الخميس 9 مايو 2024

منصات الخيانة عندما قرر الإخوان التنازل عن سيناء


محمد الباز

مقالات14-12-2023 | 10:50

محمد الباز

• كانت تعبيرات وجه هانى محمود وهو يروى لى ما حدث تؤكد صدمته، لكننى لم أجد فيما قاله شيئا غريبا على الإطلاق، فالجماعة التى تعتبر الوطن ليس إلا حفنة من تراب عفن
• الهباش: لقد حذر أبو مازن محمد مرسى بشكل واضح من تنفيذ المخطط، وقال له: نحن لا نريد أن نحل القضية الفلسطينية على حساب مصر، وخرج من حواره مع مرسى قائلا: هذه خيانة
• قالت مجلة فورين بوليسى" إن فكرة التهجير لاقت قبولا كبيرا لدى أعضاء من حركة حماس الذين قرروا عقد اجتماعات مع الإخوان المسلمين فى مصر للاتفاق والبحث عن صياغة لإخراج الخطة إلى العلن"
• ما يلفت انتباهنا فى قصة خيانة الإخوان أن ما قررته الجماعة بشأن سيناء لم يكن سرا بل حاولت تمريره عبر تصريحات علنية حرصت على نشرها على أوسع نطاق
• لم يتحمس المسئولون فى إدارة أوباما لتنفيذ المخطط فى وجود مبارك، فقد سبق أن عرض عليه المشروع ورفض بإصرار، وهو ما يعنى أنه لن يتجاوب مع الأمر مهما كانت الإغراءات

لم يكن أمامى إلا أن أندهش من دهشة ضيفى الدكتور هانى محمود وزير الاتصالات فى حكومة هشام قنديل الإخوانية، والذى تولى بعد ذلك وزارة التنمية الإدارية فى حكومة الدكتور حازم الببلاوى بعد ثورة 30 يونيو. 
كان الدكتور هانى ضيفى فى الموسم الرابع من برنامج " الشاهد" الذى خصصته لجمع شهادات صناع التجربة المصرية فى السنوات التى أعقبت ثورة 30 يونيو، وكان يعدد لى أسباب قراره بالاستقالة من هذه حكومة هشام قنديل الإخوانية بعد شهور قليلة من عمله بها. 
من بين الأسباب التى دفعت الدكتور هانى إلى الاستقالة – كما قال لى – أنه اكتشف أن ولاء وزراء الإخوان الوحيد للجماعة، لا يحملون فى قلوبهم ذرة ولاء واحدة للوطن، وهو ما كان مفزعا له، فكيف يعيش مواطن مصرى على هذه الأرض ولا يولى وجهه شطر وطنه فقط، كيف يشاركه فى حبه لوطنه كيان آخر؟ 
لم يكن ما قاله هانى محمود مستندا إلى تحليل أو حتى شعور عابر، ولكن جرى ما أكد له ما يذهب إليه، فقد جرى بينه وبين أحد وزراء الإخوان حوارا حول مسألة الحدود. 
قال له الوزير الإخوانى: لماذا تتحدثون عن الحدود بكل هذه القدسية؟ هل تعرف أن هذه الحدود بين دولنا وضعها الاستعمار الذى كان يريد تفتيت دولنا، وعلينا أن نعيد النظر فى هذه الحدود، فلا معنى أبدا لأن تكون موجودة بعد اليوم، إننا بالإبقاء عليها ننفذ ما أراده لنا الاستعمار، لابد أن نلغى هذه الحدود كلها. 
اعتبر هانى محمود أن ما يقوله الوزير الإخوانى مجرد رؤية نظرية يطرحها فى نقاش يجمع بينهما على هامش اجتماعات مجلس الوزراء، لم يكن يعتقد أنه يتحدث عن منهج لدى الجماعة، يمكنها أن تسعى إلى تطبيقه إذا ما تمكنت وفرضت سيطرتها، لكنه تأكد أن ما قاله الوزير الإخوانى كان خطة كاملة تنتظر الوقت المناسب للانطلاق وهو يتابع أحداث غزة التى تعاقبت بعد عملية " طوفان الأقصى" فى 7 أكتوبر 2023، عندما قرأ على صفحات إخوانية عبر السوشيال ميديا عدم ممانعتهم لنقل الفلسطينيين إلى سيناء، على اعتبار أن الحدود بيننا وبينها ليست إلا من صناعة الاستعمار.
كانت تعبيرات وجه هانى محمود وهو يروى لى ما حدث تؤكد صدمته، لكننى لم أجد فيما قاله شيئا غريبا على الإطلاق، فالجماعة التى تعتبر الوطن ليس إلا حفنة من تراب عفن كما عبر عن ذلك منظرهم الأكبر سيد قطب، لن يكون لديها أى موانع لا وطنية ولا أخلاقية تحول بينها وبين التنازل عن أرض هذا الوطن. 
لقد خرجت رؤية الإخوان للوطن والحدود من مساحة النظرية إلى منطقة التطبيق، وكانت الأرض التى طبقت عليها فكرتها هى سيناء. 
فى مارس 2015 كان محمود الهباش قاضى قضاة فلسطين ووزير أوقافها السابق ومستشار الرئيس الفلسطينى محمود عباس أبو مازن يزور القاهرة، وفى غرفته بفندق "كونراد" على نيل القاهرة جلست إليه، ورغم أن الملفات كانت كثيرة، إلا أننى بدأت معه من النقطة التى كانت تشغلنى. 
قلت له: أنت تعرف جيدا ما يقال عن خطة توطين الغزاوية فى سيناء، وهى خطة عالمية يقصدون من خلالها حل القضية الفلسطينية على حساب سيناء، وأعرف أن هناك فى الكواليس ما يدور حول هذه القضية تحديدا، ما الذى لديك لتقوله؟ 

