الإثنين 29 ابريل 2024

نيللي.. زهرة البنفسج

مقالات20-1-2024 | 13:32

عندما تغمض عينك وتحاول أن تشاهدها بأذنيك ستجد  تلك الطفلة الصغيرة التي تسكن بداخلها وتمتلك روحها وقلبها، تطل عليك من خلف مراياتها بنظرات شقية وضحكة مرحة وشعر طويل ينسدل علي كتفيها وفستانها القصير بشرايط ملون كمراهقة على  وشك اكتشاف العالم من حولها، تضحك للكاميرات بخجل وترسل ضحكة ماكرة وهي تلقي بإحدى قفشاتها المرحة، ثم تبحث عن رد الفعل في عيون المحيطين وكأنها تقدم إحدى استعراضتها الراقصة، ولكن  هذا المرة على مسرح الحياة.

هكذا عاشت وهكذا استمرت بعد الاختفاء، منذ نعومه أظافرها وهي ترى الاستوديوهات بديل مشروع لمنزلها، وأضواء الكشافات بديلة لضوء الشمس وضحكتها لابد وأن توثقها الكاميرات، فلم تنعم بطفولتها ولم يكن لها أبدا حياة خاصة تحياها بعيدًا عن الفن الذي استحوذ على كل حياتها حتى امتزج الواقع بالخيال وتلاشي الخيط الرفيع الذي يفصل بينهم وصارت هي نفسها شخصية درامية تبحث عن مؤلف وكدهون.

رغم مرور الأيام و السنوات وتغير ذوق الجمهور وتطور سبيل الحياة، وظهور وسائل التواصل الاجتماعي ما زالت نيللي علي عهدنا بها  صغنططة مفرفشة ومزقططة مثل الفراشة أم جناحات ملونة تظهر لحظه لتختفي أيام حتى تكتمل أسطورتها بالغياب تاركة جمهورها يبحث عنها  في كل العيون وكل النجمات اللاتي سرن على دربها دون أن تقترب إحداهن من مكانتها في قلوب المصريين.

كان هناك اتفاق غير معلن بينها وبين جمهورها أنها تمثل علي الشاشة والجمهور يعمل إنه مصدقها، ولكنه في واقع الأمر كان يدخل السينما لكي يشاهدها هي ذات نفسه كنجمة سينمائية تخطف الألباب والعقول برشاقتها وحضورها الطاغي وأناقتها المميزة، فقد كانت شخصيتها الحقيقية دائمًا ما تطغي علي كل الشخصيات الدرامية التي تؤديها في الأعمال الفنية، فلم تكن ممثلة عظيمة علي شاشة السينما ولكنها كانت نجمه كما ينبغي أن تكون النجمات، واحتفظت لنفسها بأداء خاص لا ينافسها  فيه احد مع قدرتها الفريدة علي مزج الأنوثة بالطفولة، لتكون ذات سحر أنثوي بريء يشع بهجة وسعادة، مع احتفاظها بلمحة أرستقراطية راقية تحميها من الوقوع في فخ الابتذال أو الفجاجة، في وقت اختارت كل رفيقاتها الدراما وسيلة  للتعبير عن موهبتهم  وجدت نيللي ضالتها في الاستعراض والإبهار والأزياء والباروكات تمامًا مثل فراشتها أم جناحات ملونة طارت  يمينا ويسارا قبل أن تستقر علي شجرة الفوازير فتركت كل شيء خلفها، ووهبت لها روحها وموهبتها لتكتب باسمها سطورًا مضيئة في كتاب الفوازير، وعشقها الكبار وصدقها الصغار وقلدتها النساء  فقد وجدت أخيرًا القالب الفني  الذي يناسبها  تمامًا والأقرب لروحها وتوهجها وإبهارها وشقاوتها كساحرة جميلة  تتحول وتتبدل في لحظات  مثل قطعة الصلصال المرنة في يد نحات محترف.

 فنراها الخاطبة تلعب بالعين والحاجب لتقنع أسرة العروسة فلة بعريس الحلقة، وتنطلق من جعبتها كل الشخصيات التاريخية من  الموناليزا وشجرة الدر وماري أنطوانيت وماري منيب وصفية زغلول بالبيشة والياشمك وكليوباترا والأفعى القاتلة، وشخصيات وحكايات وفساتين  وباروكات وإبهار وسط راقصين ورقاصات وديكورات وإضاءة وإخراج، ونحن نلهث خلفها مشدودين بتلك  الفراشة الجميلة التي ترقص علي دقات قلوبنا  إلى أن جاء وقت غروب شمس الفوازير وبقيت شمس نيللي صانعة البهجة والفرحة والسعادة والأناقة والرشاقة كإحدى حوريات الشاشة الفضية وكدهون.

نيللي شكلت وجداننا بألوانها المشرقة، وصنعت ذكرياتنا كإحدى أشهر الملامح الرمضانية، وصانعة البهجة وتمنحها روحها و كل ما تملك من موهبة في الرقص والغناء والتمثيل فمنحتها الفوازير الخلود الفني كإحدى أيقونات فن الاستعراض.

Dr.Randa
Dr.Radwa