الإثنين 29 ابريل 2024

«جيسى واترز».. نموذجاً ومثالاً شبح الإسلاموفوبيا يظهر مجددًا فى البيت الأبيض

الكاتب الصحفي حمدى رزق

14-11-2023 | 21:27

بقلم: حمدى رزق
الشرطة الأمريكية قالت إن رجلًا من ولاية إلينوى (71 عاما) طعن طفلًا مسلمًا 26 طعنة وأرداه قتيلًا، فى حين أصاب والدته (32 عامًا) بجروح خطيرة، وهو يردد عبارات معادية للمسلمين والفلسطينيين.. وقُيِّدت الجريمة تحت وصف مهذَّب «الكراهية».. رُهاب الإسلام (Islamophobia)‏ إسلاموفوبيا، تترجم التحامل والكراهية والخوف من الإسلام أو من المسلمين، والإسلاموفوبيا كلمة مستحدثة، تتكون من كلمتى إسلام، وفوبيا، ويُقصد بها الخوف أو الرهاب غير العقلانى من شيء يتجاوز خطره الفعلى المفترض. قاموس «أكسفورد الإنجليزى» يعرف الإسلاموفوبيا بـ«الخوف والكراهية الموجهة ضد الإسلام، كقوة سياسية تحديدًا، والتحامل والتمييز ضد المسلمين». وعرف بعض الباحثون الإسلاموفوبيا بأنها شكل من أشكال العنصرية، وآخرون اعتبروها ظاهرة مصاحبة لتزايد عدد المهاجرين المسلمين فى الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي، وربطها البعض الآخر بأحداث 11 سبتمبر.. وبالأخص عندما يُنظَر للإسلام كقوة جيوسياسية أو كمصدر «للإرهاب». دخل المصطلح إلى الاستخدام فى اللغة الإنجليزية عام 1997 عندما قامت خلية تفكير بريطانية يسارية التوجه تدعى «رنيميد ترست»، باستخدامه لإدانة مشاعر الكراهية والخوف والحكم المسبق الموجهة ضد الإسلام أو المسلمين. عاد المصطلح البغيض يطلّ كالشبح الخفى من بيانات البيت الأبيض الأمريكى، وبرز فى تعليق الرئيس الأمريكى جو بايدن على حادثة مقتل الطفل المسلم طعنًا فى جريمة كراهية، على خلفية النزاع الدائر بين إسرائيل وحركة «حماس» فى الأرض المحتلة، ارتدادات طوفان الأقصى ستغرق الشواطئ البعيدة بـ«تسونامى».. أمواج عاتية عالية لا قِبل للغرب بها. وعلى لسان الرئيس بايدن: «كأمريكيين، يجب علينا أن نتحد ونرفض الإسلاموفوبيا وجميع أشكال التعصب والكراهية، لا يوجد مكان فى أمريكا للكراهية ضد أى شخص». الرئيس الأمريكى يتعرق خجلًا من جريمة نكراء من عينة جرائم الاحتلال الإسرائيلى ضد أطفال غزة: «شعرت أنا وجيل (السيدة الأولى) بالصدمة والغثيان عندما علمنا بالقتل الوحشى لطفل يبلغ من العمر ست سنوات ومحاولة قتل والدته فى منزلهما فى إلينوي».. حمرة الخجل لا تعرف طريقها إلى أولئك الذين ليس فى وجوههم دماء، وأيديهم غارقة فى دماء الأبرياء. الإسلاموفوبيا عادت تطل بوجهها القبيح، وتنطق بها ألسنة حداد، جبلت على كراهية الإسلام والمسلمين، وحرب غزة فرصة وسنحت لتخرج الأفاعى من جحورها، وتبخّ سمًا، وتلوث الفضاء العالمى بسناج صدورها المعتملة كراهية. المتحدث باسم البيت الأبيض، طلب من شبكة «فوكس نيوز» الاعتذار عن كلام بغيض صدر من مذيع أرعن فى القناة دعا إلى العنف ضد الأمريكيين العرب، وروَّج لخطاب كراهية وحرَّض عليهم. والقصة تقول: مساء الأربعاء شهدت حلقة برنامج «ذا فايف»، التى بثّتها «فوكس نيوز» ويحظى بشعبية عالية، تحريضًا على الأمريكيين من أصول عربية، حيث قال مقدم البرنامج، «جيسى واترز»: إنه «سئم من العرب الأمريكيين والعالم الإسلامى برمته». وفى سياق تعليقه على خبر إزالة صور معلقة للرهائن المختطفين من قِبل حماس فى غزة، قال واترز: «إذا كنت عربيًا أمريكيًا فى هذا البلد ومزقت ملصقات عن الرهائن اليهود، لا. لا، لا، لا. سيكون على أحد ما تلقى لكمة فى وجهه». وأضاف «واترز» بوقاحة منقطعة النظير: «أريد أن أقول شيئا عن الأمريكيين العرب وعن العالم الإسلامي، نحن، وعندما أقول نحن، أقصد الغرب والتكنولوجيا الغربية، خلقنا الشرق الأوسط. لقد جعلناهم أغنياء. لقد استخرجنا هذا النفط من الأرض، وجيشنا يحمى كل شحنات النفط هذه التى تحلق حول العالم، مما يجعلها غنية. نحن نمول جيشهم. نحن نحترم ملوكهم. نحن نقتل إرهابييهم، ولكن