الأربعاء 22 يناير 2025

مقالات

أدب المقاومة الفلسطيني.. سلاح جديد يدخل معركة التحرير


  • 11-12-2023 | 10:22

أ.د. خالد فهمي

طباعة
  • أ.د. خالد فهمي

● جاء ميلاد مصطلح "أدب المقاومة" في الثقافة العربية المعاصرة ناتج التقاء عناصر من روافد الثقافة الأوروبية ومن الحالة الإمبريالية التي تجسدت في الاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين
● استطاع المبدع والمثقف الفلسطيني أن يتحول بالأدب والنقد " المقاومين" إلى أن يكونا مدفعا " وصاروخا" ينطلق فيصيب العدو الغادر، ويمهد للتحرر الوطني
تبدو "المقاومة " مفهوما لحالة كلية جامعة ليستيقظ الوجدان والعقل والبدن معا، والحقيقة أن المقاومة مصطلح عابر للثقافات يتمدد ليغطي جغرافيات الفيزياء والاجتماع والسياسة والإنسانيات، يقول طوني بنييت في [ مفاتيح اصطلاحية جديدة .. معجم مصطلحات الثقافة والمجتمع ، ص 646 ]:"المقاومة في العالمين الطبيعي والاجتماعي، تمثل ما يمنع قوة أو جهة ما من التغلب تماما على أخرى"
ولعله ليس جديدا أن نقرر مع طوني بنييت ( ص 646) أن" أكثر السياقات تكرارا للحديث عن المقاومة الإنسانية عبر القرون هو الحديث عن الصراع المسلح الذي تكون فيه أحيانا له أيضا علاقة بالوسائل التقنية والنتائج لوضع تحصينات عظيمة حول النفس لمقاومة ما يقال إنهم أعداء".
وجاء ميلاد مصطلح "أدب المقاومة" في الثقافة العربية المعاصرة ناتج التقاء عناصر من روافد الثقافة الأوروبية ومن الحالة الإمبريالية التي تجسدت في الاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين، وإعلان الكيان سنة 1948م، ومن الوعي الذاتي الذي استطاع أن يصهر هذه العناصر جميعا لإعلان ميلاد هذا المصطلح.
تقول الأدبيات النقدية المعاصرة إن غسان كنفاني ( 1936-1972م) هو مولد هذا المصطلح بكتابيه:
أ-أدب المقاومة في فلسطين المحتلة ( 1948-1966م) الذي صدر سنة 1966م
ب-الأدب الفلسطيني المقاوم تحت الاحتلال ( 1948-1968م) الذي صدر سنة 1968م 
وهو ما يعني أن سك المصطلح جاء من عمق معاناة الاحتلال، وإسهاما في التحرير الذي لم يولد بعد .
ويكشف تحليل غسان كنفاني لمفهوم هذا المصطلح عن إرادة تجاوز أروقة النقد الأدبي "الباردة" التي ربما قصد بها تلك الغارقة في الأكاديمية أو المنفصلة عن الواقع
ومن ثم تحرك مصطلح" أدب المقاومة " الفلسطيني منذ إعلان ميلاده بحمولات بالغة التميز يستصحب في حركته المبادئ والأفكار التالية:
أولا- التاريخ الطويل لتطبيقات " الجهاد" في الثقافة العربية الإسلامية التراثية، 
ثانيا- الثقافة الثورية التي تكونت عناصرها من معاناة الدول التي وقعت تحت نيران الاحتلال في العصر الحديث، تقول الدكتورة رضوى عاشور في [الطريق إلى الخيمة الأخرى... دراسات في أعمال غسان كنفاني، ص18] 
"لقد كان غسان كنفاني ككل المثقفين الثوريين ببلدان آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية المرتبطين بحركات التحرر الوطني والاجتماعي لشعوبهم يعي تمام أن ... حمل القلم فقط ... ترف لا قبل لهم به؛ فالمثقف الثوري في بلدان العالم الثالث إذ يجد أمته تعاني من التركة، "الإمبريالية" الثقيلة يتقدم إليها حاملا ما يطيق من عطاء وفعل "سيكون شاعرا أو مناضلا ، ويكون مفكرا ومناضلا "، 
