السبت 23 نوفمبر 2024

عرب وعالم

"القوة النبيلة" ترسم خطوط مصر الحمراء

  • 25-1-2024 | 14:15

الرئيس عبد الفتاح السيسى

طباعة
  • دار الهلال

في عالم يحكمه قانون القوة وكلما تحتدم فيه معركة ستجد اللاعبين أو بالأحرى المتصارعين ينصاعون فيه إلى قانون الغاب.. قانون القوة الخشنة.. لهدف واحد هو أن يفرض أحد اللاعبين سيطرته وهيمنته على طرف أو أطراف أخرى.

وفي هذا العالم الذي لم يزل يحكمه قانون القوة.. ستجد لاعبين آخرين يستدعون مفردات القوة الناعمة، وينحرفون بها نحو ما يسمى الاحتلال العاطفي.. فتصبح علاقة تبعية بين طرفين تستطيع من خلالها دولة أن تجعل دولاً أخرى تتصرف بطريقة تضيف إلى مصالحها هي كونها تملك وتوظف تلك القوة الناعمة.. والهدف واحد هو أن يفرض أحد اللاعبين سيطرته وهيمنته على طرف أو أطراف أخرى.

وحتى لا يسود قانون الغاب.. قانون الضِباع بمنطق القوة الخشنة، وقانون الذِئاب بمنطق القوة الناعمة، يبرز قانون آخر يفرض نفسه.. قانون آخر بمنطق آخر يبزغ اليوم مثلما في الماضي.. قانون "القوة النبيلة".. قانون مصري خالص وضعه المصريون منذ فجر التاريخ، صاغوا معه معنى الحضارة والتحضر.. صهروا فيه القوة الخشنة والقوة الناعمة بعنفوان قوة ثالثة.. قوة الضمير.. فصاغوا بقانونهم الحضاري الإنساني مفهوماً متفرداً ومتجدداً للقوة.. عنوانه "قوة مصر النبيلة". 

وإذا كانت مفردات القوة الخشنة وتداعيات توظيفها معروفة بل وملموسة ما بين دمار وآلام ودماء.. فقد تباينت تعريفات فلاسفة السياسة حول مفهوم القوة الناعمة.. وربما كانت صياغة البروفيسور الأشهر "جوزيف ناى" لتعريفها هي الأبسط والأوقع، حيث وصفها بأنها "القدرة على الحصول على ما تريد عن طريق الجاذبية بدلاً من الإرغام أو دفع الأموال كوسيلة للإقناع".. الإقناع بصيغة حسن النوايا كأداة للتفهم والتفاهم.. وفرض التبعية بصيغة سوء النوايا كأداة لكسر إرادات شعوب الدول وسلب استقلالها.

وما بين الخشنة والناعمة، وما بين الدماء والدمار والألم والانكسار يقف خبراء السياسة عاجزين بتعريفاتهم للقوة عن فهم مواقف مصر التي تملك كل مقدرات القوة الخشنة والناعمة، لكنها تتجاوز قاعدة السياسة الأشهر "الغاية تبرر الوسيلة"، وتترفع عن التدخل في شئون غيرها والإضرار بمصالحهم وكسر إراداتهم وسلب استقلاليتهم.. يقفوا عاجزين عن فهم وتفهم كيف ولماذا مصر تأخذ على عاتقها مهمة الدفاع عن حقوق وكرامة وسيادة أشقائها بإعلاءٍ لقيمة الشرف والمبادئ لتتجاوز معها دون أن تتغافل حسابات المصالح؟! .. والحقيقة أنه بين عجزهم عن الفهم وقدرتنا على المبادرة والممانعة تحتفظ مصر دون غيرها بملكية ما يمكن وصفه بالقوة النبيلة. 

وربما فات هؤلاء الساسة المتأملون مستشرقين كانوا أو مستغربين.. أعداء كانوا أو أصدقاء أو متلونين.. ربما فاتهم أن يعرفوا ما نعرفه نحن المصريين شعبًا وقيادة ومؤسسات من أن قوة مصر النبيلة تلك، اليوم مثلما أمس تستدعينا قبل أن نستدعيها. قوة حق اختص بها الله تعالى بكلماته من فوق سبع سماوات مصر بذكرها مرة ومرات في آيات القرآن الكريم.. ومن القرآن الكريم مثلما من الإنجيل والتوراة تستدعينا.. ومن كل أثر منقوش على حجر تركه لنا أجدادنا تستدعينا.. ومن قدسية تراب أرضنا.. وبعقول نوابغ مصرنا وروح مبدعيها مثلما من بصيرة وشجاعة قيادتنا تستدعينا.. من قديم الزمان وحتى آخر الزمان تستدعينا.

