الخميس 9 مايو 2024

حكاية وطن: صفر كبير.. في مشهد إطالة الحرب!

مقالات31-1-2024 | 19:12

● قد تختلف الحرب الحالية على قطاع غزة عن غيرها من الحروب بأن سياسة مجلس الحرب الإسرائيلي هدفها هو إطالة الحرب سواء بعمليات مباشرة، كما حدثت في المرحلة الأولى والثانية، أو التدرج في الطرق العلاجية للقضاء على حركة حماس والتي ستبدأ في المرحلة الثالثة والتي ستأخذ وقتاً أطول وهذا يعتمد على عوامل التحفيز أو التثبيط ويعتمد ايضاً على نتائج الحرب في الميدان..

وعملية وقف الحرب ستأتي بخيارين أما استسلام احد الطرفين وهذا صعب في الوضع الحالي، وأما التوافق على وقف الحرب دون إنهاء الصراع بسبب الضغوطات الدولية والاقليمية، والضغوطات الداخلية الاسرائيلية بالتحديد من أهالي المحتجزين الاسرائيليين، مع الاخذ بعين الاعتبار أن مجمل الشارع الإسرائيلي مع قرار استمرار الحرب والقضاء على المقاومة الفلسطينية.

اما العامل الاخر في تقصير امد الحرب وهو ضغط الراي الداخلي الاسرائيلي على نتنياهو واعضاء مجلس الحرب الذي حتى اللحظة لم يحققوا اهداف وبالتحديد اخراج الرهائن الاسرائيليين من القطاع، فيما يتعلق العامل المُقصر للحرب وهو الواقع الانساني في القطاع الذي بات يُحرك العالم لانقاذ واقع المدنيين الذين كانوا الضحية في هذه الحرب..

واذا لم تتوقف الحرب واتباع استراتيجية اطالة امدها يعني تفكيك المقاومة الى مجموعات ومن ثم الى افراد وهؤلاء ان استمروا يعني البدء بالعمليات الاستشهادية او استسلامهم او اغتيالهم من خلال التدرج في المرحلة الثالثة والتي تُعتبر علاج وتطهير نهائي للجيوب العسكرية في القطاع ومهما كان الصمود والثبات للمقاومة، الا ان اطالة الحرب هي استنزاف للطرفين ولكن ليس لصالح المقاومة الفلسطينية، بعكس ما يتم الاشارة اليه ان اطالة الحرب ستكون ضد اسرائيل وبالتحديد ان تعنت نتنياهو وجالانت نحو استمرار الحرب يعني المُضي قدما رغم الخسائر البشرية والاقتصادية والضغوطات الداخلية والخارجية، وعدم التباحث لليوم التالي للحرب يعني حتى اللحظة سائرون في تنفيذ المهمات في القطاع..

● ومعادلة اطالة الحرب على القطاع ترتكز على أكثر من عامل:
- عدم القدرة على القضاء على حماس.
- عدم تدخل بشكل مباشر من احدى جبهات المثلث المتمثلة بحزب الله والجبهة اليمنية والكتائب الاخرى في سوريا، بمعنى بقاء تلك الجبهات ضمن المشاغلات وليس نطاق الحرب الشاملة..
- عدم تطور الداخل الاسرائيلي الى حالة من عدم الاستقرار نتيجة اطالة الحرب على القطاع..
- فشل المبادرات التي تقم لوقف اطلاق النار..
- استمرار الضوء الاخضر الامريكي حتى تنفيذ الاهداف..
- تماسك الائتلاف اليميني الحالي الذي سيبقى حتى تنفيذ القضاء على الجناح العسكري للمقاومة في القطاع..

•• واذا بقيت الحرب قاصرة على الجيش الاسرائيلي والمقاومة يبقى التصعيد بين الجانبين محتملا ما يعني بأن الافق الزمني لنهاية الحرب غير وارد لن تتوقف الا بانتصار اسرائيل وتحقيق معادلة المسافة صفر والنتيجة صفر..