كان الهباش صريحا جدا، قال: هذا مخطط معروف ومعلن بالفعل، ولا يمكن لأحد من أى جانب أن ينكره، ودعنى أكشف لك عن أن هذا المخطط كان محورا للحديث بين الرئيس أبو مازن ومحمد مرسى فى واحد من لقاءاتهما معا، والمفاجأة أن محمد مرسى كان مترددا جدا، ولم يكشف لنا عن حقيقة نيته، وهو ما جعلنا نخشى أن يكون نظام محمد مرسى سيسعى إلى تنفيذ المخطط، فهو لم يكن حاسما، ولكن قال كلاما مبهما، فهمنا أن هناك خطوات على الأرض لتنفيذ ما كنا نرفضه من سنين طويلة. 

يروى الهباش ما جرى بعد ذلك: لقد حذر أبو مازن محمد مرسى بشكل واضح من تنفيذ المخطط، وقال له: نحن لا نريد أن نحل القضية الفلسطينية على حساب مصر، فهذا حل لن يكون عمليا، ولن ترضى به الأطراف المعنية، لكنه وجد فى المقابل حالة من اللامبالاة والتردد فى موقف مرسى، وكأنه كان يريد أن يقول له بشكل واضح: وماله، بل كانت مفاجأة عندما قال مرسى ردا على تخوفات أبو مازن من تنفيذ المخطط: هنشوف. 
سألت الهباش: وماذا كان موقف أبو مازن؟ 

قال: كان أبو مازن فى قمة الغضب، وبعد أن خرج من حواره مع مرسى قال بوضوح: هذه خيانة، ولن نقبل بدولة فلسطينية من دون غزة. 

لم يعلق أحد من الإخوان على ما قاله الهباش الذى كان يروى لى ما جرى نقلا عن الرئيس الفلسطينى، الذى كشف ما لديه ولكن بعد ما يقرب من ثلاث سنوات. 
 ففى 1 مايو 2018 كان أبو مازن يتحدث أمام المجلس الوطنى الفلسطينى، ومن بين ما قاله أنه رفض عرضا من الرئيس المصرى السابق محمد مرسى بالحصول على قطعة من سيناء لتوطين الفلسطينيين بها، لكنه رفض المشروع لأنه إسرائيلى ويهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية تماما. 

عباس – كما قال – أخبر مرسى أن الفلسطينيين لن يتركوا أرضهم ليعيشوا على أراضى الغير، وأنهم لن يأخذوا أى سنتيمتر واحد من أرض مصر. 
وضع أبو مازن ما قاله له محمد مرسى فى سياقه، فقد أشار إلى أن مشروع توطين الفلسطينيين بسيناء كان مطروحا للتشاور بين حركة حماس وإسرائيل لاقتطاع 1000 كيلو متر من أراضى سيناء لتوسيع قطاع غزة. 

المدهش والمفزع فى آن واحد، أن محمد مرسى عاتب أبو مازن بشدة على رفضه للعرض الذى قدمه إليه، وقال له بعاميته اللامبالية لخطورة ما يقوله: وأنت مالك أنت... هتاخد أرض وتوسع غزة. 