اكتفينا منهم». نائب المتحدثة باسم البيت الأبيض، أندرو بيتس، عنَّف «واترز» وشبكة «فوكس»، ووصف حكى الإعلامى بأنه «هجوم مقزز» و«غير مقبول» على «حقوق وكرامة مواطنين أمريكيين مثلهم»، وقال إن «فوكس نيوز» «مدينة باعتذار لكل مشاهد على حدة». المتحدث «بيتس» وصف ما فاه به «واترز»: «هذه الأكاذيب البغيضة عن الأمريكيين العرب والعالم الإسلامى، تسلط الضوء على مدى الحاجة الملحة لعمل الرئيس جو بايدن من أجل ضمان عدم وجود ملاذ آمن للكراهية فى أمريكا، وسبب التزامه بأول استراتيجية وطنية لمكافحة الإسلاموفوبيا فى تاريخنا». وشدد «بيتس»: «سيقف الرئيس بايدن دائما ضد الإسلاموفوبيا ومعاداة السامية وجميع أشكال الكراهية. يجب على فوكس نيوز أن تقتدى به». رُهاب الإسلام (Islamophobia)‏ إسلاموفوبيا تمكن من الأمريكيين تماما، ومجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (كير)، تسجل أرقامًا قياسية فى معدلات الحوادث على أرضية الإسلاموفوبيا فى الولايات المتحدة الأمريكية منذ اندلاع الصراع بين إسرائيل وحماس فى السابع من أكتوبر، وتشمل هذه الحوادث اعتداءات عنيفة ومضايقات عبر الإنترنت. مجلس (كير) يقول فى بيان أخير: إنه تلقى 774 شكوى بشأن حوادث مدفوعة بالإسلاموفوبيا والتحيز ضد الفلسطينيين والعرب فى الفترة من السابع من هذا الشهر حتى يوم الثلاثاء الماضى، وأوضح أن هذا هو أعلى معدل منذ عام 2015. ويعادل الرقم ثلاثة أمثال متوسط عدد الشكاوى لعام 2022 تقريبا مقارنة مع الفترة نفسها. وأشار مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية إلى تعرض فلسطينى يبلغ من العمر (18 عاما) للاعتداء فى «بروكلين» إلى جانب تهديدات بالقتل تلقاها إمام مسجد فضلا عن قتل طفل مسلم عمره ستة أعوام طعنا فى «إلينوى».. وقالت السلطات الأمريكية إن الجانى استهدفه لأنه أمريكى من أصل فلسطيني. البشرية ابتُليت بأمثال هؤلاء المهاويس، كالفيروسات المعدية، مصابة برُهاب الإسلام، كل مهووس يطارد كوابيسه التى تفزعه وتقضّ مضجعه، ويفرغ شحنة غضبه فى الأبرياء فى الشارع، تحت حجج واهية وتبريرات موهومة، تثير العواطف الدينية، والعواطف الدينية كالقنابل العنقودية حارقة، كقنابل الفسفور التى تحرق بها إسرائيل أطفال غزة. فى التحليل الأخير، ما فاه به مذيع «فوكس» ليس حريةَ رأيٍ، بل دعوة صريحة للكراهية والعنف، وانفلات من كل القيم الإنسانية والحضارية، وتبرير هذا الفعل الشائن بدعوى حماية «حرية التعبير» هو فهمٌ قاصرٌ للفرق بين الحق الإنسانى فى الحرية والجريمة فى حق الإنسانية باسم حماية الحريات». بلغت العنصرية فى الولايات المتحدة وأوربا مبلغًا شاذًا فى جدع أنوف المسلمين، أخشى لن يصبر المسلمون فى هذه البلدان على الإهانات والتحرشات والقتل العمدى طويلا. ونحن فى بلادنا مفطورون على السماحة والاعتدال والمحبة والرحمة، لكن ليس مطلوبا منا أن نقطع ألسنتنا رفضا للكراهية العربية، بحجة حرية التعبير التى يحدثنا بها ساسة الغرب ومفكروه. مثل هذه الأفعال والأقوال الهوجاء التى تلوث الأجواء تثير كراهية لا محلها ولا وقتها ولا حاجة لنا بها، تستنفر النوازع الشريرة، وردود الأفعال العنيفة، تعطى الإرهاب حجة علينا. الكراهية المتوقعة كرد فعل لخطر الإسلاموفوبيا جد خطيرة، أخشى تتجاوز الردود الدبلوماسية التى تصدر من عواصم إسلامية معتدلة، مصر نموذج ومثال، ولن نمالئ حكومات الغرب وشبكات الغرب المتلفزة فى سياق حرية التعبير، ولن ننافق الهمج من أمثال «جيسى واترز» لنحسب أن لديهم متحضرين. إذا كان شرط الليبرالية أن نصمت على قتل طفل فلسطينى طعنا بـ 26 طعنة مزقت جسده الطرى، إذا كان شرط التحضر أن نخرس ونقف فى الصف مطأطئى الرءوس ورءوس أطفال غزة تقطع بقصف همجى بربرى.. محال، إذا كان شرط حرية التعبير والتنوير أن يقبر أطفال غزة أمام أعيننا ونحن صاغرون، هذه شروط إذعان مجحفة.. فلا نامت أعين الجبناء.