الجمعة 10 مايو 2024

ابـدأ.. مبـــــادرة غيــــر تقليديـــة لدعــــم المنتــــج المحلــــى

صورة أرشيفية

28-11-2023 | 08:12

بقلـم: د. أحمد فاروق
مع فترة رئاسية جديدة متوقعة للرئيس عبدالفتاح السيسى، تصعد تطورات الاقتصاد المصرى لتصبح البند الأهم فى بحث المصريين عن مستقبل أكثر أملًا ورفاهية لبلادهم..وهناك فيما يخص الاقتصاد المصرى والقطاع الصناعى فيه على الخصوص متغيران مهمان: المتغير الأول أن هناك فى السنوات الأخيرة جهدا كبيرا لا ينكره منصف يبذل فى القطاع الصناعى فى مصر، من أبرز ملامحه أن قطاع التصدير حظى باهتمام كبير من الدولة المصرية، دعما لدوره المهم فى التنمية الاقتصادية التى تتبناها الدولة، إذ بلغ إجمالى الصادرات السلعية المصرية عام 2014 حوالى 22.2 مليار دولار ارتفعت مع نهاية عام 2021 لتصل إلى 32.4 مليار دولار بنسبة زيادة بلغت 46 فى المائة وهو أعلى معدل للصادرات فى تاريخ التجارة الخارجية لمصر، وقد ساهمت هذه المؤشرات الإيجابية فى إصلاح خلل الميزان التجارى لمصر مع دول العالم، والذى بلغ فى نهاية عام 2021 حوالى 47.6 مليار دولار مقارنة بـ 53.4 مليار دولار عام 2014. كما تمت إقامة 17 مجمعا صناعيا فى 15 محافظة على مستوى الجمهورية، بتكلفة استثمارية إجمالية بلغت حوالى 10 مليارات جنيه، بإجمالى وحدات صناعية 5046 وحدة، توفر نحو 48 ألف فرصة عمل مباشرة، وبالفعل تم تخصيص 4 مجمعات صناعية بنسبة 100 فى المائة وبدأت المصانع العمل بها فعليا.. المتغير الثانى.. أن مصر وضعت خلال السنوات الماضية الصناعة ضمن أولوياتها كملف استراتيجى ومصيرى يحظى بدعم ومساندة رئاسية، وهذا النهج هو تصحيح لأخطاء ارتكبت فى الماضى، فقد عاشت منذ منتصف السبعينات تقريبا - فى ظل سياسات لا تجعل الصناعة والتصنيع فى مقدمة الاهتمامات الوطنية، وقد ذكر الدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء فى المؤتمر الاقتصادى الذى عقد فى شهر أكتوبر 2021 أنه لفترة طويلة كانت الاستثمارات المتواجدة فى قطاع الصناعة قبل 2011 لا تزيد على 6 مليارات فى العام، وهو رقم هزيل للغاية، بل إن الزيادة السكانية لم تكن تقابلها زيادة مماثلة فى الموارد الاقتصادية، مما تطلب إعادة ترتيب أولويات الإنفاق العام والخاص وزيادة معدلات الإنتاج، وكان لعدم توفير الاستثمارات الكافية لنمو الاقتصاد تأثيرا كبيرا حيث بلغ متوسط نمو الناتج المحلى على مدار 20 سنة 4.4 فى المائة، ونتيجة لضعف الاستثمارات بلغ نصيب الفرد من الناتج المحلى سنويا على مدار 20 سنة حوالى 1360 دولارا، بينما الدول الأخرى التى تماثلنا يقدر نصيب الفرد فيها بحوالى 1800 دولار، ومع عدم وجود قطاعات اقتصادية توفر فرص عمل لامتصاص الزيادة السكانية فى قوة العمل فقد وصل معدل البطالة إلى حوالى 9.6 فى المائة، فى وقت كان متوسط البطالة فى الدول المماثلة 4.9 فى المائة.. أى أن المشكلة أن الاستثمارات فى قطاعات الإنتاج الرئيسية – الصناعة والزراعة – كانت متدنية للغاية، و استمر ذلك لفترة طويلة للغاية، ومن هنا ظهرت أغلب مشاكل الاقتصاد المصرى التى نعانى منها الآن، والتى تحاول إدارة الرئيس