وبينما يغرق غيرنا فى دوامات بحور القوة الخشنة ويضل آخرون طريقهم في غياهب بحور القوة الناعمة، صهرت مصر في مجمع البحرين القوة الخشنة والقوة الناعمة لتسبح بقوتها النبيلة عبر صفحات الزمان.

وإذا كان لمصر منذ الأزل رصيدُ كبير لا ينضب من مقدرات القوة الخشنة ومن مفردات القوة الناعمة، فقد جعلت مصر منهما ضفتين تعرف دوماً كيف تسبح بشرف النبلاء بينهما حاملة مشعل الحضارة والإنسانية وحامية له كي لا ينطفئ شعاعه.. ومصر دوماً تعرف ببصيرة وشجاعة الشعب والقيادة في منعطفات الزمان المشهودة كيف تنصر وتنتصِر للخير والحق والعدل على الشر والظلم والباطل.

ومن يتأمل خطوط مصر الحمراء اليوم يدرك كيف ترسمها قيادتها ومؤسساتها بثقة وشموخ متسلحة بتلك القوة النبيلة.

وفي وجه ضِباع القوة الخشنة وذئاب القوة الناعمة تفرض مصر خطوطها الحمراء.. لا فرق في ذلك بين مُهدِدات ومُنغِصات أمنها القومي ومُهدِدات ومُنغِصات الأمن القومي لأشقائها فهما صنوان لا يفترقان.. ولا فرق في ذلك بين من يعتدون بخشونة على أراضي الأشقاء وأرواح شعوبهم أو من يتحايلون بنعومة فيعتدون على حاضر ومستقبل هويتهم وهواهم.

ومنذ تولى الرئيس عبد الفتاح السيسى قيادة البلاد في عام 2014 دأب على إرساء وتعزيز كل دعائم قوة مصر الخشنة مثلما دأب على ترسيخ وتطوير مفردات قوتها الناعمة، حتى تجدد مصر رصيد قوتها النبيلة لتضع بعدها بثقة القوي الشريف خطوطها الحمراء.. والآن ربما بدأ من كانوا يتأملون ويستغربون يفهمون السر من كلمات بسيطة عميقة ببساطة وعمق المصريين اختزل فيها الرئيس السيسي كل مفردات ومعاني وأهداف القوة المصرية في كلمته خلال الاحتفال بعيد الشرطة الـ 72 أمس الأربعاء، حيث قال: "إن ذكرى اليوم تأتي في وقت محوري.. تواجه فيه منطقتنا تحديات غير مسبوقة وتواجه مصر فيه واقعا إقليميا خطيرا.. يتشابك مع ظروف دولية لم يشهدها العالم منذ عقود طويلة.. وقد كان موقفنا في التطورات الأخيرة التي شهدتها المنطقة في قطاع غزة واضحا منذ البداية وقائما على شعور عميق بالمسئولية التاريخية والإنسانية لمصر في الوقوف دائما بجانب أشقائها من الشعب الفلسطيني وهو دور ستواصل مصر القيام به، بنبل وشرف وتجرد، حتى ينال الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة".

والحقيقة أن المتابع للمواقف المصرية إزاء كافة القضايا الإقليمية والدولية الراهنة وصولًا إلى خطوط مصر الحمراء سيدرك أن المسئولية التاريخية والإنسانية لمصر المحفوظة في كِنانة النُبل والشرف والتجرد هي إطارٌ مبدئي شامل تنضوى بداخله مقومات القوة المصرية النبيلة إزاء كافة القضايا وليس فقط فيما يخص القضية الفلسطينية.

وفي الأيام القليلة الماضية.. أعلنت مصر بقوتها النبيلة في وجه من يتباهون بقوتهم الخشنة خطوطاً حمراء جديدة وجسدت في وجه من يتوهمون قوتهم الناعمة خطوطاً حمراء أخرى.

وخلال أسبوع في عمر الزمان قصير وفي مصائر شعوب المنطقة عسير، ودعماً للصومال حيث أول شريك تجاري لمصر في التاريخ بل وأول تجارة دولية بين شعبين على الإطلاق في التاريخ، وضع الرئيس عبد الفتاح السيسي خطاً أحمر جديداً خلال مؤتمره الصحفي المشترك مع الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود بالقاهرة، بتأكيده "أن مصر تدعم الصومال وترفض التدخل في شؤونه والمساس بسيادته"، مشدداً على أن الاتفاق بين أرض الصومال وإثيوبيا غير مقبول لأحد.

