الخميس 16 مايو 2024

ارتفاع الأسعار بين جشع التجار.. ومافيا الاحتكارات.. وغياب التخطيط

22-2-2017 | 13:27

بقلم –  محمد الشافعى

أصيبت كل أسعار السلع في مصر.. بحالة من (السعار) المجنون.. وراحت تنهش جيوب وبيوت المصريين.. على كافة مستوياتهم وطبقاتهم.. وخاصة الغلابة والبسطاء الذين يعيشون تحت خط الفقر وحوله.. فراحوا يتألمون في صمت.. ويأملون في أن تتعاطى حكومتنا السنية (حبوب الشجاعة.. (للوقوف في وجه جشع التجار.. وفساد بعض العاملين في الهيئات والمؤسسات التي تشرف على السياسات التموينية.

 

وقد استبشرت قطاعات كبيرة من المصريين بالتراجع الذي حدث للدولار خلال الأيام الماضية.. وتنفسوا الصعداء استعداداً لهبوط مواز في أسعار السلع.. ولكن المفاجأة أن (مافيا الاحتكارات) عملت على مواصلة الزيادة في الأسعار.. أمام عجز شديد الوضوح من الحكومة.. والتي لم تستطع حتى الآن الضرب بيد القانون الحديدية.. على يد هؤلاء المحتكرين والجشعين.. وفي نفس الوقت لم تستطع تقديم البديل الرادع.. للتخفيف عن المواطنين.. وكسر أنياب الجشع والاحتكار. وزاد الأمر سوءًا بارتفاع معدلات التضخم إلى ٣٠٪ كما أعلنت الحكومة، والغريب أن نرى هذا (العجز الحكومي).. رغم أن (روشتة) القضاء على الجشع والاحتكار سهلة وميسرة.. ويمكن أن نتوقف أمام أهم ملامحها فيما يلي: -

أولاً: حتمية الضرب بيد من حديد للقضاء على (مافيا الاحتكارات.. (فلا يمكن أن يستمر احتكار بعض التجار لاستيراد القمح.. والبعض الآخر يحتكر استيراد اللحوم.. والبعض الآخر يحتكر استيراد السكر.. والبعض الآخر يحتكر استيراد الذرة الصفراء.. وهكذا في كل السلع المهمة وخاصة المتعلقة بحياة ومعيشة المصريين.. مثل المواد الغذائية التي نستورد منها أكثر من ٧٠٪.. ولن يتم القضاء على تلك المافيا إلا بعودة الدولة لاستيراد الجزء الأكبر من هذه السلع..

ثانياً: ليس عيبا أن نعود إلى آلية (مجلس التسليع) .. التي كانت موجودة أيام الزعيم جمال عبدالناصر.. وسوف يصرخ دراويش ما يسمى (الاقتصاد الحر).. بأن آليات هذا السوق تمنع فرض (التسعيرة الجبرية).. ونحن لا نطالب بمثل هذه التسعيرة.. ولكننا نطالب بوجود لجان فنية محترمة.. تعمل على تقديم حساب دقيق ومنضبط للتكلفة النهائية لاستيراد أو إنتاج أي سلعة.. وتقديم هذه الحسابات إلى الجهات المسئولة.. لمطالبة المستورد أو المنتج بهامش ربح(معقول).

ثالثاً: قبل أن يصرخ دراويش الاقتصاد الحر.. بأن آلياتهم تمنع وجود مثل هذا (الهامش المعقول) للربح.. نؤكد لهم أن (عتاة الرأسمالية) في كل دول العالم.. يخضعون لمثل هذا الهامش.. والذي يتراوح ما بين ١٥-٢٥٪ فقط وعلى الأكثر يمكن أن يصل إلى ٣٠٪وفي أزمة الدواء الأخيرة والتي دارت ما بين نقابة الصيادلة بإعطاء شركات الأدوية هامش ربح ٣٠٠٪ وقال أعضاء النقابة إن بعض هذه الشركات تحصل على ربح ٢٠٠٠ ٪ وهذا الكلام منشور .. وموجود في العديد من البرامج التليفزيونية وعلى الدولة أن تؤكد هيبتها.. وألا تخضع لابتزاز وضغط دراويش الرأسمالية.

