الأربعاء 19 يونيو 2024

العوالم السرية لمعارض الكتب: ما بين معرض القاهرة للكتاب والمعارض الدولية والعربية

د.زين عبد الهادي

ثقافة6-2-2024 | 09:24

د.زين عبد الهادي

أظن ان المدخل لعالم الكتب السرية يبدأ من معارض الكتب، فنادرا ما ستسمع عن الكتب الممنوعة في الصحف ووسائل الإعلام، خاصة في الدول غير المنفتحة على العالم كالاتحاد السوفينتي القديم، وبعض دول شرق أوروبا وبعض الدول العربية في الستينيات والسبعينيات، وقد صادفت ذلك في دول عربية كثيرة، ومع ذلك ادركت من الوهلة الاولى أن الناشرين اللبنانيين والسوريين هم المدخل الاصيل لعالم الكتب الممنوعة في السبعينيات والثمانينيات في أغلب العواصم العربية، ليس ذلك فقط، بل معارض الكتب الدولية مثل معرض فرانكفورت ومعارض باريس ولندن وروما، فلاشئ هناك ممنوع، لكن هذا غير حقيقي في كثير من الاحيان، لقد علمتنا حرب غزة ان الغرب أكبر كذبة ديموقراطية في التاريخ، فما كان متاح هو مايهدم الدول الاعداء لهم فقط.

أتذكر أنني بدأت في التعرف على العوالم السرية لمعارض الكتب عام 1981 في الكويت، وكنت قد بدأت قراءاتي في الأدب الجاد، لكني بدأت ألاحظ أن بعض الناشرين لديهم كتبا غير مذكورة في الأدلة الخاصة بالمعرض، وحين بدأت بتصفحها أدركت أنها كتب ممنوعة أصلا في العالم العربي ككل، لعل أشهرها كتب عبدالله القصيمي ككتاب "العرب ظاهرة صوتية"، والقصيمي خرج مطرودا من الريتاض ليستقر في مصر ومنها إلى باريس ولينتج عدد كبير من العناوين الممنوعة على المستويين الديني والسياسي، ولأننا أبنا "كل ماهو ممنوع مرغوب" فقد بدأنا بقراءة هذه الكتب بعد شرائها بمبالغ ضخمة، وأظن أنني في زياراتي لمكتبات العديد  من كبار المثقفين، وجدت هذه الكتب على رفوف مكتباتهم الشخصية، غالبا لم تكن تقرأ بقدر ماكان يتم شراؤها لكي تحتل مكان الصدارة في هذه المكتبات,

في عملي في معرض الكتاب بالكويت في فترة الثمانينيات التقيت  بكثيير من الناشرين خاصة لبنان وسوريا ووجدت أن تجارة الكتب الممنوعة هي تجارة رائجة في العالم العربي، وانهم يستطيعون ادخال هذه الكتب من المطارات والموانئ بسهولة ودون مشقة، والسبب في ذلك هي التغيرات السياسية في العالم العربي فما كان ممنوعا أمس قد يكون مرغوبا اليوم، وبالتالي فلاشئ ممنوع دائما ولاشئ متاح دائما.

فعلى سبيل المثال منعت رواية 1984 لجورج أورويل من التداول في الاتحاد السوفيتي عند صدورها في نهاية الأربعينيات، ولكن بعد ثورة البريستوريكا سمح بتداولها عام 1990، وهي رواية تدور حول القمع السياسي في بريطانيا بعد أن تحولت لدولة شيوعية، وربما نتذكر رواية "آيات شيطانية "لسلمان رشدي، فعلى الرغم من منعها تقريبا في كل الدول العربية لتعديها على الإسلام إلا انها ترجمت ويتم تداولها بين ناشري المطبوعات السرية خاصة في معارض الكتب.

