الجمعة 10 مايو 2024

الحياة النيابية في مصر.. القرن التاسع عشر


تعبيرية

مقالات16-1-2024 | 16:29

أحمد محمد على غباشي


● سعى محمد على إلى الظهور بمظهر الحاكم المستنير، أو ما عرف بالمستبد المستنير، من خلال إنشاء عدد من المجالس الاستشارية، لكن لم يكن لها أى صلاحيات تشريعية أو رقابية
● حققت مصر العديد من المكاسب والاستحقاقات بعد ثورة 19، وظلت الحركة الوطنية فى سعى دائم نحو حياة دستورية نيابية بشكل يحقق طموحات الشعب وآماله

تعتبر الحياة النيابية والبرلمانية أحد صور التحول الديمقراطي في أي دولة. فعملية التحول الديمقراطي تحتاج إلى العديد من العوامل التي تساعد على اكتمال تلك العملية، ومنها، وجود برلمان وطني منتخب، يعكس اختيارات الشعب، يفرز سلطة قوية لها اختصاصات رقابية وتشريعية تعمل لصالح الشعب ولصالح الديمقراطية.

فإذا كانت الديمقراطية من الناحية الإجرائية تتضمن عديدًا من الآليات، فلاشك أن الانتخابات تقع في مقدمة تلك الآليات، وفى واقع الأمر، فإن المسار النهائي لديمقراطية أي نظام يتمثل ارتباطه بوجود برلمان حقيقي منتخب، تتوفر له كل مقومات الشفافية، احترام القانون، وضمان حرية الاختيار للمواطنين.

وإذا بحثنا في أوراق التاريخ، سنجد أنه مع دخول الحملة الفرنسية إلى مصر في يوليو 1798م، أتخذ بونابرت من ادعاء الإسلام وسيلة للتقرب إلى المصريين، أو ما أسماه مؤرخو أوروبا "سياسة بونابرت الإسلامية" فكان أول ما قام به بعد دخوله القاهرة هو تأسيس "ديوان القاهرة" ليكون مقره الأزهر، وكان الهدف من تشكيل هذا المجلس هو تعليم المصريين نظام الشوري في الحكم، وطالب بوضع نظام داخلي للديوان، يرتكز على مبادئ الشورى والانتخاب، وكان غرضه، وضع نظام جديدة للإدارة متماشيًا مع مبادئ وأفكار الثورة الفرنسية ليحل محل النظام العثماني السائد. 

وتشكل أول ديوان من 25 عضوا، 9 من أعضائه كانوا من القاهرة، وعضو واحد عن كل مديرية من المديريات الستة عشرة، على أن يكون 1/3 الأعضاء من مشايخ البلاد، 1/3 من التجار، 1/3 من علماء الأزهر.

وهنا أحب أن أوضح أن عددًا من علماء الأزهر رفض الانضمام لهذا الديوان  على رأسهم الشيخ عمر مكرم، الشيخ محمد السادات، الشيخ محمد الأمير، ومن انضم من المشايخ للديوان كان من منطلق تقليل ويلات الاحتلال، ودفع شروره عن المصريين.

ولكن في حقيقة الأمر، أن الفرنسيين وبدون قصد، جعلوا من هذا الديوان بوتقة تشكلت فيها النخبة الوطنية المصرية في العصر الحديث، والتي تمثلت في العديد من علماء الأزهر، والذين قادوا فيما بعد مسيرة الحركة القومية المصرية. 

وفى أعقاب الحملة الفرنسية، تعاظم دور النخبة الوطنية لتتصدر المشهد السياسي، وتلعب الدور الرئيس في صناعة الأحداث، عندما تم اختيار محمد على باشا واليًا على مصر بإرادة شعبية، لتبدأ مرحلة من مراحل التحول الديمقراطي، ليس فقط في آلية الأختيار، وإنما من خلال ربط الولاية بشروط، مما وضع قاعدة دستورية للحكم، يقوم الشعب من خلالها بالدور الرقابي التشريعي.