وفي حالة التدرج في العمليات القادمة لاطالة الحرب لن تجتاح اسرائيل جميع القطاع بريا لتفادي الخسائر البشرية في صفوف جيشها بل ستعمل على "تجزئة عملية الاجتياح" وفق مقتضيات نتائج الميدان وهذا يعني استمرار المواجهة بين الجيش والمقاومة قد تستمر اسابيع او اشهر..

وتبقى هناك محاولات حثيثة للبدء في ترسيخ مبادرات لتقصير امد الحرب مثل المبادرة المصرية والتي تعتبر الاكثر ايجابية ووضوحا اذا تم التوافق عليها من جميع اطراف الفصائل الفلسطينية المنضوية في منظمة التحرير وفصائل المقاومة الفلسطينية في القطاع فيها مراحل مُتدرجة واي افشال في احدى مراحلها من اسرائيل يعني رمي الكرة في ملعبها بالتحديد انها معنية في استغلال أي رفض من الفصائل للمُبادرة حتى تطيل الحرب على القطاع وعامل الزمن لصالح اسرائيل، اما اذا تم التوافق على المبادرة بين جميع الاطراف ومن ضمنهم اسرائيل يعني وقف الحرب..

•• اما العامل الاخر في تقصير امد الحرب وهو ضغط الراي الداخلي الاسرائيلي على نتنياهو واعضاء مجلس الحرب الذي حتى اللحظة لم يحققوا اهداف وبالتحديد اخراج الرهائن الاسرائيليين من القطاع، فيما يتعلق العامل المُقصر للحرب وهو الواقع الانساني في القطاع الذي بات يحرك العالم لانقاذ واقع المدنيين الذين كانوا الضحية في هذه الحرب..

كما ان جنود الاحتياط الذي لم يتم اعطائهم امتيازات للدخول في الجيش يعني البدء في التمرد داخل صفوفه وهذا ينعكس سلباً على مسار الحرب، اما العامل الاهم وهو الولايات المتحدة الامريكية التي باتت تُسرع الوقت لتنفيذ الاهداف حتى لا تتطور الى حرب اشمل لا تريدها اميركا حيث ان اتساع الحرب خارج نطاق الجيش الاسرائيلي والمقاومة الفلسطينية يعني حرب ستمتد الى سنوات طوال لن تقف عند حد الحرب الاقليمية بل اتساعها الى حرب عالمية ثالثة امام التغير في النظام الدولي.

- ايران لن تتدخل وان قتل جميع كوادر الحرس الثوري، ولن تنتقم بطريقة الحروب المباشرة، وانما ستلجأ لطرق غير مباشرة مثل التهديد البحري او اغتيال اسرائيليين من مختلف تواجدهم في العالم او عمليات فردية هجومية على احدى السفارات الاسرائيلية في العالم او تهديد تكنولوجي، لكن المجمل لن تدخل الحرب لاكثر من سبب:
•• إن إيران ما زالت وستظل تحرك اذرعها الموالية لها من التيارات والمنظمات المنضوية تحت لوائها، وهذا يبعد الاشتباك المباشر بين ايران واسرائيل، حيث ستظل تدفع حزب الله لتطوير الجبهة الشمالية إذا ما اقتضت الضرورة القصوى لذلك، حيث مازال الحزب يكتفي بخطب حسن نصرالله - التي بالمناسبة أصبحت لا تستهوي حتى الجماهير كما كان من قبل - كما ان دخول ايران يعني ازدياد العقوبات عليها، وهي تحاول رفع العقوبات عن واقعها الاقتصادي، كما ان وجود الجيش الامريكي في المنطقة يقلق ايران ويردعها نوعا ما..

لذا ستحرك الاذرع وقتما تشعر بالتهديد المباشر، وقد نرى في الفترة المقبلة تخليها عن الحلقة الاضعف وهي حليفها حماس والجهاد الاسلامي وانهاء حكم حماس، مقابل ابعاد شبح الحرب المباشر بالمقابل ستحافظ على الجبهة اليمنية واللبنانية لاي دوافع مستقبلية، وستحركهم عند الحاجة حفاظا على وجودها ومصالحها الاقتصادية والامنية والعسكرية في منطقة الشرق الاوسط..