المفاجأة أن تفاعل محمد مرسى مع مشروع توطين الفلسطينيين فى غزة لم يبدأ بعد وصوله إلى حكم مصر، ولكن كان على أجندته قبل أحداث 25 يناير 2011. 
وهنا أستعين بما صرح به مصدر أمنى مسئول إلى موقع " العربية. نت" حيث ذهب إلى أن مقترح إسرائيل بتوطين أهالى غزة إلى سيناء كاد أن يخرج إلى النور فعليا خلال عهد الإخوان. 
ويدلل المصدر الأمنى على ما يقوله بأن القوة الأمنية التى داهمت منزل الرئيس الإخوانى المعزول محمد مرسى ليلة القبض عليه – جرى هذا فى 27 يناير 2011 – وإيداعه مع قيادات الإخوان سجن وادى النطرون كإجراء استباقى، عثرت على ورقة بخط مرسى مكونة من 8 بنود يبدو أنه تلقاها تليفونيا من مسئول كبير فى الجماعة قبل القبض عليه ودونها فى تلك الورقة. 
الورقة التى كتبها مرسى بخط يده ووقعت فى يد القوة الأمنية كان بها سيناريو المخطط الذى كان يستهدفه الإخوان ومن وراءهم من خلال أحداث يناير 2011 تفصيليا، ومنها اقتحام السجون وإخراج عناصر حماس وحزب الله، ومعارك ميدان التحرير، وإقالة الحكومة والإطاحة بنظام حسنى مبارك، وكان البندان السابع والثامن مفاجأة حيث تضمن البند السابع دخول عناصر حماس ومواطنى غزة سيناء وتوطينهم بها، فيما كان البند الثامن هو دخول إسرائيل إلى سيناء. 
لم تكن خطة التوطين التى وافق عليها الإخوان إسرائيلية فقط، كانت هناك أطراف دولية فاعلة وساعية إلى تنفيذ الخطة، وهو ما كشفه تقرير نشرته " فورين بوليسى" الأمريكية فى أواخر العام 2013. 
تقرير المجلة الأمريكية القريبة من دوائر صنع القرار فى الولايات المتحدة أشار إلى أن وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى حمل عرضا خلال زيارته إلى مصر قبل عزل محمد مرسى ببضعة شهور، يقضى بموافقة كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وبعض دول الاتحاد الأوروبي على إلغاء الديون الخارجية على مصر، مقابل السماح بتوطين فلسطينى الشتات بسيناء. 
المجلة أضافت أن الفكرة لاقت قبولا كبيرا لدى أعضاء من حركة حماس الذين قرروا عقد اجتماعات مع الإخوان المسلمين فى مصر للاتفاق على التفاصيل والبحث عن صياغة لإخراج الخطة إلى العلن وإقناع الراى العام بها. 
تقرير " الفورين بوليسى" أشار إلى أن الخطة كانت قد دخلت مرحلة التنفيذ بالفعل من خلال إجراء قامت به إسرائيل التى بدأت فى تدوين جملة " قطاع غزة وسيناء" فى خانة المولد فى تصريحات عبور الفلسطينيين. 
فى 2010 كان وصل إلى إدارة الرئيس أوباما تفاصيل الخطة التى تسعى إسرائيل إلى تنفيذها، وهى الخطة التى أطلقوا عليها " البدائل الإقليمية لفكرة دولتين لشعبين"... وهى الخطة التى كانت تشير إلى إقامة دولة "غزة الكبرى" وذلك عن طريق فصل قطاع غزة عن الجسد الفلسطينى وإضافة حوالى 720 كيلو مترا من الأراضى المصرية، تبدأ تحديدا من الحدود المصرية مع غزة حتى حدود مدينة العريش عند قرية " الريسة المصرية" وبعمق حوالى 30 كيلو متر. 
لم يتحمس المسئولون فى إدارة أوباما لتنفيذ المخطط فى وجود مبارك، فقد سبق أن عرض عليه المشروع ورفض بإصرار، وهو ما يعنى أنه لن يتجاوب مع الأمر مهما كانت الإغراءات، لكن الغريب كان فى نص الرد الذى جاء من الإدارة الأمريكية إلى إسرائيل، حيث كان الرد نصا: انتظروا عندما ياتى وريث مبارك. 