السيسى حلها بصورة أقرب إلى الشمول، وبرؤية استراتيجية تتجنب أخطاء الماضى بل تبنى على أسس علمية والاستفادة من تجارب عالمية لقد كان اعتماد مصر لعقود طويلة سابقة على موارد شبه ثابتة،ومعروفة هى كالآتى: تحويلات المصريين العاملين فى الخارج، وقد نقصت قيمة أموالهم المرسلة إلى مصر العام الماضى، بسبب تذبذب قيمة الجنيه المصرى أمام العملات الأخرى، وكانت قيمة تلك التحويلات فى العام الماضى 2021 – 2022 نحو 32 مليار دولار، انخفضت بنسبة 30.8 فى المائة لتصل إلى 23 مليار فى 2022-2023. دخل قناة السويس، وقد بلغ هذا العام 9 مليارات دولار ونصف المليار.. السياحة، وقد توقفت تماما عامى 2020 و2021 بسبب الإغلاق العالمى نتيجة لفيروس كورونا، وبلغت نحو 10.7 عام 2022 لتصل إلى 13.6 مليار دولار عام 2023، ومتوقع بالطبع أن تتأثر بسبب الحرب فى غزة.، وعموما تقدم السياحة لمصر- فى مواسم ازدهارها - من 12 - 14 مليار دولار. الصادرات المصرية.. وقد بلغ جملة الصادرات العام الماضى 52 مليار دولار، وسجلت الصادرات المصرية الصناعية والسلعية غير البترولية ارتفاعا كبيرا خلال عام 2022 بعدما صعدت إلى نحو 35.2 مليار دولار، مقارنة بنحو 32 مليار دولار فى 2021 بزيادة بلغت نسبتها 12 فى المائة، أى أن إجمالى إيرادات مصر الدولارية بلغ هذا العام 99 مليار دولار، وفى المقابل، ارتفعت قيمة الواردات المصرية من مختلف دول العالم لتصل إلى 94.5 مليار دولار خلال عام 2022 مقابل نحو 89.2 مليار دولار خلال عام 2021 بزيادة قدرها 5.3 مليار دولار، وبنسبة ارتفاع قدرها 5.9 فى المائة.. وفجوة الموارد المحلية تسد دائما إما بالاقتراض أو بالطلب - والإلحاح - على الاستثمارات الأجنبية بالمجيء إلى مصر.. والاقتراض أمامه قيود لا يمكن تخطيها لكى لا تدخل الدولة فى مرحلة الخطر، وأول هذه القيود نسبة الديون إلى إجمالى الناتج المحلى.. أما الاستثمار الأجنبى المباشر فله شروط حتى يأتى إلى دولة ما، ووراءه دول لها مطالب بتوجهه إلى تلك الدولة أو غيرها.. وفى كل الأحوال - وبالنسبة لمصر - فإن الاستثمار الأجنبى المباشر لا يأتى إلا إلى مجالات محددة، وأولها وأكبرها البحث عن البترول أو الغاز الطبيعى، وفى تاريخ الاستثمار الأجنبى المباشر فى مصر لم يكن يأتى إلى الاستثمار فى الصناعات التحويلية أو فى الاستثمار الزراعى إلا نادراً.. باختصار.. أن الطريق الاقتصادى الذى كانت تسير فيه مصر منذ أربعة عقود - أى منذ 40 عاماً - أصبحت حدوده واضحة ومستقبله أيضا واضح.. وهو طريق خلاصته الاعتماد على مصادر ريعية متقلبة مثل تحويلات المصريين العاملين فى الخارج.. أو على رضا الخارج وسماحه، سواء بتوفير القروض أو بتوجيه الاستثمارات... فهل أمام مصر طريق آخر؟! والجواب الذى أعلنته وتبنته القيادة السياسية منذ تولى المسئولية فى 2014 هو..نعم..