الإثنين 25 نوفمبر 2024

مقالات

من وثائق الإبداع المعاصر في تصوير مأساة القدس وفلسطين


  • 12-12-2023 | 09:29

أ.د صابر عبد الدايم يونس

طباعة
  • أ.د. صابر عبد الدايم يونس

● لم يستأثر الشعراء وحدهم بأدب المقاومة، ولكن الروائيين وكتاب القصة العرب لهم تجاربهم الإبداعية التي تصور جوانب كثيرة من نضال الأبطال وتضحيات الشهداء
● يمر ديوان الشعر العربي الحديث بكثير من التجارب الشعرية الفياضة بتصوير نبض المقاومة وتحدي الجبروت الصهيوني والطغيان العالمي وهيمنة القطب الواحد
● القدس وغزه وفلسطين بأسرها ستظل مشاعل متوهجة  متقدة في قلوب أبناء هذه الأمة المخلصين. وما زلنا جميعا نقف صامدين في وجه الغزاه المحتلين

اولا- حول أهمية أدب المقاومة ورموزها من المبدعين:
إن أدب المقاومة يعد من أقوى الأسلحة التي يواجه بها الشعوب المناضله فلول المعتدين الغاصبين.  فهو يثير المشاعر ويوقظ العزائم ويشحذ الإرادات ويبدد كل بوادر اليأس والمعوقات.  وحول أهمية أدب المقاومة في رصد مأساه القدس وغزة والقضية الفلسطينية بصفة عامة يقول د.عطا الله أبو السمح وزير الثقافة الفلسطيني بمجله دبي الثقافيه  يونيو 2006: "ومن طبيعه الأشياء إن لكل مرحلة سماتها ورجالها ووسائل إعلامها وتوصل للقارئ والمستمع والمشاهد الصدى والوجع الفلسطيني والظلم والاستبداد الواقعين على شعبنا وعلى حقوقه المهدرة".
وأدب المقاومة لم يستأثر به الشعراء فقط ولكن الروائيين وكتاب القصة العرب لهم تجاربهم الإبداعية التي تصور جوانب كثيرة من نضال الأبطال وتضحيات الشهداء وترصد جوانب من  مأساه القدس والأرض المحتلة وتصور الصراع بين العرب والصهاينة حول القدس وغزه وأرض فلسطين كلها.
ومن رواد ادب المقاومه الروائيين الذين رصدوا الهم الفلسطيني ونقشوا تفاصيله في أدبهم الروائي جبرا إبراهيم جبرا  في رواياته: "صراخ في ليل طويل" و"السفينة" و"البحث  عن وليد مسعود". وروايات غسان كنفاني لها بصماتها وآثارها الغائرة في هذا المضمار ومنها: " رجال في الشمس" و"ما تبقى لكم".
ومن الروايات العربية التي تعد في الطليعة من أدب المقاومه: " طريق العودة" ليوسف السباعي و"أرض الأنبياء" لنجيب الكيلاني و"عرس فلسطين" لأديب نحوي و"الخرز الملون" للأديب المصري محمد سلماوي، وروايه "ملف الحادثه 67" للكاتب الكويتي إسماعيل فهد إسماعيل. والأديب نجيب الكيلاني أبدع ثلاث روايات رصد فيها قيام دوله إسرائيل ومحاولات اغتصابها للقدس وتجسيد الطريق إلى المقاومه واسترداد الحق السليم، والروايات هي: "ارض الأنبياء" و"دم لفطير صهيون" و"عمر يظهر في القدس".
وإن اختيار عمر رمز للقائد المنتصر كما يقول د. حلمى القاعود يؤكد توفيق الكاتب في التعبير عن وجدان الأمة وعن إرادتها.  اختيار القدس مكانا لأحداث الرواية يؤكد نجاح الكاتب في استفزاز ضمير الأمة من أخواتها لإنقاذ الأرض المقدسة مهما كان الثمن ومهما كانت التضحيات.
وقد كتبها المؤلف عقب هزيمة يونيو 1967.
ثانيا- أهمية القدس في مسيرة القضية الفلسطينية تاريخا وواقعا:
في سياق  رصد تطور مواقف الشعراء وتصويرهم لمأساه القدس والقضية الفلسطينية يؤكد د. محمد سالمان فى كتابه فلسطين في الشعر المصري المعاصر أهميه القدس  فهي تعد المحور الرئيسي في ميدان الصراع بين الصهيونية والأمة العربية. حيث يقول في صدارة مقدمة الكتاب: "شرفت فلسطين دون بلاد العالم بمدينة القدس التي حوت الكثير من اثار ديانات السماء على مر العصور حتى أصبحت مقدسة بكل ما فيها ومن فيها  معتزة بتاريخها متفردة بمن أمها من أنبياء ومن عاش فيها من الفقهاء والعلماء ومن دفن فيها من أولياء ومن فتحها من قادة عظام وفوق هذا كانت قبلة المسيحيين كما كانت قبله المسلمين الأولى".