كانت الإدارة الأمريكية تعلن ببساطة أن وريث مبارك سيكون هو من ينفذ المخطط، معنى ذلك أنها كانت تعرف هذا الوريث، بل وتعرف أنه على استعداد لتنفيذ المخطط، ورغم أن الرد كان مبهما إلى درجة كبيرة وقتها، إلا أن الإدارة الأمريكية كانت فيما يبدو تعرف من هو الوريث على وجه التحديد، ولم يكن بعيدا أنها كانت تشارك فى صناعة هذا الوريث على عينها، وقد اتضح الأمر بعد أن وصلت جماعة الإخوان إلى السلطة فى مصر بدعم وتأييد ومساندة من الإدارة الأمريكية. 
فى الشهور الأولى من حكم محمد مرسى كان قد حصل حوالى سبعة آلاف من المقربين لحماس على الجنسية المصرية، وهؤلاء أصبح من حقهم أن يعيشوا فى مصر بشكل طبيعى. 
هذا الإجراء الذى لم يكن مفهوما وقتها، استحضر أيضا ما جرى خلال أحداث يناير 2011 ولا يتعلق بمسألة الجنسية فقط، ولكن يتعلق ببطاقات الرقم القومى المصرية التى أصبحت موجودة لدى عدد كبير من الفلسطينيين. 
فى مارس 2013 تم تداول تقارير صحفية تشير إلى عملية سرقة ماكينة "الرقم القومى" من مديرية أمن شمال سيناء خلال أحداث الانفلات الأمنى. 
التقارير الصحفية التى استندت إلى معلومات استقتها من مصادر أمنية أشارت إلى أن الأجهزة الأمنية اكتشفت حادثة السرقة بمحض الصدفة بعدما تشككت فى هوية شخص من قطاع غزة يحمل بطاقة رقم قومى مصرية خلال عبوره على أحد المنافذ الأمنية بشمال سيناء، حيث تم الربط بين سرقة ماكينة الطباعة وظهور تلك البطاقات مع عناصر فلسطينية بدأت دخول مصر عبر الأنفاق. 
المصادر الأمنية أشارت إلى أن الماكينة المسروقة تم تهريبها بمساعدة عناصر بدوية مسلحة حتى قطاع غزة، وأنها وصلت إلى حركة حماس بشكل مباشر، وأن الحركة استخدمتها فى استخراج بطاقات رقم قومى تحمل أرقام وأسماء أشخاص مصريين. 
لم تعلن وزارة الداخلية فى مصر عن حادث سرقة الماكينة بعد اكتشافه، كان قرار عدم الإعلان يتعلق بمقتضيات الأمن القومى المصرى والمخاوف من استغلال تلك المطبعة فى استخراج رقم قومى لأشخاص يقومون بعمليات إرهابية داخل مصر أو على الحدود الإسرائيلية. 
كان التخوف قائما على فرضية مهمة وهى أن أى عملية إرهابية يقوم بها من يحمل رقما قوميا مصريا على الحدود الإسرائيلية يمكن أن يؤدى إلى توتر العلاقات بين القاهرة وتل أبيب، حيث سيتم تحميل المسئولية لمصر وإبعاد العناصر الجهادية الفلسطينية عن أى اتهام. 
حاولت أجهزة البحث والتحرى المصرية أن تصل إلى ماكينة طباعة الرقم القومى داخل غزة، إلا أن كل المحاولات لم تنجح، كما أن المفاوضات مع حركة حماس لم تصل إلى شئ ملموس بعد أن تمسكت بإنكار أى صلة لها بالواقعة من الأساس. 
لجأت أجهزة الأمن المصرية إلى تنفيذ خطة بديلة، فقد قامت بتكثيف تواجدها داخل النقاط التفتيشية على المنافذ الحدودية، وداخل مدن سيناء المختلفة وفحص بطاقات الرقم القومى لجميع زوار شمال سيناء على طول الطريق المؤدى إليها بداية من كوبرى السلام وصولا إلى مناطق بالوظة ورمانة وبئر العبد والعريش والشيخ زويد ورفح، من أجل السيطرة على نتائج حادث السرقة. 
لم يكن جهاز الأمن الوطنى بعيدا عما يجرى على الأرض، فقد قامت عناصره بمتابعة العناصر الفلسطينية التى تحمل بطاقات مصرية وترصد تحركاتها. 