والطريق هو التصنيع.. فالاستثمارات الصناعية فى مصر متدنية بشدة منذ عقود، والسبب أن الإدارات المصرية المتعاقبة تركت شئون الصناعة والتصنيع بدون جهد حقيقى وبدون خطة واضحة، وبرغم جهود طيبة للقطاع الخاص المصرى فى الصناعة إلا أن واقع الحال لم يكن يتناسب أبدا مع مستوى الآمال.. كما أن الاستثمارات الحكومية فى الصناعة تدنت بصورة كبيرة، وتوجهت بدلا منها - أى بدلا من التصنيع - إلى البنية الأساسية.. فخلال فترة حكم الرئيس حسنى مبارك كان التركيز كله على الاستثمار فى البنية الأساسية، وأقل الاستثمارات توجهت إلى الصناعة والزراعة.. ثم جاءت فترة الاضطرابات السياسية والثورات 2011 - 2013 وتأثر الاقتصاد المصرى على نحو لم يسبق له مثيل نتيجة لعدم الاستقرار السياسى وما صاحبه من أعمال إرهابية، وتراجع الاحتياطى بنسبة 20.3 فى المائة فى الفترة ما بين 2011 إلى 2013، ووصلت خسائر القطاع السياحى إلى 32 فى المائة، وبلغ متوسط معدل البطالة إلى 13 فى المائة، وخلال الفترة ما بين فبراير 2011 إلى مايو 2013، انخفض تصنيف مصر الائتمانى 6 مرات.. واستجابت الدولة المصرية فى 2015 لهذه التحديات وقامت بعمل مؤتمر 2015 بعنوان (مصر المستقبل) والذى وضع 3 محاور وهى: استعادة استقرار الاقتصاد الكلي، ومشروعات قومية لعودة الاقتصاد إلى العمل، وتحسين بيئة الاستثمار، وقامت الدولة المصرية فى 2016 بإطلاق برنامج الإصلاح الاقتصادي الجرئ، وبدأت المؤشرات الاقتصادية فى التصاعد، ثم كان العالم عام 2020 ولمدة عامين على موعد مع جائحة كورونا، وبعدها بدأت الأزمة الروسية الأوكرانية، ورجعت المصاعب مرة ثانية للاقتصاد المصرى وزاد من الضغط عليه سحب كميات هائلة من الدولارات من مصر والأسواق الناشئة بعد الرفع المستمر لأسعار الفائدة فى الولايات المتحدة، وقد قدر ما خرج من مصر فى السنة الماضية من 50 – 60 مليار دولار. وبرغم كل تلك المصاعب ففى خلال السنة المالية الماضية فى يونيو 2022 كانت نسبة نمو الاقتصاد المصرى 6.6 فى المائة، ومتوسط الفترة كلها 5.3 فى المائة، مقارنة بـ 4.4 فى المائة فى الفترة السابقة، و2.3 فى المائة فى فترة ما قبل 2016، وكان من الأخبار الجيدة اكتشاف حقول الغاز الطبيعى فى مياه مصر الإقليمية فى البحر المتوسط، وهو ما رفع صادرات مصر البترولية فى سنة واحدة إلى 109 فى المائة، وطبقاً لرئيس الوزراء الدكتور مدبولى حققت مصر العام الماضى لأول مرة فى التاريخ 18 مليار دولار من الصادرات البترولية وصناعات البتروكيماويات بالمقارنة بالعام السابق له كانت 8.6 مليار دولار. لكن ظل ذلك عودة مرة ثانية لاعتماد مصر على مواردها الأولية أو مصادرها الريعية.. وكانت كل التطورات فى مصر تقول إنه لابد من العودة إلى الطريق الطبيعى لتقدم الأمم، وهو – ببساطة – الصناعة والتصنيع.. وجاء التفكير الجديد عام 2022.. تقليد جديد ففى إفطار الأسرة المصرية فى أبريل 2002 أطلق الرئيس السيسى المبادرة الوطنية لتطوير الصناعة المصرية «ابدأ».. وهى مبادرة غير تقليدية وجيدة التخطيط، وتتلافى كل أخطاء المراحل الماضية، فقد كان دوما فى الحديث عن التصنيع تفاصيل بلا حدود.. فمثلا كنا دائما ندور فى حلقة مفرغة.. على أى الصناعات نركز وأيها ندع؟ وأيها تمتلك فيها مصر ميزة نسبية أو تنافسية وأيها لا تمتلك؟!