الإثنين 29 ابريل 2024

سيناريوهات حكم غزة

مقالات29-11-2023 | 18:58

تعتمد أجهزة الاستخبارات الغربية توجيه الرأي العام عن طريق نشر تقارير صحفية تروج مقترحات وتصورات لما بعد عدوان إسرائيل علي غزة، الذي تحول إلى أحداث غير عادية على مسرح كبير تجري فيه أحداث دامية، وأصبح مادة خصبة لحديث أجهزة دول ومخططاتها في صورة محللين عسكريين وسياسيين.

منذ عدة أيام نشرت صحيفه ذاهل "thehill" الأمريكية تقريرا ببعض أقوال الجنرال ديفيد بترايواس مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية "سي اي ايه" سابقا، حذر فيه قادة تل أبيب من عدم الوقوع في الخطأ الذي وقعت فيه أمريكا من قبل في العراق، حيث كان ضابطا وقتها بنجمتين بكتيبة المدرعات، وقد وجه سؤالا لقادته العسكريين: ماذا بعد التحرك والغزو وتنفيذ كل شيء مطلوب؟.. فكان رد القائدة وصلنا إلي هناك واترك باقي المسئولية علينا، ويكمل مدير المخابرات العسكرية الأمريكية السابق أن ما اتضح له وشاهده على أرض الواقع هو غياب الرؤية للقادة العسكريين وعدم وجود أي فكرة عند المرحلة الرابعة فيما بعد الغزو.
 ومن المعلوم أن أي حرب أو غزو يجري على 4 مراحل: مرحلة التجهيز ما قبل الغزو، تليها مرحلة الغزو، وإسقاط النظام، ثم مرحلة ما بعد الغزو. وأمريكا دخلت العراق ولا يوجد لديها أي تصور فيما بعد الغزو لذلك تحول العراق إلى ساحة كبيرة من الصراعات الدموية.
ومن هذا المنطلق نلخص ما نشر من مقترحات أو خطط دول حلف الناتو في أربعة سيناريوهات وكل واحد منها قدمته جهة مختلفة، أمريكا، وبريطانيا، واستراليا، وإيطاليا، ولكن الشيء الغريب والأخطر في كل تلك السيناريوهات، هو تقريرهم لمصير المقاومة داخل غزة.
فيما يلي نذكر كل واحد منهم مع إمكانية تطبيقه، السيناريو الأول: وهو ما جرى طرحه من خلال الاكونوميست البريطانية، وكان عنوان التقرير غزة ما بعد حماس، وجاء فيه "حل الدولتين"، ويوجد شبه اتفاق ما بين الرئيس الأمريكي، والرئيس الفرنسي ، ورئيس وزراء بريطانيا وهو أنسب الحلول علي الاطلاق، ولكن الأهم هو القضاء علي حماس، وبعدها يعترف بدولة فلسطين، ويتم تسليمها للفلسطينيين بإدارة تعد للحكم بشروط، ولكن هذا الحل من وجهة نظرنا صعب تنفيذه علي الواقع لسببين الأول إسرائيلي والثاني فلسطيني .الأول يكمن صعوبته في أن تل أبيب لو وافقت علي حل الدولتين وهو من الأساس يواجه باعتراض شديد ستطالب بمقابل لإخلاء المستوطنات اليهودية من القطاع والضفة الغربية، ومن المتوقع عدم تخليها وتنازلها عن القدس، وإذا تم فيكون طلبها  ترك الفلسطينيين المقيمين بالقدس لممتلكاتهم وبيوتهم والخروج منها نهائيا، وانتقالهم الي دولتهم الفلسطينية في القطاع والضفة. 
وفي حال حل الدولتين إسرائيل ستتمسك بأن الدولة الفلسطينية تكون منزوعة السلاح فضلا عن المراوغة في التفاوض لسنوات، وعدم رغبتها في ترك الغاز الفلسطيني والآبار الموجودة في شرق المتوسط، لأنها فعليا وعلى أرض الواقع صعب جدا ترك الغاز للفلسطينيين، وهو ما يعني أن الدولة الفلسطينية ليست منزوعة السلاح فقط بل منزوعة الاقتصاد أيضا.
كما أن نسبة كبيرة جدا من أهل غزة رافضون رفضا قاطعا للسلطة الفلسطينية داخل قطاع غزة، لما لمسوه من ضعفها، ورؤيتهم لها أنها مجرد أداة لتنفيذ أوامر الاحتلال الإسرائيلي. من ناحية السلطة والشرطة الفلسطينية، فالاحتلال نجح في إضعافهم بشكل كبير جدا، فلو تم فعليا علي أرض الواقع تسليم القطاع للسلطة لن تستطيع السيطرة عليه، ولو حصل بتلك التفاصيل، سيكون حل الدولتين تدخل غير عادل لأن صحيح توجد أرض دولة فلسطينية، لكن ستبقي شبه دولة من غير اقتصاد، ولا تستطيع أن يتوفر لشعبها موارد حقيقية تلبي احتياجاتهم، وهو ما يؤدي الي إعادة كرة الصراع مرة ثانية.