كان القلق الذى يسيطر على الأجهزة الأمنية نابعا من تخوفهم الكبير من محاولة استخدام عناصر فلسطينية بطاقات الرقم القومى فى تنفيذ عمليات إرهابية ضد مصر وإلصاق التهمة بعناصر بدوية من شمال سيناء. 
كان لهذا التخوف ظل على الأرض، بدا واضحا من أوراق التحقيقات فى حادث مذبحة رفح الأولى. 
تم تنفيذ هذه المذبحة فى 5 أغسطس 2012 ضد جنود بمنطقة الماسورة فى مدخل مدينة رفح على الحدود بين مصر وإسرائيل، واستشهد فيها 16 جندى وضابط وإصابة 7 آخرين، واستولى منفذو العملية على مدرعتين من كمين أمنى، ثم حاولوا اقتحام الحدود مع إسرائيل، لكن الجيش الإسرائيلى قابلهم بإطلاق النار وأعلن مقتل 8 منهم. 
عندما نراجع النتائج النهائية لتحقيقات القضية سنجد أن اثنتين من الجثث التى تسلمتها مصر من إسرائيل لعناصر فلسطينية، فقد تبين وجود "بوت" زيتى اللون مكتوب عليه صناعة فلسطينية، بالإضافة إلى أفرولات زيتية اللون أيضا، وهو ما يؤكد أن عددا كبيرا من منفذى الحادث الذين يقدرون ب 35 شخصا هم من قطاع غزة، وأنهم نفذوا الجريمة بمعاونة عدد من العناصر الجهادية المتطرفة فى شمال سيناء. 
ما يلفت انتباهنا فى قصة خيانة الإخوان أن ما قررته الجماعة بشأن سيناء لم يكن سرا بل حاولت تمريره عبر تصريحات علنية حرصت على نشرها على أوسع نطاق. 
فى 21 نوفمبر  2012 كان محمد بديع المرشد العام لجماعة الإخوان يلقى كلمة فى مسجد عمرو بن العاص، وفيها استنكر ما يقال عن غزة وضرورة أن نلتفت إلى همومنا الداخلية باعتبار أن هذا عيب فى حق المصريين، وقال: إنه لا مانع من إقامة مخيمات للفلسطينيين فى سيناء، فهناك مئات الخيام فى الأردن وفى لبنان ولم يتحدث عنها أحد. 
فى الكلمة نفسها شبه محمد بديع محمد مرسى ب" ذى القرنين" الذى قال حين قرر أن يبنى سدا "أعينونى بقوة"، واستطرد ساخرا: ما قلوش قلنا ح نبنى وأدينا بنينا السد العالى وقعدوا يغنوا 11 سنة. 
دفعت كل هذه التحركات والتصريحات والتخوفات القوات المسلحة المصرية إلى التحرك الإيجابى لإفشال أى مخطط ينال من سيناء حتى لو كان فى مرحلة الفكرة. 
فى 23 ديسمبر 2012 أصدر الفريق أول عبد الفتاح السيسى قرارا يحظر تملك أو حق انتفاع أو إيجار أو إجراء أى نوع من التصرفات فى الأراضى والعقارات الموجودة بالمناطق الاستراتيجية ذات الأهمية العسكرية والمناطق المتاخمة للحدود الشرقية لجمهورية مصر العربية بمسافة 5 كيلو مترات غربا ما عدا مدينة رفح والمبانى المقامة داخل الزمام وكردونات المدن فقط والمقامة على الطبيعة قبل صدور القرار الجمهورى رقم 204 لسنة 2010. 
نشر القرار فى الجريدة الرسمية برقم 203 لسنة 2012 ونص على الآتى: 
أولا: يحظر  تملك أو انتفاع أو إيجار أو إجراء أى نوع من التصرفات فى الأراضى والعقارات الموجودة فى الجزر الواقعة فى البحر الأحمر والمحميات الطبيعية والمناطق الأثرية وحرمها. 
ثانيا: يسمح للأشخاص الطبيعيين حاملى الجنسية المصرية دون غيرها من أى جنسيات أخرى ومن أبوين مصريين وللأشخاص الاعتبارية المصرية المملوكة بالكامل لمصريين حاملى الجنسية المصرية وحدها دون غيرها من أى جنسيات أخرى بالتملك فى منطقة شبه جزيرة سيناء. 
