على العالم الاستماع لصوت مصر لإنهاء الكارثة مأساة النازحين من غزة.. وصمة عار جديدة فى جبين الإنسانية
الكاتب الصحفي طه فرغلى
تتواصل الكارثة فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، ولا تتوقف المأساة وتزيد حدتها ساعة تلو الأخرى، رواية سوداء لا يستطيع أحد أن يتصور نهايتها، وجرائم الاحتلال لا تقف عند حد، ومجازره تحولت إلى عادة يومية يرتكبها بدم بارد صباح مساء. وتزيد قسوة المأساة روايات الرعب والهلع التى يعيش تفاصيلها النازحون من شمال غزة إلى جنوبها بحثًا عن ملاذ آمن بعيدًا عن الجرائم النازية للاحتلال، يهربون من قصف جيش الاحتلال المتواصل الذى يزيدهم هلعًا ورعبًا، يسيرون فى طريق الموت يحسبونه طريق الخلاص، يبحثون عن النجاة والسلامة والأمان، ولكن أنى لهم هذا والعدو الجبان يحاصرهم أينما ولوا وجوههم.
يسير النازحون عشرات الكيلو مترات ويسافرون أميالاً على الأقدام عبر طرقات غزة الجريحة فى نزوح جماعى يتزايد بشكل مطرد يوميًا. نساء وأطفال وشيوخ ومعاقين شقوا طريقهم عبر شارع صلاح الدين لعلهم يبلغون مأمنهم بعيدًا عن جرائم الاحتلال، ولكنهم لا يسلمون وتفاجئهم هجمات العدو وطائراته فوقهم تقصف بشكل متواصل وتحصد أرواحهم وتخلف وراءها مئات الشهداء والجرحى الذين كانوا يعتقدون أنهم اقتربوا من النجاة فإذا بهم يسيرون نحو الموت.
المأساة يرويها النازحون فى شهاداتهم التى تقطر بالألم والدم والدموع، حكايات سوداء تكشف غدر العدو وجبنه، فهو لا يعرف عبر تاريخه الدموى سوى الخسة والنذالة «الاحتلال حول ممر النزوح الآمن المعلن عنه إلى مصيدة قتل واعتقال وعمليات تنكيل ممنهجة وواسعة النطاق والأشكال».
جريمة جديدة تضاف إلى سجل جرائم العدو المتخم بالتاريخ الأسود المليء بالمذابح والمجازر الدموية التى ارتكبها فى النكبة الأولي، وتتجدد الآن فى نكبة جديدة لا تقل فظائعها ولا بشاعتها عما حدث فى نكبة 1948.
جرائم الاحتلال ضد النازحين رصدها المرصد الأورومتوسطى لحقوق الإنسان الذى فضح العدو الإسرائيلى، وقال إن الحديث من قبل جيش الاحتلال عن ممر آمن لخروج النازحين هو جزء من تكتيكاته العسكرية التى يستخدمها للنيل من المدنيين الفلسطينيين.
جرائم الاحتلال بحق النازحين الأبرياء وثقها المرصد الذى عبر عن فزعه وصدمته بعد أن تلقى مقطع فيديو يظهر آلية عسكرية إسرائيلية تدوس بشكل متعمد على جثة فلسطينى استشهد خلال محاولته النزوح من الشمال إلى الجنوب عبر الممر الذى أعلن جيش الاحتلال عن تخصيصه لنزوح المدنيين، إلا أن العدو الجبان استهدفه بأعيرة نارية ثم داسته آلية عسكرية بغرض التمثيل بجثته.
الممر الآمن فخ نصبه جيش الاحتلال ليوقع فيه مزيدًا من الضحايا والأبرياء الذين يحاولون النجاة والبحث عن الخلاص من جحيم جيش الاحتلال.
المرصد الأورومتوسطى وثق من خلال طواقمه انتهاكات جيش الاحتلال بحق النازحين، والتى شملت التمثيل بجثث فلسطينيين والتنكيل والسحل والتبول على بعضها، وحتى تقطيع أطرافها فى مشاهد مخزية تؤكد وتعكس حدة سادية جنود جيش الاحتلال وخستهم وخرقهم الفاضح لقواعد الحرب.
جرائم الاحتلال لا حد لها ولا تتوقف، والأطفال الأبرياء نصيبهم كبير من هذه الجرائم، حيث كشفت الأمم المتحدة عن أرقام صادمة تعكس مدى وحشية العدوان الإسرائيلي، فقد قتلت قوات الاحتلال أطفالاً فلسطينيين على مدى الشهر الماضى أضعاف الأطفال الذين راحوا ضحية 22 صراعًا مسلحًا حول العالم خلال السنوات الأربع الماضية، يقتل العدو طفلاً فلسطينيًا كل عشر دقائق أو أقل، وارتفع عدد الشهداء من الأطفال – حتى كتابة هذه السطور - إلى أكثر من 4506 أطفال من أصل أكثر من 11 ألف فلسطينى استشهدوا منذ بداية العدوان على مدار أربعة أسابيع، وهو ما قالت عنه منظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسف» إنه لا يوجد مكان آمن ولا أحد آمن وحياة مليون طفل فلسطينى على شفير الهاوية.
