تنشر «دار الهلال»، نص خطبة صلاة الجمعة، اليوم 26 ربيع الآخر 1445 _ 10 نوفمبر 2023، والتي جاءت تحت عنوان "الأبعاد الإنسانية ومخاطر تجاهلها"، وتناولت الخطبة الإسلام دين الإنسانية، مظاهر وصور الجوانب الإنسانية، الإنسانية في الحرب والقتال.
نص خطبة صلاة الجمعة
الأبعاد الإنسانية ومخاطر تجاهلها
الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه الكريم: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم
خبير)، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم
الدين، وبعد: فإن الإنسانية رحمة وعدل وإنصاف بين البشر جميعا على اختلاف معتقداتهم،وألوانهم، ولغاتهم، وأعراقهم، من منطلق منظومة أخلاقية وحضارية من شأنها أن تجمع ولا تفرق، وتبني ولا تهدم؛ لينعم الناس جميعاً بالأمن والاستقرار، دون تفرقة بين إنسان وآخر أو شعب وآخر، مع تأكيدنا أنه لا إنسانية بلا عدل، ولا إنسانية بلا رحمة، ولاإنسانية بلا قيم.
وديننا الحنيف دين الإنسانية الحقيقية، التي استمدت أبعادها من القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة؛ حيث يقول الحق سبحانه: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر
وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير)
فالإنسان- على مطلق إنسانيته - مكرم بتكريم الله تعالى له، يقول سبحانه: {ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا}، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): "كلكم لآدم، وآدم من ثراب"، ويقول (صلوات ربي وسلامه عليه): "يا أيها الناس، إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد،ألا لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا أسود على أحمر، إلا بالتقوى، إن أكرمكم عند الله أتقاكم".
ومن أهم الأبعاد الإنسانية الرحمة بالضعفاء والأطفال، واحترام كبار السن، وإعطاء ذوي الهمم حقوقهم كاملة غير منقوصة، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): "إنما تنصرون وتُرزقون بضعفائكم"، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): "ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويوقر كبيرنا"، وعندما مر سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) برجل كبير السن من أهل الكتاب، يسأل على أبواب النّاس، فقال له سيدنا عمر (رضي الله عنه): ما أنصفناك في شييبتك، ثم ضيعناك في كبرك، ثم أجرى عليه من بيت المال ما يصلحه، ويقول (صلى الله عليه وسلم): "الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء".
وقد بلغت القيم في الإسلام أوج عظمتها حين شددت على مراعاة الأبعاد الإنسانية في الحروب، فقد كان أصحاب نبينا (صلى الله عليه وسلم) حين يجهزون جيوشهم يوصون قادتها ألا يقطعوا شجراً، وألا يحرقوا زرعًا، أو يخربوا عامرًا، وألا يتعرضوا للزراع في مزارعهم، ولا الرهبان في صوامعهم، وألا يقتلوا امرأة، ولا طفلاً، ولا شيخا فانياً- ما داموا لم يشتركوا في القتال ، ولما رأى النبي (صلى الله عليه وسلم) امرأة كافرة مسنة مقتولة في إحدى المعارك قال (صلى الله عليه وسلم): "ما كانت هذه لثقاتل"، فأمر رجلاً، فقال: "الحق خالداً، فقل: لا تقتلن ذرية ولا عسيفاً".
ومن الأبعاد الإنسانية تفريج الكرب عن المكروبين والمستضعفين، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): "من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر
مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه".
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد (صلی الله عليه وسلم)، وعلى آله وصحبه أجمعين.
لا شك أنه إذا تخلى العالم عن إنسانيته أو انسلخ منها؛ دمّر بعضه بعضا، واستحالت الحياة إلى جحيم، وفوضى عارمة، ونزاعات لا تنتهي، وحل الخوف مكان الأمن، فتُسفك الدماء، وتُنتهك الأعراض، وتغيب الرحمة، وينتشر الإرهاب الأعمى ، سواءأكان إرهاب جماعات أم إرهاب دول.
على أننا نؤكد أننا سنظل متمسكين بإنسانيتنا التي يوجبها علينا ديننا ووطنيتنا إنسانية الأقوياء لا الضعفاء، مدركين أن السلام الحقيقي هو السلام العادل الذي له قوة تحميه، وأننا مصطفون خلف قيادتنا الرشيدة، جنوداً في سبيل الدفاع عن الدين والوطن والعرض والقيم الإنسانية.
نسأل الله (عز وجل) أن يرد الإنسانية إلى صوابها ورشدها ردا جميلاً