ومن الصومال على مدخل البحر الأحمر وعمق مصر الإفريقي جنوباً إلى غزة الصمود شرقاً.. بين هذا الخط الأحمر الذي ترتجف من سماعه آذانهم جنوباً إلى ذاك الخط الأحمر الذي تدمى من رؤيته عيونهم شرقاً.. بين هذا وذاك وفي الأسبوع نفسه كانت مصر تزأر شرقاً في وجه من ظنوا أنهم يهمسون ويهمهمون.. وعلى مصر وقرة عينها سيناء يتآمرون.. وعلى شقيقتها فلسطين يتجاسرون.. وبلسان الدولة المصرية أكدت الهيئة العامة للاستعلامات- في بيان حاسم صارم- أن "إمعان إسرائيل في تسويق هذه الأكاذيب هو محاولة منها لخلق شرعية لسعيها لاحتلال ممر فيلادلفيا أو ممر صلاح الدين، في قطاع غزة على طول الحدود مع مصر، بالمخالفة للاتفاقيات والبروتوكولات الأمنية الموقعة بينها وبين مصر، وهنا يجبّ التأكيد الصارم على أن أي تحرك إسرائيلي في هذا الاتجاه، سيؤدي إلى تهديد خطير وجدي للعلاقات المصرية- الإسرائيلية، فمصر فضلا عن أنها دولة تحترم التزاماتها الدولية، فهي قادرة على الدفاع عن مصالحها والسيادة على أرضها وحدودها، ولن ترهنها في أيدي مجموعة من القادة الإسرائيليين المتطرفين ممن يسعون لجر المنطقة إلى حالة من الصراع وعدم الاستقرار".

وجاء هذا الخط المصري الأحمر ليتلاقى مع سابقه والذي أعلنته مصر مرارا، وهو الرفض القاطع لتهجير أشقائنا الفلسطينيين قسراً أو طوعاً إلي سيناء، وهو ما لن تسمح لإسرائيل بتخطيه.

وما بين الصومال وغزة كانت مصر شعباً وقيادة ومؤسسات تحتفل بعيد الشرطة.. وتحتفل معه بترسيخ أمنها وبرجالات أمنها، لتعلن مجدداً مع احتفالها بأول وأقدم جهاز شرطة عرفه تاريخ البشر أن أمن مصر وشعبها خط أحمر لا ولن نسمح بتخطيه.

وبين خطوطنا الحمراء في الخارج والداخل يتلمس الساسة المُتبصِرون خطوطاً أخرى حمراء غير معلنة تستدعي وترسخ مفردات قوة مصر الناعمة.

ومن القاهرة الجديدة حيث معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الخامسة والخمسين، في الأرض التي عرفت وعلمت أول كتابة في التاريخ، لم تزل تجسدها تماثيل الكاتب المصري التي تتزين بها أيقونات الأدب العالمي مثلما متاحف الدنيا.. جاء تأكيد مصر أن التعليم والثقافة والفكر والإبداع والفن علامات ستظل دائماً وأبداً مفاتيح قوة دولتنا، وأن المساس بتميزنا وتمايزنا فيها خط أحمر.

وبالتزامن وخلال أسبوع واحد من عمر الزمان كان الرئيس السيس يؤكد- خلال فعاليات بدء تنفيذ الصبة الخرسانية الأولى للوحدة النووية الرابعة بمشروع الضبعة النووي- أن "هذه اللحظة التاريخية ستظل خالدة في تاريخ وذاكرة هذه الأمة، وشاهدة على إرادة هذا الشعب العظيم، الذي صنع بعزيمته وإصراره وجهده التاريخ على مر العصور.. وها هو اليوم يكتب تاريخا جديداً بتحقيقه حلماً طالما راود جموع المصريين، بامتلاك محطات نووية سلمية".

لحظة تاريخية نعم.. حلم طالما راود شعبنا نعم.. قوة مصر العلمية نعم.. نووية سلمية نعم.. تأكيد وتوكيد أن قوة العِلم تظل في صدارة مسار مصر نحو المستقبل.. خط أحمر في قلب قوتها النبيلة.

وبين مفردات قوة مصر النبيلة وخطوطها الحمراء تبقى حقيقة.. حقيقة تركها لنا أجدادنا فتوارثناها.. حقيقة أن شعب مصر ليس فقط أول شعب كتب حرفاً وسطَر في التاريخ خطاً.. بل هو ذاته وبذاته أول شعب رسم منذ آلاف السنين خطوطاً باللون الأحمر أو "دشر" بلغة أجدادنا.. ليجعلوا منه- كونه لون الدم والنار- رمزاً للقوة والغضب والنصر.. نعم جعل المصريون خطهم الأحمر رمزاً لقوتهم وغضبهم وانتصارهم.. في الماضي مثلما في الحاضر وغداً.. "قوة مصر النبيلة" ترسمها بخطوطها الحمراء.

الاكثر قراءة