ولقد سعى محمد على إلى الظهور بمظهر الحاكم المستنير، أو ما عرف بالمستبد المستنير، من خلال إنشاء عدد من المجالس، التي يمكن ان توصف بأنها إدارية أو استشارية، فلم تكن تمتلك أي اختصاصات أو صلاحيات تشريعية أو رقابية، كما أن عضويتها كانت تتم بالاختيار والتعيين وليس بالانتخاب من الشعب. ومن هذه المجالس كان:

الديوان العالي (المجلس العالي): أنشأه محمد على في عام 1824 م، وكان مقره القلعة، يترأسه كتخدا بك (نائب الوالى)، ومهمته الأساسية النظر في المسائل المتعلقة بالحكومة، وإبداء الرأي فيها قبل عرضها على الباشا لإقرارها، كما كان من ضمن اختصاصاته المعلنة سن النظم والقوانين. وضم المجلس أربعة من علماء الأزهر يمثلون المذاهب الرئيسية الأربعة.

وفى سنة 1825م، صدرت اللائحة الأساسية للمجلس، والتي حددت أختصاصاته، ومواعيد انعقاده، وأسلوب العمل.

وفى سنة 1834م، تغير إسمه إلى المجلس العالي، وكان يتألف في البداية من (24) عضوا ثم زاد إلى (48) عضوا، يمثلون فئات الشعب المختلفة، فتكون من:

نظار الدواوين، رؤساء المصالح، 2 من العلماء يختارهم شيخ الأزهر، 2 من التجار يختارهم شيخ تجار العاصمة، 2 من ذوى المعرفة بالحسابات، 2 من الأعيان عن كل مديرية من المديريات.

وفى سنة 1829م، تم إنشاء مجلس استشاري، عرف بمجلس المشورة، وكان يتألف من 156 عضوا: 33 من العلماء وكبار الموظفين، 24 من مأموري المديريات، 99 من الأعيان. وكان هيئة استشارية، وقرارته غير ملزمة للباشا. وكان المجلس ينعقد مرة واحدة في السنة برئاسة سر عسكر الجيش المصري إبراهيم باشا (ابن محمد على).

وكان يتم استشارة المجلس في مسائل التعليم، الإدارة والأشغال العمومية، كما كان له الحق في مساءلة موظفي الدولة ومشايخ البلاد عن جرائم الرشوة والإختلاس التي يرتكبونها، والنظر في الشكاوى التي يتقدم بها المواطنون.

وفي عام 1837م، تم إلغاء مجلس المشورة، ووضع محمد على باشا القانون الأساسي والذي عرف بالسياستنامه لتنظيم أعمال الحكومة، وحصر السلطة في 7 دواوين أساسية.

وفي عام 1847م، أنشأ المجلس المخصوص برئاسة إبراهيم باشا للنظر في شئون الحكومة، وسن النظم والقوانين، وإصدار التعليمات لجميع الجهات الحكومية، والمجلس العمومي ومهمته النظر فيما يحال إليه من أعمال الحكومة.

الخديوي إسماعيل وأول مجلس نيابي فعلي

تولى الخديوي إسماعيل حكم مصر في 18 يناير 1863م، وقد انعكست فترة تعليمه في فرنسا على شخصيته، لاسيما اعتناقه لمبادئ الثورة الفرنسية، والتي كانت في ظاهرها، مبادئ حقوق الإنسان، ومن هذا المنطلق، فقد سعى إسماعيل نحو توفير حياة ديمقراطية للمصريين، فصدر القرار في عام 1866م، بإنشاء "مجلس شورى النواب" والذي يعتبر هو أول مجلس نيابي حقيقي، والبداية الفعلية لحياة برلمانية في مصر حيث كان يمتلك اختصاصات نيابية فعلية، وليست تشريعية أو استشارية .

