السبت 18 مايو 2024

مصـــر ومستقبــــل غــــزة

الكاتب الصحفي عبد القادر شهيب

12-11-2023 | 21:52

بقلـم: عبد القادر شهيب
لأن مصر ترفض بحسم وحزم تصفية القضية الفلسطينية، فإنها لا تقبل ما يُطرح سواء فى الغرف المغلقة أو فى العلن حول مستقبل غزة، بعد أن تنهى تلك الحرب الوحشية التى تشنها إسرائيل ضد أهلها والتى أرادتها حرب فناء لهم. فبعد أن رفضت مصر بحسم وحزم التهجير القسرى لأهالى غزة إلى سيناء ومعها كل الدول العربية، انشغلت عواصم أوربية ومعها واشنطن فى صياغة خيارات مختلفة لمستقبل غزة بعد انتهاء هذه الحرب الوحشية، خاصة بعد أن تبين لها استحالة أن تتولى إسرائيل إدارة القطاع مجددا كما كان الحال بل أن تنسحب منه. وكانت كل هذه الخيارات ملغومة بما فيها خيار عودة السلطة الفلسطينية لإدارة قطاع غزة، على غرار ما هو قائم فى الضفة الغربية، فقد اشترط أبو مازن أن يكون ذلك فى إطار عملية سياسية تفاوضية تفضى إلى إقامة الدولة الفلسطينية، غير أن الأهم من شرط أبو مازن هو كيف ستدير السلطة الفلسطينية القطاع فى ظل تواجد حماس وفصائل فلسطينية أخرى مسلحة، لأن تلك الحرب الإسرائيلية رغم وحشيتها والدمار الذى خلفته فى القطاع لن تقدر على القضاء على هذه الفصائل المسلحة وفى مقدمتها حماس، وبذلك سوف يشبه الوضع فى غزة وقتها الوضع فى لبنان، حيث توجد حكومة لا تسيطر على الأوضاع الداخلية ولا تملك اتخاذ قرارات بما فيها قرار الحرب لوجود «حزب الله»، الذى سيطر بسلاحه على مفاصل الدولة اللبنانية واحتكر لنفسه قراراتها، رغم أنه خرج منهكًا جريحًا من حرب 2006.. وقد جربت السلطة الفلسطينية أن تتولى إدارة القطاع تنفيذا لاتفاق الفصائل الفلسطينية قبل سنوات مضت تم تحت رعاية القاهرة، واصطدم ذلك وقتها بإصرار حماس، على أن تتولى هى مسئولية الأمن فى القطاع، ورفضت أن تقوم بذلك قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية، كما هو الحال فى الضفة الغربية. أما الخيارات الأخرى التى تداولتها واشنطن ولندن وبرلين وباريس بخصوص مستقبل غزة، فإن الألغام التى حفلت بها كانت أكبر.. فمن بين هذه الخيارات إلقاء مسئولية إدارة القطاع على مصر كما كان الحال قبل يونيو 67، ولا يمكن لمصر أن تقبل ذلك لأنه حل لا يختلف فى جوهره عن تهجير أهل غزة لسيناء، فضلا عن أن مصر لا تقبل أن تقوم نيابة عن الاحتلال بمسئولية إدارة قطعة من أرض محتلة، فإن هذا الخيار هو فى حقيقته تصفية للقضية الفلسطينية أيضا، وهو ما ترفضه مصر بقوة ليس فقط دعما لحق الفلسطينيين فى التحرر من الاحتلال ونيل استقلالهم، وإنما أيضا لأن استقرار منطقتنا وسلامها مرهون أساسا بالحل العادل للقضية الفلسطينية.. ومصر أعلنتها واضحة ومبكرا أنها لا تقبل بتصفية القضية الفلسطينية على حسابها، وإذا كانت قد رفضت التهجير القسرى لأهل غزة إلى سيناء الذى يأمله الإسرائيليون وعملوا عسكريا على تنفيذه، فإن مصر لا يمكن أيضا أن تقبل أن تتولى إدارة غزة. وذات الأمر لا يمكن لمصر أن تقبل بإدارة دولية لقطاع غزة تجلب معها قوات لحلف الناتو تتواجد فيه، سواء تم ذلك تحت راية الأمم المتحدة أو من دون إشرافها الرسمى.. فهذا الأمر فى جوهره هو استبدال احتلال عسكرى بآخر، أو استبدال احتلال الناتو لأراضى غزة نيابة عن إسرائيل التى تريد التخلص من هذا القطاع وفناءه، وهذا ما يتضح فى حرب الإبادة التى تشنها الآن بوحشية ضد أهله، والتى تستهدف تدمير كل مقومات الحياة فيه الآن ومستقبلا أيضا.. لقد سبق لمصر أن رفضت فى بداية الألفية تواجد قوات للناتو على ضفاف قناة السويس لحمايتها، لذلك من الطبيعى والمنطقى أن ترفض تواجد قوات للناتو على حدودها الشرقية، خاصة أن هذه القوات سوف تقوم بتأمين الاحتلال الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية. إن مصر التى تطالب بوقف فورى للقتال وإطلاق النار تطالب فى ذات الوقت بالانخراط فورا فى عملية سياسية لبحث مستقبل الفلسطينيين كلهم المقيمين فى غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية، وليس مستقبل غزة وحدها، فإن مستقبل غزة يرتبط بمستقبل كل الأراضى الفلسطينية المحتلة.. وقد جربت إسرائيل على مدى قرابة العقدين أن تجد حلا جزئيا لمشكلة احتلالها لغزة وأخفقت.. فلا الانسحاب العسكرى منها أنقذها من استمرار مقاومة أهل غزة لاحتلالها، ولا أيضا الاعتداءات المتكررة والوحشية ضمنت لها توقف مقاومة الاحتلال.. وهذا ما تقوله مصر لجميع الفرقاء والأطراف المشغولة الآن من أجل إسرائيل ببحث مستقبل غزة.. فإن السلام لن يتحقق هنا وفى كل المنطقة من دون حصول الفلسطينيين جميعا على حقوقهم المشروعة فى التحرر من الاحتلال العنصرى البغيض، خاصة أنهم الشعب الوحيد فى العالم كله الذى لم ينَل استقلاله، وإقامة دولته المستقلة على أراضى 67 وعاصمتها القدس الشرقية. لقد قالت مصر ذلك بوضوح وحسم للجميع من الأمريكان والأوربيين المشغولين الآن من أجل إسرائيل بمستقبل غزة ولا يكترثون بمستقبل الفلسطينيين ومنطقتنا كلها.