وما زال الصهاينة الغزاة يزعمون ان لهم في فلسطين حقا تاريخيا، فهي كما يدعون أرضهم التي سكنوها قبل أن يسكنها العرب وأقاموا بها. ولكن التاريخ يؤكد عكس ذلك كما يقول د. حسن ظاظا في كتابه "الصهيونيةالعالمية  وإسرائيل" فإن شعب فلسطيني ينحدر من اصول عربية أصيلة. وقد تتابعت هجرات القبائل العربية من شبه الجزيرة العربية إلى فلسطين في أواخر القرن الرابع قبل الميلاد وأوائل القرن الثالث وذلك طمعا في رغد العيش بعدما عانت طويلا من شظفة وقلة الموارد.  فهاجرت القبائل العربية إلى فلسطين من أزمان بعيدة ومن تلك القبائل التي سكنت فلسطين حوالي سنه 2500 قبل الميلاد "الكنعانيون" وهي  قبيله سامية وقد سميت البلاد نسبة إليهم فأطلق على أرض فلسطين أرض كنعان وكان ذلك قبل ان يسكنها العبرانيون وقد حكم الكنانيون فلسطين ما يقرب من 1500 عام.
وكذلك جاءت إلى فلسطين قبيله الأنباط وهي أيضا عربية وقد أقاموا مملكتهم في هذه المنطقة وقد ضمت شرق الأردن وجنوب فلسطين وكانت عاصمتهم "بطرا" والتي يسميها العرب "سلع" وهي الرقيم الذي يقع اليوم في وادي موسى بالأردن، كما يقول دكتور ناصر الدين الأسد في كتابه "الاتجاهات الأدبيه في فلسطين والأردن"، وكذلك جاءت قبيلة الغساسنه وهي قبيلة عربيه هاجرت من بلاد اليمن عقب انهيار سد مأرب وقد بسطوا نفوذهم على تلك المنطقة.
وفي ضوء هذه الحقائق التي تدمر وتضحد كل اكاذيب الصهاينة يقول محمد علوبة باشا صاحب كتاب "فلسطين والضمير الإنساني": "أنها لوصمة تلطخ جبين الإنسانية وتهز الشعور والضمير العالميين وفضيحة لا تليق بحضارة العصر ومدنية القرن العشرين أن تتواطأ بعض حكومات الأمم الحرة التي تدعي الحضاره على طرد شعب المتجانس من موطن آبائه وأجداده ليحل محله أناس من شذاذ الأرض مختلف المذاهب والأجناس واللغات والثقافات والعادات والتقاليد والأمزجه وسيسجل التاريخ هذا الجرم الفاحش الذي يرتد بالجنس البشري إلى أحمق تصرفات الهمج في ظل قانون الغاب.
إن أفظع الجرائم التي يسجلها التاريخ ليست اعتداء فرد على فرد أو استبداد قبيلة بقبيلة أو إخضاع شعب لشعب وإنما هي طرد أمة آمنة من وطنها دفعة واحدة ونهب أموالها وتقتيل أفرادها ورجالا ونساء وأطفالا وتشريد ما بقي منهم وهو ما وقع في هذا العصر الذي يسمونه عصر النور".
ثالثا- فلسطين والقدس وغزه في عيون الشعراء:
إن ديوان الشعر العربي الحديث يمر بكثير من التجارب الشعرية الفياضة بتصوير نبض المقاومة وتحدي الجبروت الصهيوني والطغيان العالمي وهيمنه القطب الواحد. ومن رواد أدب المقاومة الشاعر سميح القاسم ومحمود درويش وأحمد مطر ومظفر النواب ومن قبلهم كان الجيل الذي تلقى صدمة النكبة. وقوموا بكل أساليب القوة البيانية والعزائم التي لا تلين ولا تهادن وفي مقدمتهم إبراهيم طوقان وأبو سلمى عبد الكريم الكرمي و عبد الرحيم محمود وفدوى طوقان وما زالت أجيال المقاومه تتوالى كالأمواج الهادرة وفي صدارة هؤلاء الشعراء المقاومين للتسلط الصهيوني، الشعراء المصريون ويرصد صاحب كتاب فلسطين في الشعر المصري المعاصر أبعاد تجارب الشعراء في ظل التطور التاريخي لمسارات القضية الفلسطينية وتصاعد أحداث وموجات الصراع بين الصهاينة المحتلين وبين المقاومين من اهل فلسطين والأمتين العربية والإسلامية.
ومسارات الرؤية تشكلها هذه المحاور في تجارب الشعراء المصريين:
أ- صوره اللاجئين في الشعر وأبعاد المأساه.
ب-  شعر الاستنفار والحث على الثورة ضد المحتل الغاشم.
ج-  القضية بين تحديات الحرب ولغة السلام.