لعل أيضا رواية أرخبيل جولاك أو The Gulag Archipelago  للروائي الروسي ألكسندر سولجستين والتي نشرت عام 1973 كانت قد منعت في الاتحاد السوفييتي  بسبب أن غولاك كانت نوعا من المعسكرات التي يتم العمل فيها قسريا في الاتحاد السوفيتي القديم، وبصفة عامة كان سولجستين نفسه معارضا لنظام الحكم السوفيتي، ولأن الرواية كانت تناقض الصورة التي كانت تتمسك بها الحكومة السوفييتية في محاولة منها لإظهار نفسها كمدافعة عن حقوق الإنسان أمام العالم ولكن بعد البريستوريكا تم رفع هذا المنع، بل وقد قررت وزارة التربية الروسية الرواية على طلاب وطالبات المدارس الثانوية.

هذا التاريخ الذي يضم الكثير من العناوين الممنوعة في معارض الكتب يعود ربما للقرن السادس عشر حين بدأت الرقابة على الكتب ومنع ظهورها، بعد اكتشاف مدى تأثيرها وكشفها عن الكثير من بواطن الأمور، وتستمر الرقابة حتى في زمن السوشال ميديا التي كان يظن أن الرقابة على المطبوعات لن تطاله، فهاهي معقل الديمقراطية المدعي تمنع وتمنح من تشاء من إيصال صوته للعالم فيما يحدث في غزة مثلا والتقليد الأمريكي والأوروبي ليس جديدا بل له ظواهر في تاريخ القرون الوسطى حين منعت كتب لأسباب دينية او اجتماعية حتى وليست سياسية، فأزيلت كتب وحرقت، أو تم تغيير فصول بها، أو تم منع أجزاء منها، وهاهو الأمر يتكرر بعد مئات السنوات في غزة، لإذ تمنع تطبيقات الفيسبوك والتيك توك وأكس (تويتر) كثير من المواد التي تعبر عن صوت العرب وغزة في الدعوة لإيقاف الحرب، إنه تاريخ طويل من القمع حدث حتى في معارض الكتب الأوروبية والأمريكية، لذلك لايجب أن يدعي هؤلاء بأنهم يحمون الحرية التي تحولت عندهم إلى كائن مشوه.

أما عن معرض كتاب القاهرة الذي بدأ تاريخيا عام 1969 حين قرر ثروت عكاشة إقامة المعرض وهو بالمناسبة واحد من أفضل وزراء الثقافة في التاريخ المعاصر، فأوعز لسهير القلماوي بالبدء في إقامته سنويا، بدأت حكاياتي مع معرض الكتاب بعد ذلك بأربع سنوات منذ كنت طالبا في السنة الأولى بجامعة القاهرة، حين طلب منا أحد اساتذتنا الحصول على كتب محددة من المعرض، ولأنها كانت كتبا غير مطبوعة في مصر، فقد كان الاتصال بالناشرين في الخارج أمرا في غاية الصعوبة – عالم الإنترنت قلب العالم كله بالفعل رأسا على عقب بعد ذلك- لذلك كان الاتصال بالناشر نفسه أو أحد وكلاؤه في السبعينيات أمرا يشبه المعجزات، ومنذ هذا الوقت تحديدا استطعت الحصول على كل الكتب التي أردتها، خاصة من العراق وسوريا ولبنان والمغرب، ومن هنا أيضا بدأت أعرف أن معارض الكتب أفضل طريق للحصول على كتب من كافة دول العالم سواء كانت كتبا مسموح بها أو ممنوعة، في بلادها بفضل هؤلاء النوعية من الناشرين الذين يضعون القارئ أولا وقبل كل شيء كهدف لتوصيل المعرفة إليه.

خلال السنوات التالية أصبح معرض الكتاب بالنسبة لي الرئة التي أتنفس منها سنويا المعرفة والثقافة، كما أن الندوات التي تقام على هامش المعرض تعد من أهم الحلقات النقاشية التي ثيمكن ان يستفيد بها القارئ والمحاضر معا، لما فيها من اطلالات مختلفة على الفكر العالمي وعرض تجارب القراءة، وبين تجولاتي في كل معارض الكتب العالمية والعربية ومعرض القاهرة للكتاب كقارئ أولا ثم ككاتب أو محاضر غالبا ما أعيش حياتي بين دفتي كتاب.