لقد أظهرت الحروب الروسية الأوكرانية الممتدة من سنوات ومن قبلها حرب إبادة البوسنة وإبادة الروهينجا وأخيرا طوفان الأقصى ازدواجية المعاير الدولية في التصدي للحروب المختلفة وأركز هنا علي الحرب الإسرائيلية الفلسطينية التي راح ضحيتها حتي الآن قرابة 18 ألف شهيد أكثر من نصفهم من الأطفال والنساء ولم يصدر قرار أممي لإدانة القسوة المبالغ فيها من جانب إسرائيل وفي مقالي هذا لا أبحث أسباب الحرب ولا نتائجها العسكرية أو السياسية ولكن ألقي الضوء علي وضع الأمم المتحدة في ظل ازدواجية المعايير وهل هذه الازدواجية ستؤثر سلبا علي مكانة ودور الأمم المتحدة.
يقصد بمصطلح الازدواجية في المعايير الدولية وجود مجموعة من المعايير المختلفة التي تطبقها البلدان والمنظمات الدولية في نفس المجال يمكن أن تكون المعايير متعارضة أو تتداخل مع بعضها البعض، وتنتج تباينًا في القوانين والقواعد التي يتم اتباعها على المستوى الدولي كما تؤثر الازدواجية على النظام العالمي من حيث الارتباك وعدم الوضوح مما يصعب على الدول والمنظمات الدولية تحديد أي معيار يجب اتباعه. هذا يؤدي إلى الارتباك وعدم الوضوح، ويقلل من فعالية النظام العالمي في تحقيق أهدافه، وانعدام التوافق والتنسيق بين الجهات المعنية. فعندما تختلف المعايير المستخدمة يكون من الصعب تحقيق التعاون الدولي وتبادل المعلومات والخبرات بشكل فعال كما تؤدي إلى تأخر في اتخاذ القرارات وتعزيز الجمود في العمل الدولي.
بالإضافة إلى التأثير على التجارة الدولية عندما يتعين على الشركات الامتثال لمجموعة متنوعة من المعايير المختلفة في الأسواق المختلفة مما يزيد من التكاليف والمخاطر التجارية يتعذر معها تحمل الشركات الصغيرة والمتوسطة هذه التكاليف و يؤثر سلبًا على قدرتها للوصول إلى الأسواق الدولية.
فضلا عن ضعف الثقة والشفافية في النظام العالمي وعدم وضوحها يشكك الأفراد والجهات المعنية في جودة المعايير المعتمدة ومدى توافقها مع المعايير العالمية المقبولة.
بعد أن استعرضت أسباب وآثار ازدواجية المعاير هل يؤدي إلي انهيار الأمم المتحدة بسبب الازدواجية وتحيزها والتحديات التي تواجهها واتهامها بالفشل في بعض الأحيان وصعوبات في أداء مهامها المتعددة، كل هذا لا يعني بالضرورة أنها ستنهار أو أن لديها قدرات ضعيفة حيث تعد هيكلًا دوليًّا هامًا يلعب دورًا مهمًّا في حل النزاعات، والمساهمة في بناء السلام، والتنمية المستدامة، وحقوق الإنسان، والمساعدة الإنسانية، وغيرها من المجالات من خلال العديد من الوكالات والبرامج والهيئات التابعة تعمل على تحقيق أهدافها كما انه طرأت عليها تحديات وتغيرات في السياسة العالمية وفي الديناميكيات الجيوسياسية يمكن أن تتأثر القرارات والعمليات في المنظمة بتحيزات سياسية أو انقسامات دولية قد تكون هناك أيضًا قضايا متعلقة بالتمويل والهيكل التنظيمي تؤثر على قدرتها على التحرك بفعالية
وأضحي من الضروري أن يتم تقييم دور المنظمة وإجراء الإصلاحات اللازمة لتعزيز فعاليتها وشفافيتها ومصداقيتها ويجب أن تكون هناك جهود مستمرة لتحقيق التوافق والتضامن الدولي في مواجهة التحديات العالمية المشتركة ويجب أيضًا الاعتراف بأن المنظمات الدولية، بما في ذلك منظمة الأمم المتحدة، تواجه قيودًا وتحديات في تنفيذ مهامها بسبب التعقيدات السياسية والمصالح المتنازعة والتحديات الهيكلية، لذلك، يتطلب تعزيز النظام العالمي والعمل الدولي جهودًا مشتركة وتعاونًا قويًا بين الدول والمنظمات المعنية.
وللتغلب على تأثير الازدواجية في المعاير الدولية، هناك حاجة إلى تعزيز التعاون الدولي وتنسيق الجهود بين الدول والمنظمات الدولية، التي يمكن أن تتحقق من خلال تعزيز التنسيق بين الدول والمنظمات الدولية والتعاون بينهم لوضع وتنفيذ المعايير الدولية.
علي أن تتبنى الجهات المعنية آليات للتعاون وتبادل المعلومات والخبرات بهدف التوافق علي المعايير المستخدمة كما ينبغي أن تعمل الدول والمنظمات الدولية على تحسين عمليات وإجراءات وضع المعايير في إطار الشفافية ومشاركة فعالة لجميع الأطراف المعنية في عملية وضع المعايير بحيث أن تكون المعايير مبنية على الأدلة العلمية وتعكس احتياجات الجميع مع مراعاة أن تتحلى هذه المعايير بالدقة والموضوعية والشمولية وأن تكون قابلة للتطبيق علي مختلف البلدان والقطاعات كما يجب أن يكون هناك التزام قوي من جميع الأطراف المعنية لتحقيق التوافق والتنسيق في استخدام المعايير الدولية وتحقيق الاستفادة القصوى من النظام العالمي.
الحديث عن آثار الصراعات المشتعلة حاليا وخاصه بعد طوفان الأقصى علي الأمم المتحدة التي لم يتم رصد أثر مباشر على الأمم المتحدة بخصوص ازدواجية المعايير الدولية بالرغم من التحديات والتوترات في السياسات والمواقف المتعلقة بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني وقضية القدس والأقصى.
والقضية الفلسطينية قضيةً معقدة وحساسة، والتي تطالب بتوفير إطار دولي عادل وشامل لحل النزاع وتحقيق السلام بين الجانبين. حيث يشهد النزاع تباينًا في المواقف والمعايير الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان وقانون النزاعات وتتعامل الأمم المتحدة مع هذه التحديات من خلال وكالاتها والجهود المشتركة للدول الأعضاء كما يعمل المجتمع الدولي على تعزيز الحوار والتفاوض والوساطة لتحقيق التوافق والتوصل إلى حل سلمي وعادل مستدام للصراع الإسرائيلي الفلسطيني مع مراعاة أن الأمم المتحدة منظمة دولية تعتمد على قرارات وتوافقات الدول الأعضاء.
ويمكن أن تواجه تحديات في تحقيق اتفاقات شاملة نظرًا للتنوع في المصالح والمواقف السياسية للدول الأعضاء وعلى الرغم من التحديات الكبيرة والمتعددة فإن الأمم المتحدة ستستمر في جهودها لتعزيز العدالة وحقوق الإنسان وتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة من خلال المشاريع والبرامج والجهود الدبلوماسية والوساطة التي تقوم بها ولا أعتقد أن الأمم المتحدة ومنظماتها ستفقد مكانتها ودورها المحوري في كل الصراعات السياسية وعلينا أن نتعامل مع هذا الكيان الأممي ومنظماته بالرغم من التحيز الواضح وتباين المواقف.