وتم وضع لائحة أساسية للمجلس تكونت من 18 مادة حددت سلطات المجلس، طريقة الانتخاب، وموعد الانعقاد، أما اللائحة الداخلية، فتكونت من 61 مادة.

وتكون المجلس من (75 عضو) منتخبًا من القاهرة، الإسكندرية، ودمياط، ويتم تقسيم المديريات إلى أقسام، بحيث يتم انتخاب واحد أو إثنين عن كل قسم حسب تعداد المديرية.

وحددت لائحة المجلس فترة انعقاده بـ3 سنوات، ودورة الانعقاد الواحدة شهرين في السنة من منتصف ديسمبر إلى منتصف فبراير، كما أعطت اللائحة للخديوي حق تعيين رئيس المجلس، ووكيله دون أن يكون للأعضاء دخل في ذلك. 

وكان الخديوي يفتتح المجلس سنويًا بخطاب العرش، وافتتح المجلس لأول مرة في القلعة في 25 نوفمبر 1866م، برئاسة إسماعيل راغب باشا. ومع مرور الوقت، زادت المطالبات الشعبية بتوسيع صلاحيات المجلس التشريعية والرقابية، ويرجع السبب في ذلك الى انتشار أفكار التنوير على يد مجموعة من كبار المفكرين والكتاب، إلى جانب ظهور الصحف. وقد أثمرت هذه المطالبات الشعبية عن إنشاء أول مجلس نظار في مصر عام 1878م، كما أعيد تشكيل البرلمان وتوسيع صلاحياته. 

وفى عام 1879م، تم إعداد اللائحة الأساسية الجديدة لمجلس شورى النواب، والتي تضمنت زيادة عدد أعضائها إلى 120 عضوا، وتقرير مبدأ المسئولية الوزارية للحكومة، ومنح المجلس سلطات أكبر في الأمور المالية، غير أن الخديوي رفض هذه اللائحة، وأصدر قرار بحل المجلس في مارس 1879م، ولكن المجلس ظل حتى انتهاء دورته في يونيه 1879م.

ومع قيام الثورة العرابية، كانت مصر على موعد مع استحقاق مهم، كان ضمن مطالب الأمة في مظاهرة 9 سبتمبر 1881 م، وهو تشكيل مجلس للنواب، والذي افتتح في 26 ديسمبر 1881م، وقدمت الحكومة فيه مشروع القانون الأساسي الذي صدر به الأمر الخديوي في فبراير 1882 م، والذي بمقتضاه جعل الوزراء مسئولين أمام المجلس النيابي المنتخب من الشعب والذي كان له أيضا سلطات تشريعية، وعين محمد سلطان باشا أول رئيس للمجلس. 

وفى أعقاب الاحتلال البريطاني على مصر في عام 1882م، عمد الاحتلال إلى حل مجلس النواب، واستبدله بمجلس صوري عرف بمجلس شورى القوانين يتألف من 30 عضوا، تعين فيه الحكومة 14 عضوًا، وبعد فترة تم إنشاء مجلس آخر عرف بالجمعية التشريعية، والتي حلت مع قيام الحرب العالمية الأولى.

وظلت الحركة الوطنية في سعى دائم نحو حياة دستورية نيابية بشكل يحقق طموحات الشعب وآماله، وبعد ثورة 19 حققت مصر العديد من المكاسب والاستحقاقات مثل دستور 1923م، والذي حدد الشكل النيابي في مصر بمجلس النواب والشيوخ، وظل هذا الوضع قائمًا حتى قيام ثورة 23 يوليو 1952م، وما أعقبها من دستور 1956م، والذي حدد الشكل النيابي "بمجلس الأمة"، كما أعطى لأول مرة للمرأة المصرية حق الترشح والتصويت في استحقاق جديدة، وخطوة أوسع نحو التحول الديمقراطي.  

Dr.Radwa
Egypt Air