الأحد 5 مايو 2024

انقسام في القيادة الأوكرانية قد يطيح بقائد الجيش

مقالات2-2-2024 | 15:30

بعد عدم تحقيق الهجوم الأوكرانى المضاد فى شهر يونيو الماضى، لأهدافه والجدل الذى دار حول ميعاد وطريقة الهجوم بين الولايات المتحدة وأوكرانيا حول هذا كان الجميع يتحدث عن احتمال إقالة القائد العام للجيش الأوكرانى فاليرى زالوجنى.

فى التاسع والعشرين من يناير الماضى تواترت أنباء قوية عن أن الجنرال فاليرى زالوجنى قد تمت إقالته من منصب القائد العام للجيش الأوكرانى، وأن الرئيس طلب منه تقديم استقالته للقائد الأعلى للقوات المسلحة الأوكرانية فى هذه الحالة الرئيس فلاديمير زيلينسكى، غير أن بعض من حضروا اللقاء أشار إلى أن الجنرال زالوجنى رفض تقديم استقالته وأشار على الرئيس بأن يقيله من منصبه فهو القائد الأعلى ومن حقه اختيار من يعملون معه، الجنرال يدرك مدى شعبيته ويريد إلقاء كرة الله لأحضان الرئيس.

ورغم حديث عدد من نواب البرلمان عن إقالة القائد العام للجيش الأوكرانى، بل ذهب بعض الصحفيين مثل رومان تسيمباليوك زيورى بوتوسوف لأبعد من ذلك وقاما بتسمية القائد العام الجديد للجيش الأوكرانى وهو رئيس المخابرات الحربية كيريل بودانوف. وذهب السيد يورى بوتوسوف لتأكيد خبر الإقالة بأن قال إن القرار قد تم توقيعه وأن المسألة تتعلق بالتشاور مع الشركاء الغربيين على حد قوله.

وفى أوكرانيا عادة ما تأتى أخبار الإقالات أو التعيينات من خلال نواب البرلمان، هذا ما حدث عندما تواترت أنباء عن قرب إقالة وزير الدفاع الأوكرانى السابق أليكسي ريزنيكوف فى فبراير من العام الماضى، فقد أعلن عن هذه الاستقالة النائب فى حزب الرئيس "خادم الشعب" دافيد أراخميا، لكن السيد أراخميا جانبه الصواب عندما أشار إلى أن وزير الدفاع القادم هو الجنرال كيريل بودانوف، وهذا غير ممكن حيث وفق الدستور الأوكرانى الوزير منصب سياسي ولا يجب أن يكون عسكرياً والسيد بودانوف رجل عسكرى بل وما زال فى الخدمة.

هذه المرة وفى وقت متأخر من يوم 29 يناير، نفت وزارة الدفاع الأوكرانية على موقعها على قناة التليجرام الخاصة بها، أى أنباء عن إقالة القائد العام للجيش الأوكرانى فاليري  زالوجني، وقال المتحدث باسمها "السادة الصحفيين نجيبكم مباشرة ... لا... هذا غير صحيح"، لكن موقع الوزارة لم يحدد ما ينفيه هو هل الإقالة أم شئ آخر. لكن فيما بعد جاء التصريح الأكثر دقة عندما أعلن السيد سيرجى نيكيفوروف السكرتير الصحفى للرئيس زيلينسكى والذى قال فيه "بالضبط لا، الرئيس لم يقيل القائد العام للجيش". لكن هناك حديث يتواتر عن أنه اقترح على زالوجنى منصب يمكن أن يبدى رأيه بشأنه مثل مستشار للرئيس أو أو مساعد، أو رئيس مجلس الأمن القومي.

على أى حال الإشاعات عن الخلاف بين القيادتين السياسية زيلينسكي والعسكرية الأوكرانية زالوجني سرت منذ عام 2022 وكما قال كاتب سبرة الرئيس الأوكرانى الصحفى فى مجلة "التايم" أن الرئيس زيلينسكي يتهم قائد الجيش بأنه له طموح سياسي، رغم أنه لم يتحدث عن ذلك، إلا أن البعض، ومنهم بعض القيادات فى هيئة الأركان تحدثوا عن أنه من الممكن أن يكون منافس للرئيس زيلينسكي فى أى انتخابات رئاسية قادمة، وأن الرئيس أصبح يشعر بالقلق من الشعبية الكبيرة للقائد العام للجيش التى تفوق شعبية الرئيس نفسه. الأمور زادت تعقيداً عندما أن أعلن زالوجني أن الهجوم المضاد الذى قامت به القوات الأوكرانية فى يونيو من العام الماضى لم ليحقق النتائج المرجوة، وأن الحرب تحولت إلى حرب مواقع، وفى طريقها للتجميد وهذا فى صالح روسيا، من جانبها مجلة "التايم" الأمريكية تحدثت عن أن القيادة العسكرية الأوكرانية لم تستمع لنصائح الخبراء الأمريكيين فيما يتعلق بتوقيت الهجوم وهى التى نصحتها القيام بالهجوم المضاد فى شهر أبريل من العام الماضى لكن زالوجنى أصر على موقفه، ما أدى إلى أن القوات الروسية تحصنت وزرعت ألغام فأصبح من الصعب اختراق خطوطها ما أدى إلى خسائر جسيمة للقوات الأوكرانية سواء فى الأفراد أو المعدات.