السيناريو الثاني: "ذا هل الاسترالية" نشرت تقريرا عبارة عن رسائل من أجهزه مخابرات تابعة لهم، تقول إن بعد القضاء على حماس، تتولي تل أبيب حكم قطاع غزة لمده ٦ شهور تجهز أمريكا خلال تلك المدة مجلس انتقالي لحكم غزة، ويكون المجلس من دول الشرق الأوسط  وبعد ٦ شهور يحل المجلس محل الاحتلال لحكم غزة، ويستمر هذا التحالف في إدارة الحكم لمدة سنوات حتى تنتهي أمريكا واسرائيل من إعداد كوادر بالسلطة الفلسطينية وتدعمها وتنصيبهم لحكم غزه تدريجيا، والبعيد عن المشهد لسان حاله يقول إن هذا الاقتراح جيد طالما هناك دعم وبالنظر لهذا السيناريو يتبين أن جيش الاحتلال صعب عليه إدارة وحكم القطاع لمدة ٦ أيام فقط، وليس ٦شهور، بل يكاد أن يكون مستحيل، لأن كل ما حدث من عمليات برية قبل ذلك، خلق أكثر من 2 مليون مواطن فلسطيني علي أرض غزة كل واحد فيهم له ثأر عند الاحتلال، يعني كل ساعة في ٦ شهور لن تمر عليهم بسلام يعني عمليات استشهادية وضرب كمائن وتفجيرات.
والتاريخ خير شاهد ففي تجربة إسرائيل في لبنان عكس هذا التصور حيث كان في حساب اسرائيل القضاء علي المقاومة اللبنانية في جدول زمني يتراوح ما بين ٦ – 9 أشهر، واجتاحت قوات الجيش الإسرائيلي الأراضي اللبنانية عام ١٩٨٢ خرجوا منها سنه ٢٠٠٠، أي بعد ١٨سنة. 
من ناحية أخرى، فإن الدول العربية المحددة في الاقتراح لإدارة وحكم القطاع، سيكون رؤية شعوبها لحكامها أن وجودهم هناك ليس إلا حماية للعدو الإسرائيلي، والثانية أن الدول العربية لو قبلت بالمبدأ تقضي على موضوع حل الدولتين، ولأن إسرائيل متعودة على المماطلة والمراوغة والتأجيلات، كما أن الدول العربية لا تضمن ألاعيب إسرائيل فيما بعد، وبالتالي من المؤكد أن كل فترة تأخير ستكون هناك انسحابات فرديه دولة وراء دولة من هذا التحالف حتي تتوقف وترسى على دولة واحدة تتحمل المسؤولية كاملة، وأول هم تتحمله هو منع أي هجمات من غزة ضد تل أبيب فضلاً علي صورة حكام الدولة أمام شعبها، ستوشح بالسواد القاتم حيث التواجد لحماية إسرائيل فقط، ولو أمعنا التدقيق زياده نلاحظ أن دولة مثل الأردن قال وزير خارجيتها إن تورط بلاده في حكم غزة أمر مستحيل على الاطلاق، وسبب هذا الكلام هو التهديد بتهجير الفلسطينيين للأردن، وهو يمثل إعلان حرب مباشر.
والأردن على أرض الواقع بها ١٣مخيما في ٦ محافظات لفلسطينيين، وبالتالي لو قبلت أي تحالفات لحكم غزة سيواجه بانفجار للواقع الداخلي الأردني، وإن كل المخيمات الفلسطينية ستقاوم ذلك، ويعود السيناريو الأسود في أيلول الأسود. أما بالنسبة لمصر حدث ولا حرج أولا طلبات إسرائيلية قدمت لمصر فيها إلحاح على مدى ١٦سنة بدخول لحكم القطاع وكلها ترفض.
ثانيا هذا الاقتراح لو قبل فعليا ومصر دخلت في حكم غزه منفردة أو في تحالف عربي، ستكون أولى المهام هي حماية إسرائيل من أي هجمات محتملة داخل القطاع، ووضع مصر في مأزق، لأن الهجمات لن تتوقف، وبالتالي مع أول هجمة فلسطينية ضد تل أبيب، سيخرج مسئوليها، ويحملونها المسئولية، والموضوع من الأساس مرفوض رفضا تاماً. كما أنه صحيفة "وول ستريت" الأمريكية، نشرت تصريحات مدير المخابرات المركزية الأمريكية التي قال فيها إنه قابل الرئيس المصري ورئيس جهاز المخابرات ورفضا استلام السلطة في غزة
السيناريو الثالث: هو أخبث السيناريوهات المقترحة التي تؤدي إلى الفتنة والوقيعة بين شعوب كل الدول العربية، وهو وفقا لما نشرته مجله "الفلوريس"، وهو تكوين مجموعة عبارة عن مجلس إدارة لقطاع غزة من إدارة قطرية سعودية إماراتية. وتكون دولة قطر هي حجر الزاوية في العملية كلها، يعني أي حوار في صفقات واتفاقيات يكون بداية مع قطر، وبعدها الإمارات والسعودية.
