الخميس 2 مايو 2024

الكلام الواقعى فى أزمة السُكر الحُرْ

الكاتب الصحفي محمد الحنفى

27-11-2023 | 21:07

بقلـم: محمد الحنفى
إن ما يحدث من ارتفاعات متتالية غير مبررة فى سعر السكر الحر بالأسواق، يكشف عن مشكلة فى أجهزة وزارة التموين المسئولة عن حماية المستهلك، أو حماية السلعة من الممارسات الاحتكارية، فهذه الأجهزة فشلت فى التصدى لمسببى ومصدرى هذه الأزمة العنيفة، التى قفزت بثمن كيلو السكر إلى رقم خيالى دون مبرر، فى سابقة تعد الأولى من نوعها لسلعة استراتيجية لا يمكن لأى بيت مصرى الاستغناء عنها! لقد بات واضحًا أن هناك مخططًا يتم تنفيذه عن عمد، من قبل أعداء الوطن خلال العامين الأخيرين، لتصدير أزمات تخص أهم سلع غذائية تمس حياة المصريين، مثل الزيت والأرز والسكر الذى تضاعف سعره ثلاث مرات خلال أشهر قليلة، بينما تخفى كميات كبيرة من تلك السلع فى مخازن المحتكرين المتحكمين فى تسعيرها وفق أهوائهم، غير مكترثين بأية تسعيرة تضعها وزارة التموين، أو بأحوال المواطنين، وكأن الأمر أصبح بيدهم من قبل ومن بعد. وكما قال «أحمد شيحة» رئيس شعبة المستوردين السابق، إن جميع الأزمات المتعلقة بالسلع الغذائية فى مصر مرتبطة بشكل مباشر بتزايد ظاهرة الاحتكار، فى ظل غياب رقابة حقيقية قوية من التموين على الأسواق، تاركة ملايين المستهلكين مُضغة فى أفواه المحتكرين الذين قاموا بتخزين كميات ضخمة من تلك السلع، بهدف تعطيش السوق وبيعها بأسعار تقترب من ضعف السعر الرسمى الذى وضعته وزارة التموين، بدليل ما صرح به أيضا إبراهيم عشماوى رئيس البورصة السلعية من أنها شهدت طرح ما يقرب من 139 ألف طن سكر، حتى الأسبوع الأول من نوفمبر الجاري، استحوذت عليها 120 شركة متنوعة بين تجارية، وغذائية، وشركات تعبئة وتغليف، والمثير للدهشة أن سعر الطن من السكر المطروح فى تلك الجلسات قد شهد انخفاضًا وليس ارتفاعًا، بواقع 300 جنيه ليهبط إلى نحو 24 ألف جنيه. والسؤال الآن أين ذهبت تلك الأطنان من السكر؟ وما مبرر الزيادة الجنونية الحالية، التى استهدفت ضرب مبادرة الحكومة لخفض سعره إلى 27 جنيهًا فى المجمعات الاستهلاكية وبعض السلاسل التجارية، على ألا تتجاوز حصة كل مشترى 2 كيلو جرام على الأكثر، لكنه غير متواجد؟! إن إجابة الشق الأول من السؤال معروفة ولا تحتاج إلى اجتهاد أو مجهود، فهذه الأطنان الكبيرة من السكر مكدسة فى مخازن الـ 120 شركة، تقوم بطرحها فى الأسواق بكميات ضعيفة، لتحقق لمالكيها أرباحًا خيالية تشفى جيوبهم قبل صدورهم، بما يؤكد تأكيدًا باتًا وفاصلًا وقاطعًا بأنه ليس هناك شُح ٌفى كميات السكر الموجودة بمصر، بل هى مسألة انعدام ضمير من هؤلاء المحتكرين الذين استحدثوا اختراع عبوات الربع كيلو والنصف الكيلو والـ 700 جرام، وتعمدوا إخفاء عبوات الكيلو حتى يتحايلوا على الأسعار ويقفزوا بها إلى أرقام غير مقبولة أو مسبوقة! أما إجابة الشق الثانى من السؤال فهى معروفة وواضحة وضوح الشمس، وتكشف عن ضعف الأجهزة الرقابية، المناط بها حماية المستهلك ومنع الممارسات الاحتكارية، والتى يتوجب عليها أيضًا مساءلة تلك الشركات الخاضعة للرقابة بحكم القانون عن مصير الـ 139 طناُ من السكر التى اشتروها.. أين ذهبت ولماذا لم تطرح فى الأسواق؟ حقيقة أنا لست مقتنعًا بتسويق البعض لفكرة أن عدم استقرار سعر كيلو السكر فى الفترة الحالية مرتبط بالتذبذبات العنيفة فى السوق السوداء للدولار التى دفعت بسعره نحو مستويات قياسية، فالحكومة لم تتوقف عن استيراد السكر من أجل سد الفجوة بين الإنتاج المحلى والاستهلاك التى اتسعت فى الفترة الأخيرة وتجاوزت الـ 800 ألف طن، بسبب انتشار وباء ضرب محصول البنجر هذا العام، والذى أدى إلى انخفاض إنتاجه لـ 1.47 مليون طن خلال الموسم التسويقى الحالى مقابل 1.64 مليون طن فى المواسم السابقة، ومن ثم تراجع إجمالى إنتاج مصر من السكر ليصل إلى 2.7 مليون طن خلال العام التسويقى الحالي، مقارنة بنحو 2.9 مليون طن فى الموسم الماضى، موزعًا ما بين 1.5 مليون طن من سكر البنجر و1.28 مليون طن من سكر القصب. وأدى ذلك التراجع فى الإنتاج إلى