الجمعة 17 مايو 2024

فلسطين في الرواية العالمية

شرقاوي حافظ

ثقافة28-12-2023 | 17:03

شرقاوي حافظ

تشغل فلسطين مساحة كبيرة في الأدب العربي، أو بالأحرى الثقافة العربية بوجه عام، سواء هذا الأدب مكتوب باللغة العربية أو مترجم إلى لغات أخرى ولكنه بأقلام عربية ولقد لمعت أسماء كبيرة في هذا الصدد سواء في الشعر أو الرواية والقصة أو المسرح أو أي فن مادته الكلمة، ولكن أين فلسطين في الأدب العالمي ونقصد بالأدب العالمي تجاوزا الأقلام غير العربية؟ ولما كان هدفنا هنا الرواية أبحرنا بقدر ما نستطيع في الأدب ككل لنعثر على بغيتنا ، فلم يحالفنا الحظ بالعثور على أي مادة شعرية وإن لم يكن الشعر هو البغية ، وعندما أبحرنا في مجال الرواية وجدنا ما يكفي لتلبية حاجتنا في هذه الورقة.

على الرغم أن الكتب غير الأدبية، أي الكتب السياسية التي تناولت قضية فلسطين مثل كتاب ‘فلسطين سلام لا فصل عنصري‘ Palestine: peace not apartheid   بقلم جيمي كارتر الرئيس الأسبق للولايات المتحدة الأمريكية، وكتاب التطهير العرقي في فلسطين‘the ethnic cleansing of Palestine  بقلم الكاتب والمؤرخ الإسرائيلي إيلان بابي، وكتاب ‘أزمة غزة: تأملات في العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين‘    Gaza in crisis : reflections on Israeli war against the Palestinians   للكاتب الأمريكي المعروف ناعوم تشومسكي، إيلان بابي‘  وكتاب‘حرب العودة: كيف أعاق انغماس الغرب في الحلم الفلسطيني طريق السلام ‘ the war of return: how western indulgence of the Palestinian dream obstructed the path of peace  للكاتب ‘آدي شوارتز، وإينات ويلف‘، وكتاب ‘حرب الأيام الستة‘ six days of war  للكاتب مايكل أورين وغيرها من الكتب التي أثارت ضجة على مستوى العالم تتميز بعددها الوفير فإننا نجد الكتب الروائية التي تناولت القضية تتسم بالندرة وهي كتب تتأرجح بين السياسة والرواية أو عبارة عن مقالات مثل كتاب ‘الطريق إلى الربيع: الحياة والموت في فلسطين the way to the spring: life and death in Palestine  للكاتب  ‘بين هرنيتش‘ ورواية أيام خاطفة في فلسطين fast times in Palestine للكاتبة ‘باميلا أولسون‘  ورواية ‘أبرياء في الخارج‘ the innocents abroad  للكاتب ‘مارك توين‘ ورواية ‘شجرة اللوز‘  the almond tree  للكاتب ‘مايكل كوهين‘ ومجموعة ‘ الحرية نضال دائم‘ freedom is a constant struggle   للكاتبة ‘انجيلا ديفيز‘ ورواية ‘أسرار ستي‘ Sitti's  secrets  للكاتب ناعوم تشومسكي  ورواية ‘لا تهتم بالصواريخ‘   pay no heed to the rockets  لـ‘مارسيلو سنتو‘ وغيرها، وكلها تدور حول الحياة في فلسطين أو لقطات من الاضطهاد الذي يتعرض له الفلسطينيون، ولكن ليس هناك رواية ممن ذكرنا أو أتيح لنا الاطلاع عليها تتكلم عن عمق القضية الفلسطينية سوى رواية للكاتبة جورج إليوت وسلسلة روايات عددها تسع عشرة رواية لـ‘بيتر دانيال‘ وهو اسم عام لمجموعة مؤلفين.

وقبل أن نتحدث عن تأثير هذه الروايات نجد أنه جدير بالذكر أن ننوه أن هناك أعمالا أدبية غير عربية ولكن ليست من الغرب بل هي من دول إسلامية مثل تركيا وإيران وغيرهما وهي أعمال أيضا لا تخرج عن نطاق السرد الروائي المحض.

