الخميس 2 مايو 2024

الذكرى الـ 32 لانهيار الاتحاد السوفيتي (2)


د. نبيل رشوان

مقالات1-1-2024 | 15:25

د/ نبيل رشوان

أما أشهر وزير إعلام فى عهد الرئيس يلتسين، ميخائيل بولترانين فقد أشار فى مقابلة مع صحيفة "فونتانكا" بتاريخ 8/12/2011 "إن يلتسين كان هو حجر الزاوية فى كل الأحداث، التى أدت إلى انهيار الاتحاد السوفيتى، فقد لعب يلتسين الدور الرئيس فى اتفاقيةبيلوفيجسكى وما قبلها، فهو لم يأسف على شئ، ولميكن يهمه أى دولة سيرأس ديموقراطية أم فاشية، أى دولة المهم أن يبقى على رأس السلطة فيها هو نفسه، وألا يبقى تحت سيطرة أحد، وهو كان متفق مع جورباتشوف الذى لم يكن يعنيه شئ، وهما فقط كان يتظاهران بوجود صراع بينهما، لكن فى واقع الأمر لم يكن هناك أى صراع، فقد كانا متفقان" ويضيف بولترانين " الغرب كان يشجع يلتسين على توسيع نفوذه، كما كان يفعل من قبل مع جورباتشوف، فعلى سبيل المثال جرت دعوة يلتسين لإلقاء محاضرة فى أمريكا أمام إحدى منظمات مكافحة الإيدز، رغم أن يلتسين عضو برلمان روسى ليس له علاقة بالموضوع، كما أنه مهندس بناء ولا علاقة له بالإيدز، حينها لم تلفت هذه الرحلة أنظار أحد، حيث بقى يلتسين فى أمريكا تسعة أيام ليلقى محاضرات عن الإيدز، وكان يتقاضى عن كل محاضرة 25 ألف دولار". يشير بولترانين كذلك إلى رعاية المخابرات الأمريكية ليلتسين أثناء رحلته للولايات المتحدة ومنحه النصائح ليتمكن من الاستيلاء على السلطة فى روسيا. 
لم يكن اختيار غابة بيلوفيجسكى لتوقيع اتفاق هدم الاتحاد السوفيتى مجرد صدفه، فقد كانت هذه الغابة تبعد 6 كم فقط عن الحدود البولندية، حيث كان يتوقع المجتمعون أن تقوم المخابرات السوفيتية كى جى بى بإلقاء القبض عليهم، ومن ثم سيكون من السهل عليهم الهروب إلى بولندا. لكن الأهم أن يلتسين أدرك أن رئيس أوكرانيا كرافتشوك لن يوقع الاتفاق الاتحادى وهو ذاهب للاجتماع المشئوم وهو رئيس منتخب، وفى يده ورقة نتيجة استفتاء الشعب على الاستقلال. ستانيسلاف شوشكيفتش رئيس مجلس السوفيت الأعلى فى بيلاروسيا كان المضيف وهو الدولة الأصغر، ويلتسين كما هو معروف كان متفق مع جورباتشوف، بل إن هذا الأخير كان يعرف بما يحدث ولم يحرك ساكناً، فقد أخطره الكى جى بى ولم يفعل شئا، بل بعد توقيع الاتفاق تم إخطار الرئيس الأمريكى جورج بوش الأب به أولاً قبل جورباتشوف، وكما هو معروف دعى الرئيس الأمريكى لمؤتمر صحفى أعلن فيه أن "الاتحاد السوفيتى لم يعد موجوداً، والولايات المتحدة انتصرت فى الحرب الباردة"، وأعلن كذلك "أن الولايات المتحدة انفقت على هدم الاتحاد السوفيتى حوالى 5 تريليون دولار"
بتوقيع اتفاقية 8 ديسمبر 1991، يكون يلتسين وكرافتشوك وشوشكيفتش، قد قاموا بالانقلاب على الدولة السوفيتية، وبعد عودتهم إلى دولهم، قاموا بحملة دعاية مفادها أنهم أنقذوا الدولة السوفيتية من الإنهيار ومن حرب أهلية ضروس كان من الممكن أن تندلع. لكن أهم ما قاله جورج بوش الأب هو "أن النصر الذى تحقق على الاتحاد السوفيتى، كان بأيدى المعارضة الداخلية" أى بأيدى عملاء فى الداخل. والملفت أن الدول التى نشأت على أنقاض الاتحاد السوفيتى، تم قبولها فوراً فى الأمم المتحدة، لكى يحصلوا على ضمان أمنهم واستقلالهم، تحسباً لتغير الظروف ومحاولة استعادتهم للاتحاد السوفيتى، ومن ثم عضوية الأمم المتحدة ستكون ضمان لعدم العودة عن عملية الانفصال. وحصل جورباتشوف على جائزة نوبل، ويلتسين حصل على ثمن عمليات الخصخصة ومازالت أسرته تجنى الأرباح منها حتى الآن، وبقية الزعماء عاشوا يحكمون حتى ماتوا وتنحوا أو تمت تنحيتهم. الحديث فى هذا الموضوع يطول، ورغم نفى الولايات المتحدة لأى دور فى هدم الاتحاد السوفيتى، إلا أن إعلان بوش عن نصر بلاده فى الحرب الباردة كشف كل شئ وهو الذى وصف انهيار الاتحاد السوفيتى بأنه "معجزة بحجم نزول الإنجيل".
والآن وبعد مرور أثنين وثلاثين عاماً على انهيار الاتحاد السوفيتى، لا يوجد من يجادل فى أن الاتحاد السوفيتى مازال يتساقط حتى بعد مرور كل هذه الأعوام. فنجد أن عملية الانهيار مازالت مستمرة، فهاهى أوكرانيا وما فيها من صراعات بين شرقها وغربها وبين روسيا وأوكرانيا (حرب تدور رحاها الآن والرئيس بوتين يقول أنها ستستمر خمس سنوات) ككل، ثم فى وسط آسيا والصراع بين قيرجيزستان وطاجيكستان على وادى فرجان والمياه أضف لذلك أوزبيكستان وهى طرف أصيل فى النزاع. وظاهر للعيان كذلك نزاع كاراباخ الذى هدأت الحرب فيها منذ اشهر قليلة، إضافة إلى جورجيا وحركتين انفصاليتين هما أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، هذا بخلاف مولدوفا ومقاطعة بريدنستروفية التى يقطنها مواطنون روس يرفضون التكامل مع الاتحاد الأوروبى، وهذا أيضاً بخلاف بيلاروسيا التى تعانى من اضطرابات لأنها متمسكة بالإرث السوفيتى والعلاقة مع روسيا.
الاتحاد السوفيتى وإن كان انهياره لم يحدث حروب كبيرة، إلا أن آثار سقوطه، وزلزاله، مازالت تتردد حتى اليوم فى أرجاء العالم وكل يوم نسمع عن هزة ارتدادية لانهيار الامبراطورية السوفيتية ممثلة فى حرب محدودة هنا أو هناك.
أما الساحة الدولية فلم تستقر بعد، وما إذا كان العالم أحادى القطب أم ثنائى أم متعدد الأقطاب، خاصة بعد صعود الصين وعودة روسيا بقوة للساحة الدولية بعد استراد عافيتها، وصعود قوى جديدة مثل الاتحاد الأوروبى وحتى الآن لم يستطع أحد ملء فراغ الاتحاد السوفيتى، وقد يستغرق الأمر بعض الوقت.
 

Dr.Randa
Dr.Radwa