الإثنين 29 ابريل 2024

النجمة محلها السماء عَصّية على الانحناء

مقالات11-12-2023 | 15:48

اعتدت رؤية بلادي من الخارج أكثر من الداخل، فالداخل دائماً وأبداً رؤيته محدودة إلى حد كبير، مُنْصَّب على التفاصيل الحياتية اليومية المتعلقة بلقمة العيش وفقط، وشؤون الأمم في ذاتها تتخطى هذا الأمر بمراحل، بل وأبعد من تلك المراحل بمراحل أخرى وكلها تصب في خانة لقمة العيش بمعناها الأشمل.

 ليست تلك الرؤية المعنوية فحسب، بل والرؤية الفعلية أيضاً، فكنت دائماً ما أفضل رحلات الطيران المسائية سواء في حالات السفر أو العودة لمصر، ذلك تفادياً لرؤية اللون الأصفر الذي يكسو مناطق القاهرة الكبرى، ما بين ضباب التلوث وعبث العشوائيات والمساحات الممتدة من المناطق العمرانية القديمة والطرق العتيقة غير الآمنة أو المؤهلة، كنت أشعر بالخجل والحزن معاً، كنت أفضل حبس حسرتي داخلي، وأداري نظراتي عن باقي المسافرين مختلسي النظرات من نوافذ الطائرة مثلي.

 بعكس رحلات الطيران المسائية التي كانت تجتمع فيها أنوار النجوم مع إضاءات القاهرة في مشهد مسرحي ساحر وخلاب، كان الأمر أشبه بما تفعله بعض ربات المنازل غير الآهلين لرعاية بيوتهن، فيقمن بإزاحة حبات الغبار أسفل السجاد، فيظهر البيت وكأنه مرتب ومنظم، وهو في حقيقة الأمر مهترئ يحتاج إلى رعاية واعتناء ونسف من الباطن وبناء آخر جديد مع ترميم ما يمكن ترميمه.

 كنت قاسية في حكمي وحلمي بأن تمنيت في نفسي أن يأتي زلزالاً يهز أركان المحروسة ويجعل من كل كل مشاهد العبث ركاماً، ليبدأ الإعمار والبنيان المنظم من جديد ويحقق لها ما تستحقه، لم ألتفت إلى أحوال وحقوق العوام في العيش عيشة كريمة إنسانية ترقَ لمستوى الكرامة، لم أكن لأتصور أن هناك حلولاً بشرية وتركت الأمر والأحلام والتمنيات لحلول السماء.

فكانت الأحلام تتحقق بين رحلة وأخرى، ذلك المشهد الطائر الذي أراه بشكل رأسي من سماء القاهرة، يوازيه مشهد أفقي أحياه على الأرض، في تناغم وانسجام رائع تكسوه أحلام الأمة التي كانت قد فقدت إنسانيتها وكرامتها لعقود، تلك الأحلام التي كانت الدافع الأقوى والأعز لصانع الصحوة والعزيمة والإرادة وأصبحت واقعاً، فجعلت من المشهد نقيضه في غضون بضع سنوات، كانت لتصبح نصفها لولا عسر الأقدار من حروب وأوبئة.

   تداولها الأجداد على مر العقود "اللي ما يشوف من الغربال يبقى ...." كفانا الله شر عما القلب والعين والروح، فكلما سمعت عن وقع حروف بلادي في نفوس الجيران والأشقاء وكل من تخطت حدود بلاده جغرافيا بلادي بأميال، زاد فخري واعتزازي، وثقتي بمن وضعنا فيه ثقتنا، رمز النجمة صانع كل ذي طيب وأصيل، زارع الأخضر، معمر اليابس، حافظ الأمان، رادع الخطر، عطية الإله للكنانة.

 لك منا كل السلام والأمان، وألهمك الصبر والحكمة والتوازن على اختبار المكان والمكانة...

Dr.Randa
Dr.Radwa