كان لرواية ‘دانيال ديروندا‘ Daniel Deronda   للكاتبة الانجليزية ‘جورج إليوت‘ التي صدرت عام 1876، وهي آخر روايات الكاتبة التي قمت بترجمة معظم أعمالها ومن بينها هذه الرواية، أثر عميق، بل هي الشرارة التي اندلعت لتكوين الدولة الصهيونية  ولأهمية هذه الرواية عند الإسرائليين تم تصويرها سينمائيا ثلاث مرات، وتم عرضها مسرحيا بمدينة مانشستر في فترة الستينات من القرن العشرين، وتم عرضها تليفزيونيا، وليس هذا فحسب بل أطلقت إسرائيل فور إنشائها اسم ‘جورج إليوت‘ على أهم الشوارع في تل أبيب، فهذه الرواية تدور في خط عاطفي تجمع البطل ديروندا مع فتاة تدعى ‘جولدين ‘ لتتوالى الأحداث حتى تجمعه صداقة بشخصية مردخاي وهو يهودي يحلم بإنشاء وطن قومي لليهود في أرض فلسطين ثم تدور الرواية حول هذا المحور وتعدد مدى أهمية إنشاء هذا الوطن وكيف يهاجر اليهود من شتى بقاع الأرض إلى فلسطين ، والتقط ‘ثيودر هرتزل‘ الكاتب والمسرحي النمساوي المجري هذه الفكرة وبدأ يروج لها من خلال مؤلفات لقاءات مع المسئولين ومات قبل تكوين الفكرة إلى واقع عام 1906  رغم محاولاته مع السطان العثماني عبد الحميد الثاني وفشلها، ولكن بعد الانتداب البريطاني كان إعلان وعد بلفور عام 1917  ، وليس هذا من صميم ورقتنا، ولكن ما يهمنا أن رواية جورج إليوت تناولت القضية الفلسطينية من زواية دعم إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، لتتتابع الأحداث حتى نصل إلى عام 1948  وتأسيس دولة إسرائيل بموافقة ساحقة في الأمم المتحدة وذلك يوم 14  مايو بعد مجازر بشعة ارتكبتها ضد الفلسطينيين المقيمين في فلسطين التي تحولت إلى اسم إسرائيل.

وكأنما الفكرة أو الحلم الذي كان محدودا تفتحت عيونه إلى مساحة أوسع وطموحات بل مطامع أكبر من خلال الدخول إلى قضية فلسطين عن طريق الدين وتفسيراته المضللة ودس العسل فس السم وذلك من خلال سلسلة من الروايات بدأت عام 1980  تتكئ على تفسيرات الكتاب المقدس وتفسيرات بعض المسلمين للقرآن الكريم، وهذه السلسلة رسمت خطوطا واهمة للحلم الإسرائيلي التي تتمثل في نقاط في منتهى الخطورة ، وهذه الروايات أولها رواية ا تحت عنوان ‘أبناء الأسد‘ children of the lion تحت اسم مؤلف ‘بيتر دانيال‘ وهو اسم اصطلاحي للممجموعة  التي قام بتأليفها عدد من المؤلفين اتصدرها مؤسسة بانتم للنشر، بدأت عام 1980  وآخرها عام 1995 وأول النقاط التي ترسمها هذه النقاط هي أكذوبة الحلم الإسرائيلي من النيل إلى الفرات وهو تحريف لتفسير سفر التكوين 15- 18  الذي يقول ‘في ذلك اليوم قطع الرب مع إيرام ميثاقا قائلا "لنسلك أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى التهر الكبير ، الفرات" وكل تفسيرات هذه الآيات تقول إن المقصود بهذا النهر هو نهر عند وادي العريش وكشف مسح جوجل عن هذا الوادي الذي ظهرت آثاره في هذا المكان، ولقد ترجمت هذه الكلمة ‘نهر مصر‘ في جميع النسخ الانجليزية إلى ‘stream‘ أو ‘brook‘ وهي تعني جدول أو ترعة، وتحددها بعض التفسيرات بقولها ‘إسرائيل الكبرى ‘ من حدود بابل في الشرق والشمال ونهر العريش على حدود مصر، أي شمال سيناء، لقد ذكر الكتاب المقدس اسم ‘النيل‘ عندما كان يتحدث عنه كنهر في وسط مصر ولم تذكر كلمة ‘من الفرات إلى النيل‘ إطلاقا في أي تفسير ولا في الكتاب المقدي نفسه، ولكن الروايات الخيالية لبعض الواهمين جعلت المقولى تنتشر حتى أصبحت بمثابة حقيقة عند بعض الناس واليهود أنفسهم.