وقسم التقرير دول الشرق الأوسط إلى ثلاث معسكرات، الأول: هو المعسكر الإيراني ويضم سوريا والعراق وحزب الله والحوثيين. والثاني: المؤيدون للإخوان المسلمين مثل قطر وتركيا وغرب ليبيا. والثالث: الدول المضادة للإخوان المسلمين مثل مصر والإمارات والسعودية. ولهذا السبب أكد على اختياره لقطر واعتبارها العمود الفقري التي تستطيع التعامل مع الثلاث معسكرات بنفس الطريقة بالإضافة إلى إنها تتعامل مع إسرائيل وأمريكا.
 وهنا نركز علي أخبث سطر، قال فيه إن مفاوضات أنتوني بلينكن وزير خارجية أمريكا مع أمير قطر كان واضحا الأخير، قبول حكم غزه وأن هناك بارقة أمل بأن قطر والإمارات والسعودية لن يرفضوا هذا العرض المقترح لكن الإدارة الأمريكية تساورها شكوك أن قطر والإمارات والسعودية الثلاثة مع بعضهم لن يتفقوا، وخاصةً الإمارات والسعودية، لأنهما لن يقبلا بأنهم يدخلوا في دائرة القيادة تحت قطر.
 ولكن يمكن للإدارة الأمريكية تحفيز الإماراتيين والسعوديين، وخاصةً أن هذا التحالف سيسمى بتحالف سُني والتحالف السُني ضد الدعم الإيراني في المنطقة، ولو رفضا فالإدارة الأمريكية تستطيع الضغط عليهما في موضوع صفقات الأسلحة. وأضاف التقرير أن هناك اعتقاد بأن الإمارات لن ترفض، وخاصةً إنها فرصة لهم للتأكيد على الاتفاقيات الإبراهيمية، ووردت جملة خبيثة في التقرير بوجود بارقة أمل أن السعودية والإمارات لن يرفضا وخاصةً أن الإمارات سترى أن هذا الموضوع فرصة للقضاء على الأذرع الإيرانية في المنطقة، ومن ناحية أخرى أن السعودية لو وافقت ستكون فرصة كبيرة ليصبح لها سواحل على البحر المتوسط.
هذا التقرير شديد السمية للشعوب العربية في حالة عدم فهم دوافعه، وأخذه بشكل سطحي وبدون وعي تقع الفتن والوقيعة؛ تخيل عزيزي القارئ أنهم يشاهدون ما يحدث كله ويخططون ويتكلمون وكأنهم متحكمين في مصائر الخلق!
السيناريو الرابع: اقترحته إيطاليا وجرى التوافق عليه من ألمانيا ومضمونه أن أنسب حل، أن قوات من حلف الناتو هي من تتولي حكم قطاع غزة، وبرروا اقتراحهم بأن الدمار الحاصل في القطاع يحتاج أن الأمم المتحدة هي التي تتولي عملية الإعمار، وبالتالي تشكل قوة دولية من حلف الناتو بإشراف الأمم المتحدة، ولو نفذ على أرض الواقع سيكون بوابة الصراع العالمي على أرض فلسطين، لأنها ستكون قاعدة من قواعد حلف الناتو على الأراضي الفلسطينية، وبالتالي مصر وروسيا وإيران لن يقبلوا بذلك.
السيناريو الخامس: قوبل بالرفض من أمريكا، ونصحت تل أبيب بعدم الاستمرار والتواجد واحتلال قطاع غزة لعدم استنزاف قدرتهم والتعرض لخسائر. والملاحظ من بين كل ذلك أنهم أخرجوا أهم طرف من أطراف المعادلة من كلامهم وهو الطرف الفلسطيني والمواطن الفلسطيني صاحب الأرض من حسابتهم، واعتبروه مختفي أو غير موجود أصلاً.   
كتاب تلك السيناريوهات فاقدي نعمة البصيرة لم يتحدث واحد منهم، وقال إن سبب كل ذلك مقاومة صاحب الأرض، وأن صاحب الحق في الأرض هو الشعب الفلسطيني المتمسك حتى الآن بأرضه.
أجهزة المخابرات الغربية وإعلام الصهيونية قسم وتحكم وحاسب وشيد ما يصبوا إليه في تقارير، وتجاهلوا أهم طرف في المعادلة ولن يكون هناك استقرار وسلام حقيقي إلا بحل الدولتين بشكل عادل، لتكون دولة فلسطين بإدارة وحكم أبناءها، بإرادة شعبية في دولة حقيقية لها جيش وشرطة لحماية أمنها الخارجي والداخلي، ولها مواردها الاقتصادية تسيطر على آبار وحقول الغاز بسواحل علي المتوسط، لتساعدها في النهوض بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية والاستقرار الأمني والمعيشة في سلام.
«نصر الله شعب فلسطين ووحد صفوفهم ورفع شأنهم والمجد للشهداء».

Dr.Randa
Dr.Radwa