، وبصفة مبدئية فإن مصر تمتلك قطاعاً صناعياً قوياً، وتمتلك صناعات لها فيها تاريخ طويل وميزة تنافسية قوية، وخاصة قطاع الصناعات الكيماوية – وعلى الأخص صناعات الدواء - وقطاع صناعات الغزل والنسيج، وقطاع الصناعات الغذائية، وقطاع الصناعات المعدنية، وقطاع الصناعات الهندسية وصناعات الجلود والأخشاب والأثاث... وهناك قطاع تمتلك فيه مصر ميزة تنافسية قوية - على الأقل فى محيطها العربى والإفريقى - ويمكن أن يفتح لمصر بابا هائلا للتصدير وهو قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وكل ما يخص صناعة الحاسبات وتقنيات المعلومات.. وقد حققت دول مثل الهند وإسرائيل وايرلندا تقدما هائلا بسبب اهتمامها بهذا القطاع الحديث فى الاقتصاد.. والأكثر أملا أن مصر تمتلك بنية تحتية جيدة جدا فى هذا القطاع، سواء فى مستوى المهارات من خريجى كليات الحاسبات والمعلومات، أو من أقسام الكومبيوتر بكليات الهندسة، أو من حيث مستوى التجهيزات والمنشآت. مثل القرى الذكية.. ويمكن بسهولة دراسة تجربة الهند لأنها ناجحة وملهمة، وأعتقد أنه يجرى الأن بشكل واضح لاستثمار قدراتنا فى هذا المجال.. القضية الثانية، وهى فى منتهى الأهمية.. منْ يأخذ الخطوة الأولى، ومن يتقدم أولا..هل الاستثمارات الحكومية أم الاستثمارات الخاصة؟. وكان الأمر مطروحا دوما للنقاش، وكان رأى البعض أن الاستثمارات الحكومية لابد أن تسبق الاستثمارات الخاصة بخطوة - أو خطوات –وكان رأى آخرين فتح المجال واسعا أمام المبادرات الخاصة أن تتقدم وتنطلق مع تنحى الدولة جانباً.. وقد أجابت المبادرة الجديدة «إبدأ» على كل تلك التساؤلات الحائرة.. فقد ركزت على تعزيز دور القطاع الخاص فى توطين الصناعة، وتقليل الفجوة الاستيرادية، وتأهيل العمالة المصرية وتذليل العقبات أمام المصانع المتعثرة، وتضمنت المبادرة على العمل على ثلاثة محاور: وهى تكوين الشراكات الكبرى، ودعم الصناعة، و البحث والتدريب والتطوير. وأعلن الرئيس السيسى خلال «الملتقى والمعرض الدولى الأول للصناعة» فى 29 أكتوبر 2022، إطلاقها كمبادرة تعمل بشكل أساسى على دعم وتوطين الصناعات الوطنية، للاعتماد على المنتج المحلى وتقليل الواردات، من خلال تعزيز دور القطاع الخاص الوطنى فى توطين العديد من الصناعات الكبرى والمتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر فى مصر. ففى المحور الأول.. تم عقد شراكات مع كبار المصنعين، سواء كانت مشروعات قائمة ترغب فى تطوير أنشطتها أو مشروعات جديدة، فى إطار زيادة الاستثمارات الصناعية بالشراكة مع الخبراء فى القطاعات المختلفة، وتشجيع الصناعات المغذية، وضمان قدرتها على التوسع، ونجحت المبادرة فى تجميع المصنعين المتنافسين داخل القطاع الواحد، لتوطين صناعات مغذية تتطلب الإنتاج بحجم كبير، واستهلاك المنتج من تحالف من المستثمرين المحليين، كما تم عقد شراكات فى مختلف القطاعات مثل قطاع الأجهزة الكهربائية المنزلية، الذى استطاع جذب مستثمرين من اليابان والصين وتايوان وإيطاليا وتركيا، لتوطين صناعات مكونات الأجهزة الكهربائية المنزلية، كما نجح فى جذب استثمارات فى قطاعات صناعات الأسمدة والمنتجات الكيماوية، والمطاط واللدائن، وقطع غيار السيارات، ووسائل النقل، والصناعات والمولدات والمحركات الاتصالات وأجهزة ومنتجاته، والورق