الثلاثاء 7 مايو 2024

في عرْس معرض الكتاب.. الهيئة العامة للكتاب وصناعة الكتاب


د. يوسف نوفل

مقالات5-2-2024 | 09:54

د. يوسف نوفل
  • تحدثتْ المصادر القديمة عن الكتاب وعن صناعته وتاريخها،  ومتطلباتها، وصورها، وشروطها، وتكشف عن قيمة هذه الصناعة الإسلامية وخطورتها، بوصْف الكتاب وعاء للمعرفة
  • حفلت المكتبة العربية بتاريخ لامع على مر العصور، بلغ فيه الاهتمام بالكتاب مبلغا كبيرا، حتى صارت المكتبة بمثابة المعهد العلمي أو المدرسة التى تضم القراءة والترجمة والنقل والتعلي

 

قبْل أن يتألق نجم الهيئة العامة للكتاب كان قد نشأ ما يمكن أن نطلق عليه مؤسسة معنية بالكتاب في مصر فيما بين أعوم 1961 و1994 في مسميات متعددة في شكل مؤسسة معنية بصناعة الكتاب  كالهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر، والهيئة المصرية العامة للكتاب؛ لتضم : دار الكتب والوثائق القومية، ودار التأليف والنشر، وهكذا مضتْ مسيرة تلك المؤسسة العريقة على أيدي رؤسائها الأعلام، وبفروعها في محافظات مصر، حتى بلغت أوج نشاطها على يديْ أ.د. أحمد بهي الدين، ومن قبله ابني الخلوق أ.د. هيثم الحاج علي.

      وما دمنا بصدد الحديث عن صناعة الكتاب فإن من المهم إلقاء نظرة تاريخية على هذا الحقل المهم في صناعة الحضارات اإنسانية على مر العصور؛ فقد تمكن المصريون القدماء من صناعة ورق البردي، واحتكروا تداوله،  وكانت تصدره عن طريق الإسكندرية في العصر البطلمي، حيث كانت تنتشر المصانع من الإسكندرية، وشرق الدلتا، والفيوم، وكانت الفسطاط أقوى مراكز إنتاجه، واقترنت المساكن بوجود تلك المصانع، وكانت  المصانع المصرية تنتج منه سبعة أصناف، واستخدم المسلمون هذا الورق، وأطلقوا عليه قراطيس،  وآخر ما وجد منه يعود إلى بدايات الدولة الإخشيدية سنة 323هـ/935م.

    كان الصينيون رواد صناعة الورق من لحاء الشجر، ومن شرانق الحرير، وعنهم انتشر في كوريا واليابان،  حتى وصل الورق إلى المدينة الأزباكستية سمرقند سنة 81هـ/700م، التي فتحت على يدي القائد قتيبة بن مسلم الباهلي سنة 93هـ/712م، قبل أن يخربها جنكيز خان سنة 1229م، فتيمور لنك، كما عرفه العرب منذ فتْح فرغانة، ثم عرفتْ العراق الورق لقربها من سمرقند، فاحتضنت بغداد أولى (طواحين) مصانع الورق، وأدرك الخليفة المنصور (754ـ775م) أهمية الورق وحاجة النساخ إليه في مخطوطاتهم العلمية والأدبية فتوسع في صناعته، فزادت معرفتهم به أيام الرشيد، وأسس الفضل بن يحيى والي خراسان وابن يحيى البرمكي وزير هارون الرشيد مصنعا، وانتقلتْ صناعته إلى العرب على أيدي الأسرى الصينيين عام 751م،  فانتشرتْ مصانعه بالعراق،  وبلاد ما وراء النهر،  ثم بدمشق،  وبطرابلس الشام وطبرية بفلسطين، وشمالى المغرب العربي،  ثم إلى إسبانيا 268هـ/950م، وبخاصة طليطلة،  ثم صقلية 1102م، وإيطاليا 1154م،  فألمانيا 1228م،  ليتأخر عن انجلترا حتى عام 1309م، وسائر أوروبا، بعد أن كان قد صنع بمصر 184هـ/800م، وبمكة المكرمة سنة 171هـ/787م، الأمر الذي ساعد المخطوط العربي على الانتشار، على نحو ما نرى في اللسان لابن منظور، والفهرست لابن النديم ص 31،  وعند عبد الستار الحلوجي،  المخطوط العربي منذ نشأته إلى آخر القرن الرابع الهجري،  في مواضع عديدة)، وعائشة عبد الرحمن، ذخائر البردي في مكتبة ألبرتينا،  حولية كلية البنات، ع5، يوليو 1967،  ونشر 1969 مستخلصا في 58ص؛ لتتمثل مواد الكتابة في: العسب والكرانيف،  والأكتاف والأضلاع، واللخاف: الحجارة الرقيقة البيضاء، والرق والأديم والقضيم من الجلود، والمهارق: الثوب الحيري الأبيض، والبردي، والورق، وأدواتها في: القلم، والمدْبة، والمقط، أو المعصمة: قطعة صلبة من الرخام،  والمقْلمة،  والمفرشة، والممسحة، والمداد من: العفص، والزاج، والصمغ، أو السناج (الدخان)، والدواة.   

