حذر الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، من أن خطة الاحتلال الإسرائيلي صارت واضحة، وهي تدمير المجتمع الفلسطيني في غزة والقضاء على إمكانيات الحياة في القطاع لفترة طويلة، أو تهجير أهله قسريًا بحيث يتحقق فصل الشعب عن أرضه وتنتهي القضية الفلسطينية ويتم تصفيتها "وهو ما لن يكون أبدًا".
وأكد أبو الغيط -في كلمته اليوم أمام الدورة السادسة لمنتدى التعاون العربي- الروسي بمدينة مراكش المغربية- أن جريمة غزة التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي ليست عارًا عليه فقط، وإنما عارٌ على من كل من شارك بالتأييد أو الدعم أو الصمت على الجرائم،مضيفا" لا مُسمى لما يجري في غزة سوى بأنه مذبحة وحرب إبادة وتطهير عرقي.
وشدد أبو الغيط -في كلمته التي وزعتها الجامعة العربية- على أن كل من يقف ضد وقف فوري لإطلاق النار في غزة يحمل على يديه دماء الأبرياء الذين تزهق أرواحهم بلا جريمة أو ذنب.
وقال أبو الغيط إن العلاقة مع روسيا تقوم على أساس من الندية والاحترام المتبادل والفهم المشترك للقضايا محل الاهتمام من جانب كل طرف.
وأضاف "أنه ليس بخافٍ ما مرت به المنطقة العربية في السنوات الأخيرة من تحديات أمنية وسياسية، وهزات تعرضت لها بعض دولها"، مؤكدا أن تجاوز هذه الأزمات المعقدة، في سوريا واليمن والسودان والصومال، يحتاج إلى تفهم وتعاون من القوى الدولية الكبرى، ومن بينها روسيا بكل تأكيد، فهي شريك أصيل للكثير من دولنا.. بالجغرافيا والتاريخ وإرث التعاون السياسي الوثيق.
وأكد أن من بين التحديات التي تواجه منطقتنا، تظل القضية الفلسطينية هماً رئيسياً وجُرحاً غائراً في قلب أمتنا، وجمعينا يُتابع الجريمة التي تُرتكب اليوم بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، من قتلٍ لآلاف الأبرياء، جُلهم من النساء والأطفال إلى تدمير مُتعمد للبُنية الأساسية من المستشفيات والمدارس، وتهجير للناس وإخراجهم من بيوتهم.
وتابع أبو الغيط قائلا: "إن العالم كله يُتابع وقائع هذه الجريمة النكراء، التي أعادت إلى الأذهان توحشاً وخروجاً على الحضارة كنا نظن أن البشرية تجاوزته وبرئت منه".
وثمن أبو الغيط عالياً الدول التي اتخذت، ومن البداية، خيار الانحياز للجانب الصحيح من التاريخ، التي سمت الأشياء بمسمياتها، وعبرت بوضوح عن موقف متوازن جوهره أن الاحتلال واستمراره هو لب المشكلة وأصل القضية، وأن تاريخ الصراع لم يبدأ في 7 أكتوبر الماضي، بل قبل ذلك بكثير.
وشدد على أن معالجة مأساة غزة ومنع تكرارها، يتطلب حلًا جذريًا لمسببات اشتعالها، وهو تطبيق حل الدولتين بأسرع وقتٍ ممكن؛ مؤكدا أن غزة جزء من القضية الفلسطينية، ومعالجة مشكلتها لا تكون سوى بمعالجة القضية وتسويتها، بإقامة دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للحياة على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية..
وأكد أنه لا حل سوى أن يحكم الفلسطينيون أنفسهم وأن تكون لهم سيادة على أرضهم تطبيقاً لحق تقرير المصير، الذي ما زال قادة إسرائيل يتنصلون منه، ويرفضونه ويعلنون على الملأ -وبلا خجل- أنهم سوف يستمرون في اغتصابه عبر ممارسة الاحتلال.
وقال أبو الغيط: "على كل من يسعى لتحقيق سلام مستدام، ومن بينها روسيا الاتحادية، لصالح شعوب المنطقة جميعاً، أن يُدرك أن الاحتلال هو أصل القضية، وأن إنهاءه هو بداية الحل".
وعبر أبو الغيط عن خالص شكره وتقديره للمملكة المغربية على استضافتها الكريمة لأعمال الدورة السادسة لمنتدى التعاون العربي-الروسي في "المدينة الحمراء" مراكش العريقة.
وقال أبو الغيط "اليوم، يكون قد مرّ عشرون عاماً على انطلاق التعاون بين جامعة الدول العربية وروسيا الاتحادية بتوقيع مذكرة تفاهم عام 2003، وأيضاً مرت عشرة أعوام على إطلاق منتدى التعاون العربي الروسي في موسكو عام 2013".