ثالثا- الإيمان بأن الكفاح ضد الاحتلال الصهيوني بوصفه عدوا "مركبا" يحتاج إلى أشكال متعدد لمقاومته، 
رابعا- استلهام التراث واستمثار الماضي، إيمانا بأن الأمة تملك تاريخا ماجدا يمكنها في أوقات التعثر والتراجع والوقوع في وحل الاحتلال أن تستعيد عن طريق هذا الاستلهام والاستثمار من تجاوز " الوحل" وتحقيق التحرير والانتصار وطرد المحتل، تقول رضوي عاشور في (الطريق إلى الخيمة الأخرى ، ص62) : " إن عود غسان كنفاني للماضي ليست صفة خاصة به وحده بل اتجاه عام يتكرر في الآداب والفنون التي تنشأ في ظل السعي إلى إنجاز التحرير الوطني.
خامسا- النجاح في اكتشاف الهوية الفلسطينية الحاكمة لنشاط المقاومة والمنتجة لأدب المقاومة الفلسطيني وهى الهوية المستجمعة لثلاثة أعمدة هي: 
أ-الارتباط بالسماء، واستدعاء المكون الديني الذي يؤسس ثم يعزز مواجهة العدو الصهيوني.
ب-الارتباط بالأرض، ولاسيما أن المكون الديني رسخ في الأذهان كونها الأرض المباركة التي بارك الله حولها، 
ج-الارتباط بالسلاح، ليكون عضوا في جسد المقاوم المناضل لا يتحرك بدونه
وقد استطاعت رضوى عاشور أن تضع يدها على بعض مكونات هذه الهوية عندما قالت(ص62) :" إن المنجز الأدبي لغسان كنفاني يؤكد " أن اكتشاف الهوية الفلسطينية " المقاومة " مرادف لشيئين أساسيين : الارتباط بالأرض ، وحمل السلاح" 
ومراجعة العمل المؤسس الذي كتبه غسان في هذا السياق يكشف عن وعي ظاهر بالروافد التي غذت مفهومه؛ إذ يرى غسان كنفاني:
أولا- أن أدب المقاومة العربي في الأرض المحتلة يقدم لتواريخ الأدب المقاوم في العالم نموذجا متقدما وعلاقة جديدة
ثانيا- أدب المقاومة ينهض بالأساس على مفهوم الرفض 
ثالثا- أدب المقاومة ينهض بالأساس على مفهوم التماسك بالجذور 
رابعا- أدب المقاومة بتجلياته السياسية والثقافية – هو الأرض الخصبة للمقاومة المسلحة، تقول (ص303):"أن الشكل الثقافي في المقاومة يطرح أهمية قصوى ليست أبدا أقل قيمة من المقاومة المسلحة ذاتها"
والحقيقة أن تأمل هذه النقاط المحورية في منجز غسان كنفاني النقدي الرامي إلى تأصيل مفهوم أدب المقاومة الفلسطيني يمكنه أن يصمد أمام انتقادات عدد من النقاد المعاصرين من امثال غالي شكري في كتابه [ أدب المقاومة 1970م ]، وإن نستقبل هذه الانتقادات من نافذة من يريد إنضاج المفهوم!
وتمثل أعمال الأجيال الرائدة من أدباء فلسطين أمثلة حية يمكن على ضوء تحليلها تشييد صرح " أدب المقاومة" واستجلاء خصائصه العامة العابرة للأجناس الأدبية ، وتلك الأخرى الخاصة المرتبطة بالأساس بكل جنس أدبي من شعر وقصة قصيرة، ورواية ومسرحية وأدب شعبي على حدة.
صحيح أن غسان كنفاني مثل الطليعة الرائدة، لكن منجز أسماء من مثل: معين بسيسو، ويوسف الخطيب وفدوى طوقان ومحمود درويش وغيرهم مثل المادة التي تكون منها جسم أدب المقاومة الفلسطيني الذي استطاع أن يجذب أنظار الدارسين والنقاد من كل الدائرة العربية، فظهرت أعمال نقدية تتابع وتحلل وتتعاطف مع هذه الأصوات الأدبية المقاومة في مصر ولبنان وسوريا وبقية بلدان الوطن العربي.
لقد استطاع المبدع والمثقف الفلسطيني أن يتحول بالأدب والنقد " المقاومين" إلى أن يكونا مدفعا " وصاروخا" ينطلق فيصيب العدو الغادر، ويمهد للتحرر الوطني 
 

الاكثر قراءة