المسألة الثانية كانت نشر الجنرال زالوجنى بعد فشل الهجوم المضاد الأوكرانى مقال فى مجلة الإكونوميست قال فيه "إن الأمور تتجه نحو تجميد الموقف مع روسيا هو بلا شك فى صالح الأخيرة، وشكك فى قدرة قواته على تحقيق النصر بدون إمدادها بأسلحة عالية التقنية ونوعية. وهذا الأمر استهجنه الرئيس الأوكرانى وأعتبره نوع من ممارسة السياسة وحيود عن المهمة الرئيسية للجيش فى حالة الحرب. هذ ناهيك بالطلع عن الجانب الإنسانى والغيرة التى نشبت بين الرئيس وقائد جيشه، فقد استطاع البعض دق أسافين بين زيلينسكى وزالوجنى، على سبيل المثال البعض اقترح ترشيحه فى الانتخابات الرئاسية القادمة فبدأ الرئيس يرى فيه منافس، والبعض تحدث عن أنه الرجل العسكرى الذى اقترحه الرئيس بوتين فى بداية العملية العسكرية للتفاوض وتسوية النزاع.

المحلل السياسى الأوكرانى فلاديمير فيسينكو يتوقع إقالة زالوجنى بين يوم وآخر، ومن وجهة نظره أن المسألة مسألة وقت فقط، أما موقع "سترانا أو" الأوكراني فيرى أن الإقالة حتمية ويؤكد ذلك بأن إشاعة الإقالة جاءت من نواب مقربين من الرئيس الأوكرانى السابق بيوتر بوروشينكو ومن الصحفيين الذين ينتقدون زيلينسكي ويمتدحون زالوجنى ويتحدث الموقع عن أحتمالين لانتشار هذه الإشاعة (إقالة القائد العام للجيش) الأول: أنه بعد أخطار الرئيس زيلينسكى للقائد العام بإقالته، قامت مجموعة من الصحفيين الداعمين لزالوجنى بنشر هذا الخبر وكشفوا عنه لدرجة نشر المرسوم الرئاسى الخاص بذلك وقررت المجموعة القيام بضربة وقائية، وهم بذلك أرادوا تشكيل قوة ضغط على الرئيس مع "أحتمال دعوة بعض الشركاء الغربيين للتدخل لعدم السماح بالإقالة" لقائد الجيش الأوكرانى. والإحتمال الثانى: أن يكون الرئيس زيلينسكى لم يتحدث مع قائد الجيش عن الإقالة، وأن الإشاعة تم نشرها لكى يتم نفيها بعد ذلك والتأكيد للرأى العام بأنه "لا توجد خطط لإقالة زالوجنى وأن الأمر لا يعدو أن يكون من صنع الروس" إذا كانت الإقالة بالفعل تم الإعداد لها بالفعل، فهى أحد أمرين إما تأجلت أو أنها تبدو صعبة ولهذا السبب لم تحدث حتى الآن.     

ثم نأتى إلى الأحداث القريبة جداً وهى سقوط طائرة النقل الروسية إل ـ 76، والتى كما قالت روسيا كانت تحمل عدد من الأسرى الأوكران لمبادلتهم، ورغم أن هيئة الأركان الأوكرانية لم تعلن أن الطائرة لم تسقط بفعل صاروخ أوكرانى، إلا أن الجنرال زالوجنى لم ينف هذا الاتهام.  لكن فى نهاية الأمر إذا كانت هناك ضرورة أو رغبة من جانب الرئيس الأوكرانى زيلينسكي فى إقالة قائج الجيش، فسيكون عليه تقييم ردود أفعال ثلاث لاعبين هامين على الأقل: المجتمع والجيش والشركاء الغربيين وهل سيتحول زالوجنى إلى معارض بشكل علني للرئيس بعد إقالته، من غير المستبعد بدليل سيل المعلومات التى تحدثت عن الإقالة، وهو ما يعنى أن القائد العام للجيش لن يلجأ للهدوء، ويكفيه أن استطلاع رأى أظهر أن 72% من الشعب لا يؤيدون إقالة زالوجنى، و2% فقط هم من يؤيدون إقالته.

