د. حسين أمين: الإعلام الغربى يمارس انحيازًا فجًا.. والمعركة ليست سهلة
الدكتور حسين أمين
يرى الدكتور حسين أمين، مدير مركز كمال أدهم للتليفزيون والصحافة الرقمية بالجامعة الأمريكية فى القاهرة، أن الإعلام الغربى يمارس انحيازًا فجًا للأفكار والمواقف الغربية إزاء العدوان الذى يشنه الاحتلال الإسرائيلى بحق الشعب الفلسطينى بشكل عام، وفى الحرب على غزة على وجه التحديد، موضحًا أن الرهان سيكون على الشعوب الغربية وليس حكوماتهم لتغيير تلك المواقف وتبنى اتجاهات أكثر اعتدالًا تُنصف أصحاب الحقوق التاريخية.
أوضح «أمين» فى حوار لـ«المصوّر»، أن وسائل الإعلام الغربية تورطت فى الترويج للرواية الإسرائيلية لما يدور فى قطاع غزة للدرجة التى دفعت العديد من العاملين بتلك الوسائل لتقديم استقالاتهم، إذ نشروا أخبارا مغلوطة متجاوزين فى ذلك مبدأ الانحياز الإعلامي، ووصلوا لمناطق جديدة لم نعهدها فى التغطيات الإعلامية، وليست من قناة واحدة سواء «بى بى سى» أو «سى إن إن»، بل من قنوات كثيرة لها ثقلها وتاريخها، و«الغلطة بجول»، بحد تعبيره.
على الجانب الآخر، يرى «أمين» أن قناة «القاهرة الإخبارية» قدمت محتوى جيدًا للغاية فى متابعة الأحداث الجارية ونقل صورة واقعية عما يجرى، سواء داخل غزة أو على معبر رفح، كما واكبت تطورات الموقف بشكل لحظى وتوسعت فى تغطيتها الخبرية والتحليلية..
كيف ترى التناول الغربى لما يحدث فى قطاع غزة، بالنظر للانحياز الواضح الذى تمارسه الكثير من المؤسسات الإعلامية الغربية منذ 7 أكتوبر الماضي؟
ليس جديدًا هذا الانحياز، لكنه زاد خلال تغطية الحرب التى تشنها إسرائيل على فلسطين الآن، فالإعلام الانحيازى موجود ومثبت فى الكثير من الدراسات، خاصة فيما يتعلق بإسرائيل، حيث نجد أن معظم الإعلام الغربى ينحاز إلى إسرائيل، ويمارس عنصرية ويتخذ مواقف ضد العرب بشكل عام والفلسطينيين بشكل خاص، وبالتالى رأينا بشكل واضح هذا الانحياز بصورة فجة فى المعركة الراهنة، ولا نجد توازنا إلا إذا فرض عليهم ذلك بصورة مباشرة.
نرى الإعلام الانحيازى من مؤسسات كانت تتغنى بالاستقلالية والحيادية، ولهذا فهناك الكثير من التساؤلات لماذا باتت تلك المؤسسات التى تتحدث عن مبادئ الإنصاف والموضوعية أكثر انحيازًا بتلك الطريقة، وهناك جزء من الدراسات الإعلامية يؤكد أن الإعلام الانحيازى يزداد حول العالم ولا ينخفض.
هل تضغط المظاهرات التى خرجت فى كثير من الدول الغربية على وسائل الإعلام لدفعها لاتخاذ مواقف أكثر حيادية؟
أتوقع أن تساهم المؤسسات الكبيرة فى العواصم الغربية سواءً فى واشنطن أو لندن أو باريس وغيرها من الدول، فى الضغط على وسائل الإعلام هناك للوقوف بشكل محايد إزاء ما يجري، وعدم الانحياز بصورة فجة للجانب الإسرائيلى وتبنى روايته الإعلامية وما يحاول الترويج له.
كما أن هذه المظاهرات تفتح مجالًا أمام مواطنى الدول لاكتشاف الرسائل الإعلامية المغايرة للواقع، وتفتح آذانهم على ما تحجبه وسائل إعلامهم، لأن الكثير من المواطنين الغربيين لا يملكون رفاهية نقد الإعلام، كما أن الإعلام الغربى فى معظمه إعلام ترفيهى وليس إخباريًا يقدم المعلومة والتحليل بصورة منصفة، لكن الحرب الراهنة جعلت كافة وسائل الإعلام ينصب تركيزها على ما يجرى فى الشرق الأوسط بتداعياته الواسعة إقليميًا ودوليًا.