المعدنية، الكهربائية، والمنتجات الجلدية والمعدات الثقيلة، وغيرها. وفى المحور الثاني– محور دعم الصناعة - وهو المحور المختص بتذليل كل العقبات التى تواجه أصحاب المصانع، من خلال تسهيل الإجراءات مثل الحصول على التراخيص المختلفة المتعثرة، وتقنين الأوضاع بالتعاون مع الجهات المختلفة كجهاز «تنمية المشروعات» و«مجلس الوزراء»، وهيئة «التنمية الصناعية» وغيرها، ويتم تقديم الطلبات والشكاوى من خلال الموقع الرسمى للمبادرة، ومن ثم يتم فرزها وتصنيفها طبقا لنوع المشكلة، والجهات المعنية بالحل. ويقوم أعضاء المبادرة بالتواصل والتنسيق مع الجهات المختصة بحل المشكلات لبحث التعاون لحل المشكلات ومعاودة الإنتاج فى حالة المصانع المتعثرة، أو البدء فى إنشاء المشروع فى حالة المستثمرين. فى حين يهدف محور البحث والتطوير والتدريب - إلى توفير التدريب الفنى والمهنى والتثقيفى للعمالة المصرية وفقا للمقاييس الدولية، بالإضافة لتوفير فرص العمل اللائقة بمعدلات متزايدة، وبعائد مناسب يؤمن حياة لائقة للعمال المصريين. الاستراتيجية المصرية الجديدة لا تأتى من فراغ وانما وفق رؤية واستلهاما لتجارب دول العالم الكبرى خلال العقد الماضى - مع أخذ فارق التطور واختلاف مراحل التقدم بين الدول - والتى ركزت كل جهدها على قضايا الصناعة والتصنيع.. فقد وضعت العديد من الدول الكبرى استراتيجيات لتعزيز قطاعاتها التصنيعية والتكنولوجية، ففى عام 2011 أصدرت الولايات المتحدة «خطة شراكة التصنيع المتقدم» لتأمين القيادة الأمريكية فى التصنيع المتقدم ومجالات التكنولوجيا الفائقة، وطرحت ألمانيا «استراتيجية التكنولوجيا العالمية الجديدة 2020»، ووضعت بريطانيا «استراتيجية الصناعة البريطانية 2050»، وطرحت اليابان «استراتيجية إنترنت الأشياء، وعلوم وتطبيقات الروبوت»، كما وضعت فرنسا «خطة الصناعة من أجل المستقبل»، فى حين تبنت جمهورية كوريا «خطة تعزيز قوة دفع النمو المستقبلى». أما فى الصين، فقد قررت الحكومة الصينية الجديدة التى تولت السلطة فى مارس 2013 تغيير الأولويات الصناعية للصين، والاهتمام بالصناعات عالية التكنولوجيا، وتقديم المبادرات الاقتصادية التى تخدم هذه الاستراتيجية الجديدة، لكى تتخلص من تبعيتها التكنولوجية للغرب، وتصبح إحدى الدول الكبرى فى مجال التكنولوجيا المتقدمة. وبالنسبة لمصر وفيما يخص الثورة الصناعية الرابعة فقد شهد العام 2022 احتلال مصر للمرتبة الأولى كأعلى دولة من حيث إمكانات الأتمتة لتصل نسبة الأتمتة بالقطاع الصناعى إلى 48 فى المائة، خاصة فى قطاع تصنيع الأجهزة المنزلية والأغذية والمشروبات والصناعات الدوائية والكيماوية، وقد تحققت تلك النسبة التى تعد الأعلى من بين 6 دول بالمنطقة وهى (الكويت والبحرين والإمارات والمملكة العربية السعودية وسلطنة عمان ومصر) بفضل انضمام مطورى المجمعات الصناعية إلى جهود تطوير المناطق الصناعية الذكية، خاصة بانضمام شركات عالمية لذلك المجال بمصر مثل شركات آى دى جي، وبولاريس بارك، وشركة السويس للتنمية الصناعية، والتى ساهمت فى إنشاء بنية تحتية للمجمعات الصناعية لتحويلها إلى مجمعات ذكية تتبع منهج الاستدامة والتكامل وكفاءة