وفي سياق الكشف عن أبعاد المأساه يربط المؤلف دكتور محمد سالمان بين الأحداث التاريخية وتجارب الشعراء كاشفا عن المواجهة الحادة التي بدأها الشعراء المصريون تجاه قرار التقسيم الذي صدر في 29 نوفمبر 1947 وصوتت الدول العربية ضده، ولكنه أجيز في الأمم المتحدة بأغلبية 33 دولة مقابل 13 دولة رافضة وامتناع عشر دول عن التصويت. وثار الشعراء العرب والمصريون على الأمم المتحدة ومجلس الأمن وما زالوا ثائرين رافضين لكل محاولات التهويد والتهجير القسري وثار المجاهدون في فلسطين والدول العربية واستشهد الزعيم عبد القادر الحسيني في موقعة القسطل  فرثاه وحياه الشاعر المصري أحمد مخيمر بقصيده مشبوبة بالعاطفة متقدة الحماس يقول فيها:
نلت الشهادة فاهنأ أيها البطل
بمثل عزمك تبني مجدها الدول
يا حامي القدس من كيد يراد به
خلا العرين ومات الضيغم البطل
أغناك عزمك عن نظم وعن خطب
فلم تزل بلسان السيف ترتجل
ويصور الشعراء مأساة اللاجئين الذين طردوا من القدس ومن كل أنحاء فلسطين، ومن هذه التجارب تجربة الشاعر الناقد الدكتور أحمد هيكل حيث يقول:
يا حيارى تحت أسمال الخيام
لفهم ألف ظلام وظلام
حرموا الموطن والبيت الذي
بات نهبا للصهاينة الطغاة
حرموا الأرض التي قد فرشت
برفات الأهل من تحت الرغام
واستدعاء الذكريات واستحضار ملامح المكان ومشاهد الصبا والطفولة من سمات بعض التجارب التي قدمها الشعراء المصريون في تصوير مأساة اللاجئين المبعدين عن القدس وغزه ويافا وغيرها.
ومن هذه التجارب تجربة الشاعر المصري عبد المنعم عواد يوسف في ديوانه "عناق الشمس- 1966" يقول الشاعر:
قال لي والدمع في عينيه أنهار سخية
من فلسطين أنا من هذه الأرض الشقية
ها هنا قد كان لي بيت وبستان صغير
كان لي حقل ونير
 ينبت الحقل الوفير
 كان لي زوج حنون
 تملأ الأرجاء نور
 كان لي طفل صغير 
يترع النفس سرور
وأهم السمات التي تميز شعر المقاومة التي صور الشعراء من خلال مأساة اللاجئين والمهجرين قسرا ومأساة القدس الشريف كما يحددها مؤلف كتاب فلسطين في الشعر المصري المعاصر:
أ-  صدق الانفعال وتوهج المشاعر وقله العنصر الفكري.
ب-  سيطره الأسلوب الخطابي والصيغ التقديريه في الخطاب الشعري.
ج-  سهوله الألفاظ والبعد عن استعمال غريب اللغة.
د-  استرجاع الماضي وخاصه مشاهد البيت والزرع والإكثار من شاعر الحنين.
ه-  التفاؤل بالعوده وعدم فقدان الأمل في تحرير الأرض.
وخير من يصور ذلك الشاعر علي محمود طه في قصيدته أنشودة فلسطين التي يقول فيها:
أخي جاوز الظالمون المدى
فحق الجهاد وحق الفدى
أن أتركهم يغصبون العروبة
مجد الإبوة والسؤددا
أخي إن في القدس أختا لنا
أعد لها الذابحون المدى
أخي قم إلى قبلة المشرقين
لنحمي الكنيسة والمسجدا
والشاعر عبد الله شمس الدين صاحب نشيد الله أكبر فوق كيد المعتدي يقسم بأنه سيعود للأرض ويشهد ميلاد الفجر المرتقب:
أقسمت بالقدس الشريف وبالحطيم وزمزم
وبكل شبر في ثراك وكل حق أيتم
وبدمع كل اللاجئين وبالخيام الجثم
بضراعة الشيخ وعزمة البطل الكمي
سندك إسرائيل دكا رغم كل تقدم
القدس وغزه وفلسطين بأسرها ستظل مشاعل متوهجة  متقدة في قلوب أبناء هذه الأمة المخلصين. والمبدعون  ما زالوا يقدمون جهادهم ومقاومتهم بالكلمة المبدعه في لوحات ناطقه بالتفرد اللغوي والأسلوبى والتصويري.
وما زلنا جميعا نقف صامدين في وجه الغزاة المحتلين ونردد مع الشاهد المصري محمود حسن إسماعيل وهو يدافع عن فلسطين ويعلن المقاومة حتى التحرير والنصر أو الشهادة ويقول:
سيظل ينهش في عروق ثارها
وحتى تكبر للصباح ديارها
حتى يعود الليل فوق ترابها
أشلاء ليل شب فيه نهارها
حتى يداهمها الضحى بيمينه
وبها يفك من القيود اسارها 
حتى يراق دمي على جنباتها
وبه من التاريخ يغسل عارها
حتى يهلل فرحة شهدائها 
للنور يحمل فجره أحرارها
رحم الله الشهداء الأبطال وأمد بجند من عنده المقاومين الصناديد الشرفاء.
 

أخبار الساعة

الاكثر قراءة