ووسط كل هذا الجحيم الذى يعيشه أطفال فلسطين يخرج وزير دفاع الاحتلال يتباكى على طفل إسرائيلى يدعى أنه ضمن الأسرى ويتساءل كيف يأكل وكيف يلعب؟
النزوح الجماعى للفلسطينيين وصفته منظمات دولية بالنكبة الجديدة، وقدرت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» عدد النازحين فى غزة بما يقترب من مليون و600 ألف شخص، فى مأساة يومية متكررة تمثل كابوسًا أسود يعانى منه المدنيون والأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ.
المأساة الحادة دفعت منظمة العفو الدولية أخيرًا إلى جمع مليون توقيع من أشخاص حول العالم على عريضة تطالب بوقف فورى لإطلاق النار فى قطاع غزة، وأكدت أن العالم يراقب بذعر وقوع المزيد من الخسائر فى أرواح المدنيين فى خضم عمليات القصف الإسرائيلى التى لا تنقطع والعمليات البرية المستمرة، وهو ما يوسع الكارثة الإنسانية غير المسبوقة.
وأشارت عريضة منظمة العفو الدولية إلى أن تقاعس المجتمع الدولى وصمة عار فى جبين الإنسانية فى ظل أكثر من شهر من إراقة دماء المدنيين والدمار والمعاناة الإنسانية التى لا يمكن تصورها فى غزة، ولابد من التحرك الدولى من أجل وقف فورى لإطلاق النار ومنع وقوع المزيد من الخسائر فى أرواح المدنيين.
ويبقى النزوح الجماعى القسرى والإجبارى الذى فرضته قوات الاحتلال الغاشم على المدنيين الأبرياء فى شمال غزة مأساة جديدة تضاعف آلام الفلسطينيين وتلقى مزيدًا من الظلال القاتمة على السيناريو الأسود للحرب وتزيده تعقيدًا، ولا يمثل النزوح بحال نهاية لمعاناة الأبرياء، بل يحمل بداية جديدة لمزيد من الضحايا والشهداء.
آن للعالم الآن بعد تفاقم حدة المأساة أن يستمع لصوت مصر لإنهاء الكارثة الإنسانية، حيث طالبت مصر منذ أول لحظة لاندلاع الأزمة بضرورة تدخل المجتمع الدولى بحسم لإنهاء الحرب والوقف الفورى لإطلاق النار دون شروط، وتجلى هذا واضحًا فى قمة القاهرة للسلام التى بادرت مصر بعقدها فى الأيام الأولى من العدوان الإسرائيلى على غزة.
وجاءت القمة العربية الإسلامية المشتركة ليعلو الصوت المصرى مجددًا، مطالبًا المجتمع الدولى بتحمل مسئولياته لضمان أمن المدنيين، حيث أكد الرئيس عبدالفتاح السيسى فى كلمته أن التخاذل عن وقف الحرب فى غزة ينذر بتوسع المواجهات العسكرية فى المنطقة، وأنه مهما كانت محاولات ضبط النفس فإن طول أمد الاعتداءات وقسوتها غير المسبوقة كفيل بتغيير المعادلة وحساباتها بين ليلة وضحاها، وأن ما يتعرض له أهالى غزة من القتل والحصار والممارسات اللاإنسانية التى تعود بنا إلى العصور الوسطى تستوجب وقفة جادة من المجتمع الدولى إذا أراد الحفاظ على الحد الأدنى من مصداقيته السياسية والأخلاقية.
الصوت المصرى كان واضحًا وحاسمًا من خلال تأكيد الرئيس السيسى فى كلمته أن المجتمع الدولى لا سيما مجلس الأمن عليه أن يتحمل مسئولية مباشرة للعمل الجاد والحازم دون إبطاء لتحقيق الوقف الفورى والمستدام لإطلاق النار فى القطاع بلا قيد أو شرط، ووقف كافة الممارسات التى تستهدف التهجير القسرى للفلسطينيين إلى أى مكان داخل أو خارج أرضهم، واضطلاع المجتمع الدولى بمسئوليته لضمان أمن المدنيين الأبرياء من الشعب الفلسطينى، وضمان النفاذ الآمن والسريع، والمستدام، للمساعدات الإنسانية، وتحمل إسرائيل مسئوليتها الدولية باعتبارها القوة القائمة بالاحتلال، والتوصل إلى صيغة لتسوية الصراع بناء على حل الدولتين، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها «القدس الشرقية»، وإجراء تحقيق دولى فى كل ما تم ارتكابه من انتهاكات ضد القانون الدولي.
الرؤية المصرية واضحة وكما قال الرئيس السيسى فإن شعوب المنطقة آن لها أن تحيا فى سلام وأمان دون خوف أو ترويع، ودون أطفال تقتل أو تيتم ودون أجيال جديدة تولد فلا تجد حولها إلا الكراهية والعداء، فليتحد العالم كله حكومات وشعوبًا لإنفاذ الحل العادل بالقضية الفلسطينية وإنهاء الاحتلال بما يليق بإنسانيتنا.
بقى أن نقول إذا كان المجتمع الدولى لا يزال لديه بعض الإنسانية فعليه التحرك بجدية وفورًا من أجل إنقاذ الشعب الفلسطينى الأعزل من الجرائم التى ترقى إلى حد الإبادة الجماعية التى يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلى على مدار الساعة ولا يسلم منها البشر ولا الحجر.