الموارد وتقليل النفايات، بداية من التصميم أو إنشاء مجموعات من المصانع، لكن لا يزال أمام مصر الكثير لتخطو فى اتجاه الثورة الصناعية الرابعة فحتى الآن تظل مصر عالقة فى الثورة الصناعية الثانية والتى تعتمد إلى حد كبير على الأيدى العاملة، ويمكن تفسير ذلك بسبب الميزة الديمغرافية التى تمتلكها مصر من حيث عدد السكان الكبير وتكاليف العمالة المنخفضة. والجدير بالذكر أن الحكومة المصرية سعت إلى توطين ثلاثة أنواع من الصناعات، تتضمن المجموعة الأولى عدة صناعات مدرجة ضمن أولويات متخذ القرار وتشمل تسع صناعات وهى: صناعة السيارات الكهربائية،صناعة الرقائق الإلكترونية، صناعة المركبات والصناعات المغذية، صناعة التكنولوجيا الفضاء، صناعة تحليل ومعالجة المياه، صناعة الوحدات المتحركة للسكك الحديدية،صناعة البطاريات، صناعة الهيدروجين الأخضر، صناعة الدواء، فى حين تشمل المجموعة الثانية من الصناعات التى تتطلع الحكومة المصرية إلى توطينها باعتبارها صناعات المستقبل تشمل أربع صناعات هى، المعلومات والصناعات الرقمية، الأمن السيبرانى، صناعه الصحة الرقمية، صناعات الطاقة الخضراء والمتجددة، أما المجموعة الثالثة من الصناعات المستهدف توطينها فتتضمن، الصناعات المعتمدة على تقنيات «الثورة الصناعية». ومن ناحية أخرى، وكما فى ظروف دول كثيرة فى العالم النامى مثل الصين فإن قيام دولة صناعية متقدمة وحديثة فى مصر لن يرضى كثيرين، وهم من عملوا طويلا على فرض نمط معين من التنمية فى مصر، مؤداه الاعتماد على بعض المصادر الريعية أو تصدير بعض المنتجات الأولية، مع الابتعاد قدر الإمكان عن تصنيع مصر وجعلها دولة متقدمة فى هذا المجال الحيوى.. وقد حصدت مصر أوخم العواقب من اتباعها لهذا النمط فى إدارة اقتصادها، وقد جاء الأوان لتغيير هذا النمط وهو ما يحققه الرئيس السيسى بجرأة وقرار وطنى مستقل لا يقبل الرضوخ لأحد، فربما لا يرضى ذلك الغرب وهو بالتأكيد لن يرضيهم - وربما لن يرضى المؤسسات الاقتصادية والمالية الدولية.. إن ما يحدث ضد الاقتصاد المصرى منذ سنة ونصف السنة غير طبيعي، وبرغم الأسباب الخارجية - ككورونا والحرب الروسية الأوكرانية - بجانب الأسباب الداخلية، إلا أن كل ذلك لم يكن ليحدث كل هذا الأثر القاسى على الاقتصاد المصرى.. هناك - بالتأكيد - يد خارجية قوية تضغط وتعبث، وضغطها وعبثها محسوس وهدفه الخبيث حرمان مصر من أى فرصة تطور أو تقدم.. وأقله حبس الاستثمارات من المجىء إلى مصر كى تصنع انفراجا فى هذه الظروف الصعبة، ومنه الضغط الهائل لتعويم ثالث فى مصر يعرفون جيدا أنه سوف يصل بالدولار إلى مستوى مرتفع للغاية، وسوف يأخذ معه الاقتصاد المصرى إلى المجهول.. إن مصر مقبلة على تحد هائل فى مجال تحولها إلى دولة صناعية كبرى فى هذا الشرق، وهو هدف وضعه الرئيس السيسى نصب عينيه، ورأيى أن تركيز الدولة سيكون على هذا الهدف الغالى فى فترته الرئاسية الجديدة، وقد شهدت الفترة الماضية خطوات حقيقية لتحقيق هذا الهدف، سواء الحوافز التى تم تقديمها والتعديلات التشريعية والرخصة الذهبية ولم يكن يحدث كل هذا وغيره إلا لوجود إرادة سياسية واستهداف لتوطين الصناعة.