وخلال الأيام الماضية وصلتنى الكثير من الإشارات أن هناك ضغوطًا على وسائل الإعلام الغربى لكى تحقق التوازن، لأن الغربيين بدأوا يستفيقون على آلاف الشهداء والمصابين فى غزة وحرب إسرائيلية غوغائية، كما أن هناك الكثير من الأغانى التى تستهدف ما يجرى وسيكون لها استمرارية وبقاء فى آذان الناس وحشد للرأى العام الغربى ضد العمليات التى يقوم بها جيش الاحتلال.
ولذلك فالرهان سيكون على الشعوب الغربية وليس إداراتهم وحُكامهم.
البعض يرى أن هناك تغيرًا وتحولًا فى مواقف بعض وسائل الإعلام عما كان عليه الأمر فى بداية الحرب.. هل ترى ذلك؟
بالفعل، ألحظ ذلك وكما قلت وصلتنى إشارات أن وسائل الإعلام الغربية باتت تنتبه أن المواطنين الغربيين أنفسهم ينتقدونها، وبالتالى لا مناص من تغيير خطابها، وكلما أصدروا منتجات إعلامية تقابل فكر الناس كان لها تأثير كبير، ولنا فى ذلك مثال على استخدام أحد الأشخاص لأسلوب السخرية الواقعية فى توصيل رسالته للجمهور الغربي، وهو ما حظى بردود فعل واسعة ومشاهدات كبيرة، لأن هذا نادرا ما تجده فى الإعلام الغربى، وبالتالى تقبلوا هذه النوعية من الرسائل.
وبالتالى يجب أن تكون رسائلنا واضحة وغير مباشرة كى يهضمها المجتمع الغربي، وانتشرت أيضاً مجموعة من الأغانى فى السويد عن معاناة الأطفال الفلسطينيين وتقبلها المجتمع هناك لأنها اقتربت من تفكيره، وبالتالى يمكن الانتباه لتلك النماذج، خاصة أن للأخبار أهدافًا ترتبط برؤية الدولة التى تملك الوسيلة الإعلامية، لكنها كتلة مرنة يمكن التأثير فيها من خلال الناس وبالتحديد «المشاهدون» لتلك الوسيلة، لكن المعركة ليست سهلة وتحتاج إلى جهد كبير.
كيف تورطت وسائل الإعلام الغربية فى الترويج للرواية الإسرائيلية لما يدور فى قطاع غزة للدرجة التى دفعت العديد من العاملين بتلك الوسائل لتقديم استقالاتهم؟
بالطبع، كما نشروا أخبارا مغلوطة متجاوزين فى ذلك مبدأ الانحياز الإعلامي، ووصلوا لمناطق جديدة لم نعتدها فى التغطيات الإعلامية ولذلك كنا مُندهشين للغاية وليست من قناة واحدة، سواء «بى بى سى» أو «سى إن إن»، بل من قنوات كثيرة لها ثقلها وتاريخها، و «الغلطة بجول».
لكننا لم نشاهد ذلك فقط فى وسائل الإعلام الغربية، بل أيضا من كبار المسئولين على رأسهم الرئيس الأمريكى جو بايدن الذى روّج لصور ثبت بعد دقائق كذبها واعتذر البيت الأبيض عنها، وبالتالى فالتوجه الغربى يأتى من الحكومات ووسائل الإعلام على حد سواء.
وما سبب هذا الانحياز فى رأيك؟
كما ذكرت فالانحياز الإعلامى له تاريخ وموجود فى تناول كافة وسائل الإعلام للقضايا المختلفة، لكنه لم يكن بهذه الصورة التى نراها الآن، ويزداد خلال الأزمات الكبرى والحروب والنزاعات، وشاهدنا هذا الانحياز أيضا خلال الحرب بين روسيا وأوكرانيا، مع تبنى كافة المؤسسات الغربية للآراء المدافعة عن أوكرانيا ومساندتها بكافة الوسائل و«شيطنة» روسيا والترويج لأخبار سلبية عنها وفى كثير من الأحيان قد تكون مغلوطة، وبالتالى فالمبدأ يعتمد على موقف الغرب ووسائل إعلامه لأى قضية، حتى القضية الفلسطينية نفسها يتم التعامل معها بشكل غير محايد، فطوال الوقت هناك انحياز للجانب الإسرائيلى على حساب الحقوق التاريخية والمشروعة للجانب الفلسطيني.