وأكد أن الجامعة العربية تُثمن عالياً هذا التعاون الممتد على كافة المستويات مع روسيا الاتحادية، الشريك الدولي الفاعل الذي يربطنا به تاريخ مديد من العلاقات السياسية، فضلاً عن مقومات تاريخية وثقافية تمثل أرضية صلبة يمكن البناء عليها من أجل تدعيم أواصر العلاقات بيننا، ولتعزيز قدرتنا سوياً على مواجهة الأزمات والتحديات المشتركة.
وأضاف أن العلاقات العربية- الروسية أثبتت فعاليتها على مر التاريخ من خلال التعاون الوثيق والثقة المتبادلة، ولا تزال جامعة الدول العربية تسعى للمزيد من تطوير هذه العلاقات وتعميقها.
وأشار أبو الغيط إلى أنه على صعيد الأزمات العربية المستمرة ،اتسعت وبكل أسف رقعة المواجهة المسلحة في السودان وتزايدت التكلفة البشرية والمادية لتلك الحرب الدائرة منذ أبريل الماضي، ولا زلنا نأمل أن تسود الحكمة وإعلاء المصلحة العليا للوطن السوداني ومؤسساته الوطنية ومصلحة الشعب السوداني العريق، داعيا إلى استكمال مسار الحل السياسي في ليبيا، ومرافقة الليبيين لحين تحقيق كافة أهدافهم في استقرار بلادهم واستعادة سيادتها وأمنها.
كما دعا لحل سلمي للأزمة اليمنية لصالح شعبها، ولصالح أمن المنطقة الذي يتعرض اليوم لتهديدات خطيرة في منطقة البحر الأحمر.
وندعم أي جهد يبُذل لمعالجة مسببات وتداعيات الأزمة السورية من مختلف جوانبها، مؤكدا في هذا الإطار أهمية استمرار العمل الجاد بين لجنة الاتصال العربية من جهة وسوريا من جهة أخرى بهدف إحراز تقدم في المسائل المنصوص عليها في قرارات مجلس الجامعة ذات الصلة.
ولفت إلى أن روسيا الاتحادية كانت داعمة لمواقف الشعوب العربية في المحافل الدولية، "ولذا نحن نتطلع إلى تنسيق وتعاون أكبر لمواجهة مختلف التحديات مثل الإرهاب، وقضايا منع الانتشار النووي، ومسائل الأمن المائي، والأمن الدولي للمعلومات، والقضايا البيئية وغيرها".
وأوضح أن العلاقات العربية - الروسية لا تقتصر على البعد السياسي والاستراتيجي، بل تتعداها إلى المجال الاقتصادي الذي يشهد نمواً كبيراً، وإن كان أقل مما نطمح إليه، ولا يتوافق وعمق العلاقات التاريخية والثقافية والسياسية التي تجمع بيننا، ولا بحجم الإمكانات التي يتمتع بها الجانبان والفرص الاقتصادية الواعدة لدى الدول العربية.
وأشار إلى أن حجم التبادل التجاري بين الجانبين كان وقت توقيع مذكرة التفاهم عام 2003 حوالي 3.5 مليار دولار، ليرتفع إلى 14 مليار دولار عام 2013 مع إطلاق الدورة الأولى للمنتدى، وصولاً إلى أكثر من 22 مليار دولار بنهاية عام 2022.
وأكد أنه ما زال حجم ما يمكن إنجازه كبيراً، خاصة بالمقارنة مع الدول والتجمعات التي تقيم معها جامعة الدول العربية منتديات للتعاون، داعيا إلى تشجيع ودعم مجلس الأعمال العربي الروسي، ومشاركة القطاع الخاص ورجال الأعمال والمستثمرين العرب والروس؛ بما يحقق المزيد لصالح شعوبنا ويصل بنا لشراكة بناءة تخدم مصالح الطرفين.
ونبه إلى أن التعاون الثقافي والعلمي، على سبيل المثال، يتطلب مزيداً من الاهتمام والجهود المشتركة وأن نضعه على سلم أولوياتنا بهدف تعميق أواصر التقارب بين الدول العربية وروسيا الاتحادية، مؤكدا أهمية النظر في تنفيذ مقترح إقامة مركز ثقافي عربي في موسكو، الذي اعتمد في اجتماع الدورة الثالثة للمنتدى، ليكون ركيزة لمزيد من التعاون في المجالات الثقافية والعلمية ولتعميق أواصل التقارب بين الشعبين العربي والروسي؛ وقد اقترحنا في هذا الصدد تشكيل لجنة مشتركة من الجانبين لدراسة كافة الجوانب المتعلقة بإنشاء هذا المركز.
وأعرب أبو الغيط -في ختام كلمته- عن تطلعه إلى نتائج ملموسة ومثمرة لتشكل قاطرة لتحقيق طفرة في العلاقات بين الجانبين العربي والروسي في جميع المجالات، بما يعود بالنفع على الجانبين ويدفع بعلاقاتنا نحو آفاق أرحب، كما أعرب عن تطلعه إلى عقد الاجتماع الوزاري السابع في روسيا الاتحادية لنواصل مسيرة التعاون الجماعي بما يخدم مصالحنا المشتركة.