سيكون مصدر رزق لنا - أما إذا اكتشفنا أي صعوبة - فالفرار متاح في تلك المجاهل التي لا يدرك سوانا دوربها...

......

ماذا عن الطعام؟

سنعيش علي ما نصيده

وهكذا يتزودان بالأسلحة: الملائمة إلي جانب بعض الأدوات التي تساعدهم في تسجيل ما يشهدان إلي جانب خيمة وسريرين بل وناموسيات! وأدوات نجارة وحدادة تمكنهما من صنع قارب صغير بالطبع لم ينسيا زجاجات البراندي وعلب الشاي والملح والسكر والخل والمورفين «الكينية» لمقاومة الملاريا....

ليس هذا فقط بل أدوات لصيد سمك والخرز لرفع أجور الحمالين وبالطبع... العلم البريطاني..

ولن استطرد في وصف هذه القافلة الغريبة التي حوت كل ما يمكن تخيله لغزو أو اقتحام المجهول

....

ولكن أهم ما في هذه المغامرة كان شخصية «بيرتون» المثيرة للدهشة قيل عنه إنه كان:

من هواة العالم الإسلامي و.... عربيا أكثر من العرب والحنين الدائم إلي الجمال والصحراء والمجهول إلي جانب نظرة مروعة كان يحدق بها إلي كل شيء... رفيقه في الرحلة .. الحمالون... الصحراء الممتدة إلي المدي.

و.... تتعدد فيه الأوصاف لكن إلي جانب هذا كله كان واسع الثقافة والشهرة حين ترجم «ألف ليلة وليلة - وبعدها يكتسب الرجل الناس.

وأن هذا ليذكرنى بالراحلة العظيمة «زوزو نبيل» التي كانت تتحفنا كل رمضان بألف ليلة وليلة والتي كان يبدعها في كتابة «طاهر أبو فاشا»

...

كان دائما قبل تلك الرحلة يتنكر في ثياب تلائم المناطق التي يود اكتشافها خاصة في الهند

....

وقد اكتشف طريقة لتعلم أي لغة في شهرين «في نهاية عمره» كان يتقن حوالي 29 لغة ومنها اللغة الخاصة بالقردة حيث عاش مع ثلاثين قردا ليدرس أصواتها ويضع قاموسا خاصا بها...»

....وينجح في رحلاته خاصة في الهند - ولكن رغم كل تلك النشاطات - كان يشعر بأن حياته لا يمكن ان تكتمل ... إلا باكتشاف منابع هذا النهر - الذي يتحداه بغموضه

...

وقبل تلك الرحلة الغامضة كان قد فكر أن يخطب إحدي الفتيات الارستقراطيات في انجلترا ... وحين يشعر بأن ذلك الارتباط سيعطله عن تحقيق حلمه يهجرها ويرتبط بصداقة مع نقيضه في كل شيء «جون سبيك»

ولم يكن «سبيك» أقل مقدرة ولا أبعد بكثير عن تحقيق هذا الحلم المستحيل لاكتشافه اسرار النهر:

ذات مرة يتخلي عن حذائه ويمشي حافيا في أرض شديدة الوعورة ...

ويلتحق مثل «بيرتون» وكان يهوي الصيد «لم ينج من بندقيته سوي القليل من حيوانات الهند»

... وباختصار شديد لم يكن أحدهما يفتقد الشجاعة التي تصل إلي حد التهور وقبل بداية الرحلة يستريحان في «باجامويو» أي اطرح هموم قلبك

...ويبدأن معا في تشكيل القافلة الغريبة...

في البداية تتشكل القافلة من 36 رجلا مما أجبرهما علي ترك العديد من الأمتعة

...

وكان تقدمها في البداية بطيئا ملتويا أما يومهما:

يبدأ مع صياح الديكة وبعد إفطار سريع وبعد أن يصلي الحرس العرب صلاة الفجر - وبعد أن يتم جمع أصناف البقر والمعز وكان أفراد القافلة خلال سيرهم يطلقون الصيحات والأغاني بل والصفير - لازعاج أو إخافة القبائل التي يخترقون أراضيها وإلا....

أما إذا تصادف أن لاقوا ارنبا برياً - فكان يطارد ويتم صيده وبعدها ... يؤكل نيأ!

....

وتتوقف القافلة في المساء و... يدور الرقص ويسود الهرج والمرج قبل أن يصاب الجميع بالإرهاق.

....

في طريقهم كانوا دائما يقابلون القبائل المعادية التي تطلب منهم «آلهونجو» وهي الضريبة المقررة للعبور وفي كل قبيلة كان عدد من أفراد القافلة يهربون...

أما خوف «بيرتون وسبيك» فكان أن يتحولا من مستكشفين إلي «وليمة» لإحدي تلك القبائل!

.... وفي 13 فبراير 1858 يصلان إلي بحيرة «تنجانيقا» كانا مريضين أحدهما شبه أعمي والآخر يعاني آلاما هائلة في فكه

هل وصلنا إلي منبع النهر أخيراً؟

... لكنه كان وهماً إذا لم تكن هذه البحيرة منبعاً أساسيا للنهر

إذن ... أين يقع المنبع؟

... كان التعب والإرهاق والمرض - قد هدهما بعد أن يعودا إلي «كازه» وهناك يفترقان .. يجمع بيرتون مذكراته لكن سبيك يرحل بعد أن يسمع من بعض العرب عن بحيرة أضخم بكثير هي «نيانزا» وينطلق مع مجموعة محدودة من الحمالين والحرس

..... وكان هذا في التاسع من يوليو 1858

...

ويصل أخيراً إلي البحيرة التي يطلق عليها اسم فيكتوريا اسم ملكة انجلترا حين ذاك

... كان جوا من الغموض والإثارة يلفها:

لم يعد لدي أي شك في أن البحيرة الشاسعة التي آراها هي أم ذلك النهر... إن بصري لا يدري حدودها كانت محاطة بجو من الجمال الوحشي والغموض:

عند الغروب يصبح الماء ساكنا صامتا لكن إلي حد ما مخيفا كما لو كان حافلا بالسحر الذي يحيط كل من يشهدها..

....

هل توصل سبيك با لصدفة البحتة وبلا أي دليل علمي علي منبع النيل؟

كان استناجا متسرعا - لم يستطع إقناع بيرتون به حين قابله من جديد:

... لم نكن ننهي طعام إفطارنا حتي أعلمني بالنبأ أنه اكتشف منابع النيل الأبيض هذا «الزعم» الذي لا يمكن أن يصدقه أحد العلماء في الواقع أثبتت الوقائع كان يشعر بالغيرة - إذ يتوصل مساعده إلي كشف هذا اللغز...

وكان بيرتون لا يزال يؤمن بأن بحيرة تنجانيقا هي المنبع

...

ويصل الصراع بين المكتشفين إلي حد مروع مليئ بالمآسي والصراعات والأحداث الصادمة للمجتمع الانجليزي ليظل السؤال

...

من أين ينبع النهر؟

ذلك هو موضوع المقال القادم إن شاء الله

أهم المراجع:

white «النيل الأبيض»

alaan mashad «آلان مورهين»

ترجمة محمد بدر الدين خليل