لكن الأمر بدا أكثر وضوحًا على مواقع التواصل الاجتماعى سواء فيما يخص منتجات «ميتا» الممثلة فى فيسبوك وانستجرام أو حتى (إكس) وتيك توك.. كيف تنظر لهذا الحصار الغربى على الآراء العربية؟
هناك الكثير بالفعل من الانحياز والسماح بتمرير الكثير من الأخبار المغلوطة التى تصب فى صالح الاحتلال، لكن على الجهة الأخرى فهناك انتشار كبير لصور وفيديوهات المظاهرات أو بعض الفيديوهات الخاصة بالدمار الذى سببته قوات الاحتلال، لكن الكثير اشتكوا من انخفاض مستوى انتشار المنشورات التى تؤيد القضية الفلسطينية على عكس ما يحدث فى انتشار أخبار الكيان الإسرائيلي، ولكن الشهادات التى مع العرب والفلسطينيين انتشرت من الدول الغربية، وهذا أمر يجب أن يؤخذ فى الحسبان.
هناك الكثير من الأخبار المغلوطة التى روجها الاحتلال ويجب التصدى لها على غرار ما جرى ترويجه بشأن وجود أنفاق وتهريب للأسلحة أسفل مستشفى المعمدانى فى غزة، وكان هناك رد من طبيب أجنبى داخل مستشفى الشفاء ونفى كل ذلك.
السرد الإسرائيلى والذى يزعم أنهم لم يعتدوا على أحد وأنهم هم من تم الاعتداء عليهم، يجرى الترويج لذلك فى وسائل الإعلام الغربية، دون الاعتداد بأن هناك تجاوزًا وجرائم ومجازر تُرتكب بحق الفلسطينيين.
ما تقييمك لأداء الإعلام الإقليمى وبالتحديد العربى والذى صب تركيزه على الأحداث بطبيعة الحال.. هل نجح فى تقديم صورة حقيقية لما يحدث؟
الإعلام العربى لا بأس به، وقدم مستوى جيدًا فى متابعة الأوضاع ونشر الحقائق، لكن كان بالإمكان أن يكون أقوى من ذلك ومواجهة الغرب بنفس أدواتهم.
وكيف ترى دور الإعلام المصرى وفى القلب منه قناة القاهرة الإخبارية فى تعامله مع الحرب الجارية؟
بالفعل، قناة القاهرة الإخبارية قدمت محتوى جيدًا للغاية فى متابعة الأحداث الجارية ونقل صورة واقعية عما يجرى سواء داخل غزة أو على معبر رفح، كما تواكب تطورات الموقف بشكل لحظى وتوسعت فى تغطيتها الخبرية والتحليلية وبالتالى فما قدمته جيد للغاية.
جيش الاحتلال قال إنه لا يضمن سلامة الصحفيين والإعلاميين خلال تنفيذ عملياته فى غزة.. كيف ترى الرسالة من ذلك؟
ليس هناك تصرف إلا أن تستنكر كل الجهات الصحفية العاملة فى قطاع غزة الآن وخارجها، هذه المواقف الإسرائيلية التى تمثل تهديدا مباشرا لحياة الصحفيين والإعلاميين رغم أنها مكفولة بحسب القانون الدولى ويجب حماية الصحفيين وعدم استهدافهم، والرسالة من ذلك أن الجميع فى خطر داخل غزة.
وبالتالى يجب إرسال بيانات وإعلان مواقف والتنديد بكل هذه الممارسات التى يشنها الاحتلال، لبناء كروت ضغط عليهم، وأن يكون هناك تسجيل بمحاولات حثيثة لاستهداف الصحفيين فى غزة، ومقاضاتهم على تلك الجرائم.
كيف يمكن لوسائل الإعلام العربية التصدى للأكاذيب والأفكار المغلوطة التى تروج لها إسرائيل ضد الفلسطينيين؟
يجب تفنيد الأكاذيب وقد قابلت نقيب الصحفيين المصريين، ونصحته بأن تكون لديه وحدة بمراجعة الأكاذيب والأخبار المغلوطة، وأن يتم العمل على مسارين، الأول فضح الأكاذيب والتصدى للمزاعم الإسرائيلية والتأكيد على الأخطاء الإسرائيلية، وكشفها أمام العالم، والأمر الثانى فى التعاون مع مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء فى مواجهة للشائعات الداخلية لأنها صعبة للغاية.
ويجب أن نتخذ إجراءات على الأرض بتدريب الصحفيين عن الحماية وتغطية الحروب واكتشاف الأخبار المغلوطة وهناك الكثير من التدريبات الإعلامية الجديدة ويجب أن تؤخذ الأمور بالعقل وليس العاطفة لأننا إعلاميون وصحفيون ولسنا نشطاء سياسيين أيًا كانت القضية، ويجب عدم الخلط بين الأدوار حفاظاً على المصداقية.