أما النقطة التي رسمتها أيضا هذه الروايات هو تثبيت معتقد أن بني إسرائيل المذكورة في القرآن الكريم هي دولة إسرائيل الحالية وهذا مخالف للواقع لأن بني إسرائيل جنس انتهى تماما أما اليهود كعقيدة فقد اعتنقها كثير من غير بني إسرائيل، ولقد أثبت العلم الأنثروبولوجي أن جنس بني إسرائيل علميا وواقعيا لا وجود له، ولكن الانصياع حول هذا الوهم جعل بعض المفسرين ينساقون وراء هذا الوهم ويتحدثون عن الكيان القائم حاليا بأنه هم بنو إسرائيل، وهذا أيضا تضليل.

أما النقطة الأخرى التي تروج لها هذه الروايات هو امتلاك نبي الله ابراهيم لأرض كنعان من قبل إهدائها من حاكم مصر له مع السيدة هاجر التي يرفعها الكاتب أو المؤلف في الرواية إلى درجة كبيرة من الرقي ولكن لكي يدس السم في العسل بأنها كانت على علاقة عاطفية مع أحد القادة الذين كانوا في حماية ابراهيم وأثمرت هذه العلاقة عن علاقة حميمية، وفي اليوم الذي ذهب فيه هذا القائد المصري ليطلب يد هاجر من سيدها إبراهيم فاجأه نبي الله قبل أن ينطق بأنه سيتزوج هاجر الأمر الذي جعل القائد لا ينطق، وجعل هاجر لا تتكلم وتم زواج ابراهيم من هاجر لتنجب اسماعيل الذي تفرح به هاجر فينهاية الرواية بأنه ثمرة حبها للقائد، مما يوحي للقارئ أن نبي الله اسماعيل ليس ابن ابراهيم، ةأصبحت هذه الفكر منتشرة في بعض الكتابات بالتوازي مع فطرة أن إسرائيل ليس هو يعقوب، والخطورة في هذه الأفكار أنها تتسرب من خلال سرد روائي مشوق تجعل القارئ غير الملم بالتاريخ يؤمن إيمانا كاملا بما توحي إليه الرواية فقارئ ‘دانيال ديروندا‘ لا يمتلك إزاء روعة السرد وسحر الأسلوب المكتوبة به الرواية إلا أن يتعاطف مع فكرة أحقية بني صهيون في بناء وطن، وقارئ ‘أبناء الأسد‘ ينبهر أمام روعة السرد في مدح مصر وملوك مصر وأهل مصر وكرمهم وحفاوة استقبالهم لنبي الله أبراهيم، ووصفه المبهر للقائد المصري والسيدة المصرية هاجر حتى تنسى ما تؤمن به من عقيدة لتنجذب إلى فكرة المؤلف المضللة.

ومن هنا ندرك مدى خطورة الروايات في زرع وترويج فكرة ما مثلما انتشرت في الآونة الأخيرة تساؤلات من أناس على مستوى ثقافي رفيع تدور حول هل إسرائيل أم فلسطين أصحاب الأرض والجدير بالذكر هنا أن كل المصادر وأهمها بردية ‘هاريس‘ المصرية تقول إن الفلسطينيين والذين أخذوا الاسم من رجل البحر‘ philistine  ، وللأسف التي تعني بالانجليزية القراصنة أو المتخلفين ثقافيا، وهو من أصلها الإغريقي،  قد سكنوا هذه المنطقة على ساحل البحر المتوسط بمئات السنين من هجرة ابراهيم من بالبل إلى أرض كنعان، ولربما القارئ العربي في حاجة إلى توضيح هذه القضايا الشائكة حتى تتضح له الرؤية ولا سيما في عصر انتشرت فيه وسائل التواصل الاجتماعي التي تنتشر فيها بشدة هذه الأفكار التي تغمض على المواطن العادي إن لم يكن المثقف أيضا.

الخلاصة أن الرواية الأجنبية انقسمت إلى قسمين قسم يتحدث عن فلسطين كبلد سياحي مظلوم أهله، والآخر عن ترويج أفكار صهيونية، نتمنى من القلم العربي أن يدحض هذه الأفكار بنفي روعة الأسلوب وسحر البيان وقوة الحجة.