ثالثا: يحظر تملك أى أراض أو عقارات مبنية بشبه جزيرة سيناء لغير المصريين مع عدم الإخلال بالأحكام المنصوص عليها فى المرسوم بقانون رقم 14 لسنة 2012 ولائحته التنفيذية. 
رابعا: يجوز لغير المصريين تملك المنشآت المبنية بالمنطقة دون تملك الأراضى المبنية عليها، وحق انتقاع للوحدات المبنية بغرض الإقامة لمدة أقصاها 50 عاما طبقا للقواعد والإجراءات المنصوص عليها فى ذلك الشأن. 
خامسا: ضرورة الحصول على موافقة وزارتى الدفاع والداخلية وجهاز المخابرات العامة قبل تقرير حق انتفاع أو تملك لمنشآت مبنية فقط دون الأرض المقامة عليها. 
أصدر وزير الدفاع هذا القرار دون أن يراجع أحدا، بل كان مفاجأة كاملة لمحمد مرسى. 
طلب مرسى من السيسى أن يسحب القرار، بحجة أنه يتعارض مع مصالح أهالى سيناء، لكن وزير الدفاع لم يترك للرئيس الإخوانى ثغرة واحدة للمرور منها، قال له: على العكس تماما... هذا القرار فيه حماية كاملة للأمن القومى، وسيعرف أهالى سيناء ذلك. 
عاتب مرسى وزير الدفاع، قال له: كان يجب أن تطلعنى على القرار قبل أن تصدره. 
فرد عليه السيسى بأن القرار من صميم عمل القوات المسلحة وأصل دورها ... والجيش لا يراجع مثل هذه القرارات قبل إصدارها مع أى جهة. 
أدركت جماعة الإخوان أنها لن تستطيع التعامل مباشرة مع وزير الدفاع فيما يخص القرار، فبدأت فى محاولات غير مباشرة لإثنائه عنه. 
المحاولة الأولى كانت فى مجلس الوزراء، فى أول اجتماع بعد نشر القرار فى الجريدة الرسمية، وقف الوزراء الإخوان حول وزير الدفاع، بدأوا بالهجوم على اعتبار أن هذا القرار كان يجب أن يعرض على الرئيس أولا، وما كان يجب أن تفعل القوات المسلحة ذلك دون أن تعود إليه، وزاد أحدهم عندما قال: يجب أن يتم سحب هذا القرار فورا. 
لحظتها تحول الهدوء الذى كان يبدو به وزير الدفاع طوال الوقت فى اجتماعات مجلس الوزراء إلى حالة من الصخب والغضب، ضرب السيسى مائدة الاجتماعات بقوة، ووجه كلامه إلى وزراء الإخوان: أنتم تتحدثون مع وزير دفاع مصر عن جيش مصر... لا أحد يقول لنا ما يجب أن نفعله وما لا يجب... القرار صدر ولن يستطيع أحد أن يعيدنا إلى الوراء. 
أمام الحالة التى تحدث بها وزير الدفاع لم يجد وزراء الإخوان إلا أن يلتزموا الصمت وينسحبوا من أمامه. 
لجأت جماعة الإخوان إلى حيلة أخرى، فقامت بدفع العديد من العناصر داخل سيناء فى هذا الوقت إلى الاحتجاج على هذا القرار، ولعب مرسى بهذه الحالة فاستقبل عددا من أبناء سيناء، وفى الاجتماع بهم قال لهم أنه لا علاقة له بهذا القرار وأنه لا يوافق عليه، وإذا كان لهم أن يوجهوا غضبهم واحتجاجهم لأحد، فأمامهم وزير الدفاع يمكن أن يتحدثوا إليه. 
خرج أبناء سيناء من لقاء محمد مرسى ليلتقوا بوزير الدفاع، الذى جلس إليهم وشرح لهم أبعاد القرار وأهميته فى الحفاظ على الأمن القومى المصرى، وأنه فى صالحهم تماما، فوعد أبناء سيناء وزير الدفاع بالوقوف إلى جواره والدفاع عن قراره، وحتى يؤكدوا تأييدهم خلع أحدهم عباءته وألبسها لوزير الدفاع، فى إشارة إلى الدعم والتأييد الكامل لما يقوم به. 
لقد بذل الإخوان كل ما يستطيعون لتنفيذ مخطط التهجير، لكن كان هناك من يرصد تحركاتهم ويفسد مخططهم، ليقول التاريخ كلمته فى النهاية، فهناك من لا يتردد فى بيع الأرض وهناك من يحافظ عليها.

Dr.Radwa
Egypt Air