● وبالمناسبة، وكما تعلمنا انه من مبادئ السياسة المهمة هو أن لا نأخذ أبدا بظاهر الأمور مهما كانت مشتعلة، فالحقيقة لا تجدها في وسائل الإعلام ولا في التصريحات السياسية النارية، بل تجدها على أرض الواقع..

•• بل وكما تقول حكمة الفلاسفة الإغريق أن لا نركز على ما يقوله الساسة، بل على ما يفعلونه على الأرض، فولو نظرنا إلى ما فعلته إسرائيل وإيران على الأرض، سنجد أن الطرفين حلف واحد يتقاسم العالم العربي بالمسطرة والقلم..
 
ان كل الامور والشواهد تقول ان التغلغل الإيراني المتزايد في المنطقة، هو جزء من تفاهمات غير مباشرة بين إيران من جهة وأمريكا وإسرائيل من جهة أخرى، تفاهمات يسمح فيها لإيران بالتمدد واستعداء العرب للتخفيف من العداء العربي لإسرائيل..

أو بمعنى آخر هناك اتفاق بين إسرائيل وإيران على تقاسم العداء مع العرب، فبدلا من أن تظل إسرائيل البعبع والعدو الوحيد للعرب في المنطقة، تتقاسم العداء مع إيران، بحيث يخف الضغط على إسرائيل..

ولو نظرنا الآن لوجدنا ثمرات هذا الاتفاق على الأرض، ألم يصبح غالبية العرب ينظرون إلى إيران على أنها أخطر عليهم من إسرائيل؟!..

وبالتالي، فإن كل العداء هذا الظاهر بين "الصفيوني" و"الصهيوني" مجرد ضحك على الذقون، والخوف الإسرائيلي من الوجود الإيراني في سوريا ولبنان واليمن عبارة عن مزحة سخيفة!..

بل لنذهب الى ما هو ابعد من ذلك ان إسرائيل يعيش فيها نحو 250 ألف يهوديٍ من أصلٍ إيراني، قدموا تباعًا من بلاد فارس إلى الأراضي المحتلة مع إعلان قيام دولة إسرائيل عام 1948، ومن بينهم من وصلوا لأعلى المناصب السياسية والعسكرية مثل مناصب وزراء الدفاع ورؤساء أركان بل ومنهم من وصل إلى منصب رئيس الدولة مثل "موشيه كاتساف" - وكلهم مصنفين على انهم متطرفين -..

بل إن أشرس الصقور تطرفا في الحكومة الإسرائيلية وهو "إيتمار بن غفير" وزير الأمن القومي الإسرائيلي ورئيس حركة الجبهة الوطنية اليهودية، والاشد عنصرية هو من أصول ايرانية..

ورغم أن ملف اليهود من اصول إيرانية يعد من الملفات ذات الحساسية الخاصة التي يكتنفها الغموض إلى حد كبير، فإن الكاتبة إستر باريزي استطاعت إنهاء هذه الحساسية، ووضع حد لحالة الغموض التي تكتنف هذا الملف، بكتابها الذي حمل عنوان  "يهود وإيرانيون: الجالية اليهودية - الفارسية منذ الثورة في إيران وإسرائيل" الصادر عن دار النشر "هرماتان" الفرنسية..

حيث تحتل إيران، التي يعيش فيها نحو 45 ألف يهودي، وهم بذلك يشكلون أكبر تجمع يهودي في الشرق الأوسط بعد إسرائيل وتركيا، وأغلبهم من الطبقة الوسطى- المثقفة، لديهم أملاك، وعائلات وأعامل، ولا يرون بذلك أي مشكلة، حتى وإن كانت إسرائيل، دولة اليهود، تعد عدو بلادهم الأكبر. ويهود إيران هم «الطيالسة» نسبة إلى رداءٍ يلبسونه يسمى الطيلسان، ويتوزع يهود إيران في طهران وهمدان وأصفهان وأهم مقابرهم ومزاراتهم، مقبرة النبي دانيال، والنبي يعقوب..

