السبت 11 مايو 2024

الخـــبيـئــة

إيمان رسلان

21-11-2023 | 18:35

بقلـم: إيمان رسلان
على مدار أكثر من ثلاث ساعات استضافت مكتبة مصر الجديدة والتى تقدم نشاطًا ثقافيًا متعدد الجوانب إلى الكبار والرواد والأطفال وفى أكثر من مكان ومتحف، كما قال د. نبيل حلمى، رئيس الجمعية، جاءت كلماته فى إطار تقديم الندوة والحوار لمناقشة الرواية الجديدة للدكتور أحمد جمال الدين موسى، الأستاذ الأكاديمى ووزير التعليم الأسبق، الرواية تحمل عنوان (مصير خبيئة حارسة المعبد) وصدرت عن دار بتانة. مكتبة مصر الجديدة أو مكتباتنا العامة وهى قليلة لا بد أن نسلط الضوء عليها وعلى الزملاء أن يقوموا بزيارات وأنشطة وينقلوا لما يحدث خارج عوالم السوشيال ميديا. أقول ذلك لضرورته الثقافية والتربوية قبل أن أتحدث، والرواية الجديدة وهى الرابعة للمؤلف، ولكنها تحمل بعدا جديدا فى مسيرة روايات د. أحمد جمال لأنها رواية معرفية تاريخية بل وتعليمية. استوقفنى أولا العنوان الطويل نفسه، لذلك قررت أستخدم التخمين والتحليل أولا للكلمات قبل الدخول إلى السرد، ويبدو أن اختيار العنوان الطويل مقصود ومباشر أيضا، فالكلمة الأولى أو البداية بالعنوان هى مصير، وهى كلمة استفهامية تختص بالسؤال وربما عن المستقبل تحديدا، وهو ما سنعرف إجابته فى نهاية الرواية. أما كلمة خبيئة فتعنى السر أو الكنز والتراث المعرفى، وكلمة حارسة المعبد فحارسة بمفردها مفهومة، وإضافة المعبد لها يُفهم منها حراسة الأوطان والتراث، وهنا وضع كلمة المعبد ليكون الرمز واضحا أنه تاريخيا عبر الرمز فرعونى المعبد سواء كان بدوره الدينى أو السياسى، وبالتالى فكل كلمة بالعنوان لها زاوية موجودة، ويعكسها التناول بالرواية التى تعتمد على لغة سردية واضحة، وكان ذلك هاما نظرا للبعد التاريخى الهام بالرواية والمعلومات به وعنه، وبعضه كان جديدا تماما لى وربما للقارئ أيضا، حيث إنها تتناول فترة الحكم الفرعونى فى الدلتا وقرى الدلتا، ونحن لا نعرفه كثيرا أو لا نلتفت له، وبالاهتمام بالكتابة والبحث نهتم بمصر الفرعونية فى الدلتا ودورها فى الحضارة والتواصل، لا سيما مع حضارة البحر المتوسط وبلاد اليونان أو الإغريق، ونقصر الكلام عن الجيزة والأهرامات والأقصر أو الصعيد عموما، ومن هنا فالرواية يمكن أن نطلق عليها معرفية وبحثية، وتعليمية بالمقام الأول. لغة السرد بالرواية تستخدم تقنية المزج بين الحاضر والماضى أو بين الواقع والتاريخ، وكثيرا التشبيهات به عبر أكثر من آلاف السنوات فى تاريخنا، وبخاصية الفلاش باك نعود بين التاريخ القديم والحاضر فى زمن الرواية من خلال الراوى، وهو هنا التلميذ أو الطالب ومغامرات الطفولة والمراهقة فى إحدى قرى ومدن المنصورة بعد حرب أكتوبر، حيث استُشهد والده مدرس اللغة الإنجليزية بالحرب حيث تم تجنيده بها. يروى التلميذ البطل حكايات التلاميذ عن السراديب فى نهاية حدود القرية والقرى المجاورة وحكايات العفاريت بهذه السراديب، وبأن تلك هى عوالم الطفولة بل والكبار فى ذلك الوقت، حيث السراديب واقع فعلى وليس مجازيًا اخترعه المؤلف وعن الظلام الذى يحيط بتلك المناطق غير المؤهلة وتحذيرات الأهل للأطفال من الاقتراب منها، ولكن روح المغامرة والتحدى تتملك الصبى خاصة أن زميلا له يروى الأساطير عن زيارته لأماكن بالسرداب ويكرر الصبى الذى تناسيت اسمه الحقيقى من كثرة الانغماس معه فى رحلته ومغامرته الفرعونية بالسرداب وتذكرت فقط اسمه الفرعونى (خيتو أو خوتو)، وهو الاسم الذى يذكرنا بهرم خوفو فيسهل التذكر والربط وهذا الاسم هو الذى أطلقته عليه العفريتة الحكيمة (ساتا) البطلة الثانية بالرواية، والتى تدل على أعمال الخير والحكمة، رغم أنها عضو بمملكة العفاريت وهو العالم الموازى الذى اختاره الكاتب ليعكس وجود عوالم أخرى بالكون أو الملائكة والشياطين أو البعد الدينى والموروث أى ثنائية الدين والحياة أيضا. وسنكتشف من الرواية والمغامرات بين رحلات خوتو وساتا وجود صراع أيضا بين الخير والشر فى الممالك الأخرى أو فى عالم العفاريت، بل ووجود مرجعية وسلطة أعلى أو حكيم للملكة الموازية. ينجح التلميذ خوتو فى العبور