توقف المصانع الحكومية والخاصة البالغ عددها 15 مصنع سكر، بينها 8 مصانع لإنتاج السكر من القصب وجميعها مملوك للدولة، و8 مصانع للبنجر، منها 4 مصانع مملوكة للقطاع الخاص أحدها تحت الإنشاء، عن توفير أية كميات جديدة للوكلاء منذ أكثر من شهر تقريبًا، وتكتفى فقط بعرض المخزون المتبقى لديها من خلال بورصة السلع. والمعروف من واقع بيانات مجلس المحاصيل السكرية بوزارة الزراعة، أننا نزرع مساحات تتجاوز 300 ألف فدان بقصب السكر، و650 ألف فدان من بنجر السكر سنويا، تنتج حوالى 2,7 مليون طن سنويًا فى حين يبلغ متوسط احتياجاتنا السنوية حوالى 3.5 مليون طن تقريبًا، ونعانى فجوة حجمها 800 ألف طن. الحق يقال إن الحكومة من جانبها تبذل قصارى جهدها من أجل مواجهة أزمات السلع الاستراتيجية المتتالية والتصدى للارتفاعات الخيالية غير المبررة فى أسعارها، وفى محاولة منها لاحتواء أزمة السكر الحالية عقد الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، اجتماعًا فى بداية الشهر الجارى، لمتابعة موقف توافر السلع الغذائية فى الأسواق وضبط الأسعار، بحضور محافظ البنك المركزى، ووزراء التموين والتجارة الداخلية، والمالية، والزراعة واستصلاح الأراضى، والتجارة والصناعة، ورئيسى اتحادى الغُرف التجارية، والصناعات، ورئيس جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية، ورؤساء ومسئولى عدد من الغرف التجارية، وممثلى عدد من الشركات الخاصة بالسلع الغذائية والتجار، واتفقوا على ضرورة وضع حلول جذرية تضمن انخفاض أسعار السلع الأساسية، على رأسها السكر لتخفيف العبء عن المواطنين. ورغم ذلك لم يلتزم ممثلو الشركات الخاصة بالسلع الغذائية أو التجار، بما أسفر عنه الاجتماع بكل أسف، فماذا تفعل الحكومة مع هؤلاء المحتكرين وما هى الضوابط التى تحكم التعامل معهم وتوقف جشعهم فى ظل اقتصاد مفتوح يخضع لقانون العرض والطلب؟ لقد شكلت الحكومة لجاناً من ثلاث وزارات لمواجهة هؤلاء المحتكرين، كما ضخت كميات إضافية فى الأسواق من أجل مواجهة ارتفاع الأسعار غير المبرر. وفى إطار جهودها أيضًا، حظرت الحكومة تصدير الأرز والسكر والزيت فى يونيو الماضى ولمدة 3 أشهر انتهت فى النصف الثانى من سبتمبر، لكى تنخفض أسعار تلك السلع أو تثبت على وضعها، وأتصور أننا بحاجة إلى قرار مماثل جديد بمدد أطول، حتى نحد من هذا الارتفاع الرهيب فى الأسعار. الكلام الواقعى فى أزمة السكر الحر يقول إنها أزمة مفتعلة، فليس هناك نقص فى كميات السكر الموجودة بمصر، سواء بمخازن القطاع الخاص، أو مخازن وزارة التموين، التى صرحت بأن لديها ما يكفى من السكر التموينى حتى أبريل القادم، لكنه غياب الضمير وتوحش المحتكرين، الكلام الواقعى أيضا يقول إننا بحاجة إلى أجهزة تموينية رقابية قوية تضرب بيد من حديد على رقاب المحتكرين المتلاعبين بالأسواق، حتى تُحكم السيطرة على أسعار السلع الاستراتيجية، وتوقف مؤشرات صعودها الاستفزازى، لاسيما أننا نقترب من شهر رمضان المعظم الذى يشهد استهلاك كميات ضخمة من السكر. الكلام الواقعى أيضا يقول إننا كمواطنين علينا أن نتخلى عن عاداتنا الغذائية ونرشد استهلاكنا المفرط من السكر، خاصة أننا نتصدر قائمة الدول الأعلى استهلاكا بمتوسط 34 كيلو جراما للفرد سنويًا، بينما لا يتجاوز متوسط استهلاك الفرد عالميًا 22 كيلو جرامًا، بل هناك الكثير من الدول لا يتخطى فيها استهلاك الفرد من السكر 13 كيلو جراماً. أن الدولة تدفع مليارات الجنيهات من أجل دعم السكر التموينى حتى تحافظ على وصوله للمواطن البسيط بسعر 12.60 جنيهًا للكيلو رغم ارتفاع أسعار السكر العالمى بأكثر من 30 فى المائة، وبرغم تراجع سعر الجنيه أمام الدولار. الكلام الواقعى فى أزمة السكر الحر يقول إننا بحاجة إلى قرار جرىء بوقف تراخيص مصانع ومحال الحلوى التى انتشرت بشكل كبير فى السنوات الأخيرة، والمؤكد أنها تستهلك كميات كبيرة من السكر. إننا نحتاج مواجهة رقابية وشعبية لتمنع الأزمات المفتعلة التى تمس السلع الغذائبة الاستراتيجية من قبل تجار ومحتكرين وموزعين أعداء الوطن، وهذا أقل ما يمكن أن يوصفوا به.