وبعد الثورة الإسلامية في 1979، فضلت غالبية اليهود الإيرانيين البقاء لأنها لم تشعر بالتمييز.. بل وتعتبر الجالية اليهودية الإيرانية من أقدم الجاليات اليهودية في العالم، بل إن وضعهم تحسن بعد استلام حسن روحاني، منصبَ رئيس الدولة، سواء من ناحية معاملة السُّلطات، أو من ناحية المجتمع الإيراني. و سمحت حكومة روحاني للمدارس اليهودية أن تغلق أبوابها يوم السبت. و خصص حوالي 400 ألف دولار لمستشفى يهودي في طهران، ودعا الرئيس الإيراني، عضو البرلمان اليهودي الوحيد في البلاد أن يرافقه إلى جلسة الأمم المتحدة في نيويورك عام 2015، ويحافظ اليهود الإيرانيون في إسرائيل على صلاتهم بالمجتمع اليهودي في إيران عبر الإنترنت والهاتف..

وقبل فترة ذكر الحرس الثوري الإيراني أنه ساعد في استعادة كتاب توراة قديم  سُرق من الجالية اليهودية وهو أحد المخطوطات الأقدم في العالم، وأعيد إلى  الجالية اليهودية في إقليم شيراز جنوبي إيران - وهذه تفاصيل أخرى لها موضع آخر من الكلام والتوثيق -!..
 
● كما ان اسرائيل لن تتخلى بسهولة عن القضاء على حماس فعوامل التحفيز ما زالت المُرجحة عن عوامل التثبيط فهي معنية بارجاع اسراها ومعنية بتقسيم القطاع الى مناطق امنية عازلة ومعنية بالتهجير الطوعي ومعنية بتغيير الحكم في القطاع وترسيخ بُعد مدني حسب مقتضيات الامن القومي لاسرائيل

- وطالما التأييد الواسع من الاطياف السياسية في اسرائيل لانهاء حكم حماس والانتقام للخسائر البشرية والنفسية والمادية موجود وتاجيل محاسبة حكومة الحرب عن فشلها او تقصيرها ستستمر الحرب، كما ان الانقسام الداخلي المجتمعي الاسرائيلي لم يكن وليد الحرب الحالية بل وجد منذ العام 1948 التي تغيرت الطبيعة المجتمعية من اليسار الى اليمين الى اليمن الاكثر تطرف وها هو الان يتغير نحو الاكثر حدة في التدين نحو تحويل اسرائيل الى دولة يهودية دينية، وهناك تاييد من المتشددين لاستمرار حرب غزة باي ثمن حتى يتم القضاء على حماس ومتوافق عليه من الجميع، لكن المطالبة الاخيرة من بعض التيارات اليمينية الاخرى بتنحي نتنياهو لانهم يعارضون قيادة الحرب انطلاقا من رؤيتها انه يقودها وفقا لاجندته السياسية الخاصة وليس "اجندة اسرائيل الامنية"، لانقاذ سمعته والبقاء على السلطة، لذا قد تستمر الحرب لمدة عام اذا لم تنجح جهود المبادرات المطروحة..

•• إن إستمرار الحرب يعني القضاء على حماس، ثم التفكر بمرحلة انتقالية بعد السيطرة الامنية الشاملة على القطاع، وهذه المرحلة الانتقالية اذا نجحت اسرائيل فيها يعني تعزيز رؤيتها الخاصة بابقاء جزء من قواتها في شمال القطاع مع فرض حصار امني في الجنوب براً جواً بحراً، والاكتفاء مع الاطراف المعنية لتخفيف المعاناة الانسانية على السكان المتواجدين في المنطقة الجنوبية، وهي تتفق مع الرؤية الامريكية في ترسيخ البُعد الامني الاسرائيلي في القطاع، وتختلف فيمن يدير القطاع بعد انهاء حكم حماس، امام تجاهل اطلاق عملية سلام تحقق البعد السياسي للجانب الفلسطيني.

Egypt Air