رابعاً: ذهب وزير التموين الأسبق خالد حنفي .. إلى دعم ومساندة (المولات الضخمة).. بإعطائها الكثير من التسهيلات.. وكان الأولى به وبالحكومة المصرية كلها .. التوسع في إنشاء الجمعيات التعاونية الاستهلاكية.. لكي تصل إلى كل قرية ونجع ووسط الأحياء الشعبية.. على أن تتواجد كل السلع في تلك الجمعيات بشكل دائم ومستمر.. مع وضع ضوابط صارمة لبيع هذه السلع.. حتى لا تتسرب إلى (المولات) الكبيرة ومحلات (السوبر ماركت).

خامساً: الرقابة الحقيقية والفاعلة على كل مسارات السلع التموينية.. لكي يتم ضبط إيقاع كل أطرافها.. تلك الرقابة التي تهدف إلى وصول تلك السلع إلى مستحقيها.. والأهم كشف ومحاسبة كل الفاسدين الذين يسعون إلى تحقيق مكاسب شخصية حتى لو كان ذلك على جثة (المواطن الغلبان).

سادساً: وضع استراتيجية مستنيرة وبصيرة.. للسياسات الزراعية في مصر.. فليس من المعقول أن نكون أكثر الدول استيراداً للقمح والفول والعدس والذرة الصفراء وزيت الطعام.. إلخ، ونحن الدولة التي علمت الدنيا كلها فنون الزراعة.. وكنا ذات يوم (صومعة غلال) العالم.. وكانت هباتنا وعطايانا تصل إلى كل مكان في العالم.. الجزيرة العربية.. وإفريقيا وآسيا وحتى أوربا.

ومثل هذه الاستراتيجية تحتاج إلى إرادة سياسية.. وتكليف واضح المعالم لمراكز البحوث الزراعية.. لدراسة هذه المشاكل الملحة..والعمل على تقديم حلول حاسمة خلال عام أو عامين على الأكثر.

سابعاً: البدء فوراً في عملية واسعة للتنمية الصناعية.. على أن تقام هذه المصانع بالقرب من مصادر الخامات.. أي في الصحراء (وما أكثرها في مصر) أو على أطراف المدن.

وذلك لتحقيق العديد من الأهداف.. أهمها خلق فرص عمل حقيقية ومقاومة شبح البطالة والذي مازال يدور حول رقم ١٢.٥٪ والأهم إنتاج العديد من السلع .. والتي إما يتم تصديرها للحصول على الدولار.. أو حتى استهلاكها محلياً لتوفير الدولار الذي نشتري به السلع المثيلة.. ويمكن لهذه المصانع الجديدة أن تعمل على (خلخلة) الكتل السكانية.. الموجودة في المدن الكبيرة وخاصة القاهرة الكبرى.. وذلك من خلال خلق فرص عمل ومكان للسكن.. ولعل استلهام أو استنساخ تجربة (مجمع الألومنيوم) الذي أنشأه الزعيم جمال عبدالناصر.. تمثل (فرض عين) على الحكومة المصرية.. لمحاولة الخروج من النفق المظلم.. والذي استطال بأكثر مما يجب.

وفي النهاية فإن هذه (الروشتة) التي قدمنا أهم ملامحها.. تحمل مجموعة من الخطط العاجلة.. مثل مقاومة مافيا الاحتكارات وجشع التجار.. بتحديد هامش ربح معقول.. كما تحمل بعض الخطط متوسطة الأجل.. مثل استراتيجية السياسات الزراعية والتنمية الصناعية.. أي أن النتائج يمكن أن يتحقق بعضها فوراً.. وبعضها يحتاج إلى ثلاث سنوات على الأكثر.. ويظل السؤال الأهم هل تمتلك الحكومة إرادة الفعل والتنفيذ؟