إلى السراديب، وفى إحدى محاولاته يصحو فيجد نفسه وقد وجدته ساتا ملقى على أرض أحد السراديب، وبعد الحوار معها تتبنى ساتا والتى ربما ترمز إلى الإلهة إيزيس أو إلى مصر عبر تاريخها القديم، ومن خلال آلة الزمن تعود به إلى حقب زمنية محددة فى التاريخ الفرعونى، وهو تاريخ الحكام الفراعنة فى الدلتا وعبر قصص فى المعابد والقرى الفرعونية بالدلتا وربما فى عهد الأسرات الحديثة، وتختار سانتا التلميذ ليعيش ويرى الأحداث التاريخية فى هذه المرحلة التاريخية والمثبتة علميا ومعرفيا وكذلك. والغزو الفارسى لمصر والتعاون مع اليونانيين وغيرهم فى مقاومة الفرس عبر الاستعانة بهم نظير أجر وأموال للانتصار فى الحرب وصد الغزو الفارسى الذى دائما كان الشرق أو حدود مصر الشمالية الشرقية هى مصدر التهديد للوطن، وأعتقد أنه مازال الخطر حاسما وجاسما حتى الآن، وما الحرب الحالية على حدودنا الشرقية وفى تاريخنا المعاصر إلا إثبات أن الشرق والشمال هما مصدر الخطر علينا. وبعد أن حضر التلميذ خوتو فى رحلته مجالس الفراعنة الحكام والكهان وصراعات السلطة والحكم والتنمية ولمن تكون!، تفصح ساتا عن سرها وهو أنها تحتفظ بوديعة جلبتها من طيبة فى عهد أمازيس وهو أحد الملوك أو الحكماء الفراعنة الذى كانت تتعاون معه وائتمنها عليها، لكى توصلها للحاكم أو الشخص الحر الذى يحافظ عليها وينقلها لمن بعده، وبعد وفاته تنتقل ساتا لها إلى الشمال، وخبأتها تحت مستنقعات قرب منديس، وهو المكان الذى اندلعت منه أزمة ضد الهزيمة من الفرس وضاع النصر بالشمال قرب فلسطين. فى نهاية الرحلة والتاريخ تقرر ساتا أن تسلم الخبيئة التلميذ خوتو، ولكنه يعتذر ويرفض ذلك وتفشل ساتا فى اقناعه بحوار حزين فى نهاية الرواية، ويعود الطالب إلى بيته وعالمه ويفيق من حلمه على سريره وسط أسرته كما كانت قبل أن يقوم بمغامرته التاريخية، وبذلك نفهم من هذه النهاية المفتوحة للرواية أن الخبئية مازالت سرية ومدفونة وتنتظر المستقبل الذى يتسلمها. وبهذا نكون فهمنا وفسرنا الإجابة على معنى أول كلمة فى عنوان الرواية مصير. بعد أن انتهيت من الرواية وجدت أن هناك ملحقا كاملا بأسماء المدن قديما وحديثا وأفرع النيل قديما وحديثا وأسماء الفراعنة والحكام والمسئولين من المصريين والفرس واليونانيين، لذلك وصفت الرواية بأنها بحث معرفى موثق وهام وموثق عبر المراجع التاريخية المصرية والأجنبية أيضا، بل من المفاجآت التى عرفتها من الرواية أن مدينة لسيون بمحافظة الغربية الآن وهى قريبة من بلدة أبى وأسرته. كانت هى صان الحجر وأماكن بالمنصورة والسنبلاوين، بل إن الحقيقة وحتى الآن أن بلدة منديس القديمة هى بلدة ملاصقة إلى مدينة تمى الأمديد وهى نفسها بلدة المؤلف وكانت موجودة منذ عصر البطالمة، يوجد بها فعليا وزمان أماكن المستنقعات والسراديب وأن سكان هذه المناطق يتداولون الحكايات التاريخية حولها وربما من أحد هذه الحكايات استقى المؤلف فكرة الرواية المعرفية التاريخية، أى المزح بين الخيال والواقع التاريخى الصحيح. الكتاب أو الرواية تقدم فى الجزء المعرفى جزءا ورسالة هامة عن تاريخ الدلتا ومدنها قديما وبهذا يريد د. أحمد جمال أن يقول إن التاريخ ليس فى طيبة ومنف فقط. ومن هذه الزاوية تحديدا. رأيت الرواية تصلح لمجال التعليم، أما بها من ثقافة ومعلومات وتاريخ فهو مكتوب بأسلوب شيق فى السرد وبلغة يمكن أن يفهمها الطلاب، بل تصلح كاقتباس فنى مصور فى مسرحية أو فيلم يتجسد بالصورة ويحكى تاريخا حقيقيا، أى أن الرواية تصلح للتجسيد بالفن ولأنى أعلم أن وزير التعليم الحالى من مدينة المنصورة حيث تدور الأحداث، فأتمنى عليه أن يرفع الحرج خاصة أن د. أحمد جمال موسى كان وزيرا أسبق للتعليم ويقرر اقتباسها للطلاب، لأن ما بها من معلومات وتاريخ هو طريقة هامة وتربوية فى تعميق تدريس الهوية وتاريخنا بعيدا عن السطور الصماء الجافة والقليلة للغاية التى تحتويها مناهجنا، ولا أعلم هل شخصية الأستاذ الأكاديمى أو صاحب الرؤية المعرفية أو الوزير الأسبق للتعليم، أم كل هذه العوامل مجتمعة هى التى وضعت لنا رواية فى نسق تاريخى معرفى مسكوت عن تسليط الضوء عنه.