فى تقدير خبراء أن الرئيس الأوكرانى وضع نفسه فى موقف صعب، الإقالة ستحول شخص عمل معه إلى معارض له، وإذا أبقاه فى منصب حساس كهذا فلن يستطيع العمل معه فى ظروف البلاد الحالية وكيف يعمل القائد الأعلى مع القائد العام وهما على خلاف. لكن الأهم من ذلك هو المتغيرات التى ستصاحب إقالة زالوجنى ومدى تأثيرها على الجيش الأوكرانى الذى يعانى من نقص العتاد والذخيرة وعدم القدرة على تنفيذ سياسة تعبئة عامة فى البلاد لنقص الأفراد، من حيث المبدأ استقالة أو إقالة القائد العام للجيش ستؤدى إلى استقالات بالجملة فى صفوف القوات المسلحة، وهذا لا يجب أن يثير أى نوع من الإندهاش فأى قائد جديد يجب أن يأتى بفريقه فى قيادة الجيش الأوكرانى، ومن ثم فإن إقالة زالوجنى ستؤدى إلى تغيرات كبيرة فى الجيش الأوكرانى، فى هكذا طروف لا أعتقد أنها مسألة سهلة. على أى حال الإقالة أو الاستقالة لم تحدث بعد ووسائل الإعلام الأوكرانية لا تتحدث فى هذا الأمر، لكنى أعتقد أنها ستحدث وهى مسألة وقت وربما يجرى الآن أعداد الكوادر التى ستتغير. وقد يتم تحجيم دور زالوجنى بوساطات من حلفاء أوكرانيا فى الغرب. لكن لا شك كان إسقاط الطائرة الروسية بمثابة القشة التى قصمت ظهر البعير بالنسبة للجنرال الأوكرانى.

فى تطور آخر نشر القائد العام للجيش الأوكرانى عمود على موقع "سي إن إن" الإخباري فتح فيه النار على القيادة السياسية للبلاد أى قائده الأعلى الرئيس زيلينسكي، وهو الأمر الذى جعل مسألة إقالته أمر حتمى، وذلك لأن الموقع الأمريكى الذى نشر عمود الجنرال زالوجنى أشار إلى أنه تمت كتابتها قبل أن يطلب الرئيس منه تقديم استقالته. انتقد الجنرال رئيس البلاد بشكل علني وقال إنه لا يستطيع أن يعلن التعبئة العامة ولا يريد أن يسمح بأن يعمل المجمع العسكري الصناعى الأوكرانى، ولم ينس الجنرال أن يتحدث عن سير العمليات العسكرية فى الوقت الحالي عندما قال إن بلاده لا تملك التفوق فى حرب المواقع الحالية بسبب الوضع على الأرض وانخفاض الدعم العسكري الغربي، وأشار إلى أن أوكرانيا عليها أن تتعود على البخل الغربي فى الدعم العسكري، لكن ماذا عن عدم تأثير العقوبات الغربية على روسيا والتى لم تؤثر على المجمع العسكري الصناعي الروسي الذى يتطور، بالإضافة إلى تفوق الجيش الروسي عددياً.

وتحدث السيد زالوجنى عن حل للمشاكل هذه بأن قال الحل هو فى الطائرات المسيرة التي لن تسمح بجذب أوكرانيا لحرب المواقع، ويضيف إن الطائرات بدون طيار هي التى ستمكن أوكرانيا من توجيه ضربات للبنى التحتية الروسية ولخطوط الإمداد ومن وجهة نظره هذا أفضل من الصواريخ الغالية الثمن، وفى نفس الوقت يدعو لإنشاء محطات السيطرة الإليكترونية على مسيرات روسيا التى تستخدمها بكثافة فى الفترة الأخيرة.

مسألة الإقالة أصبحت الآن أمر واقع، أما من سيشغل منصب القائد العام للجيش فى تقديرى إما الجنرال كيريل بودانوف رئيس المخابرات الحربية أو الكسندر سيرسكي قائد القوات البرية، وهما أيضاً من الجنرالات الذين ذاع صيتهم فى الفترة الأخيرة وربما يكونا قد أخذا الدرس من زالوجنى، وأن يهتما بعملهم فقط.