  هكذا كانت الحضارة التاريخية،  والدور الحضارى الذى قام به المسلمون في تاريخ الكتب والمكتبات؛ إذْ حفلت المكتبة العربية بتاريخ لامع على مر العصور، بلغ فيه الاهتمام بالكتاب مبلغا كبيرا،  حتى صارت المكتبة بمثابة المعهد العلمي أو المدرسة، أو المنتدى العلمي، او المركز الثقافي، يضم القراءة والترجمة والنقل والتعليم.

       وحدّثتْنا كتب عن طرق إعداد الكتاب، وصناعته، ومن ذلك: كتاب (صبح الأعشى في صناعة الإنشا) للقلقشندى، أبي العباس أحمد بن علي(756هـ ـ 821هـ / 1355ـ1418م)، الذي يضم معارف عامة وجغرافية وتاريخ سورية ومصر، طبع في ثلاثة أجزاء في أكسفورد 1913، وطبع بمطبعة بولاق 1323هـو بعد طبعة دار الكتب المصورة الصادرة 1331 ـ 1338هـ/ 1922 في أربعة أجزاء، ثم بيروت 1409هـ، في 15 مجلدا بتحقيق محمد حسين شمس الدين مفيدا من التحقيق السابق له على يد محمد قنديل البفلي بإشراف سعيد عبد الفتاح عاشور، مكتبة عالم الكتب، القاهرة 1390هـ .

 تضيف المقدمة التي كتبها فوزي محمد أمين الجديد في طبعة سلسلة الذخائر بهيئة قصور الثقافة، نوفمبر 2004، والصادر في 16 مجلدا بزيادة جزءين لتعريف المصطلحات في جزء، والفهارس في جزء، وقام بهما محمد قنديل البقلي، ليبلغ عدد الصفحات نحو سبعة آلاف صفحة،   في مقدمة وعشر مقالات هي: التمهيد عن الكتابة، ودراساته، والجغرافيا، والمكاتبات، ومقالات الكتّاب، والولايات وتنظيمها، والوصايا الدينية، والإقطاعات، والإيْمان، والعهود، ونماذج من الرسائل الملوكية، بما في ذلك من معلومات.

   وتحدثتْ المصادر القديمة عن الكتاب وصناعته، ومنها: (جوهر الكنز - تلخيص كنز البراعة في أدوات ذوى اليراعة) لنجم الدين أحمد بن إسماعيل بن الأثير الحلبى،  على نحو ما سنذكر من اهتمامه بصناعة الكتاب والمكتبات،  و(مواد البيان)،  الذى نقل عنه القلقشندى كثيراً،  وهو لعلى بن خلف الذى قال في نهاية الباب الأول من كتابه إنه يصنـّف: "كتاباً جامعاً لما تنظمه صناعة الكتابة من العلوم والآداب الخاصة بها ليجد من يعنى بهذه الصناعة جميع ما يرومه من أصولها وفروعها التى فرّقها المصنفون في كتبهم مودعة فيه،  ويعرف بها الطالب جلالة خطرها وارتفاع قدرها من بين الصنائع،  ويصْرف همته إليها ليتميز مَنْ انتمى إليها بالاسم دون الرَّسم وبالزىّ دون المعنى"، وهو بتحقيق حسين عبد اللطيف، منشورات جامعة الفاتح، 1982م،  ص 92)،  والخراج وصناعة الكتابة لقدامة بن جعفر(ت337هـ)، ليدن 1896، وبيروت،   والقاهرة 1966. وفي ذلك كله ما تتضمنه مصادر تكشف عن تاريخ صناعة الكتاب،  ومتطلباتها، وصورها، وشروطها، وهى تكشف - إلى جانب قيمتها - عن قيمة هذه الصناعة الإسلامية وخطورتها،   بوصْف الكتاب وعاء للمعرفة ، وهكذا يتواصل عطاء الخلف بعطاء السلف، مع تطور بلغ أوجه على أيدي رعاة هذه المؤسسة العريقة في أعراسها المتعددة المتعاقبة ( معارض الكتاب).

Egypt Air